صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







المعصية طريق الذلة والصغار

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ، أحمده سبحانه وأشكره جعل النصر والتمكين والعزة لعباده الطائعين المخبتين وجعل الذل والصغار على من عصاه واتبع طريق الخاسرين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين وأشهد أن نبينا وإمامنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله إلى الثقلين الإنس والجان أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين.أما بعد : فأوصيكم معاشر الطائعين لربهم المخبتين بطريق النجاة من نار تلظى أعدت للكافرين والعصاة المعاندين تلكم الطريق هي طريق المتقين يقول الجبار العليم سبحانه في ذلك : {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا()ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَانِ عِتِيًّا()ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا()وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا()ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}([1]).معاشر المؤمنين الأمة الإسلامية أمة هداية وقيادة اختارها الله لأقدس رسالاته وأنزل فيها أعظم كتبه، وبعث فيها أكرم رسله صلوات ربي وسلامه عليه، وهي أمة الشهادة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا..}(2).
اجتباها الله وهو أعلم حيث يجعل رسالته، فحملت الأمانة بصدق، وبلغت الدعوة بعزم وجاهدت في الله حق الجهاد، فأكرمها الله وأعزها وجعلها خير أمة أخرجت للناس ، وفتح لها أغلاف القلوب، كما فتح أمامها المعاقل والحصون، فدخلتها معمرة لا مدمرة، وبانية لا هادمة، ومتآخية لا ماكرة ولا مستعمرة، وكانت لها السيادة في المعمورة،لأمد يزيد على الثلاثة عشر قرناً من الزمان،ثم دالت دولتها حين زالت خلافتها ، وتداعت عليها دول الكفر كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها فمزقتها كل ممزق وجعلت منها أمماً بعد أن كانت أمة واحدة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}(3). وأبناء أمة الإسلام يعيشون فوضى فكرية وأخلاقية واجتماعية..حتى كأنهم ليسوا أبناء أولئك الأمجاد الذين رفعوا علم الجهاد وفتحوا البلاد وقادوا العباد إلى شاطئ الأمن والسلامة والإسلام ! فما دهانا يا ترى حتى تداعت علينا الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها ، وطمع فينا من لا يدفع عن نفسه ، وسُلطًّ علينا الأشرار ، وهُنَّا على الله ، وقد اجتبانا من بين الأمم {هو اجتباكم} وهُنَّا على الناس ، بل وهُنَّا حتى على أنفسنا وأهلينا؟ أتدرون أين يكون الجواب؟ إنه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم   فما من فرد ولا أمة سلكت طريق المعصية والغواية والشيطان إلا سلط الله عليها الهوان والذلة والعناء وما أهون الخلق على الله إن هم أضاعوا أمره وفرطوا في حكمه ودينه. عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال : لما فتحت قبرص فُرِّق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي فقلت يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ فقال : ويحك ياجبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لها الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى. حديث أبي الدرداء هذا يلقي الأضواء الكاشفة والخطوب الكامنة وراء نكبة أمتنا الإسلامية فينما نحن معاشر المؤمنين أمة قاهرة ظاهرة في الأرض لنا الملك والسلطان والسيف والصولجان ولنا الكلمة العليا إذا قلنا أصغت الدنيا لقولنا وإن أمرنا خضعت الأمم لأمرنا وسلطاننا ؛ فلما تركنا أمر ربنا وخالفنا قواعد ديننا وتنكبنا الطريق المستقيم الذي رسمه لنا وخط لنا خطوطه واضحة بينة قوية وأمرنا بالسير فيه وسلوكه ؛ لما سلكنا هذا السبيل المعوج صرنا إلى ما صرنا إليه من الفرقة والشتات والذل والهوان وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا وسببه الذنوب والمعاصي وترك الأوامر والنواهي؟ وهل عُذبت أمة من الأمم في القديم أو الحديث إلا بذنوبها وما نزل عذاب إلا بذنب ولا ارتفع إلا بتوبة . 
تلك قاعدة ربانية اخبرنا بها الله في كتابه يوم أن قال : {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(4).وفي قاعدة عامة تشمل كل ما يصيب الفرد أو الأمة يقول العليم الخبير : {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}(5).فقولوا لكل عاص ومذنب اتق الله ..اتق الله وتب من ذنبك وعصيانك قبل أن يحل بك وبمجتمعك المصائب.فلا يغترن فرد ولا جماعة بالنعم التي هم فيها فهذا صاحب الجنتين في سورة الكهف اغتر بما منحه الله إياه من النعم وظن أن له عهد عند الله أن لا يعذبه فماذا كانت النتيجة {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا}(6). وهؤلاء قوم سبأ آتاهم الله من النعيم الأمر الكثير فأصبحوا يتقلبوا في نعيم الله الليل والنهار وهو لا يزول ولا يحول فظنوا أنه نعيم خالد لهم فأخذوا يعصون ربهم ويتقلبوا في عصيانه فإذا بسد مأرب ينهار فجأة فيغرق من يغرق وينهدم من البيوت ما ينهدم ويتحولون من أمة عزيزة غنية مترفة إلى قوم أذلاء متفرقون في الأرض {..فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}(7). الله أكبر ما أهون الخلق على الله إن هم عصوا الله : {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}(12).وقد أخبرنا الصادق المصدوق عن بعض الذنوب وعواقبها أَخْرَجَ الْحَاكِم مَوْصُولًا " إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا فِي قَرْيَة فَقَدْ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عَذَاب اللَّه "  وَلِأَحْمَد مِنْ حَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعًا " لَا تَزَال أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَفْشُ فِيهِمْ وَلَد الزِّنَا , فَإِذَا فَشَا فِيهِمْ وَلَد الزِّنَا أَوْشَكَ أَنْ يَعُمّهُمْ اللَّه بِعِقَابٍ " وَسَنَده حَسَن.(8).وأخرج ابن ماجة في سننه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ))(9). ولا يغترن أحد منا أيها الأحبة في الله بصلاحه فإن العذاب إذا نزل شمل الصالح والطالح أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(10).

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد : فاتقوا الله عباد الله وإني أدعو نفسي وإياكم إلى المسارعة إلى التوبة إلى الله مما أسرفنا فيه على أنفسنا من الذنوب والخطايا وهذا ربنا الكريم يدعونا سبحانه بقوله : {…وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(11).قولوا لكل صاحب ذنب وكبيرة تركك للذنب أهون أو أن تفقد أهلك أو مالك أو صحتك لا قدر الله ؟ تركك للذنب أهون أو أن تفقد نعمة الأمن والأمان وتعيش في خوف؟ تركك للذنب أهون أو أن تعيش حياة الجوع والعري والتشرد؟ قولوا لدعاة الرذيلة والخطيئة الذين يدعوننا لإخراج نسائنا وتقليدنا للأمم الكافرة في نمط معيشتنا اتقوا الله وكفوا عن فحشكم ونتنكم ولا تكونوا معاول هدم لصرح أذن الله بأن يببذل في تشييده على هدى الإيمان رجال مخلصون موفقون هم قادة هذه البلاد ، إلى كل مناد ومجاهر بمعصية أو ببدعة نقول له اتق الله ولا تكن سبباً في تسلط الأعداء علينا وأخذ ما بأيدينا، أيها الأحبة في الله لنهب جميعاً لإنقاذ أنفسنا ومجتمعنا قبل أن نندم في ساعة لا يفيد فيها الندم.   
 
-----------------------
([1]) مريم:69-72.(2)البقرة:143.(3)الأنبياء:92.(4)آل. عمران:165.(5) الشورى:30.(6)الكهف:42.(7)سبأ:19.(8) فتح الباري،شرح حديث الطاعون.(9)الترمذي،الفتن،ح(4009).(10)الأنفال:25.(11)النور:31.(12)هود:102.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية