صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







بدء الدراسة والهوية الإسلامية

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمدلله الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم أحمده سبحانه وأشكره على ماتفضل به علينا وأنعم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له جعل مصير العبد الطائع المتقي جناناً فيها يتنعم وجعل مصير العاصي المعرض عن دينه نيراناً فيها يتألم،وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله اصطفاه الله على الناس أجمعين بالرسالة والفضل فانعم،فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما درس جاهل فتعلم وما دل على طريق الهدى مسلم وعلم وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد فعليكم معاشر الأحبة بمفتاح الفهم والعلم ألا وهو تقوى الله أخبر بذلك ربكم وخالقكم حيث قال : {..وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(1).
أمة العلم والتعلم غداً يبدأ العام الدراسي الجديد وأحب من هذا المكان أن أبارك للمدرسين والمدرسات والطلاب هذه البداية سائلاً المولى أن يجعله عاماً دراسياً ناجحاً مليئاً بالتوفيق والسداد، قد يقول قائل:على أي شيء يهنئ هذا ويبارك وقد كنا في راحة ودعة وفسحة وانقلبنا إلى جد وعمل وضيق؟.فأقول:إن مثل هذه المقولة هي علامة بارزة من علامات ضياع الهوية الإسلامية؛فأمتنا أمة عمل وجد ودعوة وجهاد ؛ فهذا حبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم منذ أن خاطبه ربه بقوله:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(1)قُمْ فَأَنذِرْ}(2).
ما جلس وما استكان كان في عبودية ودعوة وجهاد حتى مكن الله لدينه في الأرض وحتى لقي الله،وأنتم. نعم أنتم يا أمة الإسلام حمُلِّتم الأمانة من بعده خاطبكم ربكم بقوله:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} بماذا بالنوم بالكسل باللعب بالفراغ؟.لا.واسمعوها من رب العالمين {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ..}(3).
نعم هذه هي هويتنا ومصدر عزنا إيمان راسخ لايتزلزل مهما أجلب علينا الأعداء بمكرهم وشهواتهم وزينوا الباطل لنا،وعلم رصين يتصدى للشبهات والأباطيل،ودعوة إلى الله على بصيرة وفق منهج الوسطية،يوم أن ضيَّع أفراد الأمة هويتهم وذهبوا يتخبطون في دياجير ظلمة الحضارة المعاصرة بحثاً عن هوية،ظهرت نسخة مشوهة من الحضارة الغربية بين شباب بلاد الإسلام،حيث ظهر من يقلدهم في لباسهم وأكلهم وشربهم وقصات شعورهم ،بل وحتى في سعيهم البهيمي في إشباع شهواتهم،وظهر من فتيات الإسلام كذلك من تعرت وتفسخت وتركت حجابها وظهرت على شاشات الفضائيات والقنوات مغنية أو راقصة أو مقدمة، والأدهى من ذلك والأمر أن هناك من بني جلدتنا وممن يتكلمون بألستنا يسعون باسم الثقافة والتقدم إلى مزيد من طمس الهوية الإسلامية؛فيسعون لكشف المحجبة،وإفساد المؤدبة،وإخراج المكنونة المستترة ،فالله أكبر ما أصدق نبوءتك يارسول الله يوم أن حذرتنا من هؤلاء وأمثالهم؛أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أَبُي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ (نَعَمْ) قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ (نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ) قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ (قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ) قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ (نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا) قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ (هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا)..(4). وقد حذرنا الله من تلك الفئة المجرمة بحق دينها وأمتها فقال جل من قائل كريم:{وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا}(5).
أتدرون ما هي ثمرة هجر العلم والزهد فيه والركون للراحة والدعة والشهوات؟.إنه حال الذل والفقر الذي تعيشه الأمة اليوم؛فكم من دولة إسلامية قام فيها ناعقون ينادون بإخراج المرأة وحريتها وبتباع الشهوات في ظل ضعف انتشار العلم الشرعي،فصدَّق من صدَّق مقولتهم وخرجت المرأة فماذا كانت النتيجة؟. وأي تقدم حققته تلك الدول؟.كانت في سعة رزق وغنى يوم أن كنا نحن في فقر، فللعاقل أن يقارن كيف أصبحنا بفضل الله ثم بتمسكنا بديننا وأخلاقنا وحجاب نسائنا ونشر العلم الشرعي وكيف تدهورت حالتهم الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، فهل نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟.
 ثمرة ذلك تسلط أعدائنا على بلادنا الإسلامية وثرواتها وإفسادهم فيها فهذه أنهار الدماء تسيل يومياً في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها الشهداء بالعشرات،وعالم ودول القيم التي يدعونا دعاة الشهوات أن نقلدهم ويتغنون بما عندهم يعقدون مع السفاحين الاتفاقيات،تلك الدول التي تبكي على كل قتلى العالم إلا على قتلى المسلمين،تبكي قتل الهرة والكلب ولا تهزها أشلاء الضحايا من الأطفال والأبرياء في فلسطين وغيرها. ثمرة ضياع الهوية الإسلامية اتخاذ شباب من أمة الإسلام هوية لهم ظنوا أنها هي الهوية النقية فكفَّروا وقتلوا وفجَّروا في بلاد الإسلام والمسلمين!.
فوالله،ثم والله،ثم والله ما تأخرت الأمة إلا يوم أن قُدِّمت الشهوات وأُخِّرت العبادات والعلوم النافعات،ولا عز لهذه الأمة إلا بالعودة لهويتها،فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يوم أن كان يحمل هوية واضحة دخل على النمرود في ملكه جادله وبهته { قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(6). وهذا موسى عليه الصلاة والسلام يتحدى فرعون ويعلن هويته: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا}(7).وهذا ربعي بن عامر يدخل على رستم قائد الفرس في نمارقه وزخرفه بثوب صفيق ورمح قصير لكن بقلب ملؤه الهوية الإسلامية والاستعلاء الإيماني،فيمزق تلك النمارق برمحه ويقف أمام رستم شامخاً ليعلن هويته:(جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا لسعة الآخرة).
يا أمة الإسلام..يا أمة الإسلام..يا أمة الإسلام هل من عودة لهوينا لإسلامية الناصعة؟. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {...فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى(123)وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا(125)قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}(8).

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له المنزه عن الأعوان والشركاء،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطها رالحنفاء.
أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا بأن تأصيل الهوية الإسلامية في قلوب أبنائنا وبناتنا الطلاب والطالبات واجب شرعي وطريق لعزة الأمة،وإني أناشد المدرسين والمدرسات من هذا المكان المبارك،وفي هذا اليوم المبارك،فأقول لهم:اتقوا الله فيما حملتكم الأمة من أمانة،فقد وضعت الأمة بين أيديكم أغلى ما تملك عقول أبنائها،فأنتم الذين ترسمون مستقبل الأمة من خلال ما تودعونه في تلك العقول من معلومات وقناعات،لاشك أن هناك مؤثرات أخرى كبيرة وهذا مما يضاعف المسؤولية عليكم بحيث تنظفوا وتزيلوا من عقول الطلاب ما علق بها من رجس وأفكار منحرفة تضر بالدين أو بأمن البلاد،وتضعون في مقابلها أساسيات الشخصية الإسلامية المميزة،وبقدر ما تبذلون في سبيل هذه المهمة الشاقة وبقدر ما تجحون ، بقدر ما تسهمون في عز دينكم وأمتكم، وبلادكم،وبقدر ما تجنون غداً في يوم القيامة العظيم من حسنات يضاعفها لكم الكريم جل جلاله واجعلوا نصب أعينكم قول الحبيب صلى الله عليه وسلم :((مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ))(9).


-------------
(1)  البقرة: 282.(2) المدثر: 2.(3) آل عمران: 110.(4)البخاري،المناقب،ح(3338).(5) النساء: 27.(6) البقرة: 258.(7) الإسراء: 102.(8) طـه:123-126.(9)مسلم،العلم،ح(4830).
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية