صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لعبة السياسة . هل نعيد فيها النظر ؟!
 (رسالة للعاملين في المجال السياسي من الإسلاميين في مصر وخارج مصر )

محمد جلال القصاص

 
يبدوا أن الضغط على الحركة الإسلامية ـ بجميع فصائلها ـ طيلة ما يزيد عن نصف قرن من الزمن قد أزاح الثوابت ، وخلف حالة من التعايش مع الواقع المرير الذي نحن فيه ، وجعل غاية البعض هي ( مقارعة )  الأنظمة العلمانية سياسيا لأخذ شيء من الحقوق المدنية . وأصبحنا الآن  خارج دائرة الصراع التي بدأنا فيها منازلة العلمانيين ، إذ كانت البداية بعد سقوط الخلافة الإسلامية ، ووعد بلفور  وكانت تحكيم الشريعة ـ بكل ما يعنيه ـ وطرد اليهود من أرض المسلمين في فلسطين  ، وإعادة الخلافة الإسلامية التي أسقطها أتاتوك كان كل هذا قضايا لا تقبل النقاش .  
واليوم تغير الحال . وأصبحنا وراء القوم .
إن صعودا إلى الدرج قليلا وإلقاء نظرة شاملة على ما يحدث على الأرض  ــ من حيث  المنطلقات والأهداف  ــ تكشف أننا دخلنا في السبل ، وأن عدونا اللدود الذي جلد الظهور وحالف اليهود وحمل الأمريكان على ظهره إلى العراق ، وقيد الفلسطينيين لليهود كي يذبحوهم ، ورد عنهم كل من أراد نصرتهم من إخوانهم في مصر ودول الجوار وكل الدول الإسلامية ،  قد جرَّنا إلى غير الطريق الذي كنا عليه .
 
وإن خطوة إلى الأمام نطالب فيها بثوابتنا العقدية التي قمنا من أجلها ، من تحكيم شرع الله  وتحرير فلسطين والعراق  لا يمكن أن نخطيها أبدا  ونحن على هذه الحالة . فقد وضعت كل المتاريس .
فهل يستطيع أحد من الغارقين  في القنوات ( الشرعية ) أن يعلن عن أن هدفه الرئيسي الذي يسعى إليه هو تحرير فلسطين والعراق وتحكيم شرع الله بكل ما يعنيه ؟ أعرف أن هناك من يستطيع أن يتكلم ، ولكنني لا أتكلم عن الكلام الذي يقال للاستهلاك الجماهيري وإنما عن الكلام الذي يصحب الفعال .
 
وإن بقاءنا في ذات المربع الذي نحن فيه اليوم لهو إحدى الكبر التي تأكل الدين وتميع الحقائق عند أبناء الجيل . فنحن الآن نؤدي دورا من التنفيس عن النظام الفاسد الكاسد الذي لو ترك منه للجماهير لأكلته من يومها بعد أن أكل قوتها  وباع ممتلكاتها ـ باسم الخصخصة ــ وجلب العدو إلى أرضها . ولكننا الآن بالانخراط في السياسة ـ بشكلها الحالي ـ نعطي أملا كذوبا للجماهير في التغيير و ( الإصلاح ) ، ننفس به عن هذه الجماهير المكبوتة . ونفرج به أيضا عن النظام الفاسد ، وبعد حين  ... بعد أن يذهب احتقان الجماهير ويتم تلميع النظام وتثبيت أركانه من جديد بدعوى الإصلاح والتغيير ــ ولن يكون هذا التغيير إلا بتغيير الوجوه لا المناهج ـــ يستدير علينا النظام ثانية وتُفتح السجون وتُحمل السياط ونعود ثانية  إلى ما بدأنا منه أول مرة ، ونرفع عقيرتنا بالشكاية والظلم . وقد تكرر هذا المسلسل عدة مرات ، والعجب أنه لم ( يحرق ) بعد .
 
إن أخطر ما في ( اللعبة السياسية ) ليس فقط أنها لن تفضي  لإصلاح حقيقي ، وإنما خطرها الكبير  أنها تأكل الدين ، وتنشئ جيلا من التبع المنهزمين .
فهي تفرغ الخطاب الديني من ماهيته الأصلية ، إذ أن الخطاب الديني أبدا لم يكن وعظيا فقط ، والخطاب الديني أبدا . . أبدا  لم يكن دنيويا فقط ، بل جُعل صلاح الدنيا ـ الرقي المادي وتلبية رغبات الجماهير بلغة العصر ـ تابع للالتزام بالدين .
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (الأعراف : 96 ) .
 (... إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) (الرعد : 11 )
وإن الخطاب الذي يوجه من ( السياسيين الدينيين ) للجماهير من شأنه أن يُسيِّس الجماهير ويجعلها لا تفهم من الخطاب الدعوي إلى أنه دنيوي نصلح به الدنيا فقط ، وأنه الإسلام هو الحل لمشاكل البطالة وارتفاع الأسعار وغيره من القضايا الدينية الفرعية ، التي هي الأخرى عدلت ليتقبلها الآخر ولو نسبيا .
وليس أن الإسلام نظام كامل وحركة إصلاحية شاملة تبدأ بالمفاهيم والتصورات وتنتهي بالسلوك والتصرفات ... حركة تضبط كل شيء في الحياة انطلاقا من طاعة الله عز وجل وتسير بالناس إلى رضى ربهم والفوز بالجنة .  
 
وهناك خداع ـــ بقصد أو بدون قصد ــ  للقاعدة العريضة من الجماهير الطيبة التي صارت في الدرب تريد رفعة الدين ، وتأمل التمكين له من تحت قبة البرلمان !
لا بد أن نواجه  هذه الجماهير بأن أعضاء البرلمان وإن كانوا كلهم إسلاميين ، فهم لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا . فهم يدورون في فلك الدستور ــ الذي نحى الشريعة واكتفى بأن تكون مصدر احتياطي من مصادر التشريع ــ  وتعديل الدستور لا يكون من البرلمان ولو حاولوا ، فهناك يد أخرى تستطيع أن تهدم قبة البرلمان على رأس من فيه .
 
أيها الساسة الدينيون !
 
إن لب المشكلة هو محدودية التفكير ، وقصر النظر ، وتدني الأهداف ، والتغاضي عن كليات الدين الخمس . وارتضاء سبيل غير سبيل الأولين الذي غيروا التاريخ قبل ألف وأربعمائة عام في أقل من مائة عام .
إن حركة الإصلاح الإسلامية التي خرجت للناس على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم تستمسك  بعرى الجاهلية ــ وإن استفادت من بعض قوانينها وعاداتها ــ  ولم تخرج فقط نقمة على الواقع الذي كان أفسد من واقعنا المعاصر ، ولم تنطلق من أجل رقي الناس وتحسين معيشتهم ، بل لم يكن لهذا الأمر كثير اهتمام في الخطاب الدعوي في أول الأمر[1] ، بل انسحبت من هذا الواقع وأصرت على هجره وخلق عزلة شعورية عند أفرادها ثم عزلة مكانية ، وربت أفرادها على حيثيات جديدة ... باختصار فرضت واقعا جديدا على الواقع الجاهلي أخذ يتنامى حتى أتى عليه .
وهو ما ادعوكم إليه ، الانسحاب من اللعبة السياسية بشكلها  الحالي ـــ ولا أقول بعدم مقارعة  النظام العلماني ـــ والتوجه للجماهير وخلق واقع جديد  يفرض نفسه على النظام .
 
وإن ما أراه بعيني  : أنه سيتم استيعاب الإسلاميين في حزب أو تكتل سياسي يتم الاعتراف به ضمنا أو رسميا ، وبموجب هذا يضفى عليه (  الشرعية ) ويوصف غيره بالتشدد والرجعية  . وبهذا يكون قد تم إغراق كبرى الحركات الإسلامية في القنوات ( الشرعية ) . 
وإن أخشى ما أخشاه من كثرة ممارسة ( لعبة الديمقراطية ) ، أن يستحسن إخواننا اللعبة ، ولا يخرجوا من الملعب حتى بعد أن يذهب المنافقون من العلمانيين ويأتي الكافرون اليهود أو الصليبيون ... كما حدث ويحدث من الحزب الإسلامي في العراق الذي أدمن اللعب في السياسة حتى مع الكافرين .
فهل تعيدون النظر ؟ !
هذا ما ارجوه .  قبل أن تدور عليكم عجلة التاريخ .
 
 
كتب / محمد جلا ل القصاص .
mgalkassas@hotmail.com
 

--------------------------------------------------
[1] راجع الإصلاحيون والخطاب الدعوي المنقوص ـ مقال للكاتب منشور بموقع المسلم قسم المقالات الشرعية .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية