صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







موسى وهارون

صالح بن عواد المغامسي

 
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسموات وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله آخر الأنبياء في الدنيا عصرا وأرفعهم وأجلهم يوم القيامة شأنا وذكرا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .

فهذا العقد السادس من برنامجنا ((
مجمع البحرين ))
والعلمان اللذان سندرسهما هما نبيا الله
(( موسى وهارون )) صلوات الله وسلامه عليهما .

الأنبياء جم غفير يتجاوزن المائة ألف والرسل منهم ثلاثمائة و بضعة عشر رسولا.


والفرق بين النبي والرسول:

 أن النبي يسوس الناس على شريعة من قبله من الرسل أما الرسول فإنه يأتي بشرع جديد ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم ( إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء ) تسوسهم الأنبياء بعد وفاة نبي الله موسى إلى أن أرسل الله وبعث عيسى بن مريم عليه السلام .

وموسى وهارون أخوان شقيقان لأم وأب واحد هارون بن عمران وموسى بن عمران.


الفرق بينهما من جوانب متعددة:

هارون أكبر من موسى وأسبق موتا منه أي هارون تقدم مولده وتقدمت وفاته .
ولد هارون في العام الذي كان فرعون لا يقتل فيه وولد موسى في العام الذي فيه قتل ونجاه الله جل وعلا في قصة معروفة لن نقف عندها طويلا لأنها شهيرة وقلنا إن هذا درس علمي محض .

موسى وهارون الأصل أن الله نبأ موسى وبعثه ثم إن موسى سأل الله تبارك وتعالى أن يجعل من أخيه هارون نبيا فاستجاب الله جل وعلا دعاءه ولهذا نعت الله جل وعلا موسى بقوله : { وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً } بعثهم الله جل وعلا إلى فرعون وملاءه { اذْهَبَاِ إِلَى فِرْعَوْنَ } وقال جل وعلا : { فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِين } هذان موسى وهارون . هارون كان أفصح وموسى كان هو الأصل المخاطب به النبوة وهو أشد سكينة وحزما من أخيه وأعلم وأفضل جملة لأن الله جل وعلا فضل النبيين بعضهم على بعض وموسى معدود من ألو العزم من الرسل وكان هارون محببا في قومه أي في بني إسرائيل كانوا يحبونه جدا وقد جاء في رواية الإسراء والمعراج : ( فوجدت رجلا تكاد تلامس لحيته سرته قلت من هذا ياجبريل؟ قال : هذا المحبب في قومه هارون بن عمران )
.

نعود إلى خبرهما ولنا معهما وقفات عليهما السلام:

الوقفة الأولى وقفة عقدية :
ونحن في هذه الوقفات لا نلتزم بالأحداث التاريخية وإنما نلتزم بالوقفات بحسب أهميتها في الغالب فأولى الوقفات وقفة عقدية وهي أن الله جل وعلا وعد موسى ثلاثين ليلة فخرج من بني إسرائيل وقد جعل أخاه هارون عليهم { اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي } وخرج إلى الميقات الميقات كان زمانيا ومكانيا .

مكانيا :
كان عند جبل الطور { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ } . في الوادي المقدس {إ نِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } .
أما زمانيا :
فكان أول الأمر ثلاثين يوما ثم مالبث أن أضحى أربعين بعد أن زاده الله عشرا . وجمهور المفسرين يقولون إن الثلاثين يوما كانت شهر ذي القعدة والعشرة أيام كانت الأوائل من ذي الحجة فيصبح بهذا أن الله كلم موسى الميقات الزماني يكون في يوم النحر يوم الحج الأكبر جاء موسى للميقات المكاني .

الله جل وعلا يقول :
{ وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } ولا ريب أن تكليم الله لموسى فضل عظيم من الله لهذا العبد الصالح وهذا النبي المفضل وقد نص الله على هذا التكليم بقوله : { وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً } والله يقول هنا : { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } فأضحى عليه السلام في معقل منيب ومنزل شريف ودرجة عالية فرغب وطمعت نفسه في مقام أعلى ألا هو مقام الرؤيا {قََالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ } فكان الجواب الإلهي الرباني { لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ *قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ } .

هنا نقف الوقفة العقدية قال الله جل وعلا لموسى : { لَن تَرَانِي } استمسك بـ " لن " هذه النافية في كلام العرب استمسك بها المعتزلة فقالوا إن الله جل وعلا  لا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة وممن حمل هذا اللواء من المشهورين منهم جار الله الزمخشري في تفسيره الكشاف .


ونحن نجيب عن هذا الإشكال جوابا لغويا وجوابا شرعيا وكلاهما يدخل في عامة الجواب والرد عليه :
 أما الجواب اللغوي:
فإن حجتهم قول الله جل وعلا : { لَن تَرَانِي } فقالوا إن لن تعني النفي المؤبد في الدنيا والآخرة وهذا غير صحيح لأن الله جل وعلا ذكر اليهود وقال عنهم إنهم لا يتمنون الموت قال سبحانه : { وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ } ومع ذلك أخبر الله أن أهل النار واليهود قطعا منهم يتمنون الموت يوم القيامة فقال جل وعلا :{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ } . وجه الدلالة يستفاد من هذا وجه الدلالة أن ليس كل نفي في الدنيا يشمل النفي في الآخرة هذا الجواب من حيث اللغة .

 
أما الجواب من حيث الأدلة النقلية: فإن القرآن والسنة كليهما دل على أن الله جل وعلا يراه عباده المؤمنون يوم القيامة بل إن الله جل وعلا لا تطيب الدنيا إلا بذكره ولا تطيب الآخرة إلا بعفوه ولا تطيب الجنة إلا برؤيته ـ بلغنا الله وإياكم رؤيته في مقام كريم ـ فنقول دل الكتاب والسنة على أن الله جل وعلا يراه عباده المتقون يوم القيامة قال الله في القرآن : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } .

{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ }
من النضرة جمال المحيا وطلاقته وبشاشته ونوره . { إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } بالظاء أخت الطاء أي تنظر إلى الله.

والفعل "
نظر " إما أن يتعدى بحرف وإما أن لا يتعدى بحرف تفصيل ذلك على التالي:
 " نظر " من غير أن تتعدى تصبح بمعنى تهمل ومنه قول الله جل وعلا على لسان المنافقين { انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أي تمهلوا علينا هذا من غير تعديها من غير حرف .

فإذا تعدت بحرف تتعدى بـ " في " وتتعدى بـ " إلى "  .
فإذا تعدت بحرف الجر في فتعني التدبر تكلم أخاك في الهاتف تعرض عليه قضية ثم تقول له انظر في هذا الأمر الذي حدثتك فيه فهو لم يرى شيئا ولكن تقصد بقولك انظر في هذا الأمر أي تدبر فيه تفكر حتى أسمع منك جوابا ومنه قول الله جل وعلا : { أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } أي أولم يتدبروا في ملكوت السموات والأرض .

وتتعدى أي نظر بحرف الجر إلى فإذا تعدت بحرف الجر إلى عمت الرؤية البصرية نظرت إلى الشجرة نظرت إلى الدار نظرت إلى أخي ومنه قول الله جل وعلا هنا في سورة القيامة : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } وهذا جلي واضح .


ومن السنة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث صهيب عند مسلم في الصحيح : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو ألم يثقل موازيننا ألم يبيض وجوهنا ألم يجرنا من النار فيكشف الحجاب فيرون وجه ربهم تبارك وتعالى فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم هو أعظم ولا أجل من رؤية وجه الله تبارك وتعالى ) . فالإنسان أحيانا يكون في سفر فيغلب عليه الشوق إلى من يحب أمه أبوه زوجته أبناؤه جيرانه ابنته ابنه الوحيد ابنته الوحيدة هذا يشعر به كل إنسان جبل على الفطرة وعندما يعود فيمتع ناظره بمن يحب كم يجد في نفسه من الفرحة فكيف إذا متع العبد المؤمن برؤية وجه الله تبارك وتعالى العلي الأعلى الذي لا اسم أعظم من اسمه ولا وجه أكرم من وجه ولا عطية أسخى وأحسن وأكمل من عطيته جل وعلا ـ بلغنا الله وإياكم ـ فنعود فنقول هذا الوقفة العقدية الأولى وقال عليه الصلاة والسلام كذلك : ( إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون البدر لا تضامون في رؤيته ) هذه الوقفة العقدية .

الوقفة الثانية وقفة تربوية :
فإن الله جل وعلا كلم موسى أول الأمر قبل هذا التكليم عندما نبئ موسى عليه السلام . فموسى عليه السلام خرج من أرض مدين بعد أن مكث فيها عشر سنين ثم أصابه شدة البرد فكان يبحث عن شيء جذوة نار يصطلي منها أهله فرأى من بعيد نورا في شجرة من نار تتوقد خاف على أهله قال : { امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً } ولفظ قول الله جل وعلا { آنَسْتُ نَاراً } كأن أهله لم يأنسوا تلك النار كأنه شيء مخصوص به موسى { إِنِّي آنَسْتُ نَاراً } ثم قدم إلى تلك النار عندها كلمه الله جل وعلا موسى دخل الوادي المقدس وهو لا يدري أنه واد مقدس ولا يدري أن تلك النار ليكلم الله جل وعلا عندها.

 فكيف ربى الله جل وعلا هذا النبي الكريم؟


 هناك توحيدان توحيد ربوبية وتوحيد ألوهية , توحيد الربوبية عندما نعرفه نعرفه بأننا نؤمن أن الله هو الخالق الرازق أوجدنا من العدم ربانا بالنعم هكذا نعرف الله . توحيد الألوهية نعرفه بأن الله لا يعبد غيره لا يجوز أن نعبد أحدا غير الله فالله تبارك وتعالى عندما قدم موسى عليه خاطبه بلفظ الربوبية ليشعره بالأمان والاطمئنان والسكينة وأنه في رعاية رب العالمين جل جلاله {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى{11} إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى{12} } . فمهد الله جل وعلا قبل التكليف وضع السكينة في قلب موسى عليه السلام وكذلك يجب علينا ونحن ندعوا الناس أن نرزقهم أول الأمر الأمن والأمان قبل أن ندعوهم لا ندعوهم بالرصاص مباشرة وإنما يدعى الناس بأن يوقرون بأن يوقر ويرزقون الإطمئنان حتى يكونون على استعداد لأن يسمعوا كلام الله .

الله جل وعلا يقول لنبيه : { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ } أعطيه الأمان { حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ } لأن الذي يسمع كلام الله وهو خائف لن يتقبله لن يجد له مردودا في نفسه
{ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } .

فنقول إن الله جل وعلا ربى موسى قال جل وعلا : { إ نِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } فلما شعر موسى بالإطمئنان أوحى الله إليه بقوله { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ } كلمه الله {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } لأنه جاء دور التكليف {إ ِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } وهل خلق الثقلان إلا ليعبدا الرحمن وحده دون سواه {إ ِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}  ثم رزقه الترغيب والترهيب {إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى } .

هذا نوع من تربية الله لأولياءه ثم مهد الله له كيف سيواجه فرعون كيف سيواجه موسى فرعون حتى لا يفاجئ موسى بالآيات بين يدي فرعون سأله الله جل وعلا {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى } والله يعلم أنها عصا وموسى يعرف عصاه جيدا فليست شيئا خارجا عنه غريبا لتوه آتاه { قَالَ هِيَ عَصَايَ } ووجد لذة خطاب رب العالمين { أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى } ولو استطاع أن يزيد لفعل أمره الله أن يلقيها ثم أمره أن يأخذها بعد أن طمأنه وأخبره ثم أمره أن يضع يده ثم أخرجها لتكون بيضاء من غير سوء كل ذلك تمهيد حتى يقف موسى بين يدي فرعون آمنا مطمئنا وكان موسى عظيم الأدب مع الله كان فيه لتغة في لسانه عقدة تجعله غير فصيح ولذلك فرعون يسخر منه ويقول { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ } فقال{ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } فانظر إلى أدب الأنبياء هو لايريد أن يفخر على الناس بفصاحته وبلاغته يريد تنفكك العقدة ولو فكة واحدة حلة واحدة حتى يستطيع أن يبلغ بها رسالة الله لايريد أن يوسم بأنه خطيب العصر وبليغ الدنيا وإنما أراد القدر الذي يبلغ رسالة الله يقول العلماء إن الأنبياء لا يسألون ربهم إلا على قدر الحاجة .

نقول موسى عليه السلام هنا تشفع موسى لهارون {وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي } أي في أمر النبوة والرسالة { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } انظر للعبد الصالح هو يطلب الوزير لا ليستعين به على أمور الدنيا المحضة وإنما حتى يستعين به على ذكر الله { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً } فلما قال موسى ما قال جاء الجواب الرباني والرحمة الإلهية لهذا العبد الصالح ولأخيه قال الله جل وعلا : { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى * وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى } فليست هذه بأول منن الله جل وعلا على نبي الله موسى وأخيه هارون .


الوقفة الثالثة وقفة إيمانية:
نقول إن الإنسان ينبغي عليه أن يحسن الظن برب العالمين جل جلاله فإذا أحسن الظن برب العالمين جل جلاله بلغ مراده إذا كتب الله جل وعلا له ذلك وموسى عليه السلام خرج من أرض مصر أول الأمر طريدا شريدا ليس له شيء إلا حسن ظنه بربه { قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ } فهداه أي هداية ودله أي دلالة وأعطاه أي عطية مكث عشر سنين في أرض مدين أجيرا على عفة فرجه وإشباع بطنه ثم نبئ وأرسل جاء للنار كل همه جذوة من النار يقول لأهله { لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } فيصطلون بها من برد الشتاء فيعود وهو كليم الله الواحد القهار يعود وقد نبئ وأرسل يعود وقد أضحى واحدا من أولوا العزم من الرسل صلوات الله وسلامه عليه فانظر حسن الظن بالله جل وعلا ماذا يورث لكن أين الذين يحسنون الظن بربهم جل وعلا ـ جعلنا الله وإياكم منهم ـ كذلك لما خرج موسى من أرض مصر مع قومه ووصل إلى البحر قال له قومه قال الله جل وعلا : { فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق فإذا به على عدد فرق بني إسرائيل { فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ } قال الله : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } فنجاه الله جل وعلا .

البحر له علاقة عجيبة بموسى عليه السلام فأم موسى تُأمر أن تلقي ابنها في البحر وهو مظنة هلاك فيجعل الله جل وعلا هذا البحر الذي هو مظنة هلاك يجعله لموسى منفعة وموصلا إلى الرحمة .

والبحر في خروجه من أرض مصر الذي هو مظنة ضياع وشتات وغرق يجعله الله جل وعلا يبسا ممهدا لعبده موسى أن يمر عليه هو والملأ من بني إسرائيل.


 نقف كذلك في قضيه موسى وهارون مع قضيه سياسية:
وهي أن موسى عليه السلام قلنا إن الله واعده ثلاثين يوما فأخبر موسى بني إسرائيل بهذا وجعل عليهم أخاه هارون ثم زاده الله جل علا عشرا هذه العشر زاده الله جل وعلا إياها من غير أن يعلم بنو إسرائيل فجاء السامري فأشاع في بني إسرائيل أن موسى ضل الطريق إلى ربه فاتخذ لهم  عجلا جسدا له خوار وأمرهم بأن يعبدوه وقال عياذا بالله ـ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ـ { فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ } هذه الفترة تشعبت بنو إسرائيل مابين مصدق ومكذب ومؤمن بالسامري وباق على إيمانه فحرص هارون عليه السلام غاية الحرص على أن يجمع الناس على أن لا تشتت كلمتهم على أن لا يفرق جمعهم على أن يكونوا صفا واحدا فلما جاء موسى عليه السلام غاضبا من أخيه قال هارون يعتذر لأخيه : { إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } فمن أعظم دلائل سعي الإنسان في الإصلاح أن يحرص على جمع الكلمة ولم الشتات وتآلف القلوب وتوحد الرأي لأن الأمة لا يمكن أن يدخل عليها أعدائها من طريق هو أعظم من شتاتها وفرقتها واختلاف كلمتها وضياع أمرها عياذا بالله جل وعلا من ذلك كله.

تبقى قضايا أخر في قضية موسى وهارون قد لا تصل إلى هذه الأربع لكن نأخذها كأطراف حديث منها:
أن موسى عليه السلام في تلك الفترة خطب في بني إسرائيل فكأنه وجلت القلوب وذرفت العيون من قوله فوقع فيما يقع في النفس أحيانا في بعض الأنفس أحيانا ولو عارضا فتبعه رجل من بني إسرائيل فقال له يانبي الله أفي الأرض أحد أعلم منك فنسي موسى أن يرد العلم إلى الله قال لا فعاتبه ربه أنه لم يرد العلم إليه وأخبره الله أن ثمة عبدا لي هو أعلم منك قال ياربي وأين لي به فأوحى الله جل وعلا إليه أمره أن يأخذ حوتا في مكتل فحيث ما فقد الحوت فثم هو أي ثم العبد الصالح , فأخذ موسى مكتلا وحوتا وغلاما يخدمه .

وفي هذا رد لبعض الصوفية الذين يقولون يجب أن تهمل الأسباب هذا نبي الله وأحد أولي العزم من الرسل يرحل في سفر يأخذ غداءه ويأخذ أمارة وهي الحوت في المكتل ويأخذ فتى يخدمه .

وصل إلى مجمع البحرين هناك فقد موسى الحوت في نومه ونسي الغلام الفتى أن يخبر نبي الله ثم مضيا لما مضيا أصاب موسى الجوع فطلب من فتاه الطعام لكن الفتى تذكر عند طلب الطعام تذكر الحوت الذي فقد وليس الحوت هو الطعام قال{ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً{62} قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً{63} } أي نسيت أن أخبرك بأمر الحوت ولم ينسى الغداء { فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً} فهنا تفطن موسى{ قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } وبأسلوب رحيم لم يعتب على فتاه ولم يوبخه ولم يلومه قال الله جل وعلا : { فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً * فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } وجدا رجلا مسجى فوقف موسى عليه يسأله قال : السلام عليك فقال الخضر : وأنا بأرضك السلام من أنت ؟ قال : أنا موسى قال : موسى بن عمران , قال : نعم موسى بن عمران  . ثم مضى الأمر المعروف من صحبة موسى عليه السلام للخضر في رحلة عجيبة غريبة . الذي يعنينا في هذا المقام كيف أن نبي الله دعا بأن يطلب العلم عندما علم أن ثمة عبد هو أعلم منه .

كما وقع لموسى عليه السلام في أرض التيه أنه قتل أحد بني إسرائيل رجلا ولم يعترف فكانوا أمروا بقتل البقرة ورأوا عند خروجهم من البحر قوما يعبدون شجرة فطلبوا من موسى آلهة مثل تلك الآلهة هذه أحداث التي جاءت في القرآن كلها جاءت في الأربعين سنة التي قضاها بنوا إسرائيل في أرض التيه عندما رفضوا أن يدخلوا المدينة التي كتب الله لكم وهي الآن مسماة بأريحا قال الله جل وعلا : {ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ } لكنهم أبوا رغم أنه لم يكن بينهم وبينها إلا كثيب أحمر لكنهم قوم ليس فيهم من الخير إلا القليل كما أخبر الله جل وعلا فامتنعوا عن القتال مع نبيهم وأخيه مما كتب الله عليهم أنهم يتيهون في الأرض أربعين سنة . قال الله لنبيه : {فلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } المقصود أنهم مكثوا أربعين سنة حتى دخل بهم أريحا بعد موسى وهارون نبي الله يوشع بن نون .

وسيكون لنا لقاء عنوانه : (( الشمس والقمر )) نتحدث فيه عن نبي الله يوشع بن نون لارتباطه بالشمس صلوات الله وسلامه عليه.


ختاما معشر الأحبة:


 هذا ماتهيأ إيراده وتيسر إعداده والله المستعان وعليه البلاغ نفعنا الله وإياكم فيما نقول وعلمنا ماينفعنا وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة وبركاته .
 
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 صالح المغامسي
  • تأملات قرآنية
  • السيرة النبوية
  • مجمع البحرين
  • آيات وعظات
  • مشاركات إعلامية
  • خطب
  • رمضانيات
  • فوائد ودرر
  • صوتيات
  • الصفحة الرئيسية