صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







يوميات مسلم (27) نية الخروج من المنزل

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمدلله خالق البشرية،تفرد جل في علاه بالوحدانية،أحمد سبحانه وأشكره عظَّم من شأن النية،وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له في الأسماء والصفات ولا في الربوبية والألوهية،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله مزلزل كيان الوثنية والداعي إلى أخلاص النية صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله:{...وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا()وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً }(الطلاق:3).معاشر المؤمنين عشنا في الحلقات الماضيات من لحظة الاستيقاظ الصباحية وحتى الخروج من المنزل ضمن سلسلة يوميات مسلم واليوم نبقى مع قضية مهمة تستطيع أخي أن تحول بها العادات إلى عبادات وتكسب بها الكثير الكثير من الحسنات،دون أن تبذل الكثير من الجهد أو المال!.أخي الحبيب لو قيل لك أنك تستطيع أن تحول كسب ريال واحد إلى عشرة ريالات بكلمة واحدة لا تعارض الشرع هل تقصَّر في استخدام تلك الكلمة لتعظَّم من أرباحك أم أنك تقدم عليها بلا تردد؟.لا شك إنه الإقبال نحوها.ونحن أحبتي خاطبنا الله جل في علاه خطاباً عظيماً لمن فقهه وحق لجميع المسلمين أن يفقهوه فقال:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }(الذاريات:56).أي أن الله لا يقبل من أعمالنا إلا العبادة الخالصة له ولما علم سبحانه وتعالى ضعفنا وعجزنا وأن الواحد منا لا يستطيع أن يكون صائماً طوال عمره ولا قائماً طوال عمره ولا تالياً للقرآن طوال عمره؛إذ لا بد للإنسان من أن يأكل وأن يشرب وأن ينام وأن يقضي حاجته ويشبع غريزته وأن يسعى في طلب عيشه وعيش أولاده وغير ذلك ما تتطلبه الطبيعة البشرية التي فطر الله الناس عليها،شرع لنا الكريم بكرمه ما نحوِّل به العادات التي لا بد لنا منها في حياتنا البشرية إلى عبادات نؤجر عليها أجراً عظيماً،وذلك من خلال النية!.فالله أكبر ما أعظم رحمة الله بك أخي المؤمن وبي وبأمة الإسلام أجمعين نأكل ونشرب وننكح ونلعب وننام وتحسب لنا عبادة !.وقد يقول قائل ما هو دليلك على ذلك؟. فأقول له ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ قَالَ:(أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا )(مسلم،الزكاة،ح(1674)). فأنت أخي الحبيب إذا نويت بأكلك التقوي على طاعة الله كتب لك بأكلتك تلك أجرا، وإذا شربت ماء أو عصيراً أوكوباً من الشاي أو غيرها من المشروبات المباحةونويت بها التقوي على طاعة الله كتب لك بها أجرا، وإذا لهوت ولعبت بما هو مباح لتروِّح عن نفسك حتى تعود أقوى على طاعة الله كان لك بذلك أجرا، وإذا وضعت رأسك على الوسادة تنوي التقوي على طاعة الله والاستيقاظ لصلاة الفجر كان لك بذلك أجرا ،أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قوله في حاله مع القرآن:" أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنْ النَّوْمِ فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي"(البخاري،المغازي،ح(3996)).وإذا لا عبت أولادك وزوجتك بقصد إدخال السرور على قلوبهم كان لك بذلك أجراً .أخرج الإمام الترمذي في سننه بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(إِنَّ اللَّهَ لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةً الْجَنَّةَ صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَالرَّامِيَ بِهِ وَالْمُمِدَّ بِهِ وَقَالَ ارْمُوا وَارْكَبُوا وَلَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلَاعَبَتَهُ أَهْلَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ )(الترمذي،فضائل الجهاد،ح(1561)[حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]).فانظروا أحبتي إلى صانع السهم خرج من بيته وصنع السهم ولكنه قصد بتلك الصناعة تقوية المسلمين وصد الأذى عنهم فدخل الجنة بذلك السهم،فكيف حينما تكثر تلك السهام التي صنعها وتكون سبب نكاية في العدو وهزيمة له، وأيُّ درجة في الجنة يصل لها؟.أخي الحبيب نيتك عند خروجك من بيتك سواء للعمل أو الدراسة لها أثر كبير في توفيقك وفي تحويل يومك كله إلى عبادة؛فانظر كيف يكون يومك إن خرجت وقصدك أن تيسر على المسلمين أمورهم وأن تقضي حوائجهم،كيف يكون يومك أخي المدرس وأنتي أختي المدرسة إذا كان الهدف من خروجك هو تعليم أبناء وبنات المسلمين الخير وحثهم على الاستقامة على دين الله،انظر كيف يكون يومك أنت أخي التاجر يوم أن تخرج وأنت تنوي أن تجلب للناس من السلع المباحة ما يتقوون به على طاعة الله وأن ترخص لهم الأسعار لِيَطْعَمَ الفقير والأرملة واليتيم،كيف يكون يومك أخي الصانع يوم أن تخرج وقصدك أن تعمل ما يقوي المسلمين كيف يكون يومك أخي الطالب يوم أن تخرج بقصد أن تتعلم لتكون سبباً في قوة الأمة وعزها وإنقاذها مما هي فيه من ذل وتخلف وهوان كيف يكون يومك أنت أخي الطبيب يوم أن تخرج وتكون نيتك أن تسعى لوقاية وعلاج المسلمين ليعودوا أقوياء أصحاء يستطيعون عبادة ربهم والسعي في عز أمتهم،وهكذا أيها الأحبة في الله لكل خارج من بيته نية حسنة،وإذا أتته منيته وحان أجله وهو على تلك الحال كتب الله له استمرارَ تلك النية إلى قيام الساعة،وهنا قد تقول المرأة التي لا تخرج من المنزل أين أنا من مثل هذا الأجر العظيم؟.فأقول لها إن بإمكانك أن تكسبي أجراً يوازي أجرهم جميعاً من خلال قيامك بإعداد البيت المريح والطعام فتكوني عوناً لهم حتى يقدموا للأمة ما يقدموا ،وأكثر من ذلك دورك وأنت تودعيهم حال الخروج من المنزل فتذكريهم بتصحيح النية قبل الخروج.أحبتي في الله لنتذكر جميعاً قول نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم :(إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ )(البخاري،بدء الوحي،ح(1)).

الخطبة الثانية
الحمدلله وكفى يجزي أهل الوفاء بالتمام والوفاء وسلام على عباده الذين اصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له يرتجى ولا ند له يبتغى وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله النبي المجتبى والحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن السعادة والتوفيق مرهونة بإخلاص العمل لله،وكم من الناس عياذاً بالله يحرم التوفيق للنية الصالحة حال خروجه من بيته فهو يخرج كما يخرج الناس ويعمل أو يدرس كما يعمل أو يدرس الناس همه المرتب في نهاية الشهر أو الشهادة في نهاية العام،فنقول له إن المرتب مضمون بإذن الله والشهادة كذلك لكن هل عملت على أن تُضيف لذلك رضوان من الله ودرجات في الجنان؟.بل هناك من يحرم النية الصالحة حتى في أكله وشربه ونومه فتضيع عليه فرص عديدة لكسب حسنات كثيرة.والأشد خسارة عياذاً بالله من يخرج من المنزل وهو يحمل نية خبيثة كالانتقام من فلان أو تعطيل مصالح المسلمين حتى يتوسط عنده الناس ويكون ذا شأن عندهم أو من كان همه طاعة المدير أو المسؤول وتحقيق رغابته ولو تعارضت مع شرع الله،وهكذا ..فنقول لهؤلاء أحبتنا نرجوكم نناديكم أن ترجعوا فأنتم على خطر وبهذا ستخسرون دنياكم وأخراكم،فستسخط عليكم الناس ويسخط عليكم عياذاً بالله رب الناس،فهذا المنصب أو تلك الوظيفة ليست دائمة فاستغلها لتكسب بها جنة عرضها السموات والأرض،ثم من الذي أوصلك لتلك المكانة أليس هو الله؟.فإن من حق الله عليك شكرتلك النعمة وتسخيرها في مرضات الله.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية