اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/aljefri/95.htm?print_it=1

فضل الإصلاح بين الناس

الدكتور عصام بن هاشم الجفري


الحمدلله رب العالمين،الرحمن الرحيم،مالك يوم الدين،أعز بفضله وكرمه طائفة المصلحين وكتب لهم السعادة في الدنيا والأجر الجزيل يوم الدين أحمده سبحانه وأشكره وقد وعد بالمزبد الشاكرين،وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له يستغيث به العبد أو يستعين،وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله أمام المتقين وقائد الغر المحجلين وسيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فيقول الله جل جلاله وتقدست أسماؤه مخاطباً إياكم ياعباده المؤمنين :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.أمة الإسلام لو قُدر على أحدنا أن يزور المحاكم لأي غرض طاريء يعجب من كثرة المراجعين وتراكم القضايا حتى أن محكمة واحدة في المدينة على كبرها وكثرة من فيها من القضاة والموظفين لاتكاد تكفي ويتمنى المرء لو أن هناك محكمة ثانية وثالثة ، فالقضية الواحدة حتى يحكم فيها قد تستغرق العديد من السنوات من تزاحم القضايا الأخرى وكثرة الجلسات المطلوب عقدها لها،ويزداد العجب وتعظم الدهشة حينما يخبرك قاض بالمحكمة أن أكثر من ثمانين بالمئة من تلك القضايا هي قضايا زوجية..!( أي مشاكل بين زوج وزوجته) وترى في ردهات المحكمة أب أو أم يجرجر أولاده بلا ذنب اقترفوه إلا أنهم يدفعون ثمن خلافات والديهم !.ولو تساءلنا أيها لأحبة في الله ما سبب ذلك ؟استمعوا معي لهذه القصة التي وقف لها التاريخ والزمان إجلالاً وإكباراً فهي تشرق بضياءها على جانب من السبب،هذه القصة كانت في عهد الصديق رضي الله عنه حيث استعمل عمر رضي الله عنه على قضاء المدينة،فمكث عاماً كاملاً لم يختصم إليهِ إثنانِ،فجاءه عمرُ بعدَ عامٍ كاملٍ يقدمُ استقالتهُ بالمفهومِ الحديثِ ويطلبُ الإعفاءَ من القضاءِ ، فسألهُ الصديقُ أمِنْ مَشَقَّةٍ تطلبُ الإعفاءَ ياعُمَرُ ؟ فردَّ الفاروقُ :لا ياخليفةَ رسولِ اللهِ ولكنْ لاحَاَجَةَ لِيْ عِنْدَ قَوْمٍ مؤمنينَ عَرَفَ كُلٌ مِنْهُم مَالَهُ مِنْ حَقٍ فَلَمْ يَطْلُبْ أكثرَ منهُ وما عليه من واجب فم يقصر في أدائه،أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه وإذا غاب أحدهم تفقدوه وإذا مرض عادوه وإذا افتقر أعانوه،وإذا احتاج ساعدوه،وإذا أصيب واسوه ، دينهم النصيحة وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،ففيم يختصمون ؟.اسمعتم ياعباد الله هذه ثمرة نشر الدين بين الناس وتمسكهم به،وكان بالإمكان في هذا الزمان التقليص بقدر كبير من القضايا التي تصل للشرط والمحاكم وهذا ليس بأمر عسير فإلى عهد قريب عرف أباؤنا نظاماً اجتماعياً لايصلُ للشرطِ والمحاكمِ إلا في النذرِ اليسيرِ،هذا النظامُ يعتمدُ على فئةٍ اجتماعيةٍ يحتاجُ دورهَا للتنشيطِ والتفعيلِ،هذه الفئةُ هي فئةُ المصلحين بين الناس ، وكم اهتم الإسلام بهذه الفئة ومجد صنيعها وحث على هذا العمل يقول جل وعلا :{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}ويقول:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ويقول:{ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}وقال{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}ويقول{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} هذه أيات وغيرها كلها تأمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالسعي بين الناس،أمة الوداد إن درجة المصلح بين الناس أعظم من درجة الصائمين والمصلين والمتصدقين؛عن أبي الدرداء قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(ألا أخبركم بأفضلِ مِنْ درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ قالوا:بلى قال:إصلاحُ ذاتِ البينِ فإنَّ فسادَ ذاتِ البينِ هي الحالقةُ)أخرجه الترمذي وأبو داود وغيرهما وقال الترمذي حديث صحيح قال ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(هي الحالقة لاأقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ، وعن أنسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي أيوبَ ألا أدُلُّكَ على تجارةٍ قال بلى قال صِلْ بينَ الناسِ إذا تفاسَدُوا وَقَرِّبْ بينهُمْ إذا تباعدوا) فأين الراغبين في هذه التجارة الرابحة ؟ وقد أباحَ الإسلامُ استعمالَ الكذبِ في الأصلاحِ بين الناسِ لأن الكذبَ لايأتي إلا بشرٍ ولكن لما كانَ في الإصلاحِ بينَ الناسِ هدفهُ الخير أباحه ، ومن الحوافزَ التي وضعها الإسلامُ للمصلحينَ بين الناسِ أن من يدفعْ منهمْ من مالهِ في سبيلِ الإصلاحِ أجازَ لهُ الإسلامُ أن يرجع بما دفعهُ من مالٍ فيأخذها من الزكاةِ أو من بيتِ مالِ المسلمينَ ولو كان غنياً .وأقول للمصلحين والمشتغلين بالإصلاح هنيئاً لكم أن اخترتم سبيل جند الرحمن وعاكستم اتجاه الشيطان فإن الخبيث قد يئس أن يعبد في أرض الجزيرة ولكن كرس جهده في التحريش بين الناس ، فمتى مابذل المصلحون جهدهم أبطلوا وخففوا من خطر الخبيث على المجتمع ،ولكن أقول لهم أن الطريق ليست مفروشة بالورود فوطنوا أنفسكم على أن تواجهوا الصعاب والأذى حتى في بعض الأحيان ممن سعيتم في الإصلاح بينهم واحتسبوا ذلك عتد الله فإن الله لايضيع أجر المحسنين .أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.

الخطبة الثانية
الحمدلله ولي المؤمنين وناصر المظلومين ومجيب دعوة المضطرين أحمده سبحانه وأشكره على نعمة الإسلام والدين وأشهدأن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأ شهد أن محمداً عبدالله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين .أما بعد :فاتقوا الله عباد الله واسعوا في إصلاح ذات بينكم تحل السعادة والوئام في مجتمعاتكم واعلموا رحمني الله وإياكم أنه إذا أردنا أن نفعَّل دور الإصلاح في المجتمع لابد من عدة أمور من أهمها :أن يبذل أهل الجاه والمكانة جاههم ويستثمرونه في هذه التجارة الرابحة وهي من المكارم التي يسعى العاقل لتحصيلها يقول الشاعر:إنَّ المكارمَ كُلَّها لو حُصِّلتْ..رَجَّعْتُ جُمْلَتهَا إلى شيئين.. تعظيمُ أمرِ اللهِ جلَّ جلاله..والسعي في إصلاحِ ذاتِ البينِ ، ويقول آخر فأَحْسِنْ إذا أُتيتَ جَاهاً فإنهُ.. سحابةُ صيفٍ عن قليلٍ تقشَّعُ..وكٌنْ شَافعاً ماكُنتَ في الدهرِ قادراً ..وخيرُ زَمانِ المرءِ مافيهِ يَشْفَعُ أن يُعاد التواصلُ الاجتماعي بين الناس فمنذ أن اكتفى كلُ مرء بنفسهِ وأغلق عليه داره ولم يتعرف على جيرانهُ ، لم تُعرف المشكلات ولم يُعرف أهل العقل والرشد في الحي ليتوسطوا في تلك المشاكل ويسعون في حلها قبل أن تستفحل ، أن يربى الأولاد على احترام الكبير العاقل والالتزام برأيه فقد كان في السابق يتوسط كبير العائلة أو أمير القبيلة أو عمدة الحي فيُسمع لهم احتراماً وتقديراً ولكن لما فُقد هذا الاحترام أصبح لايحكم الناس إلا قوة النظام والشرطة ، أن يكون المصلحون ممن يرغبون في الإصلاح فهذا الأمر وصلاح هذه النية أمر مهم جداً في تحقيق الإصلاح ألم تسمعوا لقول الباري جلت عظمته في الحكمين المنتخبين للإصلاح بين الزوجين حيث قال:{ إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}أن يُختار من كل حي من يُتوسم فيهم الصلاح والتقوى والعلم الشرعي وممن يُستأمنون على أسرار الناس وتتكون منهم لجنة تجتمع ولو مرة واحدة في الأسبوع تنظر في مشاكل الحي صغيرها وكبيرها وتسعى في إصلاح مشاكل الحي ويُلزم أهل الحي جميعاً بالأمتثال لرأيهم وما يقررونه و يعاقب أهل الحي مجتمعين من يخرج على قرارات تلك اللجنة معاقبة أدبية،فإن امتثل وإلا يُسعى في إخراجه من الحي لأنه بذرة سوء،إذا أصر طرف على رفع مشكلته للجهات الرسمية فيكون أهل الحي مع صاحب الحق مهما كان وضعه ويؤزروه بالشهادة والدعم ونحوها وينبغي أن يكون القرار مبني على الواقع لا على العاطفة إذ يقول سبحانه:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.والقضية تطول ولكن حسبي ماذكرت والله ولي الهداية والصلاح.
 

عصام الجفري
  • خطب إيمانية
  • خطب إجتماعية
  • يوميات مسلم
  • خطب متفرقة
  • مناسبات وأحداث
  • رمضانيات
  • خطب ودروس الحج
  • الصفحة الرئيسية