اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/alkassas/123.htm?print_it=1

من هو عباس العقَّاد ؟  ترجمة أخرى

محمد جلال القصاص


بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
من هو عباس العقاد؟


هذه الورقة تمثل الفصل الأول  والثاني من كتاب (مناقشة هادئة لإسلاميات عباس العقاد)، طبع في عام 2009. وهذا إعادة نشر بعد تعديل الأسلوب وخفض حدته. وتحتوي هذه الورقة على:

تـرجـمة فكرية
سياسي ثائر:
مـدفـوع:
بهذا ارتفع العقَّاد :
أولًا: الأدوات السلطوية:
ثانيًا: المشاركة السياسية:
ثالثًا: الدعم الخارجي:
رابعًا: الفقر:
خامسًا: غياب الميزان الشرعي:
سادسًا: الوسطية بين المستغربين:
هل كان متدينًا؟
علاقة عبَّاس العقّاد بالاستشراق:
ثلاثة وواحد:
الفصل الثاني: إضاءات على الترجمة
أولًا: أذكياء من أولي العزم:
ثانيًا: الخصومات من الهوى:
ثالثًا: فردية ضمن جماعة وظيفية:
رابعًا: المشترك بين عملاء الفكر:
خامسًا: أشياء دون أشياء!
سادسًا: حصر وهمي:
 
 
 
مقدمة:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع هديه، وبعد..
كثرت همومُ الأمة ومشاكلُها، فلِمَ عبَّاسالعقَّاد ؟!
لعلَّ هذا أولُ ما يتبادرُ إلى ذهن القارئ الكريم حين يرى عنوانَ الكتاب!!
ولم يكن سببًا واحدًا، بل أسبابٌ عدة، تجمَّعت حولي تدفعني دفعًا لدراسة فكر عبَّاس العقّاد، تحديدًا ما يتعلق بالإسلاميات، وتقديم رؤية نقدية لما قدَّم، وأحاول أن أجمل هذه الأسباب في اثنتين:
الأولى: عبَّاس العقّاد و"تفعيل المنافقين":
كانت البداية من عند النصراني المتعصب شديد البذاءة زكريا بطرس في عام 2007، وجدتُه يستشهد بعبَّاس العقَّاد، ويثني عليه خيرًا، هو ومضيفة البرنامج "ناهد متولي" المعروفة بعداوتِها وشدةِ بذاءتها([1]). وقتها لم يكن عندي شك في كذب "بطرس" و"ناهد" كما هو الغالب على أقوالهما، ولكني حين عدت إلى موطن استشهادهما مما كتب العقَّاد ، وجدت عجبًا عجابًا. وجدت ما قالا وأشد. هالني ما وجدت في كتاب العقّاد (وكانت رسالة "الله" للعقاد هي موطن استشهادهما في هذه الحلقة)، فتركت ما بيدي ونزلت بساحة عبَّاس أنظر ما الذي يقول.
اعتاد زكريا بطرس –وعامة المنتقدين للإسلام من النصارى- أن يستشهد بأقوال مسلمين، وكنت كلما استشهد بأحدٍ رجعت إليه وأطلت المطالعة في مخرجاته، أحاول أن أتعرف بوضوح على القول والقائل والسياق. واستمر هذا ثلاث سنوات أو أكثر.انتهى بي المطاف أمام ظاهرة فكرية، سميتها –فيما بعد- بـ "تفعيل المنافقين". وملخصها: أن النصارى -المستشرقين منهم خاصة- أعادوا قراءة ما يتعلق بالإسلام (التراث الإسلامي): الشريعة الإسلامية، والتاريخ ابتداءً من الجاهلية إلى التاريخ المعاصر، وقدموا قراءة مغلوطة للتراث الإسلامي (الشريعة والتاريخ، أو القاعدة النظرية والتطبيق العملي)، وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بدأ تسريب نصوص هذه الكتابات والمفاهيم الكلية التي تحتويها لنفرٍ من المنتسبين للإسلام، فظهرت أفكار الكافرين على ألسنة مسلمين، ولعل أبرز ذلك : كتابي قاسم أمين "تحرير المرأة" و"المرأة الجديدة"، وكتاب علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم"، وعامة كتابات طه حسين، وعامة مخرجات عبَّاس العقَّاد -، وهو ما سيتضح في هذا البحث إن شاء الله-؛ والمدارس الأدبية التي تكونت في هذه الفترة ومنها مدرسة الديوان التي أسسها العقّاد وإبراهيم شكري وعبد القادر المازني.
ظهرت بعض أفكار الكافرين. بل وبعض نصوص الكافرين كما هي في كتابات منتسبين للإسلام، ثم استدار الكافر وعاد ثانية يستدل بأقوال الناقلين عنه.. المتحدثين بكلامه من المنتسبين إلينا–كما هو حال بطرس وناهد في المشهد الذي معنا- يستدل الكافر ببضاعته هو التي نقلها عنه المسلمون ويدعي أن هذه هي أفكار وأقوال المسلمين،يُلبِّس على قومه ويلبِّس على قومنا.
نقل الكافر أقوال الموافقين له إلى ساحته هو، وكانت الرسالة التي وصلت من هذا النقل أن الإسلام لا يخالف غيره من الأديان في شيء كبيرٍ، وبالتالي لا حاجة للانتقال من الكفر للإيمان!!. يصدون قومهم عن الهدى بعد إذ جاءهم. ونقل كلام الموافقين له إلى ساحتنا نحن فشغلنا بنوعية جديدة من القضايا لم تكن موجودة من قبل، بل لم تكن محل تفكير، مثل التبرج والسفور، والحكم بغير ما أنزل الله، وعدم تكفير غير المسلمين...
تركتُ المشهد المعاصر وعدت إلى الكتاب والسنة وما اتصل بهما من كتب التفسير والحديث وشروحات الأئمة الأعلام، أطرح أسئلة على أفعال الكافرين وأفعال المنافقين وأفعال المؤمنين، وانتهى الأمر إلى أن المتمسكين بالدين اليوم يواجهون أربعة صفوف:
أولهم: الشياطين. فالشياطين هم أصل الكفر والعصيان. أصل عقيدة الكفر والعصيان وأصل أفعال الكفر والعصيان.
وثانيهم: الكافرين، حزب الشيطان وأوليائه، أولئك الذين تلقوا وحي الشيطان واتبعوه، قال الله تعالى ذكره: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَإِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ} (الأنعام:من الآية121).
وثالثهم: المنافقين، فالكافر اتصل ببعض المنافقين وأثَّر فيهم، وفعَّلهم نكايةً في الدين والمتدينين.
ورابعهم: الغافلين.. السماعين للمنافقين.. المتأثرين بأقوالهم، قال الله تعالى ذكره: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} (التوبة: من الآية 47).
وسمَّيتُ هذه الظاهرة بـ "تفعيل المنافقين". تفعيل المنافقين من قبل الشياطين والكافرين، وتفعيل المنافقين للغافلين من المسلمين. وشرحت الفكرة في ثلاث مئة صفحة، وعرضتها على بعض أهل العلم وأثنو خيرًا. كان هذا في عام 2009م؛ ولكني مع ثناء أهل العلم لم أطمئن بعد، فأمسكت البحث رجاء أن يفتح الله علي بجديد أضيفه لهذه الظاهرة.وكنت كلما سنحت الفرصة تحدثت في مقال؛ ثم يسر الله لي بابًا للإعلام المتلفز فكان أول ما تحدثت عنه هو ظاهرة "تفعيل المنافقين" وشرحتهافي أول ظهور تلفزيوني مع الشيخ خالد عبد الله في أغسطس2011/ رمضان 1433هـ[2]، والمقابلة منشورة في الصفحة الخاصة على موقع طريق الإسلام.
 وزاد أمر آخر يخص العقَّاد، وهو أنني –حال تحدثي بالفكرة وعرضها على من أتواصل معهم مباشرةً-كنت  أضرب المثل على تفعيل المنافقين بالعقّادكما أضربه بقاسم أمين وطه حسين وعلي عبد الرازق، ولكني كنت أجد نفرة شديدة أن يذكر عبَّاسالعقّادمع هؤلاء. ولاحظت شيئًا عجيبًا هو أن من أُحدثه عن العقّادلا يستطيع رد الفكرة ولكنه لا يطمئن إليها. مسكون بصورة إيجابية عن العقّادلا يعرف مصدرها!!
استقر الأمر على دراسة ثلاثة نماذجٍ أوضح فيهما الفكرة الرئيسية لهذا المشروع الفكري (تفعيل المنافقين)، أحدها لكافرٍ صريح الكفر، وهو زكريا بطرس؛ والثانية والثالثة لمسلمين متأثرين بأقوال الكافرين، فكانت هذه الدراسة عن عبَّاسالعقّادوأخرى لحقت بها عن "عمرو خالد"، ونشرت الطبعة الأولى من كتاب عبَّاسالعقّادفي 2009، وها أنذا أعيد نشر الكتاب بعد عشر سنوات قضيتها بين الكتب أقرأ وأتأمل، وليس فيه جديد غير ضبط الصياغة والخفض من حدة اللهجة بعد أن رحل الشباب وجاءت الكهولة.
الثانية: عبَّاس العقّاد قراءةٌ جديدةٌ للشريعة.
ومما دفع لدراسة عبَّاسالعقّادوتقديم رؤية نقدية لمخرجاته الفكرية أن عبَّاسالعقّاديُقدَّمُ للناس كأديب، والحقيقة أن العقّاد كشخص ونتاج لم يكن أديبًا إلا قليلاً، فشخصه كان في المعترك السياسي ولم يخرج منه إلا مكرهًا وبعد أن شاب، وجُل ما خطَّ بيديه أطروحاتٌ فكرية، هذه الأطروحات الفكرية في جوهرها إعادة قراءة لتراثنا الفكري بأدواتٍ غربية.ويظهر هذا الأمر بوضوح منحال من اهتموا بنشر تراثه. وأنقل لحضراتكم قول صاحب دار الكتاب بدولة لبنان في تقديمه  للمجلد الخامس والأخير من موسوعة العقّادالإسلامية، يقول: "يتألف هذا القسم من نتاج العقَّاد، والذي دعوناه بـ«موسوعة العقّاد الإسلامية» من خمسة ِمجلدات ٍهي العبقريات و«شخصيات إسلامية» و«توحيد وأنبياء» و«القرآن والإنسان» و«بحوث إسلامية»، ويشتمل على خمسة وعشرين كتابًا مختلفًا، تؤلف الذخيرة اللازمة للاطلاع على حقيقة الدين الإسلامي وجوهره"([3]). هذا ما يدور في رأس من قدّمه لنا.. اهتموا بنشر كتبه من أجل"الاطلاع على حقيقة الدين الإسلامي وجوهره". فليست كتابات أدبية إذًا. بل قراءة جديدة للشريعة، ولذا وجب التوجه إلي مخرجاته الفكرية وإعادة النظر فيها.
وإلى يومنا هذا تعقد الندوات والمؤتمرات لتعريف الناس بأفكار عبَّاس العقَّاد ([4])، ولا زالت كتبه تنشر ولا يكاد يخلو منها مكان، فثمة إصرار على أن تبقى أطروحات عبَّاس العقّاد في الواجهة، تثبيتًا للعقاد في الذاكرة التاريخية للثقافة الإسلامية لموافقته هوى المسيطرين على أدوات النشر والتوزيع.
وعبَّاس العقّاد كأديب يُحَلِّقُ عاليًا، ولا تطاله مناوشات خصومه من الأدباء، تمامًا كما لم يضار المتنبي ممن حسدوه أو انتقدوه، وكما لم يضار شوقي من العقّاد نفسه!!
 وهذا البحث لا يُعنى بالعقّاد كأديب. فقط يعنى بأطروحاته الفكرية.. بشخصيتهِ الحقيقة التي كان يرى فيها نفسه ويراه فيها من قدمه لنا، وخاصة تلك التي أخذت منحى إسلامي.
تحاول هذه الدراسة تقديم قراءة شاملة في أطروحات العقّاد الإسلامية، لا قراءة كتابٍ، ولا سلسلة كتبٍ تعلق على ما صح وما لم يصح من أقواله. هي محاولة لاستخراج المفاهيم الكلية ومناقشتها من خلال كتاباته وأستهدف المفاهيم أكثر من الشخص، ولو أستطيع فصل المفاهيم عمن كتبها لفعلت. وهي محاولة للمشاركة في كشف حجم الخداع الذي يمارس على الطيبين قبل غيرهم في واقعنا المعاصر.
وقد صبرت نفسي لعبَّاس وغيره في هذا المشروع الفكري (تفعيل المنافقين)، وقرأت ما استطعت الوصول إليه، أقرأ وأدون الملاحظات، وأعيد النظر مرة بعد مرة، وأتعمد الأفكار لا الأشخاص، وأجاهد نفسي أن تتجه لربها بعملها ترجو ما عنده، وأعوذ بالله أن أكون سببًا في ضياع وقت القارئ ومالِهُ. هي عزمة أردُّ بها ما أراه باطلًا عن حياض الدين، وأحاول المساهمة في إرشاد السائرين إلى رب العالمين، طلبًا لما عند الله، والله أسأل رشدًا، وعزيمة على الرشد، وعونًا، وبركةً. إنه كريم منان.
محمد جلال القصاص
الطبعة الثانية 2018
dfdf


الفصل الأول:
تـرجـمة فكرية
أحاول تقديم ترجمة فكرية لعبَّاس العقَّاد، وذلك من خلال الإجابة على عددٍ من الأسئلة مثل:أين تواجد عبَّاس العقَّاد؟: بين الأدباء والشعراء؟، أم بين الساسة والمفكرين؟؛ وما موقفه من حركة التجديد الإسلامي (الصحوة الإسلامية) في مصر والعالم الإسلامي، والتي عاصر نشأتها ونهضتها، وكان يخالط رموزها.. يعرفهم ويعرفونه؟!، وما حقيقة انتسابه للدفاع عن الدين والمتدينين؟، ولماذا انتشر وكثر ذكره بين الناس مع فساد حاله من وجهة نظري؟، وذلك من خلال عددٍ من العناوين الجانبية، على النحو التالي:
سياسي ثائر:
ولد عبَّاس العقّاد(1889م - 1964م) في إحدى القرى بأقصى جنوب مصر حيث كان يعمل أبوه([5])، ورحل العقّاد إلى القاهرة وعددٍ من مدنِ شمالِ مصر طلبًا للرزق، وضاقت به أسباب الرزقِ مرارًا واضطرته –أحيانًا- لبيع كتبه أو العودةِ لأهله في أقصى الصعيد.
كان عبَّاس العقّاد صاحب إمكانات شخصية كثيرة، معتزًّا بنفسه، يعلم منها القدرة على ما لا يستطيعه كثيرٌ من أقرانه؛حاد الطبع لا يعرف التوسط في علاقاته ولا تعاملاته[6]؛ توَّاقًا للريادة؛ شديد الخصومة. ولذا  بدا نافرًا ، مشاكسًا، كثير الأعداء.
تعلم الإنجليزية مبكرًا متأثرًا بالجالية الإنجليزية في أسوان -حيث ولد عبَّاس العقّاد- وبدأ بقراءة ما كتب مشاهير الإنجليز، وكان يوقع مقالاته كما يفعل الإنجليز (ع. م. العقَّاد ) اختصارًا للاسمين الأولين ثم اللقب.وبداية النشر كانت في مواضيع ذات طبيعة لغوية في "صحيفة الأستاذ"التي أنشأها عبد الله النديم.
التقى أميرَ الشعراءِ أحمد شوقي وهو شاب صغير بالكاد تجاوز العشرين من عمره، وكانا طرفا نقيض. حيث تربى شوقي في القصور ويحمل لقب (بك)، وحصل على أعلى الدرجات العلمية من أكبر محافل التعليم العالمية، ويحيا حياةً مرفهة، ويسعى لإحياء اللغة العربية باستعادة نشأتها الأولى.. يحاول أن يصلح ما أفسده المتأخرون بما صلح به أمر الأولين، ويقف في مقدمة شعراء عصره بلا منازع. وعبَّاس العقّادشاب فقير، لم يتجاوز الابتدائية في تعليمه، ويعمل في مهنة متواضعه، ويعمل على توطين الرؤية الغربية في الأدب. ونشب الخلاف بينهما على صورةٍ معلقةٍ بالجدار. ازدراه شوقي واستخف به وكان الأجدر بشوقي أن يستوعبه ويحسن إليه لمكانة شوقي وسنه وقتها.
مِن يومها راح يطاولُ ويناطحُ أميرَ الشعراء!! ، فذهب وعاد باثنين من الشباب عبد الرحمن شكري (1886م ـ 1958م) وإبراهيم عبد القادر المازني (1890م ـ 1957م)، وكان كل منهما متأثرًا بالمدارس الغربية في النقد الأدبي، (القول بوحدة القصيدة، والبعد الإنساني لا اللساني في القصيدة)، وكان كل منهما - وكذا العقَّاد - قد أنتج عملًا أدبيًا يتكئ على قواعد الغرب في الأدب، ولم يكن أي منهما قد درس الأدب في انجلترا. وربما جاء التأثر من انتشار بضاعة الغرب الأدبية في الانتاج الأدبي لشعراء المهجر والكتب المترجمة، فضلًا عن أنهم كانوا يتقنون الإنجليزية.
تجمع  الثلاثة بدعوى نقد المدرسة المحافظة في الأدب العربي!!
وقد كان شوقي ورفاقه مجددون. قد كان شوقي نتاج صحوة أدبية، وهؤلاء أنفسهم كانوا نتاج ذات الصحوة الأدبية في الأمة[7]. إن ما فعلوه هو استجلاب نماذج غربية في النقد الأدبيووطنوها في ساحتنا الأدبية. إن ما فعلوه في الحقيقة هو أنهم أكملوا مسيرة النصارى في التغريب(شعراء المهجر والذين سبقوهم من خلال الرواية والصحافة في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين) في تغريب الأدب العربي؛ استقدموا أحد روافد الحداثة الغربية واستنبتوها في الساحة الإسلامية.. أكملوا ما بدأه النصارى في الأدب.
فمدرسة الديوان في حقيقتها شاهد عيان على تمكن الخصومة من العقاد بسبب موقف واحد..
شاهد عيان على أن الفكر عند كبار المفكرين تابع للمواقف العملية لا للتفكير المجرد!!
شاهد عيان على حالة الحقد والتصابيوعرقلة التجديد في الأمة (السياق الأدبي هنا)، والتبعية للغرب.. شاهد عيان على أن العقّادورفاقه من يومهم الأول وهم في سياق الحداثة الغربية...
المقصود هنا هو بيان محورية البعد النفسي كمنطلق رئيسي في شخصية العقاد، فهذه العداوة الشديدة لشوقي لأنه ازدرى العقّاديقابلها محبة مطلقة وتقدير كامل"للشيخ" محمد عبده رغم أنه لم يكن ثوريًا ولا عبقريًا فذًا تنطبق عليه شروط العبقرية عند العقاد، فقط لأنه أثنى عليه حين التقاه طفلًا في المدرسة، وتنبأ بأن يكون كاتبًا!!
­­­انفض عزم شباب الديوان (العقّادوالمازني)[8] بعد أن نالوا من أحمد شوقي، ولم يكملوا مشروعهم الذي أعلنوا عنه. تفرقوا عن شوقي وعن الأدب. وغرق العقّادربع قرنٍ من الزمن في ظلمات السياسة، بدأها بالسير خلف سعد زغلول ثم البرلمان فالسجن لتسعةِ أشهر بعد أن أخذته الحماسة وسبقه لسانه بجملة خطابية يتهدد فيها أكبر رأس في البلد ويتوعد بتكسيرها؛ فتحرش به جند الملك حتى حبسوه تسعة أشهر؛ ثم خرج من السجن واشتبك مع رفقاء الدرب ممن بدلوا وغيروا في تعاليم سعد زغلول، وانتهى الأمر بالخروج عليهم والاشتراك في تأسيس حزب السعديين (نسبة لسعد زغلول).
 انقضى أكثر من خمسين عامًا من حياة العقّاد في خصومات سياسية على صفحات الجرائد وصالونات الأحزاب انتهت بهزيمة ساحقة للعقاد جعلته يفكر في الانتحار([9])، ثم تحوّل عبَّاس العقّاد، بعد هذه الهزيمة وبعد رحلة التخبط الطويلة هذه، إلى الكتابة في الإسلاميات، وكانت "موضة" فكرية يومها كما سيأتي بيانه.
كانت الكتابة في الإسلاميات بالنسبة للعقاد نوع من الترويح، وخروجٌ من ساحة لم يعد يجد فيها إلا الموت بيده (منتحرًا) أو بيد غيره (اغتيالاً)!! ولم يظهر من السياق ولا من تفاصيل حياته أنها كانت توبة وتحولًا لنصرة الدين والصحوة الإسلامية التي تكونت وشبت واشتدت وقتها، وإليك مزيد بيان:
مـدفـوع:
كانت الصحوة الإسلامية قد انتشرت، وكان الصدام مع المتطاولين على حمى الدين أوجد رموزًا ورفع أسماءً، وكانت القضايا الإسلامية رائجة يومها، وطبعي أن يظهر من يكتب للجمهور ، على طريقة ما يطلبه القراء، طلبًا للانتشار والذكر أو الأجر، ولا أستبعد أن العقّاد كان يكتب للسوق، أو توجه لما هو رائج، فكًّا للخناق السياسي الذي طوّق عنقه حتى كاد يقتله.
جاءت كتابته عن الإسلام في إطار موجة من الكتابة عن الإسلام بعد انتشار الصحوة الإسلامية في الأمة وانتشارها جماهيرًا وجغرافيًا في كل بقاع العالم الإسلامي وخاصة العربي، ومع وجود قضايا مجمع عليها مثل التحرر من الاحتلال الغربي ورفض اغتصاب اليهود لبيت المقدس وأكناف بيت المقدس،  ومع تنامي الرفض للموجة الأولى من الغزو الفكري من قِبل المستشرقين والمتأثرين بالحداثة الغربية ممن ابتعثوا أو تلقوا آدابهم وهم في مواطنهم، ومع ظهور الصحوة الإسلامية ودخولها في الأحداث السياسة. قد كانت الحياة جلها إسلامية: توافق أو تعارض، أو قل: كان الحديث عن الإسلام في كل مكان.. ومن كل التوجهات.
فرضية أن العقّاد كتب للسوق يدعمها كتابه عن "بنيامين فرنكلين" مؤسس أمريكا. فحين تتدبر ما خطه العقّاد عن "فرانكلين" تجد أنه لم يأتِ بجديد. ينقل صفحات من مذكرات فرنكلين التي كتبها بخط يده ويكرر كلمات قيلت هنا وكلمات قيلت هناك. يقول فيه ما يقوله في غيره: سياسي منفرد، وعالم قد علم، وفيلسوف متكلم، وأديب قد كتب، ومفاوض قد أخذ من خصمه بحنكته، ورحيم بالعبيد، ومؤدب للأغنياء. ويبدو بوضوح أن الأمريكان أرادوا تسويق بضاعتهم فبحثوا عن قلم مشهور فكان العقَّاد، استكتبوه وقدّموا للكتاب وقاموا بطباعته ونشره.
وفرضية أن العقّاد كان يكتب للسوق يدعمها–أيضًا- أنه كان يكتب في المناسبات، فكتب عن غاندي، وعن بنيامين فرانكلين، و عن زعيم الصين "صن يات صن". وأستبعد أن يكون الهنود استكتبوه، ولكنه ركب الحدث واستطعم الكتابة عن المشهورين، أو كتب عنهم بدافع الإعجاب بالعباقرة.
فقط أثبت هنا أن الكتابة في الإسلاميات لم تكن توبة عن السياسة ودخولًا بين المتدينين. لم تكن دعوةً للدين ودفعًا للصائلين ونصرة للمتدينين. لم يكن هذا أبدًا هو السياق الذي أفرز لنا ما يسمى بإسلاميات العقَّاد، ويتضح ذلك من خلال مناقشة عبقريات العقّاد وكثير من إسلامياته خلال هذا البحث، إن شاء الله وبحوله وقوته.
