صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







كيف تكون مشهوراً؟

عبدالله بن أحمد الحويل
@alhaweel


البحثُ عن الشهرة وحب الظهور من طبيعة النفس البشرية

* فالإنسانُ بطبعه محبٌّ للظهور، ويسعى أن يكون محورَ حديثِ الآخرين من حوله

ويخشى خمولَ الذكر، وخفوتَ السمعة
ويكره أن يكون نسياً منسياً ينبتُ على خبره في الملأ العشبُ، وينسجُ على ذكره بين الناس العنكبوتُ

* الرغبةُ في الشهرة مقدَّمةٌ على الرغبة في الثراء لأن الشهرةَ تجلب الثراء.. بينما الثراءُ قد لا يجلب الشهرة

* كيف أكون مشهوراً؟
إنه السؤال الأكثر ترداداً في حنايا الروح، والاستفهام الأبرز حضوراً في خواطر النفس

* لكنني لن أحدثك هنا عن الشهرة الدنيوية التي ذمها الشرع وكرهها الدين

* فهي شهرةٌ زائفةٌ توردك الموارد، وتسوقك للمعاطب، ولا تجني منها سوى الشقاء النفسي، والعذاب الروحي

* وماذا تصنع بشهرةٍ مائنةٍ ثمنها راحة بالك، وضريبتها قلقلةُ روحك، ونهايتها فسادُ دينك ودنياك؟

* ففي دراسةٍ نـــُشرتْ في مجلة (أبحاث الشخصية) الأمريكية عمد الباحثون في جامعة روشستر الأمريكية إلى مراقبة واستطلاع رأي 147 خريجاً جامعياً بعد سنتين على تخرجهم من الجامعة، فوجدوا أن الشهرة والثروة بالنسبة للغالبية بينهم هي مصدر للتعاسة وليس السعادة!!

* إنّ الهوسَ بالشهرة تابوتٌ يدفن النفسيةَ السويةَ للإنسان

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ لَبِسَ ثَوْب شُهْرَة أَلْبَسَهُ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة ثَوْب مَذَلَّة) رواه أحمد وأبو داود

إن هذه الشهرة يجب على المؤمن أن يفر منها فراره من المجذوم ويهرب منها هروبه من الأسد الضاري

فالله يحبُ المتباعدين عنها ( إن الله يحب العبد التقي النقي الخفي) رواه مسلم

* وتأمل في نصيحةِ أولياء الصالحين وتجاربهم مع الشهرة

فقد قال المروذي: قال لي أحمد: قل لعبد الوهاب: أخمل ذكرك، فإني أنا قد بليت بالشهرة

وكان خالد بن معدان إذا عظمتْ حلقته (أي كثر تلاميذه في حلقة التدريس) قام فانصرف، قيل لصفوان: ولِمَّ كان يقوم؟ قال: كان يكره الشهرة.

وهذا سفيان الثوري يقول: (إياك والشهرة؛ فما أتيتُ أحدًا إلا ونهاني عن الشهرة)

وأما أَيُّوْبُ السختياني فيقول : مَا صَدَقَ عَبْدٌ قَطُّ، فَأَحَبَّ الشُّهرَةَ.

وتأملْ طويلاً وصيةَ بشر بن الحارث الذي يقول : مَا اتَّقَى اللهَ مَنْ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ.
وقال أيضاً: إذا عُرفتَ في موضعٍ فاهرب منه

* لكن هناك شهرةٌ محمودةٌ تؤجرُ على تطلابها، وتغنمُ عند تحصيلها

شهرةٌ لا مغرمَ فيها ولا مأثم

شهرةٌ تنال بها السعادة في الدنيا والشرف في الآخرة

شهرةٌ لا تكون إلا للقليلِ من الناس، ولا يظفر بها إلا الندرةُ من الخلقِ

* إنها الشهرةُ في السماء!!
وما أعظمها من شهرة..
وما أبهجها من معرفة..
وما أكرمها من ذكر..
وما أشرفها من كرامة

* ‏الشهرةُ الحقيقية ياموفق هي التي تكون في السماء، ومن أعظم أسبابها كثرة ذكر الله، قال الله في الحديث القدسي (إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأٍ خير منهم)متفق عليه

* فإن لم تكن ذاكراً بنفسك فكن مستمعاً للذكر فبغشيان مجالس الذكر تحظى كذلك بالشهرة التي لا تضارعها شهرة

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) رواه مسلم

* هل تعي معنى (أن يذكرك) جبارُ السمواتِ والأرض في ملأ السماء؟

هل تدرك حقيقة أن (يباهي) العظيمُ جلّ جلاله بك ملائكته الكرام؟

هل تعقل حجم الشرف الذي يحتف بك عندما تكونُ (مشهوراً) في السماء؟

إنه ذلك الفضلُ الذي لا يصفه لفظٌ، ولا يعبر عن شكره الحق إلا سجود القلب

* «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ»
يقول أحد العارفين :
(يا للتفضل الجليل الودود! الله. جل جلاله. يجعل ذكره لهؤلاء العبيد مكافئاً لذكرهم له في عالمهم الصغير..
إن العبيد حين يذكرون ربهم يذكرونه في هذه الأرض الصغيرة.. وهم أصغر من أرضهم الصغيرة! والله حين يذكرهم يذكرهم في هذا الكون الكبير.. وهو الله.. العلي الكبير.. أي تفضل! وأي كرم! وأي فيض في السماحة والجود!)

* هذه الشهرةُ التي تستحق منا السعي في اكتسابها، والتنافس لتحصيلها
وبابها الواسع المفضي إلى بستان مكارمها =الإكثارُ من ذكر الله

* فقط حرّكْ لسانك بحضور قلبٍ ذاكراً لله ثم استحضر أن الله في هذه اللحظة يذكرك ويباهي بك الملائكة.. عندها ستشاركك الدموعُ فرحتك

فأي فرحٍ يستدر الدمع أعظمُ من الفرحِ بذكرِ الله لك باسمك

* سيكون حالك كحال أبيّ رضي الله عنه الذي قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له : ( إنَّ اللهَ أمَرَني أن أقرَأَ عليك : ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) .
قال : وسمَّاني؟(أي خصني بالاسم)
قال : ( نعمْ ) . فبَكى رضي الله عنه .) متفق عليه

*إذا صرتَ مشهوراً في السماء =نمْ فالمخاوفُ كلهن أمان
إذا صرتَ مشهوراً في السماء = اهنأ فالهمومُ كلهن فرحٌ
إذا صرتَ مشهوراً في السماء = اطمئن فالكروبُ كلهن فرجٌ
إذا صرتَ مشهوراً في السماء= أبشر فالعسرُ كله يسرٌ


 * يقول الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله :
( إنّ العبد إذا تعرف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء عرفه في الشده وقد جاء أثر معناه أن العبد المطيع الذاكر لله تعالى إذا أصابته شدة أو سأل الله تعالى حاجة قالت الملائكة : يا رب صوتٌ معروف من عبد معروف
والغافل المعرض عن الله عز و جل إذا دعاه وسأله قالت الملائكة : يا رب صوتٌ منكر من عبد منكر)

* ثمن هذه الشهرة=الذكر
والذكرُ من أيسر العبادات، وأخف الطاعات، لكن ثمرته من أعظم الثمرات وحسبك بأن تكون معروفاً عند أهل السماء مشهوراً بينهم لأن الله يذكرك كما ذكرته (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)

* ساعاتٌ كثيرة مهدرةٌ في الضحك والقيل والقال لو كانتْ بتسبيحٍ، أو تهليلٍ لحصلنا على الشهرةِ في السماء وحسبك بها شهرة

* لحظاتٌ كثيرة تضيع علينا في تنقلاتنا بالسيارة، وعند الوقوف أمام الإشارات، أوالانتظار في الدوائر الحكومية و المستشفيات لو استثمرناها بتحميدٍ أو تهليلٍ أو تلاوةٍ للقرآن لكنا مشاهيرَ في السماء وحسبك بذلك شرف

* والخلاصةُ أيها الموفق :

أمران ندرك بهما الشهرةَ في السماء :
1_كثرةُ ذكر الله عند الأهل والأقارب والأصدقاء
2_حضورُ مجالس الذكر

* ختاماً ياسادة :
كم من مشهورٍ في الأرض مجهول في السماء

وكم من مجهولٍ في الأرض معروف في السماء

عبدالله بن أحمد الحويل
1436/6/17
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبدالله الحويل
  • مقالات
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية