اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/aljefri/316.htm?print_it=1

المال إذا تحول من وسيلة لغاية
(joma656) 2/3/1435هـ)

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ذي الجمال والكمال،المطلع على الأقوال والأعمال،أحمده جل شأنه على نعمه العظيمة وأسأله سبحانه حفظها من الزوال،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له تفرد بالبقاء وكتب على ما سواه الزوال،وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبد الله ورسوله،فصيح المقال شريف الخصال صلى الله على هذا النبي العظيم وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.أمابعد : فاعلموا رحمني الله وإياكم أن خير زاد يدخر هو تقوى الله يقول بنا جل في علاه : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } (لقمان33).
معاشر المؤمنين إن انقلاب المفاهيم وعدم وضع الأمور في نصابها كارثة تزلزل الأفراد والمجتمعات، ومن الأمور الخطرة أن تتحول الوظائف والمهمات؛فتتحول على سبيل المثال الوسيلة إلى غاية ، فالطعام وسيلة للحياة فإذا تحول إلى غاية أكثر الإنسان منه بلا حدود فيتسبب له في الكثير من الأمراض والبلايا،والأنترنت وسيلة للاتصالات فإذا تحولت لغاية أهمل الرجل أهله وولده،وأهملت الزوجة بعلها وولدها،وأهمل الأولاد دراستهم وامتحاناتهم ومستقبلهم،إذا تحولت الوسيلة لغاية أضحت متحكمة في حياة من حولها ،وبعد أن اتضحت الرؤيا اسمحوا لي أن أسأل سؤال:هل المال وسيلة أم غاية؟.ماذا تساوي المليارات في يدك إذا كانت لا تشتري لك خبزاً تأكله أو رداء تلبسه؟. إذاً فالمال وسيلة لتبادل السلع والمنافع وليس غاية في نفسه،بيد أن هناك من الأفراد والمجتمعات من اتخذ من المال غاية؛ومن الأمور التي تجعل المرء أو المجتمع ينحرف في ذلك أن النفس البشرية جبلت على حب المال سمعت ربي يخبر عن ذلك بقوله:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ} (آل عمران:14).وبقوله جل في علاه {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّ} (الفجر:20). أحبتي في الله لكم أن تتصوروا معي يوم أن أُتُخِذَ المال غاية لا وسيلة كم سجن من الشباب بين أربعة جدران تقول له لما لا تعمل؟. فيقول لم أجد وظيفة. فتقول له لما لا تعمل في المجال الحر؟. يقول:ليس لدي مال!.جعل المال هو الأساس! فنقول له أين قدراتك العقلية التي وهبك الله إياها، أين قواك العضلية،هل المال الذي يصنعك أم أنت الذي تصنع المال؟. كم من بيوت انهارت وشتت أفرادها الطلاق يوم أن جعلت الزوجة المال غاية لا وسيلة،فإذا كان الزوج في سعة من العيش عاشت معه وإذا ضاقت عليه الدنيا تغيرت وشاكلت وطلبت الطلاق،كم انتشر في البلاد من الفساد يوم أن أصبح المال غاية،فتجد الرجل على استعداد لأن يبيع ذمته، لأن يفرط في الأمانة التي أؤتمن عليها مقابل حفنة من المال،يوم يصبح المال غاية ينشغل به الرجل فيضيع زوجته وأبناءه وبناته ويوكل أمرهم للسائقين والخدم،يوم أن غدا المال غاية لا وسيلة أصبح المجتمع يقيس الناس ويقدمهم ويحترمهم بناء على ما يملكون من المال،فتجد الرجل لا يحفظ من كتاب الله إلا آيات معدودات يقدم في صدر المجلس والكل يردد الشيخ فلان الشيخ فلان،وتجد من يحفظ القرآن كاملاً وقد يحفظ معه الكتب الستة يؤخر ولا يؤبه له لأن ماله قليل.أحبتي تعالوا واسمعوا معي لهذه القصة التي أخرجها الإمام البخاري في صحيحه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:((مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ?.فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ هَذَا وَاللهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ?.ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ? مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ? هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ (مِنْ مِثْلِ) هَذَا))(البخاري،،ح(6447)).عباد الله المال حذرنا الله من فتنته ومن صور فتنته أن نجعله غاية إني سمعت ربي يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ()وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }(الأنفال:27-28).

الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه . أما بعد : فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أنه يوم أن جعلت بعض المجتمعات من المال غاية لا وسيلة وقعت الأزمات الاقتصادية العالمية من أزمة الرهن العقاري ونحوها،والعالم اليوم يشهد انحرافاً كبيراً في استخدام المال حيث تحولت النقود لسلع في ذاتها فنشأت تجارة العملات أو ما يعرف بتجارة الفوركس،والمشتقات المالية وأصبحت التجارة في النقود أكبر من الاتجار في السلع والخدمات الحقيقية،عباد الله هناك حقيقة أشار إليها الصادق المصدوق وهي أن المال إذا غدا غاية لا وسيلة استعبد صاحبه لذا قال صلى الله عليه وسلم :((تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ))(البخاري،،ح(2886)). وقد يتساءل البعض ما مقصودك من هذا الكلام هل هي دعوة لترك العمل والسعي لكسب المال؟. فأقول معاذ الله كيف أقول بذلك وقد سمعت ربي يقول:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}(الملك:15).وغيرها الكثير من الآيات. إنما أردت أن أصحح المفهوم والتصور بأن المال وسيلة وليس غاية فمتى ما نشأ أبناؤنا، ونشأ المجتمع على ذلك صلحت كثير من أحوالنا المجتمعية والاقتصادية،وانشغل الناس بإنتاج السلع والخدمات الحقيقية،بدلاً من أن تذهب الملايين بل المليارات لمساهمات و همية لا تضيف للاقتصاد والإنتاج الحقيقي شيئاً ،وتُصححُ كثيرٌ من المفاهيم المجتمعية بناء على تصحيح ذلك المفهوم .



 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية