صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خطبةٌ بعنوان: استعينوا بالرحمن على الهموم والأحزان

محمد بن سليمان المهنا
@almohannam

 
بسم الله الرحمن الرحيم


إنِ الْحَمْدَ لِله، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ‪‬(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ)‪ ‬(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)‪ ‬(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًايُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أما بعد أيها المسلمون:
أعظم نعمة بعد نعمة الإيمان، أن يعيش العبد عيشةً عريَّةً عن الغموم خالية من الأحزان.
ولذا كان من أول ما يلهج به أهل الجنة حين يدخلونها: (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب).
وكان من أعظم ما نادى الله به عباده المتقين في جنات النعيم: (يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) وكان من أكثر ما شوَّق الله به عباده في كتابه قولُه عن المؤمنين: (فلا خوفٌ عليهم ولاهم يحزنون).
ولذلك أيضاً كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يستعيذ بالله من الهموم والأحزان، جاء ذلك في أحاديث عديدة في الصحيحين وفي غيرها، بل جاء في سنن النسائي بسند صحيح عن أنس: (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعوات لا يدعهن: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الرجال).
واستعاذته صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن دعاءٌ ورجاءٌ من الله أن يحميه من أسبابها، وبأن يمنحه الإيمان واليقين والقوة على تحمُّلها والتكيُّف معها حال وقوعها.
وجاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف لأصحابه وصفة طبية نافعة لمن غشيته لُجج الأحزان، قال صلى الله عليه وسلم: (التلبينة تُجِم فؤاد المريض وتَذهب ببعض الحزن).
وفي القرآن العزيز مِن ذكر أخبار أهل الشجى والحزن ما يبعث على البكاء ويستدر ماء المُقَل كخبر الكريم ابن الكريم ابن الكريم يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيم الذي (ابيضَّت عيناه من الحُزن فهو كظيم). قال البخاري رحمه الله: بابٌ إذا بكى الإمام في الصلاة، وقال عبدالله بن شداد: سمعتُ نشيج عمرَ بنِ الخطاب وأنا في آخر الصفوف يقرأ: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله).
وفي قصة عظيمة ذكرتها الكتب السماوية الأولى، وجاء القرآن مؤكداً لها مبِيْناً عن تفاصيلها أجمل البيان، يخبرنا ربنا بخبر عبد مكظوم مغموم، وقع عليه قَدَر عجيب من أقدار الله لا يُظن معه إلا الهلاك والعطب وميتة السوء، ولكن الله تفضَّل عليه فلطف به ونجَّاه من غمِّه.
إنه العبد الصالح والنبي المرسل يونسُ بنُ متّى الذي قال الله عنه: (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات) قال ابن عباس رضي الله عنه: نادى في الظلمات: ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت.
نادى ربه ورجاه ولم ييأس، فإن أمر الروح في غاية العجب، جُبلت على حب البقاء وحرب الفناء ما بقي في العروق بقيةٌ من ذَماء.
ناداه في مصيبة عصيبة، وفي حال عجيبة ملؤها الخوف والحُزْن، والهم والغم، متوسلاً إلى الله بأعظم الوسائل، وهي توحيد الله، وتسبيحه، والاعتراف بالذنب العظيم والتفريط في جنب الكريم، وسنَّ للناس الدعاء بهذه الدعوة الجليلة الحافلة بأعظم المعاني: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين). قال الله تعالى: (فاستجبنا له ونجّيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين). وأخبر سبحانه أنه نجاه بتلك الكلمات الكريمات: (فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون).

أيها المسلمون:
الدنيا دار عناء وابتلاء، لا ينفك العبد عن كَبَدها وأكدارها، ولذا كان عليه أن يُعد العدة وأن يستعين بالمولى الأجل الذي لا حول للعبد ولا قوة إلا به
ومن أعظم الإعداد: العملُ بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة). ومعناه أن من كان وثيق الصلة بالله في الرخاء بطاعته وذكره ودعائه، عرفه الله في شدته بالإجابة والإثابة وتفريج الكروب.
قال الإمام ابن رجب رحمه الله: ومما يبيّن هذا ويوضّحه: الحديث الذي أخرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سرَّه أن ينجّيه الله من الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء).
فهنيئاً لأهل الصلوات، هنيئاً لأهل الخلوات، هنيئاً لأهل الدعوات، هنيئاً لأهل الأذكار والتلاوات، أولئك قومٌ اصطفاهم الله، فلا خوف عليهم عليهم ولا هم يحزنون.
اللهم أعِنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وأعذنا من الهم والحزن، ومن الشرور والفتن، ما ظهر منها وما بطن. برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد أيها المسلمون:
فمن أسباب كشف الشدائد والكروب، وزوال الهموم والغموم: دعاء الله تبارك وتعالى بأسمائه وصفاته الدالة على عظيم قدرته وكمال قوته وإحاطته بكل شيء.
فإذا دعوت ربكَ يا عبدالله فدندن حول هذه المعاني، واجعلها حاضرة في تفاصيل دعائك، فإنك إن هُديت لذلك ووُفِّقتَ إليه، فقد استفتحتَ بفضل الله أبواب الإجابة.
ناد الملك العظيم، العلي القدير، القوي العزيز، ذا الجبروت والملكوت والعظمة.
أحضِرْ قلبك، وتعلقْ بخالقك، وقل: يا ذا ﴿الجَلَالِ والإكْرَام﴾ يا ربَّ ﴿العَرْشِ الكَرِيم﴾ يا ربَّ ﴿العَرْشِ العَظِيم﴾ يا ﴿مَالِكَ المُلْك﴾ يا مَنْ ﴿بِيِدِهِ المُلْك﴾ يا ﴿مَنْ بِيِدِهِ مَلَكُوْتُ كلِّ شيء﴾ يا مَنْ ﴿يداهُ مَبْسُوْطَتَان﴾ يا مَنْ ﴿يَبْسُطُ الرِزْق﴾ يا ﴿مَنْ يُدبِّر الأَمْر﴾ يا ﴿مَن يُجِيْبُ المُضْطَر﴾ يا مَنْ ﴿يَكشِفُ السُّوء﴾ يا ﴿مَنْ يُجِيْرُ ولا يُجَارُ عَلَيْه﴾ يا مَنْ ﴿لَهُ مَقَالُيْدُ السَمَاوَاتِ والأَرْض﴾ يا مَنْ ﴿إليه يُرجَعُ الأَمْرُ كُلُّه﴾ يا ﴿رَبَّ العَالَمِيْن﴾.
افعل ذلك في السراء والضراء وأبشر بالعافية والكفاية وبرد اليقين وحلاوة الإيمان.
اللهم اجعلنا ممن استكفاك فكفيته وكافيته، واستعفاك فعفوت عنه وعافيته، وأحسن الظن بك فملأت دنياه إحسانا وتوفيقا.
اللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبراهيم وعلى آل إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبراهيم وعلى آل إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حميد مجيد.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد المهنا
  • مقالات
  • كتب
  • تغريدات
  • خطب
  • الصفحة الرئيسية