صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







في وداع شهر الصيام

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمد لله الذي جعل لكل أجل كتاب،وجعل سبحانه في ذلك عبرة لأولي الألباب،أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعد من استقام علىطريق الهدىالنجاةمن العذاب،وأشهد أن حبيبنا وإمامنا وقدوتنا محمداً عبد الله ورسوله النبي الحبيب الأواب،صلى الله عليه وعلى آله والأصحاب.
أما بعد : فاتقوا الله عباد الله فإن التقوى سبب لصلاح الأعمال يقول ربكم جل في علاه : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا()يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}(1) .
وهي سبب قبول أعمالكم قال تعالى : {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ}(2).
التقوى يا عباد الله هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية،فيا من أحب أن يتقبل الله صيامه،يا من أحب أن يتقبل الله قيامه،يا من أحب أن يتقبل الله نفقته وصدقاته وجميع أعماله ، عليك بالتقوى ف{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ}.التقوى أيها الأحباب ليست قصراً على زمان ، وليست قصراً على مكان ، فالمرء يحتاجها مع كل نفس من أنفاسه ، وفي كل وقت من أوقاته، فعجباً لقوم حصروا التقوى والطاعة وجعلوها في رمضان فقط‍‍ ‍‍‍‍؛ فمنهم من يخطط من قبل دخول رمضان ماذا يرتكب من المنكرات بعد رمضان ، ومنهم من يخطط في رمضان ماذا يرتكب من منكرات بعد رمضان ، فمع غروب شمس أخر يوم من رمضان يلمس المرء أن هناك اندفاعاً عجيباً من فئات في المجتمع نحو المنكرات وكأنهم كانوا سجناء خرجوا من سجنهم ، والواقع أن شياطينهم كانت مصفدة فلما فكت قيودها عادوا ليجرجروهم في ظلمات المنكرات ، مع غروب شمس آخر يوم من رمضان تسمع البيوت والأسواق والسيارات تعج بالموسيقى والغناء أهكذا أمرنا أن نختم شهر الصيام ؟ أهكذا أمرنا أن نختم شهر القيام ؟ أهكذا أمرنا أن نختم شهر القرآن ؟ لا والله بل شرع الله لنا أمراً آخر بقوله : {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(3).شرع الله لنا التكبير في البيوت في الأسواق في المساجد وبصوت مرتفع من الرجال حتى ترتج من التكبير،فأين المكبرون؟
مع الأسف اعتاد بعض الناس الغناء والموسيقى ونسوا إظهار هذه السنة ! حتى أنك قد ترى الرجل الذي عليه سيماء الصلاح في السوق ولكنه لا يكبر جهراً ، إما نسياناً أو حياءً ، ومع نهاية رمضان تشترى ملابس العيد ومن الرجال من اشترى لزوجته ملابس العيد ولكن أتدرون ما تلك الملابس ملابس كاسية عارية فهي إما شفافة أو ضيقة أو شبه عارية،وقد نُقل لي عن بعض النساء أن هناك فتيات يحضرن لصلاة العيد بثوب يغطي نصف الفخذ فقط،ومنهن من تأتي عارية الصدر أو الظهر أو البطن، ومنهن من لبست بنطالاً يجسد تقاسيم عورتها والعياذ بالله ، وإن المرء ليتساءل عجباً كيف فهم أولئك القوم فرحة العيد أهي فرحة المؤمن بإعانة الله له على الطاعة ؟ أم أنها فرصة لكي يفرح الشيطان في العباد المؤمنين بما يفعلونه من منكرات عظيمة ؟ وكم من منكر يرتكب باسم الطاعة فبسم فرحة العيد التي شرعها الله جل جلاله وباسم صلة الرحم التي أمر بها الله يحدث في بعض العائلات الاختلاط المريب فزوجة الرجل تخالط إخوانه،و ابنت العم تخالط ابن العم وابنت الخال تخالط ابن الخال ، وهكذا فلا حواجز ولا محرمات من النساء في العيد،فكل الخطوط الحمراء الشرعية تلغى باسم فرحة العيد،ولو تحركت غيرة امرئ منهم على العرض الدين أتهم بأنه شخص متخلف رجعي يريد إفساد فرحة العيد،من الناس من جعل آخر عهده بالمسجد رمضان وبعد رمضان ما عاد يعرف طريق المسجد،ومن الناس من هجر القرآن بعد رمضان،ومن الناس من هجر القيام بعد رمضان،ومن الناس من هجر الصدقة بعد رمضان ، فنقول لهؤلاء جميعاً لما هذا التغيير؟ أليس رب رمضان هو رب الشهور جميعاً؟ فبئس قوم لايعرفون الله إلا في رمضان،نقول لهم هل يسركم أن يغير الله عليكم؟ هل يسركم أن يسلبكم الله الصحة؟ هل يسركم أن يسلبكم الله النظر؟ هل يسركم أن يسلبكم الله السمع؟ هل يسركم أن يسلبكم الله الولد؟ هل يسركم أن يسلبكم الله المال؟ أما علمتم أنكم قد عرضتم أنفسكم لأن يغير الله عليكم؟ أما قرأتم تلك القاعدة الربانية التي وضعها الله في كتابه في آيات تتلى إلى يوم القيامة يوم أن قال:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}(4). أقول لكل عبد مؤمن موحد إن انتهى رمضان فإن حاجتك إلى الله لا تنتهي فمن ذا الذي يحفظك غير الله؟ من ذا الذي يرزقك غير الله؟ من ذا الذي يعافيك غير الله ؟ {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}(5).فما دمت لا غنى لك عن الذي خلقك وصورك ورزقك ويحفظك والذي بيده أجلك وإليه مصيرك فلما تقطع تلك الحبال الوثيقة التي مددتها معه في رمضان لتعود تمد حبالاً أخرى مع عدوك الشيطان وربك يقول:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ()وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ()وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}(6).أيها الأحبة في الله لا زال في هذا الشهر فرصة فهذه ليلة السابع والعشرين وهذه آخر ليلة من رمضان فإن فاتك العتق من النيران لا قدر الله طوال ليالي الشهر الفضيل فاعلم أن لله في آخر ليلة منه عتقاء فتعرض لنفحات ربك وتذلل بين يديه عله أن يشملك برحمته وكرمه وجوده. ومن العبادات التي شرعت لكم في ختام هذا الشهر المبارك صلاة العيد مع الجماعة بالمسجد ويسن أن يأكل العبد بعد الفجر وقبل الخروج لصلاة العيد تمرات وتراً يظهر فيها طاعته لربه يوم أن أمره بالفطر كما أطاعه حين أمره بالصيام،ويسن أن يخرج العبد للصلاة في كامل زينتك وأن يتجنب ما حرمه الله عليه من الحرير والذهب،كما يسن أن يخرج للمصلى ماشياً لا راكباً إلا من بعد أو عجز وأن يخالف بين طريق الذهاب والإياب،كما يسن أن تخرج المرأة لصلاة العيد اتباعاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لكنها لا تخرج كما نرى بعض النساء اليوم متعطرة متزينة ومزاحمة للرجال،بل تخرج بكل أدب ووقار وحشمة؛ كما ينبغي التنبيه على النساء فقد بلغني أن من النساء الحيض من يصلين داخل المسجد، ومن النساء والفتيات من يدخلن المسجد بأحذيتهن، ومن النساء من تطلق العنان لصغارها ليلعبوا في المسجد ويعكروا على المصليات صلاتهن، فعلموهن أن هذا بيت الله له حرمته، وهذه صلاة لها آدابها.

الخطبة الثانية

الحمدلله {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} أحمده سبحانه وأشكره أن من علينا بإتمام شهر رمضان ووفقنا فيه للصيام والقيام ونسأله جل قدره أن يوفقنا للاستقامة على دينه على الدوام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .أما بعد:فاعلموا رحمني الله وإياكم إن مما أفترضه الله عليكم في ختام الشهر زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين،وتجب زكاة الفطر بغروب شمس ليلة العيد وهي فريضة على الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين ممن يجد ما يفيض عن حاجته يوم العيد وليلته،ولاتجب على الحمل في البطن إلا أن يُتَطوعُ بها،وتجب على الرجل وكل من تلزمه نفقته من زوجة أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها عن أنفسهم،وهي صاع من طعام لايجزيء غيره من ملابس أو آنية أو نقود على ما رجحه علماؤنا من أقوال أهل العلم،فإن لم يجد ألا أقل من صاع من الطعام أخرجه،وتكون من غالب قوت أهل البلد وأفضل وقت لإخراجها هو صباح يوم العيد بعد صلاة الفجر وقبل صلاة العيد ،فإن أخرها عن صلاة العيد بلا عذر فهي صدقة من الصدقات وليست بزكاة فطر،وتدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه وقت الإخراج سواء كان مكان إقامته أم غيره فإن كان في بلد ليس فيه من يدفع إليه أو كان لا يعرف المستحقين فيه وكل من يدفعها عنه في مكان فيه مستحقين والمستحقون هم الفقراء ومن عليهم ديون لا يستطيعون الوفاء بها،ويجوز توزيع الفطرة الواحدة على أكثر من مسكين كما يجوز دفع عدد من الفطر لمسكين واحد،ويجوز للفقير إذا أخذ الفطرة أن يدفعها عن نفسه أو أحد من عائلته إذا أخبره دافعها أنها كاملة ووثق بقوله أو إذا تأكد من كيلها بنفسه،وأود أن أذكر أخوتي الذين يبحثون عن الأطعمة الرخيصة ليخرجوها ولو كانت من النوع الرديء مع قدرتهم على ما هو أفضل منها بقول الرزاق الكريم:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}،أما من لا يستطيع إلا النوع الرخيص فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها،أيها الأحبة في الله ولو بحث الصائم عن المستحقين الذين لا يخرجون إلى الشوارع طلباً للزكاة وإنما جلس بهم التعفف خلف أبواب بيوتهم لكان ذلك أعظم والله أعلم.

--------------
(1) الأحزاب:70-71. (2)المائدة:27.(3)البقرة:185.(4)الرعد:11.(5)فاطر:15.(6)يس:60-62.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية