صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تفعيل النساء 2
(من أسباب انحراف السلفية في مصر)

محمد جلال القصاص


بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

تفعيل النساء
2
(من أسباب انحراف السلفية في مصر)


المشهد السلفي المتعلق بالنساء واحد في كل مساجد السلفيين في مصر ، وربما خارجها، شيخ يلقي درسًا، ويتلق درسه الرجال والنساء. الرجال والنساء يتلقون ذات المادة العلمية، في ذات الوقت، والتفرقة فقط بعزل النساء وتسترهن بالثياب حال قدومهن للمسجد. ولم يفكر السلفيون في أن الذكر ليس كالأنثى، فثمة تمايز، نفسي وبدني، كل يصلح لمهمة لا يصلح لها الآخر. والسؤال: كيف تكون هذا المشهد المغلوط؟، ولم استمر؟

من أفضل من حلل سبب انحراف المعاصرين من السلفيين الشيخ الدكتور هشام حبلص، بدا مختلفًا عن عامة السلفيين، والسبب أنه فكر، والسبب أنه امتلك أدوات غير تقليدية في البحث العلمي. فاعتماد مبدأ التفكير واعداد النفس بشيء غير تقليدي يثمر رصدًا حقيقيًا للظواهر ومعالجة صحيحة بحول الله وقوته. ولا تستطيع أن تبدع وأن لا تفكر في التغيير أو التطوير، ولا تستطيع أن تبدع وأنت لا تمتلك أدوات متطورة في مجالك. والموفق من وفقه الله وهداه، نسأل الله العظيم هدايةً وتوفيقًا، وحسن خاتمة.
قدَّم الشيخ الدكتور هشام حبلص حلولًا لكثير مما قد انعقد برأسي فيما يتعلق بالظاهرة السلفية ككل، ولذا صحبته أرجو أن ينفعني الله بما عنده.

وهذا ملخص كلام الشيخ بتصرف يسير: الحالة السلفية المعاصرة منقطعة الجذور، فقد مرَّ بالأمة، وخاصة مصر وما حولها من أهل الشام والمغرب، قرون من الجمود والتقليد، قلَّ فيها العلماء العاملون المحافظون على منهج الأولين، وحين ظهر هؤلاء السلفيون المعاصرون تعلموا من الكتب بدون معلم، فسلفية اليوم بلا أستاذ، لم يتصل سندها بأهل العلم من السلف الصالح.. عامتهم شيخه كتابه، ومن صحب شيخًا صحب جامدًا مقلدًا، فنقل جمودًا وتقليدًا، وهم يتحدثون بهذا في سيرتهم الذاتية، يفاخرون بأنهم "بنوا أنفسهم"، وما في هذا فخر، بل هي أمارة ضعف، ولا يغرنك علو الصوت وانتشار الذكر فهذا من قلة البضاعة –بين أبناء الجيل - لا من جودتها.
وأيضا تصدروا مبكرًا، فتجد أحدهم قد تمشيخ وراح يصنف ويفتي ويضع "منهجًا" وهو طالب جامعي!!، ولك أن تتدبر التجارب التي تطفو على سطح الحالة السلفية اليوم، ستجد أنها تضع "مناهجًا" وتصنف الكتب وتعلم الناس منذ كانوا طلابًا في الجامعة، ويفاخرون بهذا، وما في هذا فخر، ثم حين كبر سنهم راحوا يناطحون علماء الأمة من السلف الصالح، غرَّهم تجمع الشباب حولهم وانبهارهم بهم.

كان الأولى بهم أن يطلعوا على التجارب النجاحة ويستحضروا تجربةً منها في النهوض ثم يقلدونها بعد تعديلها، كما فعل الشيخ الدكتور هشام حبلص، وكما فعلت التجارب النهضوية الحديثة في دول الشرق والجنوب. لم يفكر هؤلاءالكرام ، ولم يتدبروا، تعجلوا. حتى من رحل للشيخ الألباني (والشيخ الألباني ممن تعلم من الكتب)، أو ابن عثيمين –رحمهما الله- لم يصبر ويتبحر، بحيث يكون تطويرًا أو نقلا لما عند العلماء من آداب وآلية استنباط ثم علم، وينبت مختصين يكفون الأمة بابًا من أبواب الحياة، وإنما انتشر في طرقاتها فما زاد على نشر ثقافة عامة ذهبت بها برامج "التوك شو" في ساعة من نهار.

وحين عاد هؤلاء الشباب لكتب السلف أخذتهم قوة الثقافة السلفية ولأنهم على عجلٍ من أمرهم ولأنهم شباب لم يمتلكوا أدوات أكثر جودة للبحث والتصنيف، ولأنهم أطباء ومهندسون (علوم طبيعية) لم يتعلموا العلوم الاجتماعية، لم يقفوا مع السياق المجتمعي (الحضاري) الذي يأخذون منه، لم يتدبر أحدهم في الآلية التي أنتجت هذا الكم الهائل من العلم وغيرت التاريخ. فأخذوا قليلًا وتركوا كثيرًا، وبانتقائية عشوائية، وتعدوا على السياقين: السياق الذي نقلوا منه والسياق الذي نقلوا إليه.

وعلى سبيل المثال: السياسة.. أم القضايا اليوم: تسعة أعشار ما كتب السلف –تقريبًا- لا زال مخطوطًا، حسب الدراسات، وأمهات الكتب في السياسة الشرعية لا تدرس في حلقهم العلمية. وحتى الدراسات الأكاديمية في محافل السياسة العلمانية لم يدرسها أحدهم. حين فتح لهم الباب جاءوا مسرعين. والذي أعرفه أن الخطوة الأولى في كل عملٍ جاد أن تدرس دراسة بحثية تفصيلية لتكون رؤية ثم تقدم. ولك أن تتبع الآن ما يفعل الكوريون والصينيون، يدرسون المجتمعات تحسبًا لما قد يأتي مستقبلًا ... يدرسون، والأمريكان بعد الحرب العالمية الثانية لم يأتوا إلا بعد دراسة، ولا زالوا.
والسلفيون كثر، ومن الطبقات الذكية، ولكنها حالة من العجلة، ولا أدري لماذا؟، لو نفر منهم طائفة إلى كل مجال ودرسوه لسادوا في أعوامٍ قليلة.

كيف تكون هذا المشهد المغلوط في مساجد السلفيين؟

رأوا أن السلف كانوا يبذلون العلم في المساجد في حلق، وأن إماء الله لا يمنعن بيوت الله، وأن الاختلاط محرم، وأن التبرج حرام، من هذه المعطيات تكون هذا المشهد المغلوط الذي وصفته أول المقال (شيخ يلقي درسا على النساء والرجال في آن واحد)، ونقلوه عن بعضهم، فانتشر هنا وهناك، وهم يدَّعون أنها حالة من الاتباع للسلف، وأبدًا أبدًا لم تكن حالة من الاتباع، بل حالة من البتر للنص والاستدلال به في غير سياقه، فقد كان السلف يطوِّرون من فعالياتهم كلما جد جديد يفيدون منه، وهذا واضح في تتبع الحركة العلمية فيما بعد القرن الثالث، والتي عمدت إلى انشاء المدارس العلمية، والأوقاف ونحو ذلك.
لذا لم تثمر الحالة السلفية تفعيلًا للنساء، ولم تثمر الدعوة السلفية عمومًا انتشارًا في المجتمع وتكوين حضارة (عادات وتقاليد في المجتمع كله)، وإنما أفرادًا صالحةً منعزلةً داخل المجتمع كأحد استثناءاته، أو كأحد ظواهره في أحسن الأحوال، ولكنها -مع كثرة أفرادها- لم تشكل مجتمعًا، ولا تستطيع وهي هكذا!!

وثمة ملحظ آخر مهم وهو أن: إصرار الحالة السلفية على البتر من السياق السلفي الناجح ومحاولة زرع ما بتروه في سياقنا المختلف أعطى فرصة لبعض المنحرفين أن يستحضر صورًا أخرى من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته-رضوان الله عليهم- ويفسرها تفسيرًا مغلوطًا ثم يبني عليها حالة موازية تتكئ هي الأخرى على الشريعة، كما فعل "الدعاة الجدد" في استحضار حال الصحابية الجليلة أم عمارة –رضي الله عنها- وهي تقاتل بين الأبطال يوم أحد، ومن كانت تداوي الجرحى في المسجد، وتسقيهم في ساحة القتال، وقدَّم من هذه الاستثناءات قراءةً مغلوطةً لبَّس بها على الناس، فأصبحنا بين انحرافين، ولو صبر الطيبون واستقرؤوا حال المجتمع الإسلامي في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وفهموا النصوص في سياقها المجتمعي كلية ما تعدوا ولا تركوا غيرهم يتعدى.[رددت على شبهات الدعاة الجدد في كتاب مطبوع بعنوان "عمرو خالد ـ دراسة بحثية تحليلية نقدية"].

ومما ساعد على استمرار هذا الوضع المغلوط القداسة التي خلعها بعض الشيوخ على أنفسهم ورضيها أتباعهم حتى تجد من حال بعض الأتباع أنه يرى أن رضا الله في رضا الشيخ وسخط الله فيما يسخط الشيخ، و"الشيخ" يدري ولا يزجر بل يعلي صوته "بحرمة لحوم العلماء" ونقمة الله التي تقف على رؤوس من ينتقصهم، وهذا –أيضا- نص مبتور يعمل في غير محله. ولذا دخل الأتباع فيما أقامه الشيوخ مستسلمين لا يفكرون في تغيير أو تطوير، فضلا عن أن بضاعتهم من بضاعة شيوخهم وأدواتهم هي أدوات شيوخهم، فما زادوا على كثرة الأعداد.

حين كثر النساء بين السلفيين تنادوا لعمل نسوي خالص. ولم يأتوا بجديد. لم يتدبروا أن الذكر ليس كالأنثى، وهم يتلونها ليل نهار!!
ذات المناهج التي وضعها الشباب المقلدين أو غير المعلَّمين أعطوها للنساء، وقسَّم النساء أنفسهن هكذا بلا ترتيب، واحدةً للعقيدة وواحدة للفقه، وأخرى للتفسير، وربما رابعة لأصول الفقه. كل واحدةٍ منهن تغرف من دروس الشيخ أو من كتب الشيخ، وإن جدت واشتدت وعلت همتها فتحت كتب السلف وراحت تتلو على من يجلسن لها!!

يا قومنا!!
"وليس الذكر كالأنثى"، "ومن أصدق من الله قيلاً"، "ومن أصدق من الله حديثًا"؟

أين الخلل؟

الخلل في أن السياق الذي اقتبسوا منه (حياة السلف الصالح) كان المسلمون ممكنين، كانوا في دولةٍ مسلمة، وفي حضارة مسلمة، واليوم الأمر مختلف: الدين غريب والناس في حالة تجهيل يعرفون المنكر وينكرون المعروف.
والخلل في فقدان التخصص والتعمق كما كان سلفنا الصالح، فقد كانوا فقهاء ومفسرين، وأصوليين، وأهل تاريخ، وأهل علوم إنسانية، وطبيعية، كل يدري شيئا عن كل شيء وكل شيء عن شيء. وعالمهم مجتهد يمتلك أدوات الفهم والاستنباط، ويتعرض للنقد من أبناء تخصصه بشكل مستمر ويطور تلامذته نتاجه، ولكن هؤلاء المتصدرين مختلفون عن الأوائل: لا يملكون أدوات الاجتهاد، ولا يقبلون أي نقد، بل يعتبرون مجرد الاحتاج عليهم استحقاق لعقوبة الله. الخلل في إهدار قيمة النساء المجتمعية وعدم القدرة على تفعيلهن فيما يصلحن له.

أيقنت من خطأ المشهد بعدما ترددت على مجلس الشيخ مصطفى العدوي عدة أسابيع، وأن علي أن أرحل بصاحبتي، وأن ما يحدث مفيد في قليله وإهدار للوقت والجهد والمال في كثيره، وأن النساء لا يصلحن لتعلم الحديث. أتكون إحداهن محدثة؟!!، ربما تشذ إحداهن ... ربما.

لم أعرف وقتها إلى أين أتجه؟، ولا ما هو البديل، فقط أن هذا لا يصلح، فعزمت على الخروج.وعند الرجال حرام أن تقيم على ما لا ترى صوابه، بدعوى أنك لا تجد غيره، إرحل واستعن بربك يعينك، "ومن يتوكل على الله فهو حسبه"، لا تجلس على ما تنكره بدعوى: "وما البديل"؟ لابد أن ثمة بديل، فاستعن بالله وابحث عنه، والتضحية شيء نستلذ به، ونرجو من الله الأجر عليه.ومن ترك لله أبدله الله خيرًا، "إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم ويغفر لكم"، "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"، وقولة عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- "هب أن النصراني مات".

تعقدت الأمور أكثر بعدما طال الحديث بيني وبين صاحبتي، رأيت أنها لا تحسن ما أحسن، ولا تهتم بما أهتم به، كان هذا في منتهى الوضوح بالنسبة لي، فقلت لابد أن تنصرف هي إلى شيء غير الذي أنا فيه، مع إصراراها على أن تصف قدميها خلفي وتتبع أثري. فقلت- في نفسي – لن أنصح لها إن طاوعتها وأنزلتها غرزي.

وثانية لم أعرف إلى أين أتجه، وما عندي غير الدعاء واللجوء إلى الله أن يهيئ لنا من أمرنا رشدًا. ولم اطاوعها في فعل ما ترغب وأنا لا أرى صوابه، لم استسهل، ورحت أبحث لها عن شيء يناسبها، وكل هذا وأنا صامت، العقل يمور، والوجه يبتسم، واللسان يبسط حلو الكلام، والقلب معلق بالكريم المنان.

في هذه الفترة قرأت كتاباً عجيبا للشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد، وهو كتاب "حراسة الفضيلة"، قرأته عدة مرات وكان فيه حل المشكلة، تحدث العالم العلامة المتدبر عن أن المرأة شيء والرجل شيء آخر، والعلاقة بينهما تكاملية. قطعتُ هذه الجملة وأخذت ارددها أيامًا.. أقول : ... والعلاقة تكاملية... فلتكن الأسرة مشاريع وليست مشروعًا واحدًا.. الرجل يقوم بشيء يصلح له.. يناسب إمكاناته البدنية والنفسية، والمرأة تقوم بشيء آخر، ثم الأبناء يُصرفون إلى ما يحسنون.. العلاقة تكاملية.
ثم تأكد الأمر عندي بعدما طالعت في علم النفس والبرمجة العصبية (التنمية البشرية)، فاستقام الأمر عندي على أن أدخلها في مشروع خاصٍ بها، واتجهت لربي أسأله العون والرشد، فكان الحل في التوجه لكتاب الله. وفي المرة القادمة: مفازة تعلم التجويد ثم تعليمه، ثم تعليم الأبناء.

محمد جلال القصاص

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية