صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تساؤلات حول الكسب الحرام

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


اللهم لك الحمد خلقتنا من عدم وكبرتنا من صغر وقويتنا من ضعف وبصرتنا من عمى وأسمعتنا من صمم وأمنتنا من خوف وأعززتنا من ذل وكسيتنا من عري وعلمتنا من جهل وأغنيتنا من فقر وهديتنا من ضلالة.لك الحمد بالإيمان ولك الحمد بالقرآن لك الحمد بالأهل والمال والمعافاة كبت عدونا وأظهرت أمننا ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا فلك الحمد ربي حتى ترضى ولك الحمد على حمدنا إياك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد:فاتقوا الله عباد الله تجنوا ثمرات التقوى فقد قال ربكم جل في علاه:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا()وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}([1]) .
معاشر من آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ   صلى الله عليه وسلم  نبياً ورسولاً بعد خطبة الجمعة الماضية عن الكسب الحرام طرأ لدى بعض الإخوة تساؤلات ومن بين تلك التساؤلات قال بعضهم لما ركز الشيخ على البائعين وترك بقية شرائح المجتمع فأين هو من المشترين لتلك السلع والخدمات المحرمة؟ أين هو من أصحاب العقارات الذين يؤجرون عقاراتهم على من يمارسون تلك الأنشطة المحرمة ؟  فأقول هم إن تلكم الخطبة كانت عن الكسب الحرام على جهة العموم وما ذكر فيها كان على سبيل المثال ؛ فلاشك أن من يدعم تلك المكاسب المحرمة له نصيبه من الإثم ويكون بعمله ذلك قد خالف أمر جبار السموات والأرض يوم أن قال : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(2).ولا شك في أن التعامل مع أصحاب الأنشطة المحرمة تعاون على الإثم والعدوان ؛ فلكم أن تتصوروا لو أن أحداً لم يؤجرهم مكاناً يزاولون فيه هذه الأنشطة وأحداً لم يشتري منهم أكان لتلك الأنشطة وجود بيننا؟ معاشر المؤمنين لقد وصفكم ربكم بوصف ميزكم فيه عن المنافقين بقوله : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(3).وتأملوا أيها المؤمنون هذه الصفات التي وصفكم بها ربكم والتي من بينها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهل من ساعد تلك المكاسب المحرمة أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ؟ ومن تلك الصفات أنكم تطيعون الله فهل من اشتغل بتلك المكاسب الخبيثة أو ساعد عليها أطاع الله أم عصاه ؟ ثم استمعوا يامن تفرون من النفاق فراركم من الأسد بل أشد إلى الأوصاف التي وصف الله بها المنافقون حيث قال : {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}(4).ومن تلك التساؤلات من تساءل أيريدنا الشيخ أن نترك مصدر رزقنا فكيف نعيش ؟ وأذَّكره هنا بقول العليم الخبير : {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(5).وصدق ربنا جل جلاله في علاه فإن أكثر من سلك طرق الكسب الحرام والفاحش إنما هو بسبب تخويف الشيطان له بالفقر، والسؤال أنثق بتخويف عدونا لنا وهو الذي لا يملك لنفسه فضلاً عن أن يملك للناس ولا نثق بوعد من بيده خزائن السموات والأرض يوم أن قال : {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا()وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}.نقول لمثل هذا الأخ الكريم هل اطلعت على اللوح المحفوظ وعلمت أنه لا يأتيك الرزق إلا من هذا الكسب المحرم؟ أما علمت بأن أبواب الرزق واسعة؟ أما علمت أن رزقك قد كتب لك وأنت في بطن أمك ولكن أنت الذي تأخذه من حل أم من حرام ؟ وإليك أخي أهدي هذه القصة:يذكر أن رجلاً من السلف ذهب يوماً للمسجد في غير وقت الصلاة فلما وصل للمسجد وجد بجوار المسجد رجلاً فقال له: احفظ لي دابتي حتى أخرج، ونوى في نفسه أن يعطيه درهمين مقابل هذا العمل، فلما قضى أمره وخرج وجد أن الرجل الذي أتمنه على تلك الدابة قد سرق لجامها وهرب به ، فأخذ دابته وعاد بها إلى البيت وأرسل غلامه إلى السوق بدرهمين ليشتري له لجاماً للدابة، فلما عاد الغلام باللجام نظر ذلك الرجل إلى اللجام الذي اشتراه الغلام فإذا هو نفس لجام دابته، فقال:لا إله إلا الله كتبت له فأخذها من حرام بدلاً من أن يأخذها من حلال! ولكل من يخوفه الشيطان الفقر إن هو ترك المكاسب الخبيثة أقول له:من الذي رزقك يوم أن كنت نطفة حقيرة في بطن أمك؟ من الذي رزقك يوم أن كنت علقة؟ من الذي رزقك يوم أن كنت عظاماً؟ من الذي رزقك يوم أن خرجت لهذه الدنيا لا تملك حتى اللفافة التي لففت بها؟ أليس هو الله الرزاق الكريم؟ بلى والله. فهل قدمت له وأنت تتقلب في تلك الأحوال قربى، أركعت له ركعة،أسجدت له سجدة؟ أسبحته وقدسته؟ أتظن أن الذي رزقك من قبل أن تركع وتسجد له وتسبحه وتقدسه ينساك بعد أن أصبحت عبداً مؤمناً لربك مطيعاً؟ حاشاه سبحانه وهناك بعض الناس من يبرر لنفسه بقوله السوق يريد هذا ، كل الناس يفعلون ما أفعل ولست الوحيد بينهم ، فأقول له أخي الحبيب احذر فلو رأيت الناس يرمون أنفسهم في نار مشتعلة أكنت رامياً نفسك؟ فما بالك بنارٍ وقودها الناس والحجارة؟ أقول له:يوم القيامة لن تسأل عما فعل الناس ولن يكون فعل الناس لك حجة وإنما تسأل عن نفسك {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}(12).فماذا أنت فاعل حينئذ؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ()إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}(7).    

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد فاتقوا الله عباد الله وطيبوا كسبكم تقبل أعمالكم، واعلموا رحمني الله وإياكم أن من المداخل الخطرة للشيطان على الناس في قضية الكسب الحرام أن الشيطان يحصرها له في أنها مجرد ذنب يمكن أن يتوب منه والله تواب رحيم؛ وأنه يمكن أن يطهر ذلك الكسب بالصدقة منه؛ فأقول لمن عرضة له مثل هذه الفكرة أن الكسب الحرام لا تطهره الصدقة ولو تصدق الرجل بجميع كسبه لما أخرجه مسلم عنه   صلى الله عليه وسلم   أنه قال: ((أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا))(6).وبالتالي فإن كل نفقة تنفقها من ذلك الكسب الحرام تبتغي بها الأجر لن تقبل منك فالكسب الحرام يؤثر على الحج لأن به نفقات كما يؤثر على الصدقة والزكاة، ويؤثر حتى على الصلاة من خلال الثياب التي تلبسها في الصلاة أو المكان الذي تصلي فيه ومن أراد مزيد تفصيل في ذلك فليرجع إلى كلام الفقهاء في الصلاة في الثياب المغصوبة والديار المغصوبة،والكسب الحرام يؤثر على طريق الإعانة الوحيد للعبد على أمور الدنيا والدين ألا وهو الدعاء أخرج الإمام مسلم عن الحبيب المصطفى   صلى الله عليه وسلم  أنه : ((ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ))(8).فيا عبد الله أسرك أن تدعو فلا يستجاب لك؟ هل تأمل كل من أبطأت عليه الإجابة في كسبه وما داخله قبل أن يشتكي تأخر الإجابة ؟ الكسب الحرام ياعباد الله عاقبته المحق ولو بعد حين تكفل بمحقه قيوم السموات والأرض يوم أن قال: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}(9). وأشد من ذلك وأنكى الهلاك في الآخرة فقد أخرج الإمامان الترمذي وأحمد وغيرهما في وصية في وصية المصطفى    صلى الله عليه وسلم  لكعب بن عجرة التي جاء فيها : ((ٌ يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ النَّاسُ غَادِيَانِ فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا))(10).فهل نظرنا في أنفسنا كم من اللحم الذي نحمله في أجسادنا نبت من سحت؟ كم من اللحوم في أجساد زوجاتنا وأبنائنا نبتت من سحت؟ أنرضى أن تكون تلك اللحوم في النار؟ فالبدار البدار أحبتي لمن وقع منا في شئ من تلك المكاسب المحرمة أن يتوب إلى الله وينخلع منها قبل غرغرة الموت فإن ربكم رؤوف رحيم وهاهو يناديكم فاسمعوا وأجيبوا:{قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(11).

-------------------------
([1]) الطلاق:2،3.(2)المائدة:2.(3)التوبة:71.(4)التوبة:67.(5)البقرة:268.(6)مسلم،الزكاة،ح1686.(7)البقرة:168-169(8)نفس.هـ(6).(9)البقرة:276.(10)الإمام أحمد،ح13919.(11)الزمر:53.(12)المدثر:38.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية