صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أعني على ذكرك وشكرك

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمد لله تفرد بالأسماء الحسنى والصفات العلا فسبحانه من إله،لا مدبر للكون عداه،ولا معين للعبد سواه ، أحمده سبحانه وأشكره على ما أجزل لنا من النعم والعطايا وأسداه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الخلق كلهم مفتقرون إلى هداه ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.أمابعد:فاتقوا لله عباد الله تفوزوا بجنة ربكم يقول العظيم الكريم سبحانه:{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِين }(1) .
معاشر المؤمنين مرض يصيب الناس عادة بعد رمضان لا يتنبه له إلا أصحاب القلوب الحية ، مرض تلمس آثاره في المجتمع ؛ حيث يرى الفرد منا أماكن اللهو التي كانت مهجورة مقفرة طوال شهر رمضان عادة إليها الحياة بفورة عجيبة وأقبل الناس عليها زرافات ووحداناً وكأنه موسم حج إليها ، وإذا بالناس ما كأنهم أولئك الركع السجد في رمضان ؛ فالأعراض مبتذلة ، والنساء متبرجة متفلتة ، والميوعة في الشباب ظاهرة ، والأغنيات والموسيقى صادحة ، والجموع غافلة، والصلوات مضيعة ، والمحرمات منتهكة ، وتلمس آثار ذلك المرض في بيت الله في المسجد؛ فبعد أن كان يضيق بالمصلين في الأوقات الخمس وفي صلاة الفجر على جهة الخصوص، بعد أن كان المؤمنون يضيئون جنباته بالركعات والسجدات والتكبيرات وختم الختمات، عاد المسجد إلى رواده القدامى ثلة من أهل الحي قليلة ؛ كأنه حلم انقضى ، أو سراب تقشع، فسبحان الله ثم سبحان الله ثم سبحان الله ، اتهجر المساجد بتغير الزمان ؟ أيهجر القرآن بتغير الزمان ؟ أتترك صلوات الجماعة بتغير الزمان ؟ سؤال ليسأله كل امرئ مسلم نفسه ، ويلمس المرء آثار ذلك المرض في نفسه ؛فما عاد عنده ذلك النشاط في العبادة ، وما عادت عنده تلك الهمة؛ فأقول لمن لمس آثار ذلك المرض من أصحاب القلوب الحية هنيئاً لكم حياة قلوبكم ، فكم من الناس غيركم لم يشعروا بذلك التغيير ، أقول لهم لا تقلقوا كثيراً فهذه هي طبيعة النفس البشرية فقد كانت الأجواء في رمضان مهيئة من حيث إجازات الأعمال والدراسة ومن حيث قيام الليل جماعة بالمسجد ، وتصفيد الشياطين ونحوها ، وقد شعر بما شعرتم به من قبل حنظلة بن الربيع الأَسيدي رضي الله عنه وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيما أخرجه الإمام مسلم عنه أنه قال:لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((وَمَا ذَاكَ )) قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ))(2) .
ولكن لا يعني ذلك ترك الحبل للنفس على الغارب تعصي ربها وتقصر في طاعة مولاها وإنما نستعين بالله عليها ، أوصى بذلك خير الورى صلوات ربي وسلامه عليه معاذاً والأمة من بعده يوم أن قال له : ((إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ)) فَقال معاذ وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ((فَلَا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ))(3) .نعم فإذا لم يعنك الله على ذكره وشكره فمن ذا الذي يعينك وهو القائل سبحانه في الحديث القدسي : ((يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ..))(4) .أقول أحبتي أنه لا بد من مجاهدة هذه النفس حتى تستقيم على طاعة الله وهذه المجاهدة إذا بدأت بشك يسير في هذا الشهر فهي يسيرة ذلك أن النفس قد ألفت في رمضان الطاعة والصيام والقيام ، وأنقل لكل من سعى وبذل جهده في مجاهدة نفسه بشرى ووعد ممن لا يخلف الميعاد بأنه سيسدده ويعينه ويهديه واستمعوا لتلك البشرى التي خلدها لنا ربنا وحبيبنا جل جلاله في آيات تتلى إلى يوم القيامة يوم أن قال:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(5).أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}(6) .

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واستمعوا لوصية ربكم يوم أن قال : {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا..}(7) . إني أنادي كل من أسرف على نفسه في الذنوب والخطايا في أيام العيد أقول له ارجع أخي إلى ربك الذي عبدته في رمضان ، أرجع أخي فإن نور الصيام والقيام والصدقة والقرآن في قلبك لم يطمسه بعد ران المعاصي التي ارتكبتها في العيد ، ارجع أخي قبل أن يتتابع ران الذنوب على قلبك فلا تستطيع الرجوع ، ارجع وأكثر من قول (رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) ؛ أيسرك أن تموت وأنت على هذه الحال من التفريط وترك الصلوات والعصيان؟ أيسرك أن تلقى الله وأنت على هذه الحال ؟ أقول لكم أحبتي جميعاً لنضع لأنفسنا برنامجاً نسير عليه ، فلو ألزم كل واحد منا نفسه بأن يقرأ ورقتان من المصحف مع كل صلاة فإن لم يستطع قراءتها بين الأذان والإقامة قرأها بعد الصلاة وهي لا تأخذ أكثر من خمس دقائق لختم في كل يوم جزءاً ، ولختم في كل شهر ختمة ، ولو ألزم كل منا نفسه بثلاث ركعات قبل النوم لكان آخر عهده من الدنيا الصلاة ونام متوضئا وكتب من القائمين ، وهكذا أيها الأحبة في الله في بقية الأعمال فإن أحب الأعمال إلى ربكم أدومها وإن قل ، ولاننسى جميعاً تلك الوصية الخالدة من رسولنا صلى الله عليه وسلم ولنكثر من تردادها (رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ).


-------------
(1) النحل:31.(2)مسلم،التوبة،ح(4937).(3)النسائي،السهو،ح(1286).(4)مسلم،البروالصلة..،ح(4674). (5) العنكبوت :69.(6)فصلت:46.(7)النحل:92.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية