صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







كيف مات هؤلاء ج1

عبد الله بن راضي المعيدي الشمري

 
الحمد لله الذي بيده الملك و الملكوت ،وله العزة ولجبروت ، له الدوام والبقاء و العظمة والكبرياء وهو حي لا يموت ، أنشأنا من الأرض نسماً ، واستعمرنا فيها أجيالاً وأمماً ، أحمده سبحانه وأشكره ،، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمداً عبده ورسوله الموصوف بجميل النعوت صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم موعود لن يتخلف ولن يفوت :

أما بعد : فيا أيها الناس أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل . . فتقوى الله بإذن الله كفاية كلِّ هم وزادك من كلِّ غم ، ومن اتقى الله جعل له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً . .
وإن سعادة المؤمن ورفعته تبدو في تقواه لربه ، إذ بالتقوى يُذكر وفي التقوى ينصر ، يطيع فيشكر ، ، فليتق الله امرؤ حيثما كان ، وليتبع الحسنة وليخالق الناس بخلق حسن ، ذلك ذكرى للذاكرين والعاقبة للمتقين . . .
أيها الناس : في الحياة ومواقفها عبر لمن اعتبر ، وفي تقلب الناس وتبدل أحوالهم ذكرى لمن تذكر . . يسير الناس كل الناس في هذه الدنيا.. فرحين جذلين يتسابقون في دنياهم ويلهثون وراء أمانيهم كل بحسبه .. الصغير والكبير الرجال والنساء . . ترمقهم من حولك.. يجرون ويلهثون كل يسعى لشأنه . . والمعظم منهم قد غرق في غيه ولهوه وشهوته وأمانيه . .
لكن يا رعاك الله اعطني قلبك وافتح لي سويداء فؤادك .. ودعني وإياك نتأمل في هذا المشهد العظيم وذلك المنطر الرهيب . . أما سمعت عنه ؟‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌‍‍‍ أما تخيلته يوما ما . . إنه مشهدُ جدير بنا جميعاً أن نتذكره وان نتأمل فيه بل جدير بنا أن لا يفارقنا..
بينما أنت بين أهلك وأطفالك تغمرك السعادة ، ويغشاك السرور نمازج هذا وتلاطف ذاك . . بهي الطلعة ، فصيح اللسان ، قائم الأركان . . إذ بقدميك تعجزان عن حملك لتسقط شاحب الوجه شاخص البصر قد أُعجم لسانك وعطلت أركانك والأهل حولك قد تحلقوا .. وبأبصارهم إليك نظروا وبك صرخوا . . . ينادونك فهل تجيب ؟! بماذا تحس ؟ بماذا تشعر ؟ وأنت تنظر إليهم بعينيين ذابلتين ، تريد الحديث فما تستطيع ، ترفع يديك لتضمهم إليك فما تقدر . .
أمك قد غصت بدموعها وأبناؤك قد ارتموا على صدرك الحنون ، وزوجتك قد غشاها الذهول . . فليت شعري أي حال هي حالك . . .
والله يا عبد الله .. ما حالي وحالك إلا كما قال أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه : ألا أحدثكم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن . . أول يوم يجئك البشير من الله أما برضاه وأما يسخطه ، واليوم الثاني يوم تعرض فيه على ربك أخذاً كتابك إما بيمينك وإما بشمالك . . وأول ليلة ثبت فيها القبر والليلة الثانية صبحتها يوم القيامة .

نعم يا عباد الله : ليلتان اثنتان . . ليلتان اثنتان يجعلهما كل مسلم في مخيلته . . ليلة في بيته مع أهله وأبنائه ً فرحا سعيداً ً مسروراً يضاحك أولاده ويضاحكونه والليلة التي تليها مباشرة أتاه ملك الموت فنقله بأمر ربه من الدور إلى القبورو من السعة إلى الضيق .. من الفرش الوثيرة والقصور المثيرة إلى ظلمة مخيفة ووحشه رهيبة وسفر بعيد وهول مطلع شديد { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد * ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد * وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد * لقد كنت في غفلة من هذا فبصرك اليوم حديد } إنها حقيقة الموت وما بعد الموت . . الموت الذي سيذوقه كل واحد منا فقيراً كان أو غنياً صحيحاً كان أو سقيماً، كبيراً كان أو صغيراً رئيساً أو مرؤوسا ولن ينجوا من الموت أحد ولو فرّ إلى مكان بعيد أو برج عالٍ أو وادٍ سحيق قال تعالى { أينما تكونوا يدر ككم الموت ولو كنتم في بروج مشيده } .
الموت عبد الله .. على وضوح شأنه وظهور آثاره ، سر من الأسرار التي حيرت الألباب وأذهلت العقول . . الموت حقيقة ما أقربها وما أسرع مجائها فما أقرب الموت منا كل يوم يدنوا منا ونحن ندنوا منه . . فما الأعمار في الحقيقة إلا أزهار تنفتح ثم تذبل أو مصباح ينير ثم ينطفي .. وليبحث أرباب المطامع وطلاب الدنيا ليبحثوا فوق رمال تلك القبور المبعثرة ، وبين أحجارها المتهدمة المتساقطة .. ليعلموا أن طرق الشهوات والملذات المحرمة.. وإن كانت تلوح لناظريها بالأزهار فإن نهايتها تلك القبور المظلمة والحفر الموحشة ، فطوبى لمن أتاه بريد الموت بالإشخاص قبل أن يفتح ناظريه على هؤلاء الأشخاص . .

الموت باب وكل الناس داخله *** يليت شعري بعد الموت ما الدار
الدار جنة الخلد إن عملت بما *** يرضي الإله وإن قصرت فالنار

أول ليلة في القبر يا عبد الله شكي منها العلماء وشكى منها هولها الأولياء وصنفت فيها المصنفات :
حين حضرت محمد بن سيرين العالم العابد حين حضرته الوفاة بكى . . فقيل ما يبكيك ؟ فقال : أبكي لتفريطي وقلة عملي للجنة العالية وما ينجيني من النار الحامية
يا عباد الله : عند الموت وشدته ، والقبر وظلمته ، وفي القيامة وأهوالها.. يكون الناس فريقين فريقاً يثبت عند المصائب ، ويؤمن من المخاوف ، ويبشر بالجنة، وفريقاً يكابد غاية الخزي والإذلال والشقاء والهوان . .
عند الموت يا عباد الله تكون حال الإنسان أحدى حالتين . . إما أن يكون من أهل الخير والصلاح فهذه ميتته ميته طيبه ويبشر بالعفو والغفران ورب راضي غير غضبان قال تعالى { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون } وأما إن كان العبد من أهل الكفر والضلال والفجور والفساد فهذا يبشر بالويل والعذاب { ولو إذ ترى الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم اخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بنما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون } وإن مصير المرء بعد موته يا عباد الله .. وإن كان الله قد استأثر بعلمه والكلام عنه من الرحم بالغيب ولكن لما كانت خاتمة المرء من القرائن لمصير الأخره فقد جاء التأكيد عليها والتحذير من الغفلة عنها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري ( إنما الأعمال بالخواتيم ) .
وإن حسن الخاتمة ياعبدالله إن يتوفاك الله على الإسلام و إن يوفق الله العبد للتوبة عن الذنوب والمعاصي والإقبال على الطاعات .
وإن من أعظم علامات حسن الخاتمة ما يبشر به العبد عند موته من رضا الله تعالى واستحقاقه كرامته تفضلاً منه تعالى كما قال تعالى { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } . ومن علامات حسن الخاتمة أيضاً الموت على عمل صالح .. ذكر أهل السير أن أبا مريم الغساني رحمه الله كان صائما يوماً من الأيام فنزل به الموت واشتد به الكرب فقال له من حوله لو جرعت جرعة من ماء فقال بيده لا .. فلما دخل المغرب قال . .أذن ؟! قالوا نعم ففطروه وجعلوا في فمه قطرة ما .. ثم مات بعدها ....
وذكر بعض الفضلاء أن امرأة عجوز كانت من أهل الصلاة والطاعة ،و في يوم وهي في مصلاها ساجدة ، أرادت أن ترفع من سجودها فلم تستطع ، صاحت بابنها ، أجلسها كهيئة السجود ، حملها إلى المستشفى ، ولكن لا فائدة ، فقد تجمدت أعضاؤها على هذه الحال ، قالت يا بني خذني إلى مصلاي أتعبد وأصلي إلى أن يفعل الله ما يشاء ، ولم تزل في صلاة وهي على هيئة السجود لا تقوى على الحراك فقبض الله روحها وهي ساجدة ، غسلوها وهي ساجدة .. كفنوها وهي ساجدة ، أدخلت إلى قبرها وهي ساجدة .. وتبعث يوم القيامة بإذن الله وهي ساجدة .
وإن من أعظم علامات حسن الخاتمة الموت في سبيل أن يموت العبد وقد قدم نفسه وأرخص روحه وباع مهجته لله تعالى . . مجاهداً أعداء الدين ومدافعاً عن عباد الله المؤمنين .
ذكر الذهبي في السير عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال : بعثتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد أطلب سعد بن الربيع فقال لي : أني رأيته فأقرءوه مني السلام وقل له يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف تجدك ؟ فطفت بين القتلى فأصبته وهو في أخر رمق وبه سبعون ضربه . . . فأخبرته . . فقال على رسول الله السلام وعليك قل له يا رسول الله .. إني أجد ريح الجنة . . وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف قال وفاضت نفسه رضي الله عنه وأرضاه . . .
بارك الله لي ولكم في الوحيين ونفعني وإياكم بما فيها من الهدى والنور قد قلت ما قلت فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأً فمن نفسي والشيطان وأستغفروا الله إن الله غفور رحيم . .

(2)
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله و صحبه وسلم تسليماً . . .
أما بعد : فيا أيها المؤمنون . . .
إن فئة من الناس لا يحبون أو لا يحبذون الحديث عن الموت وساعة الاحتضار . . لأن ذلك على حد زعمهم يؤلمهم ويشعرهم باليأس ويقطع حبل أملهم ويورق حياتهم فهم يريدون العيش دون سماع ما ينغص حياتهم ويفزع خواطرهم . . . وأغلب هؤلاء ممن قصروا في حق ربهم وخانوا أنفسهم . .
وإن الحديث عن الموت كما أنه شرع ودين فهو سجيه العقلاء والراشدين ..
أيها المسلمون : إن آخر ساعة في حياة الإنسان هي الملخص لما كانت عليه حياته كلها وهي ترجمة لما كان يفعله المرء أثناء عمره من الخير والشر . . . والقلب أثناء نزول للموت بالمرء لا يظهر منه إلا ما كان بداخله وما ستهواه صاحبه .. فانظر ما في قلبك وما تحب في الدنيا فهو خارج منه أثناء النهاية شاء ذلك صاحبه أم أبى . .
ولكي يدرك العبد المؤمن حسن الخاتمة فيجب له أن يلزم طاعة الله وتقواه والحذر من ارتكاب المحرمات ومعاقرة المنكرات فقد يموت عليها . .
ليحذر كل الحذر من الخاتمة السيئة وهي أن يتوفاه الله على غير الإسلام أو أن تكون وفاة الإنسان وهو معرض عن ربه جلا وعلا مقيم على ما يسخطه مضيع لما أوجبه أو أن يتوفاه الله وهو معاقر لمنكر . . ولا ريب أن تلك نهاية سيئة طالما خافها المتقون وعباد الله المؤمنون .
فهذا مالك بن دينار رحمه الله : كان يقوم طوال ليلته قابضاً على لحيته ويقول : " يارب قد علمت ساكن الجنة وعلمت ساكن النار ففي أي الدارين منزل مالك . . "
ويبكي بعضهم عند الموت فسئل عن ذلك فقال إني سمعت رسول الله يقول لقوم : { وبد لهم من الله ما لم يكونوا يخشعون } فأنا أنتظر ما ترون ووالله ما أدري ما يبدوا لي. . وإن من أسباب سوء الخاتمة يا عباد الله - أن يصّر العبد على المعاصي وما ألفها فإن الإنسان إذا ألف شيئاً مدة حياته وأحبه فعلق قلبه به فالغالب أنه يموت عليه إن لم يمت من ذلك .
في أحدى الطرق كان ثلاثة من الشباب يستقلون سيارتهم بسرعة كالبرق والموسيقى يصيح بصوت مرتفع وهم فرحون بذلك كحال كثير من شبابنا إلا من رحم الله – كان من البعد ما يفكرون فيه أن يفارقوا هذه الدنيا ، كانت الآمال تطير بهم وهم يتابعون تلك المزامير الشيطانية .
وفجأة حدث ما لم يكن بالحسبان . . انقلبت السيارة عدة مرات وصلت سيارة الإسعاف حملت المصابين . . . أحدهم كان مصاباً إصابات بليغة جلس صديقاه بجانبه كان يتنفس بصعوبة والدم قد غطى جسده حتى غير ملامحه حينئذ علم الضابط أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة . . عرف أسمه من صاحبيه قال له : يا فلان قل لا إله إلا الله يا فلان قل لا إله إلا الله فيقول هو . . هو في سقر فيقول يا فلان قل لا إله إلا الله فيقول هو في سقر ثم سقط رأسه ولفظ أنفاسه ولا حول ولا قوة إلا بالله . . .
وكم سمعنا وسمعتم من القصص في هذا الكثير وقد ذكر ابن القيم في كتابه القيم الداء والدواء شيئاً من ذلك فليراجع فإنه مفيد.
عباد الله : ليحذر العبد كل الحذر من معصية الله أن تخونه عند موته يقول ابن كثير رحمه الله : إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت .
ويقول ابن القيم نقلاً عن الاشبيلي رحمه الله " وسوء الخاتمة لا تكون لمن استقام ظاهرة وصلح باطنه إنما تكون لمن له فساد في العقيدة أو إصرار على الكبيرة أو إقدام على العظائم فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل عله الموت قبل التوبة فيأخذه قبل إصلاح الطوية ويصطدم قبل الإنابة والعياذ بالله

اللهم صلي على محمد وعلى أزواجــه وذريته كما صليت على ال إبراهيم وبارك على محمد كما باركت على محمد وعلى أزواجـه وذريته كما باركت علىال إبراهيم إنك حميد مجيد.
يقول عبد الرحمن بن مهدي : "لو قيل لحماد بن مسلمة أنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً " لأن أوقاته بالتعبد معمورة وعن الشر يدية مقصورة والاستعداد للموت ليس بالأماني الباطلة والألفاظ المعسولة بل هو بهر المنكرات والثواب إلى رب الأرض والسموات وإزالة الشحناء والبغضاء والعداوة من القلوب وبر الوالدين وصلة الأرحام .
ولكن يا عباد الله متى يستعد للموت من تظلله سحائب الهون ويسير في أودية الغفلة ؟!
متى يستعد للموت من لا يبالي بأمر الله في حلال أو حرام ؟! متى يستعد للموت من هجر القرآن ولا يعرف صلاة الفجر مع الجماعة من أكل أموال الناس بالباطل وأكل الربا وارتكب الزنا ؟ ! كيف يكون مستعداً للموت من لوث لسانه بالغيبة والنميمة وأمتلاءقلبه بالحقد والحسد وضيع أوقات عمره في تتبع عورات المسلمين والوقوع في أعراضهم ؟!
فيا أيها المذنب وكلنا كذلك عد إلى ربك وجدد التوبة قبل فوات الآوان ولا ثمت ساعة مندم

اللهم صلي على محمد وعلى أزواجــه وذريته كما صليت على ال إبراهيم وبارك على محمد كما باركت على محمد وعلى أزواجـه وذريته كما باركت علىال إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبد الله المعيدي
  • مقالات ورسائل
  • بحوث ودراسات
  • الصائم العابد
  • الصفحة الرئيسية