أخذ معه الأفكار الرئيسية التي سيطرت عليه وهو يكتب في السياسة إلى الساحة الإسلامية، فلم يتخل عن محبته لأفكار الحداثة الغربية ومخرجاتها. ومن شواهد ذلك وقوفه بجوار الديمقراطية في معركتها مع النازية (الألمان وحلفائهم)، فألّف (هتلر في الميزان 1941م) حال كتابته في الإسلاميات، واستمر دفاعه عن الديمقراطية بعد ذلك في كتاباته[10]. وكتب عن غاندي حال كتابته في الإسلاميات، وكتب عن المسيح بما سيأتي بيانه إن شاء الله حال كتابته في الإسلاميات.
مفتاح شخصية العقاد: مخالفة السائد:
في عبقرياته كان العقّاد يطوف حول كل عبقري بحثًا عن مفتاح شخصيته، فهذا مفتاح شخصيته التعبد، وهذا مفتاح شخصيته الفروسية وأخلاقها، وهذا، وهذا.. . وإذا أردنا أن نبحث عن مفتاح شخصية العقّاد نفسه فهو مخالفة السائد. ينظر أين يقف الناس ثم يخالف ويحاول أن يقف منفردًا، وقد أثمر هذا العناد اضطرابًا وترددًا، فكثر من العقّاد إتيان الشيء ونقيضه، وهذه بعض المواقف التي تبين أن السمة الأبرز في شخصية العقّاد كانت مخالفة السائد لمجرد المخالفة أو لإثبات الذات:
أثنى على قاسم أمين، وعلى كتابيه "تحرير المرأة"، و"المرأة الجديدة"وسماه "المصلح الكبير، وكذا على "نظيرة زين الدين" صاحبة كتاب "السفور والحجاب"([11]). وأرجو أن لا يغيب عن خاطرك حال الأمة وقتها وهي محتشدة رفضًا لما قدّم قاسم أمين وعلي عبد الرازق وطه حسين.
 وأنكرت الأمةُ ما كتبه طه حسين في كتابه "على هامش السيرة" حين صدر عام 1928م، وكذا ما صدر يحمل اسم علي عبد الرازق عام 1925م، إلا العقَّاد ، وقف بجوارهما ينصرهما!! يقول: حرٌّ وحرية([12])!!
 وثارت ثائرة الأعضاء في البرلمان ـ وليس فقط علماء الأزهر والمتدينين ـ على مسرحية «جان دارك» لبرنارد شو لما فيها من هجوم شديد على الإسلام ورسول الله ﷺ، ووقف العقّاد في البرلمان يدافع عن المسرحية، يقول: لم يتطاول برنارد شو وإنما تطاول أبطال المسرحية([13])!! وبرنارد هو الذي كتب النص  وبالتالي هو الذي يتكلم على لسان المشخصاتية. وسواء أكان التطاول من برنارد شو أم كان من غيره فهو تطاول، بغض النظر عمن كان سببه، وعلينا أن نوقفه، ولكن العقّاد أبى إلا أن يكون عكس التيار وإن كان بباطل شديد الوضوح!!
ورفض المنتسبون للفكر الإسلامي-وكثير من غيرهم- فكرة التطور، في الأنواع (نظرية دارون) أو في الأحداث (التاريخ)، وخالف الجمع عبَّاسالعقّادوراح يدافع عن التطور: يقول تتطور الأنواع، ويتطور التاريخ، ويتطور الفرد. وينفي أن في القرآن الكريم ما يدل على رفض التطور، مع أنك لا تكاد تقرأ في كتاب الله ساعة حتى تمر على أن أصل الإنسان من طين (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ )[السجدة: آية7]، وأن سنة الله في خلقه هو إهلاك الظالمين، فالبشرية تحركت في دوائر أو صعود وهبوط: تتجبر الأمة وتشتد في ظلمها فتباد ثم تبدأ دورة جديدة، يقول الله تعالى:وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ۙ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) [يونس:13]، ويقول الله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَىٰ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)[القصص:43]، وأن الله لم يطلع أحدًا على خلق السموات والأرض، يقول الله تعالى: (مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) [الكهف:51], وظل إلى وفاته يدافع عن التطور!!
وبعد أن استقر الاحتلال في بلاد المسلمين جاءت حملات التنصير تترا، كلما فشلت حملت جاءت أختها، وبعد أن كان النصارى يحتمون في العائلات وكبار الشخصيات أصبحوا من كبار موظفي الدولة وتسللوا للسلطة، والثقافة، والفن، والمال، واستدعى هذا يقظة من المسلمين فاشتدوا لرد حملات التنصير. فكتب "الشيخ" محمد عبده، وكتب الشيخ محمد رشيد رضا، وكتب الشيخ الدكتور محمد محمد حسين، وإلى يومنا هذا هناك من يكتب ويرد إفك النصارى على نبيهم ونبينا. إلا عبَّاس العقَّاد. خالف جموع المسلمين ووقف بجوار النصارى يتحدث بما لا يصدقه عاقل. امتدح بولس الطرطورسي (شاؤول اليهودي ..محرف النصرانية)، يقول: أحد مركزين اتكأت عليهما النصرانية في نشأتها وتطورها، يجعل "بولس/ شاؤول" ندًا للمسيح!!
 وكأن بولس لم يُذَم من كل تلاميذ المسيح حتى الذي اتبعه منهم (برنابا) ليعظَه، يئس منه بعد قليل وهجره وسخط عليه وجاهر بمذمته. ويجهل، أو يتجاهل، أن بولس مات مقتولًا ولم تتطور دعوته، وإنما خمدت ومات كما يموت الأدعياء الكذبة، والذي حدث أنه استدعي من تحت ركام الأيام بعد قرونٍ من الزمن  كحالة وسط بين دين الله الذي أنزله الله على نبيه عيسى- عليه السلام- والوثنية الأوروبية التي غلبت على مَن كانوا ببيت المقدس.
 ويمتدح كتاب النصارى ويدافع عنه. ويدعي أن أقوال النصارى في المسيح عيسى بن مريم-عليه السلام- من أنه هو الله أو ابن الله، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، من قبيل مدح الحبيب لمحبوبه كما يفعل الصوفية!!
 وجاء على نهاية المسيح عيسى ابن مريم.. ودعني أنقل لك نص كلامه، يقول: (ففي حادثة الاعتقال لا يدري متتبع الحوادث من اعتقله ومن دل عليه وهل كان معروفًا من زياراته للهيكل أو كان مجهولاً لا يهتدى إليه بغير دليل)، ويقول: (ولا نستطيع كما أسلفنا أن نقرر على وجه التحقيق من الناحية التاريخية كيف كانت نهاية السيرة المسيحية)، ثم يتحدث عن قبر المسيح-عليه السلام-: هل هو في فلسطين أم في كشمير ؟!!
ولا يستطيع باحث أن يقف حائرًا فإن كان معوجًا مال للقوم وقال بقولهم، وإن كان مستقيمَا جاء إلينا وقال بقول العليم الخبير- سبحانه وتعالى وعز وجل- (ومَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ)(النساء:157).أما العقَّاد فهو كيان مستقل يخالف السائد دائمًا!! 
قلت: ولذا أحبه النصارى بالأمس واليوم، فتجده يفاخر بحب النصارى له، وتجدهم في صالونه الثقافي يزورونه ويتحدثون إليه، وإلى اليوم تجد القمص شديد البذاءة زكريا بطرس يستدل بعبَّاس العقَّاد.. بما قاله عن المسيح وما قاله عن كتابهم وما قاله عن الله. وما تحدث به عباس العقاد عن الله- سبحانه وتعالى وعز وجل- قصة أخرى سنأتي عليها إن شاء الله في هذا الكتاب: تصورٌ عن الله ورسله لا تجده إلا عند العقَّاد، ودعنا الآن نمر لشواهد أخرى تبين أن مفتاح شخصية العقَّاد هو مخالفة السائد.
وحين بدأ يتجدد الحديث عن الإعجاز البياني للقرآن الكريم بعد الصحوة الأدبية التي شهدتها الأمة في نهاية القرن التاسع وبداية القرن العشرين، خالف العقاد، وراح يسخر من شيخ العربية مصطفى صادق الرافعي وهو يتحدث عن الإعجاز البياني للقرآن الكريم وتطاول عليه حتى استعداه، ولكن الرافعي عدا على العقّاد فتركه (مُسفَّدًا)([14])!!.
 ويحكي فتحي رضوان  أنه تلا على العقّاد سورة الناس فقال: لو نسبوا إليّ هذه السورة لتبرأت منها([15])!!
سبحانك هذا بهتان عظيم.
وبعد أن سقطت الخلافة الإسلامية واشتد الناس دفاعًا عن دينهم، وظهرت جماعة الإخوان المسلمين والتف حولها عامة المناصرين للدين– وكانوا هم الممثل الأهم للصحوة الإسلامية يومها- خالف العقّاد السائد ووقف وحيدًا يتحدث بأن الإخوان المسلمين حركة يهودية تعمل لصالح اليهود، وأن الأستاذ حسن البنا ذو أصول يهودية([16])!!
وأجمع العارفون بالشعر على إمارة أحمد شوقي، واجتمعوا حوله وتوجوه بالإمارة على الشعراء، إلا العقَّاد، خالف إجماعهم- وهو شابٌ صغيرٌ- ووقف قريبًا من جمعهم يرمي صغيرهم وكبيرهم([17]).
وفي الوقت نفسه بايعه طه حسين على إمارة الشعر، وقَبِلَ العقّاد هذه البيعة!!
فعل ذلك طه حسين اتقاءً لشرّ العقَّاد، فقد كان العقّاد بذيء اللسان، شديد الخصومة[18]، وكان طه حسين حديث العهد بحزب الوفد، دخل الحزب وفيه العقّاد كبيرٌ يقول ويفعل، فخدع طه حسين العقّادَ بهذه المبايعة، وصدَّق العقَّاد !!
وسمع بهم أحدُ الساخرين فقال ـ فيما يرويه الرافعي في كتابه "على السفّود" ـ:
خـدَعَ الأعمـى البصيـر    
أضحـك الأطفـال منـه  
  أصبـحَ الشعـرُ شعيـرًا


 
إنّه لهوٌ كبيـرْ
إذ دعاه بالأميرْ
فـاطـرحوه للحميـرْ


ولا أدري لمَ قبل العقّادإمارة الشعر والمبايع فرد واحد، ولم تكن بضاعة العقّادفي الشعر كما النثر؟!
وأنكر طه حسين مبايعته للعقاد بإمارة الشعر بعد ذلك[19]!!
ولم يسلم منه زكي مبارك، ولا مصطفى فهمي، ولا طه حسين، ولا ذو شأنٍ برز بجواره وهو حي. ولذات السبب طالت صحبته بالمازني، وأثنى عليه مرارًا، وذلك أن المازني كان يسارع إلى انتقاص نفسه قبل أن ينتقصه الآخرون، ولم يكن يطاول العقّاد ولايطاعنه بقلمه، بل كان يسير بجواره كالصفر كما يقول هو([20]).­­­
-وحينًا يقف بين الكادحين يدافع عنهم ويتكلم بلسانهم، وفي ذات الوقت صديقًا للمترفين أرباب السلطة من أمثال النقراشي باشا.
ولم يكن العقّاد يحترم خصومه؛ فقد كان يُسمع منه في حقهم بعض الأوصاف الرديئة مثل "حمار"، "قرد"، "عبيط"، وما هو أشد من ذلك على رواية تلميذه أنيس منصور في كتابه "في صالون العقَّاد ".
كان متمردًا مضطربًا، قلقًا، شديد الخصومة، كثرت خصوماته حتى توفي  وليس حوله أحد ولا في جيبه ما يكفي لشراء علاجه، لولا أن منَّ الله عليه ببعض المحسنين.
بهذا ارتفع العقَّاد :
اجتمع لعبَّاس العقَّاد عدد من الأشياء جعلته يبدو عاليًا بهيًا في حسِّ كثيرٍ من الناس، أحاول سرد أهمها على النحو التالي:
أولًا: الأدوات السلطوية:
ليس كل ما اشتهر صواب، أو جيد الصنعة، فللأدوات السلطوية بأذرعها المختلفة دور في تقديم هذا وتأخير ذاك. تنتقي ما يحقق مصالحها وتقدمه؛ فكما أن السلطة نتاج معرفةٍ ما فإنها- أيضًا- تُمكن لنوعٍ معين من المعرفة.. ذاك الذي يتفق معها أو يدعمها بشكلٍ ما. وعامة الناس يستقبلون ما اشتهر دون مقاومة، فالناس لا يمارسون النقد إلا في تخصصاتهم فقط. ولذا علينا أن نفتش عن الأدوات السلطوية: الإعلام وغير الإعلام كالمناهج الدراسية؛ والسلطة الرسمية (الحكومات)، وغير الرسمية (أرباب المال، ودور النشر المحلية والدولية، والتي تنتقي بعناية من تستكتبه ومن تنشر كتاباته). فالأدوات كائن اعتباري عاقل له إرادة خاصة، وهو الفاعل الأهم في المشهد الثقافي المعاصر.
وضعت الأدوات إطارًا براقًا لجيل المثقفين الذي نبت في عصر الاحتلال، أولئك الذين تأثروا بالغرب ونقلوا عنه في الأدب - كما مرَّ في مدرسة الديوان- أو في الفكر –كما سيأتي في مناقشة فكرة العبقريات-. منحوا المتأثرين بهم ألقابًا قوية براقة، مثل: "مجموعة الرواد"، "جيل العمالقة والقمم الشوامخ"؛ وخلعوا على آحادهم ألقابًا خاصةً باهيةً مبهرةً، فطه حسين (عميد الأدب العربي)، وعبَّاس العقّاد(عملاق الأدب العربي)، ولطفي السيد (أستاذ الجيل)، وطلعت حرب (اقتصادي مصر الأول)... وهكذا. وكلها إطلاقات إعلامية وليست رتبًا من جهات محايدة أو مشهودٍ لها.
هذا المشهد الضخم القوي البهيُّ يدهش القارئ البسيط ويجعله يقرأ مستسلمًا. ولذا تجد المعترضين على ما يُقدَّم في هذه الدراسة –وأمثالها- من توضيح لحال عبَاس العقّاد ليس عندهم سوى التعجب من أن يُنتقد العقَّاد !!، مع أن هؤلاء في حقيقتهم كانوا جسورًا عبر عليها الغرب لحصوننا الفكرية[21]، وفي ذات الوقت أهملت الأدوات السلطوية كثيرًا من القامات العلمية، مثل الدكتور محمد محمد حسين، والأستاذ سيد قطب، وأخيه الأستاذ محمد قطب، وعبد العزيز جاويش، وعبد الله دراز، ومصطفى صادق الرافعي، فلم يسمح لهم في المشهد إلا بما يخادع به الناس.. إلا بما يضفي على المشهد "تعددية" يُستدل بها على "إنصافٍ" مكذوب[22].
ولازالت الأدوات إلى يومنا هذا تحاول توطين العقّاد في ذاكرة الجيل، يحتفلون بذكرى وفاته، ويعيدون طباعة كتبه.. يحفرونه في الذاكرة عمدًا وقهرًا، لأنه يحمل بضاعتهم.. لأنه منهم، أو يدعم وجودهم.
ثانيًا: المشاركة السياسية:
ومما ساهم في الرفع من شأن عبَّاس العقّاد في حسِّ كثيرٍ من الناس حضوره في المشهد السياسي، فقد وقف في صفّ فلول الثورة العرابية، يخلع على زعيمها  أحمد عرابي أعزّ الألقاب عنده (العبقري)، ثم وقف مع ثورة 1919م، وكانت عظيمة في حسّ الناس يومها، وكان قريبًا من سعد زغلول (الزعيم)، ثم كان صديقًا حميمًا للمنشقين على الوفد (السعديين).. ينزه تلك الزعامات الموهومة، بل المصنوعة،عن الخطأ ويلبسها ثوب العبقرية([23])، وقدَّم "السعديون" للعقاد الدعم المادي والمعنوي حين صعدوا للسلطة، فقد قرر الحزبُ عددًا من كتبه على تلاميذ المدارس، وعيّنه فاروق عضوًا في مجلس الشيوخ.
ثالثًا: الدعم الخارجي:
كان العقَّاد مرتبطًا بالفكر الإنجليزي، وتلقى دعمًا من الإنجليز حين طبعوا كتابه "هتلر في الميزان" بآلاف النسخ ووزعوها على مختلف البلاد العربية، ثم بعد ذلك حين ترجموا كتبه، وخاصة العبقريات، إلى لغاتٍ أخرى شرقية وغربية.
وتلقى دعمًا من الأمريكان حين استكتبوه للحديث عن "بنيامين فرانكلين"، فنقل سيرته الذاتية بالعربية ونشرها ببعض التعليقات عليها.
رابعًا: الفقر:
بدا عبَّاس العقَّاد للناس، وخاصة في آخر حياته، فقيرًا لا يطالب بشيءٍ من المناصب، ولا يرضى بما عرض عليه، بل سخر منه أحيانًا، لم ينل شيئًا من عوارض الدنيا التي تكالب عليها قرناؤه، يلتقي زواره ببجامة صوف لا تتغير صيفًا أو شتاءً. ولا يبدو أنها حالة من الزهد والورع، فما كان العقَّاد زاهدًا في المناصب، فقد دخل مجلس الأمة (البرلمان) مبكرًا في حكومة سعد زغلول، وكان قريبًا من زعيم حزب السعديين المنشق على الوفد، وقَبِلَ تعيينه في مجلس الشيوخ من قبل "الملك"، وشغل عددًا من المناصب. ولم يكن حال العقاد حال متواضع، ولا ترفع عن المناصب زهدًا في الدنيا وطلبًا لما عند الله، بل كان يزدري كل الألقاب، ويأبى أن يرافق أيًّا منها اسمه. فاسمه-حسب ظنه- مجردًا أعلى من كل الألقاب، اللهم أن يقال: الأستاذ بالألف واللام (أل العهدية)، وكأنه هو الأستاذ وحده([24])!!
خامسًا: غياب الميزان الشرعي:
ومن أسباب تكون صورة وضيئة للعقاد في حس كثيرٍ من الناس غيابُ الميزان الشرعي الصحيح عند كثيرٍ من أبناء الأمة، وقد بدأ هذا الأمر يتراجع ولله الحمد، فالذين يتحدثون عن العقَّاد لا يحسِّنُون ولا يقبِّحون بميزان الشرع، وإنما بشيءٍ آخر، فترى كثيرًا ممن يتكلم لا يعبأ به وهو لا يصلي، وهو في معترك السياسة على غير قواعد شرعية، وهو ينصر الحكومات القمعية ويتطاول على الممثلين للإسلام في زمانه([25])؛ وهو يتناول سيرة الرسول ﷺ والصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ بغير ما كانت عليه، وهو ينكر الوحي المنزل من الله على أنبياء الله، وهو يعظم المنحرفين من أبناء الأمة من أمثال الحلاج وابن عربي ويرى أنهم عباقرة في الإيمان!!
سادسًا: الوسطية بين المستغربين:
ومما ساهم في رفع شأن العقاد في حس عوام المثقفين أنه كان وسطًا بين عملاء الفكر المعروفين بعمالتهم من أمثال طه حسين ولطفي السيد وقاسم أمين وعلي عبد الرزاق وبين أهل الحق المستمسكين بالكتاب والسنة من أمثال محمود شاكر ومحمد شاكر وسيد قطب ومحمد محمد حسين ومصطفى صادق الرافعي. والتوسط بين الحق والباطل باطل مهما قيل، فالنور واحد والظلمات كثيرة، قال الله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1].
 
هل كان متدينًا؟
من المُحْكَم في العقيدة، وفي العقول السليمة، أن الظاهر مرتبط بالباطن، فما يظهر على المرء هو مرحلة أخيرة من مراحل السلوك (أول المراحل: هو الإدراك أو المعرفة، وثانيها: التصوير فكل معلومة تصل الإنسان يحولها إلى صورة، وثالثها: التفكير في الصور الذهنية، وهذه المراحل الأولى تسمى عند علماء العقيدة قول القلب؛ والمرحلة الرابعة: الإرادة وتكون إيجابية وسلبية وهي التي يسميها أهل العقيدة عمل القلب، ثم يأتي عمل الجوارح)، فما يظهر على الجوارح ترجمة صادقة لما تكنه الصدور، والعقَّاد يَعرف هذا ويتكلم به!، يقول: (العبادة فرعٌ من العقيدة يشاهد عيانًا في حيز التنفيذ أو التطبيق)([26])، ولم يكن العقَّاد ولا أي من "الرواد" يمارس الإسلام في حياته العامة، فعلى سبيل المثال كان صالون العقّاد الأدبي يعقد صباح الجمعة وينتهي بعد الصلاة بساعة.. أي في الثانية ظهرًا.. أي لا يصلي الجمعة([27])!!
ولم يكن الصالون يناقش قضايا مهمة أو محددة، وإنما (كلام من وحي الساعة.. والأحداث.. أو تساؤلات الزوار). كان مجلسًا للغيبة والنميمة([28])، يحضره اليهود والنصارى والملحدون والبهائيون.
وأظهر العقَّاد تعاليًا على الأنوثة وعداوةً للمرأة، مع أنه غرق في وحل الشهوة إلى أذنيه، فلم تنقطع علاقة العقَّاد بالمرأة، وكلها كانت علاقات غير شرعية!! 
النساء في صالون العقَّاد يجلسن بجواره، وربما يداعبنه ويلمسن يديه أو يمسكن  بمنكبيه، أو يغزلن بأيديهن ويهدينه ما يغزلنه، وقد تجلس إحداهن بجوار سريره عارية الذراعين ببنطال "مِحَزَّقْ" (شديد الضيق، كأن ثوبها بشرة أخرى على بشرتها)، وتدخن السجائر، ويدقق النظر في يديها وخصرها، وتقول ويسمع لقولها([29]).
وقصص الحب في حياة العقَّاد متصلة لم تنتهِ منذ كان صبيًا، وق تحدث عن هذا بنفسه ولم يكن ينكره، وقصته مع مي زيادة (ماري إلياس زيادة) مشهورة معروفة، ونشرَ أنيس منصور بعضها وأحجم عن البعض الآخر لما فيه من (أمور شخصية جدًّا) كما يقول هو([30]). ثم كانت علاقة قوية مع لبنانية كانت تأتيه البيت ويخلو بها ساعات طوال تطبخ له وتضحكه ويضحكها حتى يعلو صوتهما، ثم تركها حين تتبعها ووجدها تخرج من عنده إلى غيره، ويبدو أنها كانت من (بنات الليل).
وانتهى الشباب ولم يرجع عبَّاس عن جسد المرأة، ولم يشأ أن يبحث عن حلالٍ يأوي إليه، دخل في قصة ـ وهو شيخ قد قارب الستين ـ مع إحدى الفنانات التي "لم تقتنع بمجد العقّاد وشهرته، وكانت تريد أن تنطلق إلى عالم الفن وتعيش في قلب الحياة الصاخبة"، وغير ذلك من قصص الحب([31])، وقد ذكرت ما كان بينها وبين العقّاد في مذكراتها وقصتها معه مشهورة معروفة([32]).
وهذا كله بخلاف المرأة التي أنجب منها الطفلة (دُرِّية)، ظهرت هي وطفلتها يوم وفاته([33])، ويبدو من الوصف أنها كانت سيدة من عامة الناس ربما لا تقرأ ولا تكتب، ورجاء النقاش يصرح بأنها هي التي كانت تخدمه في بيته([34]).
وكان أنيسَ العقَّاد في بيته كلبٌ يسميه (بيجو)، كان يحبه حبًّا كثيرًا ويصطحبه معه إن رحل بعيدًا أو قريبًا، وكتب عنه مقالاً في مجلة الرسالة، يعرب فيه عن مودته وشدة تعلقه بهذا الكلب (بيجو)، ثم رثاه حين مات بقصيدة، ولك أن تسأل عمن يحب الكلب ويجالسه: أكان يصلي؟!
يجيبك العقّاد نفسه وهو يحكي ساخرًا متهكمًا قصة "الشيخ" حمزة مع كلبه بيجو([35]).
علاقة عبَّاس العقّاد بالاستشراق:
عكف المستشرقون على قراءة أحكام الشريعة، والسيرة النبوية، والتاريخ الإسلامي، وما كُتِبَ في القرون الأولى، وخرجوا بقراءة جديدة للشريعة الإسلامية.بمعنى أنهم أعادوا قراءة الشريعة لتقبل الآخر ولتقول بما ينادي به الغرب والمستغربون من "المساواة" و"التبرج والسفور" و"تنحية الشريعة"، وأعادوا قراءة التاريخ الإسلامي وخاصة في القرون الأولى لتقدَّم الأحداث للناشئة في إطارٍ آخر غير إطار الصراع من أجل تعبيد الناس لله {لَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل:36]، وأعادوا قراءة كتب الأولين ممن كتبوا في القرون الأولى لإبراز الشاذ كالأصفهاني والجاحظ والجهم والجعد وتشويه المستقيم. وبعض ما كتبوه  ظهر في هيئة  كتب جاهزة للنشر تم تسليمها إلى بعض المنبهرين بهم من أمثال "طه حسين وعلي عبد الرازق" ليكتبوا عليها أسماءهم ثم يخرجوها لنا، فقد برهن العارفون على أن الذي كتب (في الشعر الجاهلي) و(الإسلام وأصول الحكم) هو مارجليوث، وأعطاهم مترجمين إلى كل منهما([36])!! وقاسم أمين جل ما ورد في كتابه من النصارى مثل: "مرقص فهمي" و"الدوق الفرنسي". أو تم تسريب المفاهيم من خلال الصالونات، والصحف، والتواجد في المجتمعات الغربية حال الدراسة (البعثات العلمية).
ويمكننا أن نقول: إن حركة الفكر الشائعة في هذا الوقت كانت استشراقية أو متأثرة بالاستشراق، كان المستشرقون هم الموجِّهون للساحة الفكرية في العالم الإسلامي.
المواضيع التي تناولها عبَّاس العقّادتناولها كل ذي قلم ممن عاصروه، ولم يكن هو أولهم كي نقول: بدأ ولحقوه، وإنما جاء بينهم، وكلٌ كَتَبَ بخلفية مدرسته التي تأثر بها وانتصر لها، وجل من كتبوا كانوا من إفرازات البعثات الغربية أو من المتأثرين بالغرب، مثل(طه حسين)، و(أبكار السقاف)، و(محمد حسين هيكل)، و(عائشة بنت الشاطئ)، وغيرهم.والكتابات كانت تسير في مضمار واحد، وهو إعادة قراءة الشريعة الإسلامية من جديد على خلفيات غربية، أو متأثرة بفكر الغرب.
وكانت لعبَّاس العقّاد علاقة خاصة جدًّا بالغرب؛ فهو مِن أشهر مَن حملوا بضاعتهم في الأدب إلينا([37])، أعني "مدرسة الديوان"، وقد (كان يرى الإنجليز الحلفاء الطبيعيين لمصر)([38])!! وكان يؤمن بالديمقراطية القادمة من الغرب إيمانًا مطلقًا، ويدّعي أنها أفضل الأنظمة على الإطلاق، وهو مخطئ؛ فلا أفضل من شرع الله{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[القصص:50]،ولا ينكر محبوه أنه أحد أفراد المدرسة العقلانية الإنجليزية، حتى كتاباته (الإسلامية) كانت تطبيقًا لنظريات غربية.
 ثلاثة وواحد:
من كتبوا في الإسلام في الفترة التي كتب فيها العقَّاد ثلاثة وواحد. أما الثلاثة، وهم العملاء من وجهة نظري، فأولهم: من لا يخفي تبعيته للغرب واستحسانه سيرتهم، كطه حسين، وعلي عبد الرازق، وقاسم أمين؛وثانيهم: لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، كحسين هيكل ـ فيما كتب عن النبي ﷺ ـ وعائشة بنت الشاطئ؛ وثـالثهم: متـأثرون بمفاهيم الغرب إلا أنهم مستقـلون ظاهرًا؛ كعبَّاس العقَّاد .
وهذا ميزان ثلاثي كاذب خادع، يُستعمل في تمرير بضاعتهم؛ إذ يُعرض هؤلاء الثلاثة على الناس كطرفين ووسط، والناس بطبعها تميل لمن توسط بين طرفين، حتى لو كان هذا التوسط خطأ، وهو ما حدث حيث مالوا لعباس كونه يتوسط المشهد العلماني، وانخدع بهذا بعض المنتسبين للعلم والثقافة الشرعية، فكلما مروا بعورةٍ للعقاد قالوا: ولكنه خير من طه حسين!! وكأن ليس في الساحة إلا عبَّاس وطه!!
والحقيقة أن كل هؤلاء جبهة واحدة، وهناك جبهة أخرى، تجمَّع فيها أهل العلم والإيمان  كفضيلة الشيخ العلامة أحمد شاكر والشيخ محمد حامد الفقي والشيخ رشيد رضا، والشيخ الجوهري طنطاوي،والأستاذ سيد قطب وأخيه الأستاذ محمد قطب، وقد كان هؤلاء رموزًا لتيارٍ عريض يمثل تيار المتدينين في الأمة وقتها بخلاف العقاد الذي لم يكن حال حياته ضمن تيار المتدينين ولا حواليه.
 
الفصل الثاني:
إضاءات على الترجمة
ثمة بعض الملاحظات المهمة على الترجمة، أحاول إجمالها في النقاط التالية: 
أولًا: أذكياء من أولي العزم:
عامة رؤوس الضلالة يُعرفون برجاحة العقل ومضاء العزم، ويعرفون بالتضحية والبذل وصولاً لأهدافهم، فالعقل والكرم والشجاعة متطلبات ضرورية للسيادة، والجبان البخيل لا يُسَوَّد؛ قد تأتيه السيادة إرثًا من أمه وأبيه أو صاحبته وبنيه، أما أن يضطلع بأسباب التمكين فبعيد.
 ومن يقرأ سيرة المنحرفين فكريًا في تاريخ الأمة الإسلامية (أصحاب الفِرق والمذاهب الضالة) يجد جلَّهم أصحابَ صفاتٍ حميدةٍ، أو هكذا يظهرون لعامة الناس، ولا يقف على حالهم إلا الراسخون في العلم؛ ولك أن تتدبر سيرة واصل بن عطاء([39]) وصاحبه عمرو بن عبيد([40])، ومعبد الجهني([41])، ومحمد بن كرَّام (ت 255هـ)([42])، وبشر المريسي([43]) (ت 218هـ)، وغيرهم.
 
ثانيًا: الخصومات من الهوى:

­­­­تبدأ الخصومات الفكرية (العقدية) من مواقف شخصية في الغالب، أو تخرج مندفعة بأحقادٍ شخصية، ومما يذكر هنا أنه قيل لعلي -رضي الله عنه-: من أين يأتي الهوى؟! فأجاب: من الخصومات. وصدق -رضي الله عنه-؛ فأغلبها إحن في الصدور تخرج للناس في شكل (إصلاح) أو (تطوير).
وقد رأينا شوقي يتعالى على العقَّاد فيستعديه، ويأخذ العقَّاد الاتجاه المعاكس لشوقي تمامًا، ويستعين عليه بالآخر، فقد استحضر العقَّاد الكافرين عونًا على المسلمين، ويشهد لذلك أن مدرسة (الديوان) كانت نقلاً أجنبيًّا، ولم تقدم سوى جزأين فقط من كتاب الديوان، وكان عزمهم (العقَّاد ومن معه) على أن يكتبوا عشرة أجزاء. فلم يتكلما إلا في (تحطيم الأصنام) شوقي ومَن حوله، ولم يقدما آراءً بنَّاءة في النقد، ولم يتطرقا لغير شوقي ومَن حوله، وانفك عزمهما بعد التطاول على شوقي، وهذا يبين بوضوح أنها كانت ثأرًا من شوقي أو حقدًا عليه!!
وتكرر في كتاب الله بيان أن الخلاف سببه البغي(الظلم) وليس الجهل، قال الله: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [البقرة: ٢١٣]، وقال تعالى:{ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران: 19]، نعم، الجهل سبب من أسباب الخلاف، ولكنه سبب عارض يزول بعد قليل، كالشك، نوع من الكفر لا يستمر إلا إن صاحبه الإعراض!
البحث عن الذات أو الاعتداد بالنفس مَعْلَمٌ أساسي عند المنحرفين فكريًّا أو المنشقين حركيًّا، فغالب الانشقاقات الفكرية والحركية يكون دافعُ دعاتها البحث عن الذات؛ يقول الله تعالى:{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].
ما نعرفه أننا نختلف ثم نتفرق، ولكن الآية الكريمة قدمت الفرقة على الخلاف لتبين أن النية تكون مبيَّتةً بدايةً للفرقة ثم يأتي الاختلاف مبررًا ليس إلا.

ثالثًا: فردية ضمن جماعة وظيفية:

لا أحد يجادل في شمولية الشريعة الإسلامية، وأن رسول الله ﷺ تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وأن ما من خير إلا ودلنا عليه رسول الله ﷺ، وما من شر إلا ونهانا عنه رسول الله ﷺ؛ فالدين كامل: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} [الأنعام: ٣٨]،{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل: 89]، لا أحد من المسلمين يجادل في هذا مطلقًا، ولكن:
من بديهيات العقل أن شمولية الشريعة وكمالها وتمام حِكمة أحكامها، لا يعني أبدًا أن تنتقل هذه الشمولية وهذه الحِكمة المطلقة إلى المنتسبين إليها، بمعنى: هناك عموم الشريعة وخصوصية المنتسبين إليها.
فلم يكن كل الصحابة سواء، ولم يطلب من أي منهم أن يتجه لما لا يحسن أو لما لا يحب.
في نموذجنا الحضاري يطلق صراح الناس إلى ما يحبون.. إلى ما يحسنون.. حين يشب المرء يشتد إلى ما يحب أو إلى ما يحسن، إن كان محبًا للقتال التحق بالثغور، يتدرب ويتسلح ويجاهد مع المجاهدين دفاعًا عن الدين واعتاقًا لرقاب المستضعفين من المتكبرين في الأرض بغير حق؛ وإن كان من أهل التجارة ذهب إلى السوق؛ وإن كان حرفيًا فإلى ما يريد؛ وإن كان ممن يحبون العلم تربع بين يدي العلماء في بيوت الله، في مجلسٍ تخشاه السكينة والوقار.
ولم تكن الحرية في التوجه العام فقط. بل كان التوجه العام الواحد(جهاد، تجارة، زراعة، تعلم، حرفية...) به عديد من التخصصات؛ فهذا الذي قد يمم وجهه شطر حِلَقِ العلم -مثلًا- يجد نفسه أمام ثمار شهية، بعضها قرآن كريم (تلاوة .. قراءات)، وبعضها تفسير، وبعضها حديث، وبعضها فقه، وبعضها شعر، وبعضها مما ابتدع في الدين (كعلم الكلام)...
وليس فقط تعدد أفقي للتخصصات. بل وتعمق في كل تخصص، ففي كل تخصص عديد من الطبقات، فأهل الفقه ليسوا سواء، وأهل التفسير ليسوا سواء، والقراء ليسوا سواء... طبقات بعضها فوق بعض.. كل حسب جهده ... حتى ينتهي الأمر بأن يكون الفرد علامة على نفسه، يقف حيث هو وحده مميزًا بما من الله به عليه من صفاتٍ (حميدة أو ذميمة) ومشكِلًا في الوقت ذاته ظاهرة مجتمعية شديدة التخصص ممن يحبون الفن الذي تخصصوا فيه، فاحترام للفردية وصياغة للجماعة المتخصصة.
والدولة لا دخل لها بحركة الأفراد، لا تأمر أحدهم بأن يتخصص في هذا أو ذاك. بل تكفل للفرد الحد الأدنى من المعيشة من بيت المال. ففي كل تجمع سكاني حاكم وبيت مال، يأخذ الحاكم من الغني ما فرضه الله عليه من زكاة ويوضع في بيت المال ويوزع بعد ذلك على الفقراء والمساكين ويوزع في التمكين للدين، فلا فقر ولا مهانة..لا يمنُّ الغني على الفقير، ولا يمد الفقير يده للغني. حرية وأمان مادي، وتفعيل تام للإنسان حيث يحب .. حيث يحسن.
وهكذا كان الصحابة، رضوان الله عليهم، كل حيث يحسن، بعضهم لا تكاد تسمع به إلا في التجارة، وبعضهم في القتال، وبعضهم في الرأي والمشورة.... كلٌ نجمٌ ساطعٌ في مكانه.. والجميع يحضر المواقف العامة.
 
ولا يظنن أحدٌ أن الناس إن تركوا  فإنهم يسيرون في اتجاه واحد. أبدًا. لخمسةٍ:
أولها:  في مثل هذا المجتمع يكون التفاضل بالتقوى لا بالوظيفة كما هو حاصل اليوم، ففي نموذجنا الحضاري أكرم الناس أتقاهم، وأحسنهم خلقًا. {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات : 13].
وثانيها: أن الناس بطبعهم مختصون، كلٌ له ما يحسنه؛ وحين يترك لهم العنان لا يتجمعون في نقطة واحدة، هذا يحدث الآن فقط في النموذج الغربي المضاد للفطرة. فالآن لو تركتهم لتجمعوا في عددٍ قليل من الوظائف ذات الدخل العالي أو النفوذ الاجتماعي، وذلك لارتباط الأرزاق والوجاهة الاجتماعية بالوظائف ظاهريًا، ولأن الناس لا يفاضلون بالتقوى.
وثالثها: أن في الشريعة ما يعرف بـ "فروض الكفايات"، وهو ما إن ترك يأثم الجميع. فأحوال الناس كلها بين فروضٍ واجبة وفروضِ كفايات، وبالتالي تسد كل حاجاتهم، ويستقيم المجتمع متزنًا بلا خلل، كما قد كان لقرون طوال.
ورابعها: أن الفرد كان يتحرك في مساحة كبيرة من الأرض دون أدنى عائق سلطوي أو اجتماعي، حيث شاء يحط رحاله كأنه قد ولد في ذات البلد.
وخامسها: في نموذجنا الحضاري تكون الرتب بالأفعال لا بالدعاوى، والمهام تسند ولا تطلب، فالناس لا يستفتون جاهلًا لأنهم أتقياء، أو متدينون في الجملة، والعالم يعيش بينهم ويعرفونه، ولا يدعي أحد الجندية ثم هو يجلس بينهم، بعيدًا عن الثغور، يعربد تجارةً وإرهابًا للآمنين، ولا يؤمن المجتمع الخائن على ما أوقفوه لفروض الكفايات، فهي أموالهم، دفعوها من مدخراتهم وينتظرون الأجر عليها....
وما يحدث اليوم شيء آخر: نساق كلنا في مسارٍ واحدٍ، لا ينظرون للفروق الفردية، لا ينظرون للمواهب الشخصية، كأننا قطيع مواشي وسائقنا فقط من قد رشد.. نساق إلى مسارٍ واحد: الذكور والإناث، الأذكياء والأغبياء، محبي الحرفة ومحبوا التعلم والمطالعة؛ ولذا يتسرب الناس من التعليم، ولذا يكون الفرد مزدوج الشخصية، يتأرجح بين تخصصين أو أكثر، ما يحسنه وما هو مضطر إليه كسبًا لقوت يومه، فتجده صيدلي وسياسي، مهندس وشاعر، مدرس وبلطجي، محامي وتاجر، فلا يحسن الهندسة ولا يحسن الشعر... ويفقد المجتمع التخصصية العالية التي تنفع الناس.
ورؤوس الضلالة انحرفوا عن نموذجنا الحضاري الأول انحرافنا عن نموذجنا الحضاري  
والمنحرفون (كليًّا أو جزئيًّا) بعيدون عن فكرة التخصصية ضمن جماعة وظيفية، فمن المعالم الرئيسة عند المنحرفين فكريًّا أن تجدهم يتكلمون في كل ما يعرض عليهم، أو ما يتعرضون له، ولا يرجعون لأهل العلم، وكذا كان العقَّاد يجاهر برفض التخصصية ويعلن صراحةً أو ضمنًا أنه "موسوعي"، إن تكلم أهل الآثار والتنقيب في الأرض أمسك قلمه وشارك، وإن احتدم خلاف بين عباد الصليب وأتباع الحبيب ـ ﷺ ـ أمسك العقَّاد قلمه وبحث عن مكانٍ لا يقف فيه أحد ثم وقف وراح يرمي، ويكون خصيمًا للجميع، أو مخالفًا للجميع، وإن ذكرت الحشرات قال: قرأت عشرات الكتب عنها!!
وهي ثقافة عامة .. آفة هذا العصر التي قضت على الابداع!!
قديمًا كان الجهم بن صفوان يعمل كاتبًا للحارث بن سُرَيْجٍ -أحد من خرجوا على بني أمية في خراسان سنة 127ه- ولا علاقة له بالعلم الشرعي لا طلبًا ولا عملاً (سلوكًا)، حتى قيل: إنه لم يحج البيت قط، وإنما كان ذكيًا لَسِنًا مجادلًا، مجبولًا على الاعتراض والمِراء، هذه كل ثروته.
اتصل ذات يوم بطائفة من الفلاسفة الهنود، يقال لهم: (السُّمَنِيَّة) وراح  يجادلهم وهـو صفر من العلم معتمدًا فقط على عقله، وابتدؤوا الكلام معه بالسؤال عن مصدر المعرفة، وخاض بغير علم في كتابه الله، وكانت فلسفتهم تـقوم على أن المصدر للمعرفة هو الحواس الخمس، ولما كان الجهم جاهلاً سلَّم لهم بأصلهم الفاسد هذا، فسألوه سؤالاً آخر مبنيًا على هذا الأصل الفاسد، وهو: صف لنا ربك يا جهم! بأي حاسة أدركته من الحواس، أرأيته أم لمسته أم سمعته... إلخ؟!
وسقط في يد هذا الضال المسكين- كما يقول الدكتور سفر الحوالي -، وطـلـب منهم مهلة ليفكر في الأمر، ولم يستطع أن يستلهم حجة، ولم يسأل العلماء فيداووه ويلقنوه، وقادته الحيرة إلى الشك في دينه، فترك الصلاة مدة، ثم استـغـرق في التـفكيـر والتأمل، حتى انقدح في ذهـنه جواب خرج به عليهم قائلا: هو هذا الهـواء مع كـل شيء، وفي كـل شيء، ولا يخـلو من شيء. وهـذا الجواب هـو أساس نـفي الصفات، ومن يبحث يجد أن نفي الصفات هو من قول طائفـة من فلاسفة الهند([44]) تسرب للإسلام عن طريق هذا الضال المسكين الجاهل المتكبر المستكفي بعقله.
ثم خطا الجهم خطوة أخرى؛ وهي أنه راح يُدلي بدلوه في القضايا التي كان الجدال محتدمًا حولها، ومنها قضية الإيمان، واعتمادًا على عقله أخذ يفكر ثم خرج بما قاله في الإيمان، وهو أن الإيمان المعرفة، والكفر هو الجهل، فمن عرف الله بقلبه فهو مؤمن، دونما حاجة إلى قولٍ باللسان ولا عمل بالجوارح، على حد قول الجهم، وهو مخطئ.
ثم خطا جهم خطوة أسوأ من هذا كله، وهي أنه تعصب لمذهبه وأخذ يبحث في الشاذ والغريب من أقوال العلماء ولوازم الأقوال ليثبت مذهبه، فتجمع على الجعد بن درهم في العراق، وخرج من عندهم الإرجاء والتعطيل بتأثير الآخر.
وقريب منه واصل بن عطاء.. تلميذٌ يتعلمُ عند إمام العصرِ (الحسن البصري)، وتطرح أم القضايا المعروضة على الساحة الدعوية يومها (مرتكب الكبيرة)، فلا يجد حرجًا من الإجابة، ثم ينشق على شيخه ويتعصب لرأيه ويلتف حول النصوص فيحملها جبرًا عنها لتشهد بقوله، والنصوص طيعة.. من كلام العرب.. يدخلها الاحتمالات بأدنى الحيل، ولذا تجدها يقينية الثبوت ظنية الدلالة. راح يُنظِّر لمذهبه الجديد، ويضع له الأصول، ولو أنصف لردَّ على الحسن البصري وجادله طلبًا للحق أو ذهب لغيره من العلماء يعرض ما عنده وينصت لما عندهم، كما كان يفعل أبو حنيفة مثلاً؛ ففي سبيل الضالين ثلاثة معالم رئيسة:
الأولى: التكلم عن جهل، أو أن يعتقد الرجل أن العلم كله عنده، فحين يُسأل يجيب بما عنده وهو قليل ولا يراجع أهل العلم، أو يعتمد على عقلة ويُنشئ أقيسه مَغْلوطة، ويلحق بهذا من تعرض عليه مسألة فيذهب يفتش في بعض الكتب، ويعتمد على بعض روايات الإخباريين أو الأحاديث التي لا يعرف درجتها، ويفهم كما يشاء، ولا يضبط فهمه على أحد، ثم يأتينا يتكلم في كبرى قضايانا، يعتمد على شهرته، وسيتضح هذا جدًّا من خلال مناقشة عبَّاس.
والثانية: وهي التعصب لهذا الرأي المنبثق أساسًا من الجهل أو من الرغبة في الثأر للنفس، ويذهب صاحبه للنصوص الشرعية ليحملها على القول بهذا الباطل.
وما أجمل ما قال الشاطبي - رحمه الله- وهو يفرّق بين صاحب الحق وصاحب الهوى، يقول: إن صاحب الحق يذهب إلى النصوص الشرعية ينظر ماذا تقول ثم يمتثل، أما صاحب الهوى فيذهب إلى النصوص الشرعية ليأتي بها على هواه. أو بكلمات أخر: إن أصحاب البدع يعتقدون ثم يستدلون، كما يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في آخر شرح نظم الورقات.
وسيأتي هذا في فِكرِ العقَّاد، سنجد -إن شاء الله تعالى- أن الثابت عند العقَّاد هو (الفردية) و(العقلانية).. هو إثبات الذات في وجه من يتعالون عليه أو من سادوا في الناس بعلمهم أو سلطانهم، وقراءة الشريعة جاءت تابعة لذلك، قرأ الشريعة ليدلل على ما ترسخ عنده من مافهيم غربية غريبة عن الشريعة.
والثالثة: الظالمون من أصحاب السلطان يكون لهم دور في تسويق هذه الأفكار وفرضها على الناس، وتلميع هذه الشخصيات وخلع الألقاب عليهم، وقد انتشر فكر  جهم ومن تبعه فيما بعد، في عهد المريسي، وفي عهد ابن أبي دؤاد، انتشر فكرهم حين أصبح الوزير منهم أو يميل إليهم.
الانحرافات في القديم والحديث مصدرها الآخَر، أو يلعب الآخَر فيها دورًا يصعب تجاهله، وهذا واضح جدًّا في شخص عبَّاس العقَّاد ومن عاصروه، فمدرسة (الديوان في النقد الأدبي) والتي ظهرت على يد العقَّاد والمازني وشكري كانت نقلاً عن الغرب، والعقَّاد نفسه كان يتبنى المدرسة الإنجليزية العقلانية، وبعد أن دب الخلاف بين (المازني وشكري) حين رمى أحدهما ـ شكري ـ الآخرَ ـ المازني ـ بالسرقة من الإنجليز، أنشئت مدرسة جديدة تُكمل المسيرة وتحمل أسماء أحد (آلهة) اليونان وهو (أبوللو)([45])، وكل هؤلاء المشاغبين تعلموا في الغرب وتبنوا أفكاره، ونصَرَهُم الغرب صراحةً أو ضمنًا من خلال أدواته في النشر والتوزيع، والبعثات العلمية، والألقاب...
المنافقون ينصرفون عن الدين لشبهة أو لشهوة - والشهوة تنتهي في الغالب بشبهة، فالمعصية قد تتحول إلى بدعة ثم كفر- و(الآخر) يستغل هذا الأمر، فهم يشيعون الفاحشة فيجتمع المنافقون، ويشيعون الشبهات ويردد المنافقون، ويقيمون منابر للضلال يعتليها المنافقون، وهم يقفون في وجه الطيبين كي يسير المنافقون آمنين مطمئنين لا يخافون.
وإن رحت تستقصي الأفكار الهدامة التي دخلت الإسلام وجدتَ أصلها من الكافرين.. مثلاً بدعة القدرية أوَّلُ من تكلم بها سَوْسن في العراق، وهو نصراني عراقي، أسلم ثم ارتد ثانية إلى الكفر، هذا الكافر المرتد تكلم بالقدر وأخذ عنه معبد الجهني([46])، ثم جاء بعده غيلان القدري وكان بليغًا فتكلم وأكثر، وناظر الضعفاء، وعاند العلماء.
والشيعة بدأها ابن سبأ اليهودي، بعد أن دخل في الإسلام وتقمص دور (المؤمنين) وتعامل مع مرضى النفوس ـ المنافقين ـ والغافلين المتحمسين، فكان ما كان.
وبدعة الجبر ـ أن الإنسان مجبر على ما يفعل.. لا يأتي شيئًا باختياره ـ، وبدعة الإرجاء في الإيمان([47])، والتعطيل في الأسماء والصفات ظهرت على يد الجهم بن صفوان وشيخه الجعد بن درهم، كانت أسانيدهم ترجع إلى اليهود والصابئين والمشركين والفلاسفة([48]). حتى الفلسفة والعلوم الأخرى التي دخلت للإسلام وأثرت في المذاهب الفكرية المنحرفة، كان للآخر علاقة بها، متعاونًا مع الذين في قلوبهم مرض.
فنفوسُ المنافقين والذين في قلوبهم مرض تشرب البدعة، ويتصل بها (الآخر) بقصد- وهو الغالب- أو بدون قصد، ويقوم بتفعيلها لتحدث الفتنة في صفوف المؤمنين.
ولهذا السبب تأثر الفكر الإسلامي بالأفكار الأخرى مع أننا كنَّا الغالبين، والغالبُ في الغالبِ لا يتأثر بالمغلوب، وإنما أوتينا من قبل المنافقين ـ مرضى القلوب ـ اتصل (الآخر) بمرضى القلوب أو اتصلت بهم القلوب المريضة فشربت من حياضهم ثم عادت إلينا، تروي المهزومين والمتطفلين بما ارتوت به. وهذا ما حدث مع العقَّاد، فقد أحب ما عند القوم فنقله، أو حقد على بني جلدته فأراد هزيمتهم بأي شيء ولو كان ببضاعة غيره، وأزيد الأمر بيانًا تحت هذا العنوان:
 
 
رابعًا: المشترك بين عملاء الفكر:

بين كل العملاء ـ المعروف منهم للجميع، والمستتر إلا على القليل ـ قاسم مشترك، به تعرفهم. وبه يقال: إنه عميل أو غير عميل، هذا القاسم المشترك عبارة عن شيئين:
الأول: عدم وجود عداوة، أو بالأحرى عدم وجود مواجهة مع الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، إلا نادرًا، بمعنى غياب سياق العداوة مع الكافرين.
الثاني: الانتصار للفكر الغربي كليًا أو جزئيًا، ويظهر ذلك في تبني كليات الغرب، مثل: الحرية بالمعنى الليبرالي، أو الاشتراكية ...
وهذا حال الثلاثة الذين سبق الحديث عنهم: المعروف للجميع، ومَنْ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، والمستقلين ظاهرًا.
وقد كان هذا حال عبَّاس العقَّاد، فلم يكن الرجل ممن يهاجمون النصرانية، ولا ممن يقفون موقفًا معاديًا من الآخر، وكان يفتخر بأن كتاباته محل رضا عند غير المسلمين([49])، وقد أطال رجاء النقاش في إثبات ذلك، دالاًّ عليه، مفتخرًا به ([50]). وقد مَرَّ في مقدمة هذا البحث أن (صالون العقَّاد) كان يأوي إليه اليهودي والنصراني والبهائي، ومررت سريعًا على دفاعه عن كتاب النصارى ومعتقداتهم ورسولهم بولس، وسيأتي مزيد بيانٍ إن شاء الله.
كان عبَّاس العقَّاد يأخذ كل قوم بما يتكلمون به، إن تكلم عن غاندي الهندي عابد البقرة، فهو (نبي مرسل)([51]) لشعب الهند وغير الهند حتى آمن به قوم من أوروبا، وإن تكلم عن (صن) أبي الصين فهو نبيهم؛ وإن تكلم عن (داروين) ونظريته، فبشيء كبير من الاحترام يتكلم؛ بل مثلت فكرة التطور محورًا رئيسيًا في فكر عباس العقاد؛ وإن تكلم عن (المذاهب الاجتماعية والفكرية) ادعى شمولية الإسلام لجميع المذاهب الاجتماعية والفكرية، وادعى أن أحكام الدين الإسلامي لا تمنع المسلم أن يكون ديمقراطيًّا أو غير ذلك. وما يعنيني هنا أن عبّاس لم يكن جملةً في وجه هؤلاء يصدهم عن حمى الدين وسيد المرسلين ﷺ.


خامسًا: أشياء دون أشياء!

ترجم الغربيون لعبَّاس العقَّاد أشياءً وتركوا أشياء أخرى. ترجموا ما يخدم هدفهم العام، وهو صد الناس في الغرب عن دين الله([52])، ترجموا ما يعطي صورة غير حقيقة عن الشريعة ومن جاء بها من عند الله.. رسول الله ﷺ وصحابته الكرام رضوان الله عليهم. فلا يكاد يصل من الفكر الإسلامي إلى الغرب إلا ما يريده الملأ.
كتب العقَّاد مرةً عن يهود، ولم يُنشر كتابه، فجلس بين مريديه يشكو من تلك اليد المخطئة التي تسمح لأشياء ولا تسمح لأشياء، يقول فيما يرويه رجاء النقاش: (ليس بسرّ مجهول عن كثير من إخواننا أن لي كتبًا فرغ المترجمون من نقلها إلى اللغات الأجنبية، وإن فصولاً منها نشرت في الصحف، ثم وقفت الأيدي الخفية دون طبعها ونشرها، فلم تزل مخطوطة غير مطبوعة إلى الآن، حيل بينها وبين الظهور بدسيسة ممن يعملون عمل الصهيونية وإن لم يكونوا من بني إسرائيل)([53]). ويقول النقَّاش معلقًا: (ولا شك أن الحرب التي تشنها الصهيونية ضدنا ليست حربًا سياسية فقط، وإنما هي فكرية أيضًا).
قد كان عبَّاس العقَّاد في الجملة في مضمار الغرب، كان في الجملة في مضمار المستشرقين، وكان في الجملة ضمن حملة إعادة قراءة الشريعة الإسلامية من جديد بما يتوافق مع هوى الغربين وما شذ فيه عن هذا السياق لم ينقلوه عن ولم يحفوا به.
سادسًا: حصر وهمي:
يقع من يقرأ عن العقَّاد أو المازني أو طه حسين أو غيرهم ممن أُبرزوا في الجيل الماضي في حصرٍ وهمي، وذلك أن ثمة إصرار من العلمانيين على إخراج دعاة الحق من التاريخ، فمثلاً - فيما يخصنا في الحديث عن العقَّاد- نجد أنيس منصور يكتب عن العقَّاد سبعمائة صفحة ولا يأتي على سيد قطب، مع أن سيد قطب صاحبَ عبَّاس العقَّاد حينًا من الدهر، وتجده يعرض نقاشات فكرية طويلة دارت بين العقَّاد وجلسائه ولا يتعرض لما دار بين العقَّاد والرافعي ـ رحمه الله ـ بل ولا يتعرض للرافعي إلا غمزًا ولمزًا([54])!! وكذا رجاء النقاش حين اضطر لأن يذكر شيئًا عن سيد قطب في كتابه (أدباء ومواقف) لمّح ولم يذكر اسم سيد قطب([55])!!
قلتُ: وهذا ديدن القوم في كتابتهم للتاريخ، فنحن نقرأ تاريخ الفراعنة ولا نجد فيه ذكرًا لأنبياء الله، ومحالٌ أن يكون الله قد ترك الفراعنة بلا نذير، والله يقول: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: ٢٤]، يقصون تاريخ الفراعنة ولا يأتون على أكبر حدث فيه وهو موسى- عليه السلام- وبه قضى الله على حكم الفراعنة لمصر وورثَ الأرضَ قومٌ آخرون:{كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ } [الدخان: ٢٨]، ويقصون تاريخ الأمم دون ذكرٍ للرسل، لا من اشتهر منهم ولا من لم يشتهر، حتى إن بعضهم يفتش في التاريخ الذي بين يديه ويقول: أين التوحيد؟! متى عرفت البشرية التوحيد؟!!
 ويصعب تفسير التحولات الفكرية في مصر-والعالم الإسلامي- في العصر الحديث دون استحضار الكافر، بل إننا نجد أن الكافر هو المؤثر الأول في كل التحولات الفكرية في الساحة المصرية، وكان الصراع معه على الحقيقة، كانت جولة مع الكفر على أرضنا.
 

محمد جلال القصاص
يناير 2009


------------------------------
([1]) انظر: زكريا بطرس، برنامج أسئلة عن الإيمان، الحلقة  18بعنوان )شهادة علماء الإسلام لصحة الكتاب "المقدس" وعدم تحريفه(، الدقيقة العاشرة، وتوجد نسخة مكتوبة بموقع زكريا بطرس.
[2] نشرت الحلقة على موقع طريق الإسلام بالصفحة الخاصة، في هذا الرابط: https://ar.islamway.net/lesson/111453/تفعيل-المنافقين
([3])موسعة العقّادالإسلامية المجلد الخامس، (لبنان، دار الكتاب العربي، 1971) ج5،ص11.
([4])عقد المركز القومي للثقافة في 2004 ندوة خاصة بعبَّاس العقّادشارك فيها عدد من المثقفين،وكانت لإحياء ذكرى وفاته، وتعريف الناس بأفكاره وأحواله، وتكرر الأمر في عام 2007م، حاولوا إحياء ذكر ميلاد العقّادبندوة في مكتبة القاهرة تقدِّم للناس أفكاره!!. يتحينون ذكرى الميلاد وذكرى الوفاة من أجل التذكير بما خطت يداه.
([5]) «العقَّاد »: لقب لمن يعملون بالحرير، وكانت مهنة في أجداده.
[6] عباس العقاد، أنا، (مصر، نهضة مصر، الطبعة الثالثة2005)، ص9.
[7]شهدت الأمة الإسلامية محاولات تجديد جادة في القرن الثامن عشر الميلادي، وبعد هجوم الغرب على قلب العالم الإسلامي (الحملة الفرنسية على مصر والشام) تم إدخال تعديلات على مسار التجديد في الأمة بفكرة الدولة القومية عن طريق تجربة محمد علي في مصر والتي تمدد فيما بعد لغيرها من الدول، وجوهر ما فعله محمد علي هو: استدعاء منظومة القيم الغربية كبديل للقيم الإسلامية وإعادة هيكلة المجتمع والدولة على القيم الغربية، وبالتالي اتجه التحديث في التعليم للغرب عن طريق البعثات. في المقابل استمر التجديد بأدواتٍ أقل وكوادر علمية أقل فعمل من خلال الكتاتيب وبعض الرموز وأثمر في المجال الأدبي وظهر أثر ذلك في سبعينات القرن التاسع عشر وكانت الصحوة التي أشير إليها في النص أعلاه، وتم السيطرة على مخرجاتها مرة ثانية إلى أن ظهرت الصحوة الإسلامية عشرينات القرن العشرين، وتم الإفادة منها هي الأخرى[انظر للكاتب مقال: يغرق فرعون ويدخل الإسلاميون التيه. طريق الإسلام، صيد الفوائد، مدونات الجزيرة].
[8] كتاب الديوان كتبه العقّادوالمازني، وأما عبد الرحمن شكري، وهو أولهم وأبرزهم وأكثرهم تمكنًا من بضاعة الأدب وأسبقهم في هذا المجال، فقد غادر مبكرًا. اتهمهم -وخاصة المازني- بالسرقة الأدبية ودب الخلاف بينه وبينهما ثم فارقهم وانشغل بخاصة أمره عن الأدب وأهله.
([9]) ذكر ذلك العقّاد نفسه في حواره التلفزيوني المنشور في اليوتيوب.
[10] فصّل هذا وشرحه واستدل عليه من كلام العقّادلشيخ غازي التوبة في كتابة الفكر الإسلامي المعاصر ص 127 وما بعدها.
([11])انظر: ساعات بين الكتب ص527.
([12])انظر: ساعات بين الكتب ص807 وما بعدها، وانظر ص737 وما بعدها.
([13])انظر: أدباء ومواقف، لرجاء النقاش ص15، وللعقاد كتاب يتحدث فيه عن برناردشو طُبع في المجلد التاسع من موسعة العقَّاد دار الكتاب ـ لبنان، وفي ذات المجلد أيضًا ذكر للشاعر الألماني جيتي، وكذا لشكسبير. فكلهم محل ثناء عند العقَّاد، وهو مما لا يخفى.
([14]) كتب الرافعي في الرد على العقّادكتاب (على السَّفُّود)، والسَّفُّود هو سيخ الحديد يُشوى عليه اللحم في المطاعم، ومُسَّفَّد تعني شُوي على (السيخ)، ذكر ذلك الرافعي في بداية الكتاب (على السَّفود).
([15]) انظر: فتحي رضوان، عصر ورجال (القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة،2003)، ج1، ص229.
([16]) يأتي بيان هذا حالَ مناقشة العبقريات.
([17])تكلّم هو عن ذلك في (ساعات بين الكتب) ص 219 وما بعدها، وفي مقدمة كتابه الديوان، وأعتقد أن المقدمة كتبها المازني.
[18] من بعض شواهد بذاءة تطاوله على أمير الشعراء شوقي وجماهير شوقي العريضة فيما كتبه في الديوان نقدًا لقصيدة شوقي في رثاء محمد فريد، شبه بالشحاذ في الحواري وشبههم بما هو أسوأ من ذلك!!
[19] انظر: د. نعمات أحمد فؤاد، الجمال والحرية والشخصية الإنسانية في أدب العقاد، (القاهرة، دار المعارف، 1983)، ص42
([20]) كان إبراهيم المازني (1890م ـ 1947م) قصير القامة جدًّا بعكس العقَّاد، وكان يصف نفسه والعقّادحين يسيران معًا بالرقم (10)، أعرجًا، صاحب نكتة، يعيش في المقابر فقيرًا معدمًا، متشائمًا يائسًا، لا يخلو من "غزوة" نسائية، ولا يذكر بفضيلة أخلاقية، صحب العقّادفي أول حياته، وأسسا الديوان معًا بصحبة إبراهيم شكري. وعلى صفحات الشبكة العنكبوتية تسجيل صوتي للعقاد يثني فيه على المازني.
([21]) انظر: أنور الجندي، جيل العمالقة والقمم الشوامخ في ضوء الإسلام، (القاهرة، دار الاعتصام، 1985)،المقدمة. وفي هذا الكتاب ردَّ الأستاذُ أنور الجندي ما كتبته يدُ هؤلاء "العمالقة" إلى أصولها الغربية، مبينًا أنهم لم يأتوا بجديد، وإنما كانوا (كباري/ جسور) بين الشرق والغرب على حد تعبيره. وأيد هذا الأمر أنيس منصور في كتاب(في صالون العقَّاد ) ص606.
[22] هذه الأسماء اشتهرت فيما بعد. بعد ان انتشرت الصحوة الإسلامية، ولم يشتهروا بأدوات سلطوية.
([23]) المفكرون والسياسة في مصر المعاصرة ـ دراسة في مواقف عبَّاس محمود العقّادللدكتور محمد صابر عرب، مكتبة الأسرة 2008.
([24]) انظر ما قاله للمخرج السينمائي كمال الملاخ حين أراد أن يدخل بعض التعديلات على روايتهسارة كي يخرجها فيلمًا. (في صالون العقَّاد ) ص644.
([25]) ثارت ثائرة العقّادعلى الإخوان المسلمين وسماهم (خُوَّان المسلمين) يوم اغتالوا النقراشي (باشا) رئيس الوزراء.
([26]) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص116.
([27]) في صالون العقّادص 9، 31، 301  ط. دار الشروق.
([28]) ذكر أنيس منصور تطاول العقّادعلى قرنائه بأسلوب ساخر في ص31 وما بعدها. وفي 520 ومابعدها،  وهو مشهور معروف عنه.
([29]) ذكر ذلك وغيره أنيس منصور في (في صالون العقَّاد ) في ص 9، وما بعدها، وص 287.
([30]) مقال أنيس منصور بالشرق الأوسط بتاريخ 19/12/2007.
([31]) رجاء النقاش، عباقرة ومجانين ص238.
([32])انظر: الشرق الأوسط ـ العدد(10461).
([33]) عنون أنيس منصور الفصل الخاص بوفاة العقّاد بــ (وماتت ابنةُ العقَّاد).
([34]) رجاء النقاش، عباقرة ومجانين ص239.
([35]) رجاء النقاش، عباقرة ومجانين ص240، وما بعدها.
([36])ذكر ذلك الأستاذ أنور الجندي في أكثر من مكان. وقد أثبتُّ ذلك في بحث تفعيل المنافقين المشار إليه في المقدمة.
([37])سبقه نصارى الشام، ولكنه لم يكن تابعًا لهم، ولا متأثرًا بهم.
([38])الفكر الإسلامي المعاصر، غازي التوبة ص134.
([39]) جاء في وصف رأس المعتزلة واصل بن عطاء أنه كان صموتًا فصيحًا بلغيًا كريمًا، صاحب صدقة، سير أعلام النبلاء (5/465).
([40]) عمرو بن عبيد التميمي بالولاء، كان جده من سبي فارس، وأبوه نساجًا ثم شرطيًّا للحجاج، اشتهر بالعلم والزهد، وله رسائل وخطب وكتب، منها «التفسير» و«الرد على القدرية». كان المنصور يحبه، ورثاه بعد وفاته. انظر: سير أعلام النبلاء (6/104)، وانظر: الأعلام للزركلي (5/81).
([41]) معبد بن عبد الله الجهني، البصري المدني، سمع من ابن عبَّاس وعمران بن حصين، وكان صدوقًا ثقة في الحديث، أول من تكلم بالقدر في التابعين، تسرب إليه القول بالقدر من سوسن النصراني، يقول عنه الذهبي: وكان من علماء الوقت على بدعته. انظر: سير أعلام النبلاء (4/185)، وانظر:  الأعلام للزركلي (7/264).
([42]) يقول عنه الذهبي: كان زاهدًا عابدًا ربانيًا، بعيد الصيت، كثير الأصحاب. وانظر: الأعلام للزركلي (7/14).
([43]) جاء في ترجمته في سير أعلام النبلاء: المتكلم المناظر البارع.. كان من كبار الفقهاء، دينًا وورعًا، له تصانيف جمة.
([44]) وسنقف مع هذه في نقطة لاحقة إن شاء الله وقدّر.
([45]) «أبوللو» كلمة يونانية تعني إله الجمال والحب.
([46]) ذكر ذلك الحافظ الذهبي في ترجمة معبد الجهني في سير أعلام النبلاء (4/187).
([47]) ذكر الدكتور سفر الحوالي في كتاب (الإرجاء) أن إرجاء الفقهاء ظهر قبل الجعد بن درهم والجهم بن صفوان. وإنما عنيت هنا البدعة التي يفسق صاحبها أو يكفر في الإيمان وفي الأسماء والصفات والتي تسللت للدين عن طريق الجهم والجعد.
([48]) الفتاوى (5/6).
([49]) عبقرية عثمان، المكتبة العصرية ص17، وكرر الكلام في مقدمة للطبعة الثانية من عبقرية المسيح.
([50]) انظر: أدباء ومواقف لرجاء النقاش ص14 وما بعدها.
([51]) بينت هذا وشرحته عدة مرات.
([52]) انظر للكاتب: جدال وقتال، بالصفحة الخاصة في صيد الفوائد وطريق الإسلام.
([53]) رجاء النقاش، أدباء ومواقف ص16.
([54]) وأعجب ما اطلعت عليه في هذا الباب هو ما فعله القس النصراني لويس شيخو في كتابه (شعراء النصرانية) وهو كتاب منتشر، جعل كل شعراء الجاهلية نصارى!!
([55]) أدباء ومواقف ص17.

 

محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية