اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/aljefri/259.htm?print_it=1

الحكمة في استخدام الأسماء والعناوين
joma523)30/2/1432هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله تفرد بالبقاء وكتب على ما سواه الفناء، أحمده جل شأنه وأشكره يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له في الحكم والقضاء ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله خير الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأبرار الأتقياء.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله تفوزوا بجنة عرضه السموات والأرض وعدكم بذلكم ربكم جل في علاه بقوله:((جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا()لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا))(مريم:61-62).ما سبب فشل قادة في كسب قلوب أتباعهم أو شعوبهم؟.وما سبب نجاح آخرين؟.إن السبب الرئيس في نجاح أي قيادة وعلى أي مستوى في المجتمع هو وجود تلاحم وتماسك بين القائد وأتباعه،فما العامل الرئيس في صناعة ذلك التلاحم؟.إنه مشاركة القائد لأتباعه في همومهم وأفراحهم وأتراحهم،فهل نتصور وجود تلاحم بين قائد يبكي من ألم البطنة وكثرة الطعام والترف وأتباع يبكون من ألم الجوع؟.فالأب الذي يشارك أسرته في مشاعرهم وهمومهم وأفراحهم يكون محبوباً أكثر من أفراد أسرته وبالتالي فإنه على قيادتهم أقدر،وهكذا الرئيس في العمل،والأمير في الإمارة،والوزير في الوزارة وحتى الإمامة العظمى،وخير من قدم نموذجاً لذلك هو خير الورى صلى الله عليه وسلم ؛فهذا هو صلى الله عليه وسلم يشارك أصحابه في بناء المسجد-أول خطوة قام بها عند وصوله المدينة المنورة "فكان ينقل اللبِن والحجارة ويقول:(اللهم لا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخرة ** فاغْفِرْ للأنصار والمُهَاجِرَة )وكان يقول:(هذا الحِمَالُ لا حِمَال خَيْبَر ** هذا أبَرُّ رَبَّنَا وأطْهَر)وكان ذلك مما يزيد نشاط أصحابه في العمل،فيتفاعلون مع تلك المشاركة الوجدانية والعملية بقولهم:لئن قَعَدْنا والنبي يَعْمَل ** لذاك مِنَّا العَمَلُ المُضَلَّل"(الرحيق المختوم،ج1،ص142).فالله أكبر هل رأي التاريخ مثل هذه المشاركة الفاعلة ومثل هذا الحب المتبادل،قمة الهرم السياسي في زمانه يحمل الحجارة واللبن على كتفه ولا يتميز عن أصحابه،وقد يقول قائل هذا كان في بداية الدولة حتى يكسب الأنصار،فنرد عليه أبداً بل هذه شخصيته،وهذا تواضعه،وهذا دأبه؛فها هو فداه أبي وأمي والناس أجمعين في غزوة بدر يخرج مع جنده وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة،فكيف كان خروجه؟.هل تفرد بمدرعة خاصة تحميه؟.لا.بل اسمعوا معي لما حدث وكأنكم ترون المشهد أمام أعينكم ؛فها هو سيد البشر صلى الله عليه وسلم يعتقب على بعير واحد مع علي ابن أبي طالب ومرثد ابن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنهما،فأرادا إكرامه بالركوب وهما يسيران على أقدامهما فقال لهما:لستما بأقوى مني،ولست بأغنى منكما عن الأجر،أو كما قال صلى الله عليه وسلم .هل تخيلتم المشهد يصعد علي رضي الله عنه حتى تنتهي حصته ثم يصعد مرثد رضي الله عنه ،حتى تنتهي مدته ثم يركب خير البشر صلى الله عليه وسلم .وفي غزو الخندق لم يدع صلى الله عليه وسلم أصحابه وأتباعه وشعبه يعملون وهو ينظر إليهم بل كان يشاركهم في الأمر عملياً؛عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:رأيته صلى الله عليه وسلم ينقل من تراب الخندق حتى واري عني الغبار جلدة بطنه،وكان كثير الشعر،-الله أكبر هل لك أن تتخيل أخي معي كمية التراب التي كانت على جسده الشريف- فهل تظنون أحبتي أنه كان يعمل بتأفف ومجاملة..لا.بل كان سيتمتع بعمله ومشاركته تلك،يستطرد البراء في السرد فيقول:فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة،وهو ينقل من التراب ويقول:اللهم لولا أنت ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا** فأنزلن سكينة علينا ** وثبت الأقدام إن لاقينا.قال:ثم يمد بها صوته بآخرها،أحبتي هل تريدون المزيد من تلك الصور الرائعة والدروس العملية العظيمة؟.في غزوة الخندق كان المسلمون يعملون بهذا النشاط وهم يقاسون من شدة الجوع ما يفتت الأكباد،قال أنس رضي الله عنه :كان أهل الخندق يؤتون بملء كفي من الشعير، فيصنع لهم بإهَالَةٍ سنخة توضع بين يدي القوم،والقوم جياع،وهي بشعة في الحلق ولها ريح.وقال أبو طلحة:شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع،فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر،فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين. والأمثلة أحبتي تطول والوقت ضيق لكنها دروس عملية لكل قائد وبالذات المسلمين منهم في كيفية امتلاك زمام الأمور،ويوم يكون نبينا وحبيبنا محمد بن عبد الله هو قدوتنا في جميع الأمور تكون العزة والتمكين والأمن والاستقرار والألفة والمحبة،وما أعظم توجيه ربنا لنا بقوله:((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا))(الأحزاب:21).

الخطبة الثانية :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً،أمابعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الأمر لم يكن قصراً على النبي صلى الله عليه وسلم ؛فهذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وما أدراك ما عمر رضي الله عنه يا من يرى عمراً تكسوه بردته** والزيت أدم له والكوخ مأواه**يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه **وملوك الروم تخشاه،يقول لبطنه وأحشائه عندما تقرقر جوعاً في عام الرمادة:قرقري أو لا تقرقري، والله لا تشبعي حتى يشبع أطفال المسلمين،أحبتي في الله وفي زماننا هذا ونحن نرى ما يحصل في دول مجاورة، أكرمنا الله بقيادة جعلت الشريعة والسنة وما أمرت بها من أخلاق نصب أعينهم،فقد نقلت لنا وسائل الإعلام كيف ينزل الأمير للشوارع يستمع لشكاوى الناس ويشاركهم همومهم في كارثة جدة،وكيف يشاطر خادم الحرمين المنكوبين آلامهم،وكيف تتحرك قمة السلطة السياسية نائب الملك والنائب الثاني ويجمعون الوزراء والمسؤولين حتى يعجلوا برفع المعاناة عن المتضررين والوقوف معهم في ما هم فيه، وتصدر الأوامر بسرعة صرف التعويضات ومحاسبة المقصرين أياً كان منصبهم و أياً كانت مكانتهم،وبسرعة تنفيذ المشاريع التي تضمن بإذن الله عدم تكرار الكارثة،فنحمد الله أن ميز بلادنا عن غيرها بأن التعامل هنا لا يكون على أساس حاكم ومحكومين بل على أساس أسرة واحدة، على أساس أب وأبناءه فنعمنا بفضل الله بالأمن والإيمان والاستقرار، فاللهم ربي لك الحمد .


 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية