صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







التوسط في الإنفاق

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمدلله الذي شرع لنا خير شرائعه وأرسل إلينا خير رسله وأنزل إلينا خير كتبه ، أحمده سبحانه وأشكره أن جعلنا من أمة الإسلام ومن أمة خير الأنام ، وأشهدأن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد : فعليكم عباد الله بمصدر الأمان النفسي والمعيشي ألا وهو تقوى الله يقول ربكم جل وعلا :{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}الطلاق .
أمة الإسلام قبل أن أبدأ موضوع اليوم أود أن اسأل مجموعة من الأسئلة علها تفيد في تقريب الموضوع فأقول ماذا يحدث لو أن جسداً تعرض لجرح وأخذ ينزف دماً ألا يضعف ذلك الجسد؟وهل يضعف العضو الذي نزف أم أن سائر أعضاء الجسد تضعف؟لاشك أن سائر الجسد يضعف ، وإذا ما تعرض مجرى الدم داخل الجسد لما يمنع مروره ما الذي يحدث؟إن أثر ذلك يتوقف على أهمية الجزء الذي توقف الدم عنه فقد يموت الجسد بالكامل وقد يتعرض الجزء الذي منع عنه الدم للشلل وهذا معروف اليوم عند الأطباء بالجلطة.قد يظن البعض أن حديثي اليوم هو عن موضوع طبي فأقول له لا إن حديثي اليوم عن موضوع اقتصادي نظمه الإسلام الذي نظم جميع جوانب حياتنا بأدق نظام،وماعلاقة الدم بالاقتصاد؟ أقول أيها الأحبة في الله إن حركة النقود داخل المجتمع هي كحركة الدم في جسد الإنسان وإذا ما عرقل هذه الحركة أمر من الأمور تعطلت مصالح اقتصادية،وإذا ماخرجت هذه النقود خارج نطاق المجتمع أصبح الاقتصاد كجسد ينزف دماً فيضعف ، ولذى نجد أن الإسلام يحث على كل ما يحرك النقود في جسد الاقتصاد فنجده يحث على الإنفاق بأيات كثيرة مثل قوله تعالى:{وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}وقوله تعالى:{ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}والأيات والأحاديث في هذا كثيرة معلومة،ويُحرم الاكتناز يقول تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}ولكن هذا الإنفاق ليس هو إنفاق بلا ضوابط بل قد وضع له الشرع ضوابطه وابرز هذه الضوابط الوسطية في الإنفاق يقول جل وعلا في ضمن ثناءه على عباده الصالحين وذكر ماتميزوا به:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}ويقول جلت عظمته موجهاً نبيه صلى الله عليه وسلم والأمة من بعده في جانب الأنفاق:{ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} يقول القرطبي عند تفسير هذه الأية وكل هذا في إنفاق الخير وأما إنفاق الفساد فقليله وكثيره حرام ، ومن الحكم:(مارأيت قطُّ سرفاً ألا ومعه حقٌ مُضيَّع)،إذا فمنهج الإسلام هو الوسطية في الإنفاق ، وقد يسأل البعض فيقول لماذا الحديث عن الإنفاق ، فأقول لما يشاهد من بعض الناس التي لازالت تعيش في إنفاقها بعقلية الطفرة الاقتصادية التي مرت بها البلاد ، ونحن مقبلون على الإجازة وما أدراك ما الإنفاق في الإجازة ، فهناك من يسافر في الإجازة للخارج ومع ما يتكلف مثل هذا السفر من نفقات باهظة قد يستدين البعض حتى يسدها ومع ما قد يصحب ذلك من منكرات وإنفاق على محرمات،فهو في نفس الوقت إضعاف لاقتصاد بلادنا وتقوية لاقتصاد البلاد التي يسافر إليها أمثال هؤلاء،وهم كمن يكون بحاجة للدم فيتبرع بالدم لشخص آخر على حساب نفسه،وتأثير سفر هذا لايقتصر عليه وحده بل يبشمل جميع أفراد المجتمع فحينما يضعف الاقتصاد ينعكس ذلك على الجميع،وتتضح الصورة أكبر إذا عُرف عدد من يسافرون للخارج وكم ينفقوا من أموال ، ثم ألا يخشى على هؤلاء من أن يتعرضوا للإثم حيث أنهم قووا بلاد كفر أو فساد وأضعفوا بلادهم ، وبالمقابل لكم أن تتصوروا لو أن هذه الفئة تنزهت في الصيف في منتزهات بلادها وأنفقت هذه الأموال داخل مجتمعاتها كيف يكون الحال؟ فما هو إلا عبارة عن نقل الدم من جزء من الجسد للجزء الآخر فتعم الفائدة على جميع أعضاء الجسد عند إعادة جريان الدورة الدموية ، فكل قرش تنفقه داخل بلادك تعود منفعته بصورة مباشرة أو غير مباشرة عليك ، وفي الإجازة تكون الأفراح والمناسبات والتي تحولت هي الأخرى إلى ميدان للتسابق في الإسراف دون مراعاة لحال المجتمع،وهناك من يهدف من اسرافه في الأفراح والمناسبات للتباهي والتفاخر وليس من وراءه مقصد حسن،وأقول بصراحة أن السبب الرئيس في هذا الإسراف في اللأفراح هو كون الزمام في يد النساء وما الرجل إلى جندي منفذ،وليت الإسراف يقتصر على المباحات من المطعومات والمشروبات مع مافي ذلك من الإثم لكن مع الأسف أن الأمر يتعدى إلى الحرام،فكيف بالله يرجو أب أو أم أن يبارك الله في زواج ابنهما أو ابنتهم وهم قد بدأوا أول لحظات حياتهم بسرف ومنكرات؟هل نسوا أن أكثرهن بركة أيسرهن مؤنة وكم من زواج أٌسرف فيه ثم عجز الزوج عن السداد فإذا به في أول أشهر الزواج ينتقل لزنزانة السجن وذِل مطالبة أصحاب الديون،ومن الناس من يخطط على صرف مرتبه بالكامل دون أن يضع في حسبانه الأمور الطارئة فإذا نزلت به نازلة وجدته يتلفت بحثاً عمن يقرضه،وقد أخرج الإمام أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم :((ما عال من اقتصد))، وعادة مايقع الشاب في بداية حياته في مثل ذلك فلا يكون إلا هو وزوجته فتجده يستأجر شقة واسعة فاخرة وكأنه سيعيش العمر كله فيها ، وكان الأجدر به أن يوفر من الإيجار الذي يدفعه للغير لشراء أرض وبناء مسكن يخصه،وهكذا في جانب السيارة والمركب والأثاث،وهذا من عدم حسن التدبير.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}.

الخطبة الثانية
الحمدلله القابض الباسط ، يرزق بفضله ومنته من يشاء بغير حساب ، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه التي لاتخفى على أولي الألباب ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وإليه المآب وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه وإلى ربه عاد وأناب .
أما بعد:فإن مما يقع بعض الناس في جانب الإنفاق بغير حساب الشراء بالتقسيط فتجد أن الشخص الذي يٌقبل على الشراء بالتقسيط وليس في ذهنه إلا الدفعة الأولى وأنها ميسرة وامتلاكه لسلعة جديدة من سيارة أو نحوها وقد دخل التقسيط اليوم معظم السلع التي يحتاجها الناس ، ويغفل أمثال هؤلاء عن تبعات ذلك التقسيط من إضعاف لمقدرتهم المالية على ثلاث أو أربع سنوات قادمة ، ولايفهم أيها الأحبة في الله أنني أحرم التقسيط لكن أقول أنه وسيلة لتسهيل شراء سلعة يحتاجها الإنسان ولا يملك ثمنها نقداً وليست هي للتوسع والمباهاة والمفاخرة والتجديد المستمر للأثاث والسيارة ونحوها،وتزداد وطأة الأمر حينما يوزع الفرد دخله بالكامل على أقساط للمؤسسة الفلانية وأقساط للشركة الفلانية ويجلس بعدها يضرب كفاً بكف ، وكم ممن لم يحسنوا التعامل بمثل هذا النوع من التسهيلات آل بهم الأمر إلى السجون في ديون عليهم ، وفي عجز أفراد عن السداد عرقلة لسير النقود في جسد الاقتصاد مما يترتب عليه آثار سلبية ، تماماً كما يحدث لصاحب الجلطة الدموية حيث تتوقف تلك الآثار على حجم وعدد المتعثرين عن السداد،ومن القضايا الخطرة في هذا الباب التي يجب التنبيه عليها هي استعانة البعض بالقروض الربوية الشخصية والتي بدأت تعطى عليها تسهيلات كبيرة لتمويل النفقات،فمثل هذا القرض مال ممحوقة بركته بنص كتاب الله حيث قال:{يمحق الله الربا} فلن تكون له ثمرة صالحة ثم إثم الربا العظيم الذي يثقل من تمول بمثل ذلك القرض.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية