صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







قرش أبيض ليوم أسود

د.عبدالعزيز بن سعد الدغيثر

 
بسم الله الرحمن الرحيم


٢٠١٥/١٢/٢٦
إن الإسراف والتبذير في الموارد المالية والطبيعية من الأسباب التي تؤدي إلى المشكلات الاقتصادية، لذلك وضع الإسلام قواعد تمنع أي هدر في أي مورد

يعاني كثير من الناس من عدم القدرة على توفير أي مبلغ من الإيرادات التي قد تكون مرتفعة، وتحضرني قصة غريبة لأحد الزملاء في جامعة الملك فهد حين كنت طالباً فيها، فقد شكا بأنه كان يتسلم مكافأة تقارب ألف ريال، وتنتهي قبل نهاية الشهر بأيام، ثم استقطبته شركة أرامكو وصار دخله الشهري يزيد عن 3 آلاف ريال، وما زال ينهي جميع ما في حسابه قبل نهاية الشهر بأيام، ثم تخرج وصار دخله يزيد عن تسعة آلاف ريال، والحال واحدة، فيا ترى ما هو السبب؟

إن الإسراف والتبذير في الموارد المالية والطبيعية من الأسباب التي تؤدي إلى المشكلات الاقتصادية، لذلك وضع الإسلام قواعد تمنع أي هدر في أي مورد، قال تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً}(سورة الفرقان: [الآية:67]. وقال: {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}سورة الأنعام: [الآية: 141] وقال: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}سورة الإسراء: [الآية: 27].

ومن العادات الجديدة على مجتمعاتنا كثرة الذهاب إلى المطاعم الفارهة، والتفاخر بذلك، مع ما فيها من طعام غير صحي، وأسعار باهظة مرهقة لميزانية الأسرة، وقد قال تعالى: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين» الأعراف:31. ويدخل في السرف الإكثار من المطعومات كما ونوعا، وقد ذكر بعض أطباء المسلمين أن الله تعالى جمع الطب في نصف آية وهي قوله: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) (الأعراف :31). وقد روى البخاري في صحيحه معلقا بصيغة الجزم قال قال صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة) رواه النسائي 5/79 وابن ماجة برقم 3605 عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وروى البخاري أيضا بصيغة الجزم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأك اثنتان سرف أو مخيلة». والسرف المذموم في الأكل والشرب نوعان : التخليط والتنويع في الطعام والإكثار منه والسمنة الناتجة عنهما. فأما التخليط والتنويع في الطعام فقد ورد ذمه بصيغ شتى، فمن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من أقوام همهم بطونهم وشهواتهم فيكثرون من التنويع في الأطعمة والأشربة، فقد روى الطبراني وغيره عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام ويشربون ألوان الشراب ويلبسون ألوان الثياب، ويتشدقون في الكلام، فأولئك شرار أمتي). وعن فاطمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم الذين يأكلون ألوان الطعام ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام) (رواه البيهقي في شعب الإيمان وغيره).

وهذا المبدأ الاقتصادي الشرعي شامل لكل مجالات الحياة، وهو من أعظم الإسراف استنزاف المورد المائي وهو من أخطر القضايا البيئية، بل إن الوضوء الذي هو شرط للصلاة نهي فيه عن السرف، فقد قال صلى الله عليه وسلم لأعرابي سأله عن الوضوء، فأراه صلى الله عليه وسلم الوضوء ثلاثاً ثم قال: «هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى أو ظلم» (رواه النسائي في سننه، برقم:140. وروى نحوه أبو داود برقم :135، وصححه الألباني). وورد في حديث فيه مقال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعدٍ وهو يتوضأ:«ما هذا السرف يا سعد؟، فقال أفي الوضوء سرف؟ قال صلى الله عليه وسلم: «نعم، وإن كنت على نهر جار» (رواه الحاكم في الكنى، وابن عساكر، عن الزهري مرسلاً، ينظر: كنز العمال ج9/327).

فإن كان في الوضوء سرف وهو مدخل للعبادة، فكيف بالإسراف بالموارد التي أنعم الله بها على الناس، والأموال التي بها قوام الناس في معايشهم.
ولا شك أن كثيراً من الأسر تعاني من عدم كفاية ما لديهم من موارد مالية، مما يحتم عليهم الحرص على الاقتصاد في المصروفات، وقد ورد أن الاقتصاد في حال الغنى فضلا عن حال الفقر من أسباب النجاة، فقد ثبت في الحديث:« ثلاث منجيات: القصد في الفقر والغنى…» (رواه القضاعي في مسند الشهاب 1/214-215، وحسنه بعض العلماء لشواهده).

وقال ميمون بن مهران:«اقتصادك في المعيشة يلقي عنك نصف المؤونة» (المحدث الفاصل للرامهرمزي(360) ورد مرفوعا ولا يصح وموقوفا ولا بأس بإسناده وينظر كتاب الحث على التجارة للإمام الخلال ص60).

إننا نمر بفترة حرجة تحتاج منا جميعا إلى تدبير ميزانية الأسر، وتدبير موارد ومصروفات الدولة بطريقة فيها بعد نظر للمستقبل، وأخذ في الاعتبار لحاجة الأجيال المقبلة لهذه الموارد، وقد كان في نتائج اللقاء التحاوري والتشاوري حول برنامج التحول الوطني، الذي عقد قبل أيام في فندق الريتزكارلتون، وهذا ما يجلب التفاؤل، وهو ما سيكون حديثنا حوله في المقال المقبل.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.عبدالعزيز الدغيثر
  • بحوث علمية
  • مقالات حديثية
  • مقالات فقهية
  • مقالات لغوية
  • مقالات عقدية
  • مقالات أخرى
  • الصفحة الرئيسية