اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/alkassas/13.htm?print_it=1

كزرعٍ أخرج شطْئه

محمد جلال القصاص

 
يقول الله تعالى " .... ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزّراع ليغيظ بهم الكفار ...." [ الفتح :29 ]
واحدٌ من الأمثال المضروبة في القرآن " وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون "[ العنكبوت : 43 ]
مثَّل الجماعة المؤمنة في نشأتها ونموها بالزرع يبتدأ بإخراج ورقتين على سطح الأرض إن وطئت عليها قدمُ طفلٍ قضت عليها , ثم ترفعها ساق ضعيفة ، ثم تشتد الساق , وتضرب جذورها في الأرض , وتصبح عشبة فشجرة بلا ثمر ثم تثمر الشجرة , وهكذا بدأت الجماعة المؤمنة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كمتتابعة حسابية بلغة أهل الرياضيات أو كخلية سرطانية بعرف أهل الطب أو " .. كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه ...." وقول ربنا أدل وأبلغ .
هدف الدعوة الإسلامية :ـ

أو قل : مشروعها الحضاري الذي خاطبت به كل الحضارات القائمة على وجه الأرض يومها .. الفارسية والرومانية وباقي الشعوب القبلية . كان هدف الدعوة من أول يوم واضح جلي وهو تعبيد الناس لله ، بشقي العبادة ..الطاعة والنسك , وذلك بإفراده بالطاعة فلا يُتَّبَعْ غير أمره ولا يُنْتَهي عن غير نهيه .. يحل حلاله ويحرم حرامه . وإفراده بالنسك فلا ينذر لغيره , ولا يذبح لغيره ولا يقسم بغيره ..." وهو ما يسمى في عرف علماء العقيدة بتوحيد الألوهية أو التوحيد العملي أو توحيد القصد والطلب .

تمت المطالبة بهذا بموجب صفات ربنا تبارك وتعالى البادية آثارها في ذات الإنسان " وفي أنفسكم أفلا تبصرون " وفي كل ما حوله وهو ما يسمى بتوحيد الربوبية ، ووصفت الجنة كثواب لمن أطاع والنار كعقاب لمن عصى , وقص عليهم قصص من سبقوا كيف كانت عاقبة المتقين , وكيف كانت عاقبة الفاسقين .
ولم تتطرق الدعوة إلى القوى العظمى الموجودة في ذلك الوقت , ولا إلى القوى القبلية القريبة من مهد الدعوة ( مكة المكرمة ) بل لم تعط أي تفسير عن كيفية التعامل معها ، وانصرفت إلى ترسيخ معنى العبودية في نفوس اتباعها ... بدأت تتكلم في التوحيد ترسي قواعده ثم انطلقت منه وبه إلى غيره ، اتجهت إلى قضايا المجتمع الأخلاقية تصلحها من منطلق إيماني .
تأمر الناس بترك الزنا وكل ما يوصل إليه لأن الله ـ الذي عرفوه بأسمائه وصفاته ـ هو الذي أمرهم بهذا .وتقول لهم إن الجنة ـ التي عرفوها ـ جعلت ثوابا لمن أطاع ، والنار ـ التي عرفوها ـ جعلت عقابا لمن عصى .
وتأمرهم برفع اليد عن مال الغير لأن الله ـ الذي عرفوه بأسمائه وصفاته ـ هو الذي أمرهم بهذا . وتقول لهم إن الجنة ـ التي عرفوها ـ جعلت ثوابا لمن أطاع ، والنار ـ التي عرفوها ـ جعلت عقابا لمن عصى .. وهكذا .
وما استجاب للدعوة في بادئ الأمر إلا أصحاب الهمم والعقول والصفات الحميدة ، ثم من بعدهم ( التبع في الخير ) ثم دارت المعركة الإعلامية والحربية مع الملأ الذين استكبروا ، وحين انتصر المسلمون انضم أصحاب الفروش والكروش ، وتَتَبَّعْ عدد المسلمين في بدر والخندق والحديبية ثم فتح مكة واليرموك يتبين لك مرادي .
وحين بدأ الزرع ينموا . ... حين خرجت الدعوة من مكة ، كانت على ذات النسق , تعرَّف الناس بربهم وبما يريده منهم , ومن يقرأ رسائل رسول الله صلى الله عليه وسلم يستيقن من هذا " أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين " يا أهل تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ". ولم يقبل في هذا المفاصلة .
ولو أن أحدا من ( فقهاء الواقع ) وأرباب التفكير موجود يومها وهو خبير يعلم حال الجيوش الفارسية والرومية والعربية القبلية ويعلم مناهج القوم وكيف تمسكهم بها ثم يرى الطرح الإسلامي يضاد ذلك كله . ماذا كان سيقول ؟ أي شيء غير الطريقة التي انتهجها الإسلام يومها . هذا يقيني وأراك لا تخالفني .

كانت السيماء الظاهرة للمنتسبين إلى الإسلام كما وصفهم ربهم " ... تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوان سيماهم في وجوههم من أثر السجود .." .بهذا خرجوا إلى الناس مجاهدين وتجار , وكل من رآهم وهذه السيماء عليهم وهم يحملون السلاح أو يحملون البضائع تأثر بهم .
ويوم نزلت طلائع المسلمين على الجزيرة الخضراء في الأندلس ، نادى سكان الأندلس قومهم : أدريكونا فقد جاءنا قوم لا ندري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء ... لما يرون من حالهم . ومثل هذا كثير .
وعلى يد أصحاب هذه الصفات حدث ما لم يحدث في التاريخ من قبل ولا من بعد . وهو أن فتحهم للبلاد لم يكن فتحا سياسيا يسيطرون فيه على مقاليد الحكم ويقهرون الشعب . بل ما إن يختلطوا بالشعب ـ وهم يحملون السلاح ـ حتى تفتح لهم القلوب مما هو على وجوههم من أثر السجود .
ثم لما تخلى المسلمون عن هذا المشروع العملي ... لما رُفعت الجباه عن الأرض ، واسودت من الغفلة وكثرت الكلام وقلة العمل والتعلق بالدنيا ، بطل مفعولهم .

نعم لم تكن الدعوة تفعل اكثر من أنها كانت الدعوة تعطي تفسيرا للإنسان عن نفسه ... من جاء به ؟ .. ولم جيء به ؟ وما ذا ينتظره بعد الموت ؟ . تخاطب الناس بالآخرة ، وتجعل الرقي في الدنيا وما يتعلق بذلك من سعي على الرزق تابع لرضى الله عز وجل ووسيلة لنيل الأجر للغاية الكبرى وهي الجنة ورؤية وجه الرحمن .هذا هو مشروعهم الحضاري الذي خاطبوا به الشعوب . لم يصلنا عنهم غير ذلك . ونحن مأمورون بسلوك دربهم ." ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا "
والمتتبع لسير الدعوة الإسلامية يجد أنها لم تدخل في مهاترات ومناظرات فكرية مع من تصفهم بالكفر والجاهلية وانصرفت بكل جهدها لشرح غايتها التي هي تعبيد الناس لله ثم وهي في طريقها تعرضت لمنهج المخالف . أي أن نقد المخالف ومناظرته جاء تبعا ولم يأت أصلا .فلم تنشغل الدعوة بالمناظرات ولا بالكلام بل كانت عملية جادة من يومها الأول . فالتنظير الفكري المجرد أبد لم يكن هناك .
والذين يحاولون الانتصار للدين عن طريق التنظير ، ويسعون إلى تقديم الدين للآخرين في شكل نظريات ، والذين يحاولون إعادة قراءة نصوص الشريعة لتحسين الصورة أمام الغرب إنما يضيعون وقتهم في ما لا طائل من ورائه . فليس هذا طريقنا ، وقد أثبتت التجارب فشله . فمن قبل حاول جمال الدين (الأفغاني ) ومحمد عبده ومن أتى بعدهم ، وفي كل مرة نخرج من التجربة بالتنازل عن شيء من ثوابتنا وإضفاء الشرعية على أشياء مما يريده القوم . فأولى لكم أن توفروا جهدكم لتربية النشء وإخراج نماذج عملية . فالقوم ما كفروا لأنهم يجهلون ديننا ، والقوم ما كفروا اعتراضا على شرائعنا ، الأمر أبعد من هذا أيها السادة .وفي النية أن اكتب على صفحات المحايد عن الإيمان وضده مستندا إلى السيرة النبوية ومخاطبا الواقع إن شاء الله وقدر .

 

محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية