اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/aljurish/5.htm?print_it=1

توجيهات رمضانية (5)

الموفقون والمحرومون في رمضان

خالد بن علي الجريش

 
اللهم لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه وصلى الله وسلم على النبي المجتبى والحبيب المصطفى وآله وصحبه ومن أثره اقتفى وبعد،،
مما لا شك فيه أن شهر رمضان زادٌ يتزوّد فيه العباد بالقرب إلى ربهم وطلب رضاه، والنجاة من عذابه وغضبه، وكل لحظاته كنوز عظيمة، والجميع يرغب أن يحصُل على هذا الخير العظيم من الصلاح والإصلاح، لكنّ قدر الله سابق، فيوفّق لهذا أقوام ويُصرف عنه آخرون، بما يسمى بالتوفيق والحرمان، واعلم أخي الكريم أن للتوفيق أسبابًا عديدة منها:
أولًا: الدعاء أن تكون من الموفقين فعليك بالإكثار منه.
ثانيًا: بذل الجهد في تحصيله والفوز به.
ثالثًا: ترك مجالسة اللاهين الغافلين.
رابعًا: الصبر على العمل وعدم الملل.
خامسًا: وضع برنامج ولو ذهنيٍّ للقرآن والصلاة وغيرهما من العبادات.
سادسًا: انظر في أفعال الناس وأقوالهم واقتبس أحسنها.
سابعًا: إقرأ في الفضائل وحاول تطبيقها لعلها تُفتح لك.
ثامنًا: أكثر من شكر الله تعالى إذا فتح عليك باب الخير والعمل الصالح.
تاسعًا: استشعر أهمية الوقت وسرعة زواله وشرفه.
عاشرًا: استشعار فضيلة الزمان كشهر رمضان.
الحادي عشر: حاسب نفسك في أفعالها وأقوالها.
الثاني عشر: نافس غيرك ممن تراهم متعبّدين بأنواع العبادات.
الثالث عشر: حاول رفع الهمة والعزيمة لديك من خلال معرفة الفضائل والأجور ونحو ذلك، فهذه وأمثالها من أسباب التوفيق، فاحرص على تفعيلها لعل الله أن يُعينك ويجعلك من الموفقين في هذا الشهر المبارك.

وللفائزين صفات عظيمة يتّصفون بها كما أن للمحرومين أيضًا صفات يُعرفون بها.
فالموفّقون يحقرون أنفسهم مع كثرة أعمالهم، بخلاف المحرومين فهم يرون أنهم أكثروا مع قلة أعمالهم.
والموفّقون يستغفرون كثيرًا مع اجتهادهم، بخلاف المحرومين فإنهم يقصّرون في الاستغفار مع كثرة تفريطهم.
والموفقون يفرحون بمن يأمرهم وينهاهم بخلاف المحرومين، فإنهم يضيقون بمن يأمرهم وينهاهم.
والموفقون يطول مكثهم في المساجد انتظارًا لرحمة الله تعالى ودعوات الملائكة لهم ونحو ذلك، بخلاف المحرومين فإنهم لا يكادون يعرفون المساجد إلا لأداء الفرائض فقط وعلى عجل يتبعه عجل.
والموفقون يعاتبون أنفسهم ويتألمون عند تقصيرهم ، بخلاف المحرومين فإنهم قد يرضون عن تقصيرهم ولا يُبالون.
والموفقون يُكثرون من ذكر الله تعالى على جميع أحوالهم، بخلاف المحرومين فإنهم قليلوا الذكر مع طول غفلتهم.
والموفقون مكثرون من نوافل الصلاة ساجدين راكعين، بخلاف المحرومين فإنهم مقتصرون على الفرائض فقط على نقصها ونقرها.
والموفقون جُلساؤهم خير يزدادون به حسنات، بخلاف المحرومين فإن جُلساءهم شر يزدادون به سيئات.
والموفقون جلساتهم موائد خير وعلم وعمل، بخلاف المحرومين فجلساتهم موائد ضياع وجهل.
والموفقون يشكرون الله تعالى على النعمة ويحمدونه عليها، ويسألونه القبول والمزيد، بخلاف المحرومين فهم عن هذا غافلون.
والموفقون مشغولون في آخر رمضان بالرغبة فيه فيرغبون طوله، بخلاف المحرومين فيفرحون بانتهائه ورحيله.
والموفقون يعوّضون ما فاتهم من الخير والحسنات بأعمال أخرى صالحة، بخلاف المحرومين فإنهم لا يُبالون في ما فات ولا يحسبون له حسابا .
فهذه صفات للموفقين وصفات للمحرومين، فتأملها أخي الكريم واعمل على اللحاق بركب الموفقين لعلك تُفلح وتنجح في هذا الشهر المبارك وغيره.

أيها الإخوة الكرام، إن الخير فينا كثير ولله الحمد ومتنوع ومتشكّل، فليس غريبًا أن تكون شريحة كبيرة من المجتمع امتثلت صفات الموفقين والفائزين، ففي بيوتنا ولله الحمد صور كثيرة من الأعمال الصالحة الغزيرة، فمن ذلك:
فتاة في الثانوية تقوم من كل ليلة ساعتين ساجدة راكعة.
وشاب صغير يختم كل ثلاث ليال.
وآباء كُثُر يقرؤون في صلاة الليل خمسة أجزاء، داعين مبتهلين.
وكثير من الأمهات تصوم يومًا وتُفطر يومًا.
وأحد الشباب الصغار يأتي إلى صلاة الجمعة بعد صلاة الفجر مباشرة.
وإحدى الأمهات تسبّح كل يوم عشر آلاف تسبيحة أو تزيد.
وشاب صغير في الحادية عشرة هو وإخوانه يحفظون القرآن وشيئًا من متون السنة.
وأحد الآباء يختم كل يوم ختمة.
وشاب يختم في شهر رمضان ستّين ختمة.
ورجال يتسابقون إلى التبكير إلى صلاة الجمعة من الساعة الثالثة ليلًا.
ورجل أكثر ساعات يومه في المسجد.
ورجال يُدركون تكبيرة الإحرام عشرات السنين.
ورجال لا يعرفون من الصفوف في الصلاة إلا الصف الأول.

فهؤلاء وأمثالهم كثير من داخل بيوتنا وفي مجتمعنا ولله الحمد، لكن التوفيق كان حليفهم بإذن الله تعالى، وهذا يسيرٌ على من يسّره الله عليه، إنها تربية النفس على الفضائل وعلو الهمة.
إن شهر رمضان المبارك يُعد من نقاط الانطلاق الواسعة في أن نكون من هؤلاء، وهو شهر التغيير من السلبية إلى الإيجابية، هو فرصة عظيمة وانطلاقة كبرى لمن حُرم كثيرًا من الخير بسبب التدخين أن يُقلع عنه فإنه يجتمع له في شهر رمضان مالا يجتمع له في غيره فالشياطين مصفّدة، والنهار صيام، ولجان مكافحة التدخين أبوابها مشرعة، والزمان فاضل، والدعوات قريبة من الإجابة، والجو الروحاني والعبادي يُساعد كثيرًا، فما على أخي المدخن إلا أن يعزم الأمر ويستحدث الهمة، فإن كثيرًا من الطاعات يكون التدخين سببًا للحرمان منها، فاستثمر يا رعاك الله هذه الفرصة ليبقى مالك لك، ويصح جسمك ويسلم دينك، ويأنس بك جليسك، وتكون طيب النفس نشيطًا متمتعًا بصحة تامه، هذا وإنه يؤلمنا قرار يقول بأن أربعين ألف مواطن يموتون سنويًا بسبب التدخين، فتركه بيدك أنت بعد توفيق الله تعالى، فما عليك إلا الاتصال بإحدى اللجان للمساعدة أو على رقم 937 في وزارة الصحة لمساعدتك على ذلك.
إن مثل هذه المعصية قد تجر الإنسان إلى ويلات أخرى من المعاصي، وإلى جلساء آخرين أشرار تجعله ينخرط في سلك المحرومين الذين سبق وصفهم، إلا إن يشاء الله تعالى.
أخي الكريم، حتى تلحق بركب الموفقين، فكر في عباداتك القولية والفعلية واستثمر ذلك بتحرير برامج عبادية تقوم بها في يومك وليلتك، انطلق من الأيسر حتى تتشجع في باقي وقتك صاعدًا إلى الأعلى من الأعمال الصالحة، وأكثر من الدعاء كقولك: (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد) لا تستسلم لعقبات الشيطان، اجعل لك على نفسك سلطانًا، واصبر على مشقة الطاعة، فإن المشقة زائلة، لكن لذّتها وأجرها باقي في ميزان حسناتك، كما أن لذة المعصية تزول ويبقى وزرها.
إن الجليس له دور كبير أن تكون من الموفقين فهو يشحذ همتك فابتغِ جليسًا صالحًا يدلك على الخير ويحذرك من الشر واعلم أنك حين تعمل هذا، إنما تعمله لنفسك لا لغيرك، فاطمح أن تكون من الفائزين الموفقين.

ولعلي في الختام أسرد عليك أعمالًا هي يسيرة في تنفيذها عظيمة في أجورها، تمسّك بها ودُل عليها غيرك، فالدال على الخير كفاعله، فإنك حينئذ على خير عظيم.
الأول: حافظ على أذكار الصباح والمساء فلا تُهملها مهما كانت ظروفك.
الثاني: احرص على إكمال الفرائض وإدراكها في أولها.
الثالث: تصدق ولو بالقليل فهو خير عظيم ومخلوف.
الرابع: ضع لك قائمة من فضائل الأعمال والأقوال وحافظ عليها واجعل شهر رمضان انطلاقة بها واستمر عليها لتتوالى عليك الأجور ما حييت.
الخامس: حاول طول المكث في المسجد فإنه معين على كل خير وسبب لادراك دعوات الملائكة لك .
السادس: ضع لك برنامجًا مع قراءة القرآن وأكثر من ذلك، فإنه من أوسع الأبواب لنيل الأجور والحسنات.
السابع: في ذهابك وإيابك أشغل لسانك بالذكر فإنه يسير وأجره عظيم.
الثامن: عليك بحديث جويرية رضي الله عنها عند مسلم وهو: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته) فإنه من الذكر المضاعف، كرره كل وقت.
التاسع: حافظ على السنن الرواتب ليُبنى لك بيت في الجنة.
العاشر: استثمر كل أمر بالخير يأتيك من والديك بالتطبيق له فلربما تسعد بدعوة منهما.
الحادي عشر: حافظ على صلاة التراويح والقيام حتى ينصرف الإمام.
الثاني عشر: حافظ على صلاة الأوابين ركعتي الضحى.
الثالث عشر: احفظ جوارحك عامة ولسانك خاصة، لتحافظ على حسناتك، فإن الغيبة ماحقة للحسنات، حتى لا تكون تعمل لغيرك.

هذا جزء من الفضائل وغيرها كثير، أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الموفقين، وأن يُجنبنا طريق المحرومين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 

خالد الجريش
  • مقالات موسمية
  • توجيهات أسرية
  • الصفحة الرئيسية