اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/aljefri/260.htm?print_it=1

فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ
joma524)15/3/1432هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله جعل الدنيا دار زوال وفناء،وجعل الآخرة دار خلود وبقاء،أحمده جل شأنه على نعمه العظيمة والعطاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له لا يُعَلقُ بغيره أمل ولا رجاء،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله خير الأنبياء وإمام الأتقياء صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تبدد ظلام بضياء وما تعاقب الصبح والمساء.أمابعد: فـ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)(لقمان:33).
أحبتي في الله تساؤل جد مهم،وجد خطير لما ينبني من الإجابة عليه من نتائج.أتعلمون ما ذاك السؤال؟.إنه صغير في كلماته كبير في معناه.ما الذي يجعل المرء ذكراً كان أم أنثى كبيراً كان أم صغيراً في غفلة عن الله عن الموت عن البعث عن الحساب عن الجنة والنار؟.إنه الاغترار بالدنيا والركون إليها.يحدث ذلك في كل زمان ومكان مع ما ساقه الله لنا من الأمثلة في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم .وفي وقائع حياتنا اليومية ما يذكرنا بأن الدنيا دار غرور،بأن الدنيا لا تستقيم لأحد على حال..فكم من الناس اغتر بسلطته سواء الإدارية أو السياسية أو العسكرية وما أعتبر بقصة فرعون التي قصها الله علينا في كتابه وبيَّن لنا أنه سقط وهلك في قمة غروره أخذه الله القوي المنتقم وانقلب به حال الدنيا فأخذ يصارع الموت في الماء،ثم يأتيه الخطاب الرباني:{ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }. (يونس:92).فكم من ذي سلطان اعتبر؟.وكم من ذي منصب وجاه اعتبر؟.تعالوا أحبتي معي لنقترب من واقعنا وللنظر فيما حولنا كم ممن نعرف كان له سلطان ورئاسة ومكانة،وكان يأمر وينهى،وبعد أن تقاعد من العمل أصبح على هامش الحياة؛وقد يراجع موظفاً صغيراً كان يأمر من قبل في المئات من مثله فيطيعوه، وإذا بذلك الموظف يجزره أو ينهره أو قل على الأقل لا يعبره ولا يلقي له بالاً.ولا نملك أمام ذلك المشهد الذي يتكرر في حياتنا أو تنقله لنا وسائل الإعلام إلا أن نقول صدق الله:{ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }(يونس:92).كم من الناس غرته أمواله وما يملك من عقارات وسيارات وأموال فظن أنها خالدة له وغَفِل عن أمثلة عديدة ذكرها الله لنا في كتابه وعلى رأسها قارون الذي يصف لنا الكريم ثروته بقوله :{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ }(القصص:76).فركن إلى ماله وظن أنه خالد له فطغى وتجبر وأفسد فماذا كانت العاقبة ذهب هو وماله أخذهم قاصم الجبابرة جل في علاه وأخبرنا عن ذلك بقوله:{ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ }(القصص:81).كم من الناس غرته قوته البدنية وصحة جسده فمضي يبطش بالناس،ويزني ويهتك الأعراض..ويفعل..ويفعل...غره ما آتاه الله من نعمته فنقول لمثل هذا: كان هناك من هو أقوى منك عاد أخبرنا الله العليم عنهم بقوله:{ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ }(فصلت:15).فماذا فعل القوي المقتدر بهم اسمع لربك يخبرك عن ذلك بقوله:{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ }(فصلت:16).يا عبد الله أبعد هذا تظن أن هناك سبباً يدعوك للاغترار بالدنيا كم من ذكي ألمعي استخدام ذكاءه في الكيد للإسلام والمسلمين،ومحاربة الدين والصالحين فأصيب بالخرف أو الجنون أو فضحه الله وأخزاه في الدنيا قبل الآخرة،كم من غني طغى وتجبر ومنع حق الله فإذا به بين ليلة وضحاها غدا فقيراً مدفوعاً بالأبواب،أو حجز أولاده على أمواله فأخذوا يتمتعون بها أمام عينيه ولا يأخذ منها إلا الفتات،أو أصبح رهين المقابر يحاسب على كل قرش فيها من أين اكتسبه وورثته يتنعمون بذاك المال، كم من قوي أضحى ضعيفاً على كرسي يحتاج من يدفعه أو ملقى على سرير لا يستطيع دفع ذبابة تحط على أنفه، كم من شاب غره شبابه فتمرد على والديه وعقهما،فأضحى يتجرع الألم من عقوق أبنائه..كم ..وكم في الحياة من عبر؛ النفس تبكي على الدنيا وقد علمت...أن السلامة فيها ترك ما فيها...أموالنا لذوي الميراث نجمعها...وبيوتنا لخراب الدهر نبنيها ..لا دار للمرء بعد الموت يسكنها...إلا التي كان قبل الموت يبنيها ...فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها.وأعظم من ذلك وأجل قول ربنا في علاه:{ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ()سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }(الحديد:20-21).

الخطبة الثانية :
إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.أمابعد:فاتقوا الله عباد الله واقدروا للدنيا قدرها و لا تنسوا أنها تتقلب بأهلها فمن كان في صحة وسعادة وسعة رزق فليغتنمها في طاعة الله والمسابقة لجنة الخلود فهناك نعيم لا يزول ولا يحول،وفي معرفة أن الدنيا لا تدوم على حال فرج واطمئنان لمن ابتلي بشيء من بلايا الدنيا فمن ابتلي بالفقر قد ينقلب للغنى ومن ابتلي بالمرض فمصيره بإذن الله للشفاء،ومن ابتلي بالمشكلات وعدم الاطمئنان فمصيره بإذن الله للسعادة..وهكذا،ومما يزيد في طمأنينة المؤمن أن كل حال من أحوال الدنيا هو خير له أخبرنا بذلك نبينا وحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله: ((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَه))(مسلم،المؤمن أمره كله خير،ح(5318)).أخي الحبيب اسمع لنبيك صلى الله عليه وسلم فهاهو يوصيك بوصية غالية فيها النجاح والفلاح بقوله:((اغتنم خمسا قبل خمس:شبابك قبل هرمك و صحتك قبل سقمك و غناك قبل فقرك و فراغك قبل شغلك و حياتك قبل موتك))(المستدرك على الصحيحين للحاكم،الرقاق،ح(7846)). هل لي أخي أن اهمس في أذنك بالمسارعة لاغتنام ما تعيش فيه من نعم وتسخيرها في مرضات الله قبل أن تبدل تلك النعم- لا قدر الله- فتتمنى أن تتقرب لله بقربة فلاتستطيع

 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية