صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







فردية التبعة يوم القيامة بمناسبة الامتحانات النهائية

الدكتور عصام بن هاشم الجفري

 
الحمدلله لا معبود بحق سواه ، ولا معين على كربات يوم القيامة عداه ، أحمده سبحانه وأشكره وعد المتقين بالأمن التام في يوم طويل مداه ، وتوعد من أعرض عن دينه بيوم كربة تكون النار منتهاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وسيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . لكَ الحمدُ والنَّعْماءُ والمُلْكُ رَبَّنَا ..ولاشَيْءَ أَعْلاَ مِنْكَ مَجْداً وَأَمْجَدُ..مَلِيْكٌ على عرشِ السماءِ مُهَيْمِنٌ ..لِعِزَّتِهِ تَعْنُوا الوُجُوْهُ وَتَسْجُدُ ..فَسُبْحَانَ مَنْ لاَ يَقْدُرُ الخَلْقُ قَدْرَهُ ..ومَنْ هُوَ فَوْقَ العَرْشِ فَرْدٌ مُوَحَّدُ ..وَمَنْ لَمْ تُنَازِعْهُ الخَلائِقُ مُلْكَهُ ..وَإنْ لَمْ تُفَرِّدْهُ العِبَادُ فَمُفْردُ ..مَليكُ السمواتِ الشِّدادِ وَأَرْضِهَا ..وليسَ بِشَيءٍ عَنْ قَضَاهُ تَأْوُّدُ..هَوَ اللهُ بَارِي الخَلْقِ وَالخَلْقُ كُلُّهُمْ ..إِمَاءٌ لهُ طَوْعاً جَمِيْعاً وَأَعْبُدُ.
أما بعد : فأوصيكم عباد الله ونفسي القاصرة المذنبة أولا بتقوى الله في السر والعلن يقول الله جل جلاله موجهاً لنا عباده المؤمنين :{ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}([1]) .
أمة الهدى والبصيرة يعيش مجتمعنا في هذه الأيام أجواء الامتحانات النصفية ، وفي الامتحان توجه لكل طالب الأسئلة الخاصة به وحده،ويجيب عليها وحده،ويحاسب على الإجابة وحده،ويجني النتيجة وحده فيرسب وحده أو ينجح وحده . وغداً عباد الله نعم غداً يوم تبعثر القبور ويُحصَّلُ ما في الصدور؛ ، تُشغلُ كلُ نفس بما كسبت من أمور ، يصف لنا العليم الخبير مشهداً من مشاهد ذلك اليوم بقوله :{ وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا()يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ()وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ()وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ()وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ}، قطع هول ذلك اليوم جميع الوشائج ، وحتى لا يقول قائل أنه لا يرى بعضهم بعضاً فجاء النص بأنهم يبصرونهم أي يرونهم ، يقول ابن عباس في ذلك يتعارفون ثم يفر بعضهم من بعض ، حتى الأنبياء كما ورد في حديث الشفاعة عند البخاري وغيره يقولون نفسي نفسي  إلا المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه ، غداً تتقطع علاقات القربى والرحم :{ لَنْ تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}يقول الإمام بن كثير في ذلك : ( أي قراباتكم لا تنفعكم عند الله إذ أراد الله بكم سوءا ، ونفعهم لا يصل إليكم إذا أرضيتموهم بما يسخط الله ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخسر وضل عمله ولا ينفعه عند الله قرابته من أحد ولو كان نبياً من الأنبياء ) ويبين ذلك قوله تعالى :{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} فإذا كان هذان نبيان لم يغنيا عن زوجتيهما شيئاً فما حال من دونهما ، بل حتى خير النبيين أعلنها صراحة من بداية الدعوة أعلن فردية التبعة حيث قام فقال : ((يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا))البخاري، وإذا كان خير البرية صلوات ربي وسلامه عليه لا يغني عن ابنته شيئاً فقولوا لمن سعى لكسب المال من حل أو من حرام من أجل أولاده وزوجته إنك غداً محاسب وحدك ولن يغنوا عنك من الله شيئاً ، قولوا لمن خضع لرغبة زوجته وأولاده فأدخل في بيته المنكرات والملهيات إنهم لن يغنوا عنك غداً من الله شيئاً ، قولوا لمن تبع غيره من أشخاص أو جماعات فطعن في أمانة الناس وتكلم في أعراضهم إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً ، قولوا لهم جميعاً إن الله يحذركم بقوله :{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} غداً ترى الأحباء الأصفياء الذين اجتمعوا في الدنيا على فساد القنوات الفضائية أو على المعاكسات الهاتفية أو على التغرير بالنساء الغافلات أو على الربا أو على الزنا أو على الغناء أو على المخدرات والمسكرات أو على أي منكر يغضب رب الأرض والسموات رجالاً كانوا أو نساء تراهم يوم أن أيقن كل منهم الهلكة وقد رأى في ديوانه ما يسوؤه  ترى بعضهم يلعن بعضاً ويضرب بعضهم بعضاً وانظر إلى ذلك المشهد كأنه صورة حية أمام ناظريك يصوره لك الله جلت قدرته بقوله :{ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}غداً ترى من أعرض عن الدعاة المصلحين وأقبل على المجرمين المفسدين وهو يتقطع حسرة وندامة يوم أن رأى نفسه وحيداً مسؤولاً عما قدم لم تنفعه تلك العصبة التي استكثر بها وظن أنها منجية له تراه في منظر محزن مخزي وهو يكاد يقطع أصابعه من الندم ولكن لا ينفع يومها الندم وانظر إلى المشهد حيث يصوره لك ربك بقوله :{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا()يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا()لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا} المنظر غداً معاشر الأحبة في الله كقافلة كل يحمل على ظهره متاعه الذي يخصه ، فياليت شعري ماذا نحمل غداً  على ظهورنا أنحمل أوزاراً وخطايا تسوؤنا  أو نحمل طاعة ورضواناً يسرنا قولوا لمن جاء يوم القيامة يحمل وزره ووزر من حبب إليه المعاصي والذنوب أو سهل له ارتكابها كيف يكون حالك غداً وقد ثقل حملك :{ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}، {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}، فالبدار البدار أحبتي لنعمل لنجاة أنفسنا فالخطب جليل والهول عظيم والسعيد من فاز، ولاتَكُنْ آيساً وارْجُ الكَريمَ لِماَ..أَسْلَفْتَ مِنْ زَلَّةٍ لَكِنْ على وَجَلِ..وَقِفْ على بابِهِ المَفْتُوحِ مُنْكَسِراً..تَجْزِمْ بتَسْكِينِ مِافي النَّفْسِ مِنْ عِلَلِ..وارْفَعْ لِهُ قِصَّةَ الشَّكوَى وَسَلهُ إذا..جُنَّ الظَّلامُ بِقَلْبٍ غَيْرِ مُشْتَغِلِ..ولازِمِ البابَ واصْبِرْ لا تَكُنْ عَجِلاً..واخْضَعْ لهُ وَتَذَلَّلْ وادْعُ وابْتَهِلِ..ونادِ يَا مَالِكِي قَدْ جِئْتُ مُعْتَذِراً ..عَسَاكَ بالعَفْوِ والغفرانِ تَسْمحُ لي..فإنني عبدُ سُوْءٍ قد جنى سَفَهَاً..وضيعَ العُمْرَ بينَ النَّومِ والكَسَلِ ..وغَرَّهُ الحِلمُ والإمهالُ مِنْكَ لهُ..حَتى غداَ في المعاصي غِايةَ المٌثُلِ..وليسَ لي غيرُ حُسنِ الظنِ فِيكَ فإنْ..رددتني فَشَقَاءٌ كَانَ في الأزَلِ..حَاشَاكَ مِنْ ردِّ مِثْلي خَائِباً جَزِعاً..والعفو أوسعُ يامولاي مِنْ زللي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}
الخطبة الثانية
 الحمدلله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه .
أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الإيقان بفردية التبعة يولد لدى المؤمن شعوراً بالراحة النفسية فأنت لن تسأل غداً لماذا فسد المجتمع ولن تُسأل لماذا لم يهتدي فلان أو فلان،كما أن لوطاً لن يُسأل عن ضلال زوجته،ونوحاً لن يُسأل عن شقاوة ابنه وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم لن يُسأل عن هلاك أعمامه، ولكن لا يعني ذلك أن تترك الدعوة إلى الله والحرص على هداية الناس إلى طريق الله فأنت مسؤول ماذا قدمت من جهد لهداية زوجتك وابنك وابنتك فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته،أنت مسؤول ماذا قدمت لأمتك أما أن يهتدي هذا أو ذاك فذاك أمر بيد العليم الخبير،كما أن معرفة فردية التبعة يوم القيامة تجعل من المرء حريصاً على نجاة نفسه ففي أمور الدنيا يمكن أن يجامل وأن يؤثر، أما في أمور الآخرة فلا مجال فيها للمساومة ولا للمجاملة فغداً ستسأل وحدك ولن يغني عنك من الله أحد،فلا مجال لمجاملة الزوجة والأولاد في منكر يرتكب في البيت،ولامجال لمجاملة الأصدقاء في منكر يرتكبونه من تضييع للصلاة أو غيره، ولا مجال لمجاملة الرئيس في العمل في تعطيل أو أخذ حقوق الناس،كما أن الإيمان بفردية التبعة يجعل من الفرد لا يكون كالببغاء يردد كل مايسمع في الناس دون أن يحاسب نفسه ويعرف أنه مسؤول وحده عما يقول وأن من أخبره ولو كان ثقة عنده مسؤول هو عما يقول، الإحساس بفردية التبعة يجعل الفرد لا يعطي زمامه لغيره ليقوده بل يفكر في كل عمل قبل الإقدام عليه وثمرته وماذا يقول لربه غداً إذا سئل عنه. أخي الحبيب احرص أن تخلف أولاداً صالحين يدعون لك بعد موتك ويتصدقون عنك ويفعلون الخيرات فيصلك الأجر ويزاد في عملك بعد موتك ، فكم من رهناء المقابر يعانون من فردية التبعة وجفاء أهليهم وبنيهم ،ومجال ثمرات الإيمان بفردية التبعة يوم القيامة يطول ولكن حسبي ماذكرت من إلماحات والعاقل بصير .
 


([1])البقرة:281.(2)الأنعام:94.(3)البخاري،الرقاق،ح(6033).(4)أحمد،أول مسند الكوفيين،ح(17803).(5)النحل:32.(6)يونس:27.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية