اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/alkassas/92.htm?print_it=1

إســـــلاميون في الاتجاه المعاكس

محمد جلال القصاص


بسم الله ، والحمد الله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع رضاه ، وبعد :ـ

يُنَظّر بعض التوجهات الإسلامية في مصر حاليا لنموذج ( ديمقراطي إسلامي ) أو مصالحة تاريخية بين الدين ( الإسلام ) وبين الدنيا ، بين مفاهيم الإسلام وأسسه وبين ما توصلت إليه الحضارة الغربية اليوم ، لإيجاد ديمقراطية حسيبة نسيبة ذات أخلاق كريمة تحترم التعددية وينعم فيها الجميع بما يشاءون .

وهذا الكلام عجيب .

عجيب من الناحية الشرعية ، إذ أن الشريعة تأبى تماما التسليم بمساوئ الديمقراطية ، فالشريعة الإسلامية لا يمكن تركيبها على أسس ديمقراطية ، ببساطة لأن الحكم في الشريعة الإسلامية لله ، والحكم في الديمقراطية للشعب ، السلطة التي تعطي النص الصفة الإلزامية ومن ثمَّ تحوله لقانون مُلْزِم هي الشعب في الديمقراطية أو الطغمة الحاكمة في الديكتاتورية ، وفي الشريعة الإسلامية السلطان لله وحده لا شريك له ( قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ) (يونس :من الآية 59 ) ( أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ ) ( الروم : 35) ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) ( الأعراف : 33) ، فلو سلمنا جدلا أننا استطعنا أن نجعل نصوص القوانين المستوردة كلها موافقة للشريعة الإسلامية , فإن هذا لا يعني ببساطة أن الشريعة الإسلامية قد طبقت ذلك أن الذي أعطى النصوص صفة الإلزامية ( جعلها أمرا أو قانونا ) هو الشعب ممثلا في بعض أفراده وليس أن ذلك كلام الله الخالق الرازق المحي المميت مالك يوم الدين .
والشريعة الإسلامية لا تنظر للدنيا بمعزل عن الدين ، بل هذا من ذلك ، ولا تنفصل السياسة أبدا عن الدين ، تخرج من قواعده وتظل محكومة بمفاهيمه وتصوراته . فليس ثمت خصومة لإقامة صلح بين الدين والسياسة ، وليس ثمة فجوة في التصور الإسلامي في السياسة أو غيرها تجعلنا نستورد نظماً ديمقراطية أو غير ديمقراطية ، وليس ثمت مساحة تجلس فيها الديمقراطية تحت مظلة الشريعة الإسلامية .
والشورى التي تتكلم عنها الديمقراطية غير الشورى في الشريعة الإسلامية ، في مناطها وفي أفرادها . فهي لا تكون في الشرائع .. في الحلال والحرام وإنما في آليات التنفيذ ، لا تكون في الثابت وإنما في المتغير المتصل بالثابت ، ولا تكون لكل من هب ودب وإنما للذين يستنبطونه منهم .
ـ وذلك التنظير لديمقراطية إسلامية عجيب أيضاً من الناحية الواقعية ، إذ أن الواقعيين يرفضون الديمقراطية من عدة زوايا :
ـ منها أنها مرحلة تاريخية انتهت صلاحيتها أو كادت ، فالذي يبصره كل ذي عينين أن الديمقراطية بدأت تشد رحالها ، وأن الصراع اليوم بدأ يتجدد على خلفيات دينية ، فكل الصراعات القائمة اليوم على خلفيات دينية ، في أفغانستان ، وفي العراق ، وفي فلسطين ، وفي الصومال ، حتى الصراعات الفكرية .
ـ ومنها أن الغرب محركه الأساسي هو أن يبقى سيدا يقتات من رزقنا ويتملك رقابنا ، فهو يبارك الأنظمة الديكتاتورية في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية ولا يتكلم عن الديمقراطية إذا كانت ستأتي إليه بمن لا يحافظ على مصالحة .
ـ ومنها أن المد الديني يتزايد في العالم كله ، يدل على هذا انتشار حملات التنصير في كل بقاع العالم ، ويدل على هذا أن الصحوة الإسلامية هي حديث وكالات الأنباء ، ومواقع الإنترنت ، وأن كبرى القضايا في مصر وغير مصر مرتبطة بالدين ( أقباط ، إخوان ، جهاد .. الخ ) ، والأمر لا يحتاج استحضار شواهد .
ـ شيء واحد عقلي يملكه المنادون بالديمقراطية من الإسلاميين ، هو أنه إن وجدت ديمقراطية حقيقية فإن الشعب سوف يختار الإسلام والإسلاميين ، وهذا كلام لا يرقى لمستوى التطبيق على أرض الواقع ، فليس هناك نظام يفرط في هيكله ويرضى الانقلاب عليه فقط لأن الشعب أراد ذلك ، وقديما قال فرعون عن موسى (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ) ( غافر : 26 ) ، وموسى ـ عليه السلام ـ كان في قصر فرعون مؤمن بالله ، وفرعون كان ديمقراطيا يناقش الحجج ويقول ( إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين ) ، ولكن حين بدأ التغير يطال نظامه تغير منطقه وتبدلت أفعاله ، إن الأنظمة .. كل الأنظمة الدنيوية .. تُلمُّع نفسها بالطيبين ( من إخوان أو سلفيين ) ولكنها لا تقبل تغييراً حقيقياً .

إن الحديث عن تمكين للإسلام تحت مظلة الديمقراطية أو فوق عربة الديمقراطية حديث ساذج ، يأباه كل ذي عقل صحيح ، وإن مغازلة الآخر من أجل التقدم كبديل للأنظمة الديمقراطية على الطريقة العراقية ( الحزب العراقي الإسلامي ) أو الطريقة التركية ( حزب العدالة ) لا يستقيم في بلد كمصر مثلاً أو ما شابهها من بلاد عربية ، وأقل ما يقال في شأنه أنه قراءة ساذجة للواقع في هذه البلاد ، حيث إن بها مداً دعوياً فكرياً قوياً يُحدّث الناس بما لا يحدثون به في تركيا .

وإن وقفه صريحة مع النفس تجعل كل ذي عقل يقول ـ عن هذه الأحلام ـ أنها حالة من الهمود والركون ، حالة من البحث عن ظل ظليل وماء معين ينعم فيه الإنسان بالنساء والبنين ، مكتفيا برفع شعار النضال والنصرة للدين .

 

محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية