اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/alkassas/37.htm?print_it=1

حاجتنا إلى الانتقاء في التربية

محمد جلال القصاص

 
وأعني بالانتقاء انتقاءُ الأفراد وانتقاء  المناهج التعليمية .
 
بعد استسلام المقاتلين في ( عين التمر )[1] لخالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ دخل خالدٌ الحصن فوجد فيه كنيسة بها أربعين غلاما من خيرة غِلمانهم قد حبسوهم على تعلم النصرانية  ، فأخذهم خالد بن الوليد وفرقهم بين المسلمين فكان من ذرية هؤلاء كثير من أئمة المسلمين فيما بعد من أمثال محمد بن سرين وموسى بن نصير وغيرهم من أئمة التابعين وقادة الفتوحات الإسلامية[2] .
 
واشتهر في التاريخ اصطفاء مجموعة من الأفراد ذوي المهارات المعينة من أجل تنفيذ مهام محددة ، وكان أكثر ذلك في القتال ، وعلى سبيل المثال المماليك البحرية[3] والفتيان العامريون[4] والانكشارية [5]
 
  ومن هذا الكلية التي أنشأها اللورد ( كرومر )  و ( الشيخ )  محمد عبده ( 1849م ـ 1905م )  في مطلع القرن العشرين لتخريج قضاة شرع من ذوي الطابع التحرري  . . . كانت بمثابة محضن تربوي لمجموعة منتقاة من الطلبة وتعتمد على برامج علمية منتقاة أيضا لتحقيق أهداف خاصة ... كانت ( نظم تذود الطالب ببرامج ثقافية ذات طابع تحرري ولا تحصر الطالب في الدراسات الخاصة) و( قد كانت تجربة أثبتت نجاحها من كل والوجوه )  كما يقول ( كرومر ) في تقريره لحكومته عام 1905م[6] . وهذه المدارس هي التي خرج منها جيل كامل من الشاذين فكريا وأصحاب الطموحات الدنيوية ـ كما يصفهم الدكتور محمد محمد حسين  ـ يرحمه الله ـ والذين كانوا سببا رئيسيا من أسباب تغريب الأمة .  
 
وقد فطن عباد الصليب إلى هذا الأمر فعمدوا إلى إنشاء مدارس تربوية خاصة . تعتمد مناهج معينة تحقق أهدافهم ، وتقبل طلابا بصفات معينة من الذكاء أو الوضع الاجتماعي ـ أبناء الأمراء وكبراء القوم ـ  ولكي تعرف خطورة هذه المدارس أنقل لك كلمة أحدهم ، يقول وقد أسس مدرسة في اسطنبول عام 1863م : « لقد أنشأ الأتراك حصناً لفتح إسطنبول ، وأنا سأنشئ هنا مدرسة لهدمهم » ، وما يعنيني هنا أن هذا المدارس قامت على نوعي الانتقاء الذي أتكلم عنه انتقاء الأفراد وانتقاء المنهج . وكانت محصلتها ما نحن فيه اليوم[7] .
 
إننا اليوم بحاجة إلى مناهج تربوية جديدة تقوم على مبدأ الانتقاء ، مناهج تربوية تميز بين الذكور والإناث في العملية التعليمية ، وتميز بين الأذكياء ومحدودي الذكاء ، وتعطي كلا ميولاته الفكرية والعملية .
إذ لا يُعقل أن يكون نفس المناهج التعليمية للذكر هي هي التي تدرس للأنثى ، فالله عز وجل خلق كائنين بصفات خُلقية وجسدية تختلف عن الآخر ، و( ليس الذكر كالأنثى ) وكل منهما يصلح لآداء مهمة لا يصلح لها الآخر [8]. ومعلوم أن نضوج الأنثى عقلا وجسما يكون قبل الذكر وهذا الأمر أيضا يحتاج لمراعاة في العملية التعليمية .
 
إننا اليوم بحاجة إلى مناهج تربوية جديدة تحقق الهدف الرئيسي من عملية التعليم في الإسلام وهو ـ كما أراه ـ هداية الناس في الدنيا لينجوا من عذاب الله ويفوزوا بنعيمه في الآخرة . وتدريس علوم الدنيا يكون من هذا المنطلق .
 
مجموعة منتقاة ولا منهج :
 
 بعد التضييق على حِلَقْ العلم في المساجد في كثير من البلدان الإسلامية انتشرت الدعوة الفردية في البيوت ، وهذه الدعوة على أشدها الآن ، والقائمون عليها صغار السن قليلو العلم تحركهم الغيرة على الدين وحب الخير للناس ، يَدْرسُ ـ أو يقرأ ـ  أحدهم الرسالة الصغيرة ويُدَرْسها لمن لَحِقَهُ في ( الالتزام ) ، وجلها لا تحكمه منهجية علمية محددة . . . يسمع أحدهم المحاضرة أو يقرأ الكتاب فيعجبه فيوصي به قرنائه أو يدرسه لزواره .
فهذه مجموعة منتقاة ولا منهج ، ولا بد من مد يد العون لها وتقديم مادة علمية مناسبة في صورة كتب أو مقالات توجيهيه هادفة ، وهذا الأمر متاح الآن بعد ظهور مواقع عديدة لشيوخ الصحوة ـ حفظهم الله ـ .
 
إن لم نتدارك هذه الحلق اليوم ونقدم لها مادة علمية مناسبة فلا ندري ماذا سيخرج لنا غدا من أحاديث الغرفات التي تستمر بالساعات يوميا ـ أو يكاد ـ تحت ستار الليل .
فقد تفرز لنا هذه الحلقات ( أئمة ) و ( شيوخ ) ولا ندري بما سيخرجون علينا . فمن الآن .
 
خطوات للتنفيذ :
 
من المعلوم أن إنشاء مدارس ( رسمية ) لهذا الغرض أمر مستحيل في معظم البلدان الإسلامية ، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله . وإن صدقنا النية مع الله تفتحت لنا الأبواب ، وأبواب الخير في هذا المجال كثيرة  أذكر منها .
 
ـ أن تنشط الهمم لكتابة  منهج تربوي جديد يخاطب إنسان اليوم ، هذا المنهج  يستقيم وأهدافنا الإسلامية الكلية ، وهي ـ في جملة واحدة ـ : هداية الناس في هذه الحياة والنجاة من عذاب الله يوم القيامة والفوز بنعيمه كما أسلفت .
 
ـ تدريب مجموعة من الشباب ذوي الخبرات الخاصة ــ إلقاء ... ممارسة دعوة فردية بين الشباب .. خطابة ... الخ .ــ على هذا المنهج . وذلك في حلقات العلم الخاصة التي تعقد في المساجد أو في البيوت في البلدان التي يُضيق فيها على أهل السنة ويمنعون من حلق العلم في المساجد .
 
 ـــ ومنها : تبني طلبة العلم ... الإنفاق عليهم وتفريغهم لطلب العلم الشرعي والدعوة إليه ، ومن لا يستطيع أن يشارك كليا فبما يستطيع . فهناك كثيرون تصرفهم لقمة العيش ، ولولا ذاك لتفرغوا وأثمروا .
وليس شرطا أن يكون من خلال مؤسسات رسمية ــ خاصة في البلاد التي لا تسمح بذلك ــ وإنما يتفقد كل من أراد الخير من حوله ولا بد أنه سيجد من يحتاج مساعدته .
 
ــــ ومن لا علم له يُعلمه ولا مال عنده ينفقه فعليه أن ينشر أحوال الصالحين ، ويكثر من الثناء عليهم بين الناس ، فهذا دور مهم فقد لمع أهلُ الباطل أهلَ الخنا والفجور حتى صاروا بين الناس ( رواد ) نهضة و( أئمة هدى ) .
 

-------------------------------------
[1] إحدى معارك فتوحات العراق في عهد أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ في سنة 12 هـ .
[2] الكامل في التاريخ جـ 2 / 246  . ط2 . دار الكتب العلمية بيرون تحقيق عبد الله القاضي .
[3] وهم من المماليك  الترك ويعرفون في كتب التاريخ بالمماليك البحرية نسبه لقلعتهم التي كانت بالروضة في البحر ( نهر النيل ) . جلبهم الملك الصالح نجم الدين أيوب المتوفي سنة 647 هـ واستعان بهم في حروبه الداخلية والخارجية ، ثم استلوا بعد ذلك على الحكم وقامت لهم دولة في مصر والشام سنة 650هـ ، وهم من تصدوا بعد ذلك للتتار . وخلفهم في الحكم المماليك البرجية ثم المماليك الشراكسة  . واستمرت دولتهم إلى أن قضى عليها السلطان سليم الأول العثماني سنة 922هـ ( أنظر البداية والنهاية لابن كثير أحداث عام 922هـ
[4] ينسبوا إلى الحاجب المنصور  بن أبي عامر  أمير الأندلس الشهير المتوفي عام  393 هـ  ، وكانوا من العبيد البيض ( الصقالبة ) ، دربهم وأحسن تدريبهم ، واعتمد عليهم في تثبيت أركان ملكة والقضاء على خصومه .  وكانوا أحد الأسباب الهامة في الفتن الداخلية التي نشأة في الأندلس وكانوا سببا في ما عرف تاريخيا بدولة الطوائف الثانية . أنظر ترجمة الحاجب المنصور في أحداث عام 392 وما تلى ذلك من أحداث . البداية والنهاية بن كثير .
[5] كلمة ( انكشارية ) كلمة عربية محرفة لكلمة تركية هي ( يني تشاري ) وتعني الجيش الجديد ، وهم مجموعة من الشبان صغار السن من أسرى الحرب أخذهم السلطان الغازي ( أورخان الأول    ) ورباهم تربية إسلامية بحيث لا يعرفون أبا إلا السلطان ولا حرفة إلا الجهاد في سبيل الله ، ولعدم وجود أقارب لهم بين الأهالي لا يخشى من تحزبهم مع الأهالي على الدولة . وكانوا في البداية فرقة صغيره ثم زاد عددهم حتى صار لا يعول إلا عليهم في الحروب ن وكانوا من أهم وأكبر عوامل امتداد سلطة الدولة العثمانية ، واشتهروا بالفتك بخصومهم والغدر أحيانا ، كما أنهم خرجوا فيما بعد عن حدودهم وتعدوا واستبدوا بما جعلهم سببا في تأخر الدولة وتقهقرها  . انظر ـ إن شئت ـ تاريخ الدولة العلية العثمانية ج1/ص123. محمد فريد بك . دار النفائس بيروت . بتصرف يسير .
[6] العلمانية للشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي  576 ، 577
[7]  لمزيد من التفاصيل حول التعليم الأجنبي في العالم الإسلامي ، انظر ( التعليم الأجنبي مخاطر لا تنتهي ) لـ مهيمن عبد الجبار .مجلة البيان العدد /   174صـ18 ، والعدد 175 صـ  8   .  
[8] انظر ( حراسة الفضيلة ) للشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد ، الفصل الأول : وجوب الإيمان بالفوارق بين الذكر والأنثى . 
 

محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية