صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







توجيهات أسرية (13) الأسرة والمواسم الشرعية أحكام واستثمار

خالد بن علي الجريش


الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على خير البرية أجمعين وعلى آله وأصحابه والتابعين وبعد
إن أعظم منّة هدانا الله تعالى إليها هي نعمة الهداية إلى هذا الدين القويم ونسأل الله تبارك وتعالى الثبات عليه، وإن من أهم أسباب الثبات على دين الله تعالى أن يهتم الأبوان الكريمان في محيط أسرتهما بتعليم من تحت أيديهما الأحكام الشرعية التي تمر عليهم سواءًا كانت في مواسم سنوية كالحج والصيام والزكاة أو مواسم أسبوعية كالجمعة أو مواسم يومية كالصلوات الخمس أو مواسم متفرقة مثل كثير من الأحكام الشرعية.

أيها الأب وألام الكريمان، إن إلتحاق أبنائكم وبناتكم في مسار التعليم جميل جدًا وكم يزول من الجهل عنهم ويكسبون من العلم والثقافة من خلال دراستهم، ولكن قد يحتاج هذا إلى جهد آخر منكم مما يرفع ثقافتهم الشرعية عن المواسم المتنوعة التي تمر عليهم، فأنتم وفقكم الله من أكبر مصادر تعليمهم وتثقيفهم سواءًا كان بالطريق المباشر أو غير المباشر، وكونوا على ثقة أنّ ما يكسبونه منكم هو صدقة جارية لكم فسيسري هذا على أولادهم وإن نزلوا فاجتهدوا في هذا المجال، وقد نرى الأخطاء في بعض العبادات التي يؤديها الأبناء والبنات في بعض المواقف الشرعية فيجب علينا تعديلها وبيانها، فلابد أن يكون في الأسرة آلية معروفة بينهم لبيان هذا الجانب الكبير من الدين وإن مما يقترح في ذلك ما يلي:

أولا:
تعظيم أمر الأحكام الشرعية و العبادات في نفوسهم حتى يعلموا أن العمل لا يُقبل إلا بشرطين عظيمين، وهما الإخلاص لله تعالى والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول (قل إن كنتم تحبون الله فاتّبعوني يُحببكم الله...) الآية ويقول عليه الصلاة والسلام (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) متفق عليه.

ثانيا:
على الأب والأم الكريمين أن يستثمرا هذه المواسم الشرعية المتكررة بحيث تكون أحكام هذه المواسم معروضة على الأسرة بطريقة تلقائية أو غيرها بحيث تجتمع الأسرة يومًا في الأسبوع ويتم مناقشة هذا الموسم كشهر رمضان مثلًا ويُتداول فيه أحكام الصيام والقيام ونحوهما، مع ما يتم من تزويدهم بكتيّبات يقرؤونها ليعرفوا أحكام عبادتهم وليعملوا على علم وليس تقليدًا لأحد وليعرفوا الحكم والحكمة أيضًا وتكون هذه الجلسة العلمية الأسبوعية ثابتة كبرنامج أسبوعي لهذه الأسرة يتعلمون قبل كل موسم أحكام وحِكم ما هم مقبلون عليه من العبادات، وجميل جدًا ما فعله أحد الآباء حيث يقول: كنت أخرج زكاة الفطر كل سنة عني وعن ذريتي من حيث لا يشعرون لكنني في إحدى السنوات اجتمعت الأسرة وطرحت عليهم درسًا عن زكاة الفطر حكمًا وحكمة ثم أتيت بها إلى البيت وجعلنا الأبناء والبنات يأخذون بأنفسهم زكاة فطرهم فعرفوا بعدها ذلك الجانب من الأحكام فكان هذا دأبنا كل سنة فياليت الآباء الكرام يخرجون تلك الزكاة أمام أولادهم لينشروا حكمها ومسائلها بينهم.

ثالثا:
إن هذه المواسم المتكررة والثابتة لابد أن تُستثمر ببرنامج يناسبها فعلى سبيل المثال لماذا لا يتطبّع أولادنا على استثمار التبكير إلى صلاة الجمعة كموسم شرعي أسبوعي، تتنوع فيه الخيرات والبركات من تلاوة القرآن والدعاء وانتظار الصلاة وتسجيل الملائكة لأسمائنا مع المبادرين وغير ذلك من أنواع الخير، أيضًا لماذا لا يتطبّع أولادنا على استثمار عصر يوم الجمعة كما كان السلف يفعلون ذلك داعين ومبتهلين وذاكرين لله عز وجل.

أيها الآباء والأمهات إذا لم نكن نحن كذلك فقد يتخلف عنه أبناؤنا، لماذا أيضًا لا يستثمر بعضنا عشر ذي الحجة حق استثمارها مع أولاده علما وعملا ويتعرف الجميع على أحكامها وهي أفضل أيام الدنيا كما في الحديث المشهور إن تربيتنا لأنفسنا تنعكس على أولادنا إيجابًا فإن رأوا منا استثمارًا وعلمًا لهذه المواسم وأمثالها كواقع عملي لنا فإن النتيجة ستنعكس عليهم إيجابًا أما إن رأوا منا تساهلًا في واقعنا تجاه هذه المواسم فسينعكس سلبًا عليهم إلا ما شاء الله.

فيا معاشر الآباء والأمهات إن هؤلاء الأولاد هم من كسبكم وسعيكم فاجعلوا وضعكم في تلك المواسم غاية في الاستثمار وأضيفوا إلى ذلك بيان ثقافة ذلك الموسم الشرعي لهم مع دعائكم لهم بالصلاح والإصلاح فلن تخيبوا بإذن الله تبارك وتعالى.

رابعا:
انشروا بين أولادكم موسم صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع، فهو عبادة لله تعالى وتهذيب للنفس وطمأنينة وسكينة وأجر وغنيمة خاصة في فصل الشتاء حيث يقصر الوقت ويكون الجو باردا .

خامسًا:
إن موسم قيام الليل والتهجد مألوف عند بعض الأسر صغيرهم وكبيرهم في حين أن بعض الأسر لا تكاد تعرف منه إلا اسمه فقط، فهل سيجود هؤلاء الآباء والأمهات ولو بدقائق معدودة محدودة ولو في آخر بعض الليالي ليستيقظوا جميعًا مع أولادهم ليكتبوا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ومن المستغفرين بالأسحار، حقًا ما أجملها من لحظات، الأسرة كلها قائمة بين يدي رب العالمين، حقًا إنها التربية الصالحة وسيكون لها الأثر الكبير على سلوك وتصرفات الأولاد .

سادسا:
هل أبناؤنا صغارًا وكبارًا يعرفون صلاة الضحى والوتر ووقتهما وعددهما وفضلهما؟ إن هذا قد لا يتم ما لم يعيشوه كواقع عملي لموسم متكرر في اليوم والليلة كم هو جميل جدا أن تجدول تلك المواسم وتكون واقعًا عمليًا وتُدعم بالنصح والحث والتشجيع لينشأوا عليها.

سابعا:
كم هو جميل جدًا أيضا أن يجلس الأب مع أسرته جلسة عائلية يذكر فيها قصة عاشوراء والدروس المستفادة منه ويحثهم على صيامه عند قدوم ذلك الموسم في شهر الله المحرم موضحًا عِظم الأجر مع خفة العمل ويُسره.

ثامنا:
إحدى الفتيات من إحدى الأسر أعطت درسًا عظيمًا حيث كانت تقوم ساعتين في كل ليلة صلاة واستغفارًا ودعاءًا وابتهالا، لكنها في ليالي الامتحانات والمناسبات العائلية تتأسف كثيرًا على فوات ذلك فلم تقم إلا نصف ساعة فقط، فهي تسأل أحد أهل العلم هل هي معذورة في ذلك ويُكتب لها قيام الساعتين؟ حقًا إنه درس عظيم، فهل قمنا في ليالينا مثل قيامها أيام انشغالها؟

تاسعًا:
معاشر الآباء والأمهات قد يستبعد بعضكم استعداد أولاده الاستثمار الأمثل لهذه المواسم، ولكن إعلموا أن الأمر بيد الله تعالى أولًا وآخرا إنما أنتم سببٌ في هذا الاستثمار فابذلوا ما في أيديكم والتوفيق بيد الله تبارك وتعالى، شجعوا وحفزوا وتحدثوا معهم إذا تم هذا مع رؤيتهم لكم مستثمرين تلك المواسم فسيفعلون ذلك صغارًا وكبارا ويرجى لكم مثل أجورهم وإن لم يفعلوا فهو موجود في أذهانهم سيفعلون في وقت آخر .

عاشرًا:
ضعوا لهم برامج مرسومة تشجيعية في استثمار تلك المواسم وحفّظوهم ما يقال فيها من الآثار وتفاءلوا وادعوا لهم فستجدون مع بذل السبب ما يسركم بمشيئة الله تبارك وتعالى.

الحادي عشر:
كثير من الأبناء قد يستصعب أن يكون له الاستثمار الأمثل لهذه المواسم، لكن عندما يعتاد هذا واقعًا عمليًا فإنه يستلذه وقد حصل هذا مع الكثير منهم ففي بيوتنا ومجتمعنا الصور الايجابية لها الاستثمار ولله الحمد .

الثاني عشر:
تنشئه الصغار على هذا الاستثمار مهم جدًا فهم في اللبنة الأولى من حياتهم.

الثالث عشر:
لا تحقرن شيئًا من المعروف أن يتعلمه أو يعمله أولادكم فهو خير عظيم ولو كان قليلًا، فأحب العمل إلى الله تعالى أدومه وإن قل.

الرابع عشر:
لا نتصور إخوتي الكرام أن هذا كله يأتي بسهولة وإنما يحتاج منا إلى جهد كبير معاشر الآباء والأمهات فكونوا أرضًا خصبة لأبنائكم تعليمًا وتربيةً وتنشئةً صالحةً تُفلحوا جميعًا.

الخامس عشر:
ابدأوا معهم بالأسهل فالأسهل حتى يرتقوا إلى سلّم الأعمال الصالحة فيوضع لهم جدولة معينة يضعها الآباء والأمهات ويشترك في إعدادها الأبناء والبنات في استثمار مواسم الخير والعطاء طوال العام فسيكون هذا البيت بعد ذلك ينتقل بين رياض الأعمال الصالحة الفاضلة مما يجعله شبيهًا ببيت النبوة.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يُصلح نياتنا وذرياتنا وأن يجعلهم قرة عين لنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد الجريش
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية