صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الخوض في أحاديث الفتن

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


 الحمد لله كثير العطايا والمنن ، عالم غيب السموات والأرض ما ظهر منه وما بطن ، أحمده سبحانه وأشكره على ما جاد وأعطى بلا مقابل أو ثمن،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وسيدنا وقدوتنا محمداً بن عبد الله النبي المؤتمن صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج القويم فأمن الفتن.أما بعد: فاتقوا الله عباد الله فبالتقوى يرزق المرء بصيرة وفرقاناً يفرق به بين الحق والباطل أخبركم بذلك ربكم وخالقكم بقوله:}يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{ ([1]) .
أمة البصيرة والهدى مع ضعف الأمة والذل الذي تعانيه في هذا الزمان؛حيث تهدم ديارها وتراق دماء أبنائها وتتوعد بالويل والثبور صباح مساء ،وهي ضعيفة مستكنة لا تملك لنفسها حولاً ولا قوة ،هذه الحال أفرزت طائفة من أبناء الأمة فرت من مواجهة واقعها والعمل على إصلاحه ناحية الجانب الأسهل فأخذت تنقب وتبحث في أحاديث الفتن وتحاول جاهدة إنزالها على واقع الأمة فزادتها وهناً على وهنها وضعفاً على ضعفها ؛ وانقسمت تلك الطائفة إلى مدارس ومناهج فمنها من حدد تواريخ ووقت مواقيت لأحداث جاءت في أحاديث الفتن ، فما صدقت مقولتهم وما تحقق ما وعدوا به الأمة مما جعل الرعاء من الأمة وقليلي العلم ينسبون الخطأ إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم  وتضعف ثقتهم في دينهم وأحاديث نبيهم، فنقول لهؤلاء اتقوا الله فبدلاً من أن تدعوا الأمة إلى شدة التمسك بدينها انظروا ما فعلتم بها وما زدتموها إلا وهناً إلى وهنها ، وقام فريق آخر من تلك الفئة يبشر بقرب ظهور المهدي وأن هذا زمانه ومنهم من قال أنه قد ولد وذهب لتأييد رأيه بالأحلام والرؤى، وأخذ يحث الأمة على القعود حتى يظهر المهدي المنتظر ويخلص الأمة مما هي فيه ، فانظروا يا رعاكم الله كم في هذه المقولة من تثبيط لأمة الإسلام فبدلاً من أن تدعى الأمة إلى بذل غاية جهدها للتخلص من حالة الذل والهوان الذي تعيشه يطلب منها الانتظار حتى يأتي من يخلصها بمعجزة ، فأقول لمثل هؤلاء لقد مر على الأمة ما هو أشد من حالتها التي تعيشها في هذا الزمان مرت بها فتنة القول بخلق القرآن ومر بها الغزو المغولي ومرت بها الحروب الصليبية الهمجية وغيرها من الفتن العظام فما استكانت الأمة ولا نامت منتظرة أن تحدث معجزة لتخلصها مما هي فيه ، بل قام العلماء والقادة الأفداد بدورهم فعاد للأمة مجدها قام الإمام أحمد بن حنبل،وقام صلاح الدين الأيوبي،وقام الملك المظفر قطز،وقام شيخ الإسلام ابن تيمية،وغيرهم من رجالات الأمة الصادقين الغيورين على دينهم وأمتهم فنفع الله بهم وأجلى عن الأمة الغمة، ثم إن الأمة منذ أن كان فيها خير الورى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فتنت وصبرت وقاتلت وعذب من عذب واستشهد من استشهد،فالنصر لاينزل على أحد وهو نائم على سريره غارق في أحلامه وشهواته؛واستمع إلى ربك يخاطب الأمة بقوله }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ{(2) .}وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ{(3).أقول لأصحاب هذا المسلك لقد سلكه قوم من قبلكم وأغرقوا فيه حتى فتنهم الشيطان واعتمدوا على الرؤى فماذا كانت النتيجة كانت تلك الفتنة العظيمة التي أصابت بيت الله الحرام حيث سفكوا الدم الحرام في الشهر الحرام في البيت الحرام وروعوا الآمنين وعطلوا المسجد الحرام ومنعوا منه الطائفين والعاكفين والمصلين ولم يتحقق مما كانوا يظنونه شيئاً،وهناك فريق آخر من تلك الطائفة لم يشبع نهمه ما وجد في كتاب الله وفي سنة رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فأخذ يبحث في الكتب المحرفة لما يؤيد مقولته ويستشهد فيها فنقول له لقد أنكر رسولك ونبيك  صلى الله عليه وسلم  على من هو خير منك على الفاروق  رضي الله عنه   ذلك ؛ أخرج الإمام أحمد في مسنده عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فَقَالَ: ((أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي))(4) . وقام فريق آخر من تلك الطائفة بالبحث عن الأحاديث الضعيفة والشاذة بل هناك من نقل أحاديث موضوعة يحكم عليها بذلك الأمي فضلاً عن طلاب العلم لما فيها من نكارة اللفظ الذي يستحي المسلم العادي أن ينسبه إلى من أوتي جوامع الكلم  صلى الله عليه وسلم  فضلاً عمن يقدم نفسه عالماً مؤلفاً للكتب وقد تطور الأمر ببعضهم فوضع الأحاديث كذباً وزوراً على الصادق المصدوق  صلى الله عليه وسلم  ونقول لهؤلاء كفاكم قوله  صلى الله عليه وسلم  : ((إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ))(5) .أخرجه البخاري. وإني أقول من هذا المكان لهؤلاء جميعاً اتقوا الله في أمة الإسلام وهونوا على أنفسكم والزموا سنة نبيكم ومنهج السلف الصالح في مثل هذه الأمور، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }(6) .

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد : فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن ديننا لم يأمرنا بأن نتوقع متى حدوث الفتن وأن نستفرغ الجهود ونسود الصحف في ذلك إنما وضع لنا رسول الهدى  صلى الله عليه وسلم  علامات للفتن حتى نعرفها حال وقوعها وأرشدنا  صلى الله عليه وسلم  إلى منهج دقيق في التعامل معها من جوانب ذلك المنهج الالتفاف حول العلماء حال الفتن فهم الحصن الحصين للأمة بإذن الله ، عدم تصديق كل ما تبثه وسائل الإعلام من صحف وقنوات وشبكة عنكبوتية ولابد من التثبت من تلك المقولات، ليس كل من تصدر وتحدث في وسائل الإعلام يعد شيخاً ومفتياً يقبل منه،عدم تصديق كل ما ينشر في الكتب التجارية التي تلجأ إلى الإثارة والكتابة فيما يهتم به العوام من الناس لتحقيق الكسب السريع  ، أقول أيها الأحبة ناصحاً أن تلك الجهود التي استفرغت في البحث والتقصي عن النصوص وجمع بعضها مع بعض والمحاولات التعسفية التي بذلت لإنزالها على الواقع لو بذلت تلك الجهود في دعوة الأمة للعودة إلى كتاب ربها وسنة نبيه  صلى الله عليه وسلم  لكان والله أجدى وأنفع للأمة،فإن الفتن لا تنزل بالأمة إلا متى ما ضيعت دينها وتفلتت منه وظلمت نفسها وقل فيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر فتحل والعياذ بالله فتنة تعم الجميع أخبر عن ذلك العليم الخبير بقوله : } وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {(7) .

------------------
([1] ) الأنفال:29.(2) البقرة:155.(3)محمد:31.(4)الإمام أحمد،باقي مسند المكثرين،ح(14623).(5)البخاري،الجنائز،ح(1209).(6) الزمر:55.(7)الأنفال:25.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية