بسم الله الرحمن الرحيم

تعليق مهم على كلام الشيخ ابن عثيمين في حكم تارك العمل


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد : فهذا تعليق لا بد منه لبيان أن كلام الشيخ ابن عثيمين حفظه الله ليس فيه ما يخالف كلام إخوانه العلماء الذين حذروا من كتاب الأخ احمد ناصر الزهراني ، وليس فيه ما يخالف إجماع أهل السنة على أن الإيمان قول وعمل ، وأنه لا يجزئ القول إلا بالعمل .
والباعث على كتابة هذه الأسطر – مع وضوح رأي الشيخ حفظه الله – أن بعض من استمع إلى الحوار الهاتفي الذي تم مع الشيخ خرج يقول : التكفيريون أخذوا صفعة من الشيخ ابن عثيمين !
وهذا قطعا مما لا يرضاه الشيخ ، ولا يريده ، بل هو دليل على عدم الانتفاع بمنهج الشيخ ونصحه ، فهو أبعد الناس عن إطلاق هذه العبارات .
ثم إن هذه الكلمة الظالمة تدل على أنهم يصفون إخوانهم القائلين بكفر من ترك جميع أعمال الجوارح بأنهم تكفيريون ، وهذا من الجهل بمكان ، بل هو عدوان على الشيخ ابن عثيمين نفسه ، فقد حكم بكفر من هذه حاله كما في السؤال الأول !!
ولا أدري والله ما الذي وجدوه في كلام الشيخ يوافق مذهبهم في نجاة تارك عمل الجوارح !!
ولذا فسأناقش نقاط الحوار نقطة نقطة ، - فيما يتصل بالموضوع – لنرى مدى موافقة الشيخ لهم .
وقبل الشروع في المقصود ، لا بد من بيان عدة أمور :
أولا :
حين استشرت في وضع الحوار هنا في المنبر ، رحبت بذلك ، لما أشتمل عليه هذا الحوار من فوائد كثيرة .
لكني لم أكتب كلمة من هذا الكلام : " قررنا إلغاء تناول هذا الموضوع والرجوع الى كبار العلماء في ذلك ".
ولا هذا الكلام " إليكم كلام الشيخ ( ابن عثيمين ) حفظه الله صوتاً ومكتوباً ، وإغلاق باب النقاش والرجاء من الإخوة الالتزام بكلام العلماء وعدم طرق هذا الموضوع ."

فهذا كلام لم أتفوه به ، ولا أوافق عليه ، ولا أعلم أن أحدا من المشرفين والمراقبين الآتي أسماؤهم شارك في صياغته : الواضح – الهيئة – مشارك – مقص الرقيب – أبو سعدة – متأمل – أبو محمد التيمي – المتوكل على الله .
وهو كلام مخالف لطبيعة مواقع الحوار ، ومخالف لما سارت عليه سحاب منذ اللحظة الأولي إلى الآن .
فكم سمح لمن خالف اللجنة الدائمة مثلا بإبداء رأيه والدفاع عنه !
مع أنه خلاف لها في مسألة تراها هي ابتداعا وانحرافا .
أما الشيخ ابن عثيمين حفظه الله فغاية ما يفهم من كلامه الرغبة والحث على الإمساك عن تناول هذا المصطلح ( جنس العمل )
ولم يقل إن هذا العمل ضلال أو انحراف أو ابتداع .
وعلى فرض أن الشيخ حفظه الله قال في هذا الحوار ما يخالف كلام إخوانه من العلماء ، فإن ذلك لا يبرر بحال الاكتفاء بكلامه والإعراض عن كلام غيره .
ولذا فأنا أبرأ من هذا التعليق الذي قدم به مقال الشيخ ، وقد كنت أول المخالفين له بمواصلتي الكلام على كتاب الأخ عدنان .
وليس هذا قدحا فيمن صاغ هذه المقدمة ، ولكن : كل بني آدم خطاء .
ثانيا :
كثيرا ما يختلف العلماء والمصلحون في تحديد طريقة الإصلاح ، واختيار ما يحقق المصلحة منها ، ويدرأ المفسدة .
وقد اختار الشيخ حفظه الله هنا إحدى الطرق وهي دعوة المختلفين إلى الإمساك عن المسألة محل الخلاف .
ومع التقدير والاحترام لوجهة نظر الشيخ أقول :
لقد أثبتت التجربة عدم نجاح هذه الطريقة ، وأن المختلفين لن يرجعوا عن خلافهم ، بل سكوت الشيخ وإحجامه عن بيان المسألة سيزيدهم خلافا ، وسيأخذ كل فريق من كلامه ما يظن ، أو ما يوهم به أتباعه انه لصالحه .
أما حين يقوم المصلح بوضع النقاط على الحروف ، وبسط المسألة ، ونصرة المذهب الحق ، فهنا : يهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة .
وهب ان المصطلح موهم او غريب او غير مرغوب فيه ، فالكلام عن المضمون ممكن ، وهذا منهج السلف في التعامل مع الألفاظ المجملة .
وطريقة الإسكات والحث على هدم المسألة ونسيانها تصلح مع قوم في بداية الطلب ، وللشيخ بهم عناية ومتابعة ، لا في كل حال .
ثالثا :
ليعلم ان هذا الحوار قام على اثر خلاف بين رأيين : رأي يتبنى تدريس كتاب : حقيقة الايمان للأخ عدنان عبد القادر ، وهو قائم في جملته على إثبات نجاة تارك عمل الجوارح بالكلية .
ورأي يقول بأن تارك عمل الجوارح غير ناج ، وأنه لا يتصور وجود إيمان في القلب مع انتفاء عمل الجوارح ،
وهذا الرأي يعتمد على ما كتبه بعض الباحثين في رسائل علمية محكمة : ومنها :
ظاهرة الإرجاء للشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي ( رسالة دكتوراة ) .
ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة للأخ عبد الله بن محمد القرني ( رسالة ماجستير ) .
نواقض الإيمان الاعتقادية للدكتور محمد بن عبد الله الوهيبي ( رسالة دكتوراة ) .
وقد تبنت هذه الدراسات القول بأن تارك جنس عمل الجوارح كافر بالإجماع . وهي رسائل محكمة كما قلت ، تناقش على الملأ ، ولها جهات تشرف عليها وتناقشها وتعمل على تقييمها ، وهي متداولة في الأسواق منذ زمن ليس قريبا ، دون أن يعترض عليها معترض ، أو يسعى لمنعها ساع .
رابعا :
وليعلم أيضا أن الشيخ ابن عثيمين حفظه الله اختير للفصل في القضية ، وهو على علم بذلك ، ولذلك فقد كان مستغربا منه حفظه الله استنكاره لكثرة الأسئلة الواردة حولها ، مع كونها هي مادة الموضوع ، والباعث على الحوار .
وهذا أوان الشروع في المقصود :
1- سئل الشيخ حفظه الله :
س : شخص قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه مصدقاً بقلبه مستسلماً منقاداً لكنه لم يعمل بجوارحه خيراً قط مع إمكان العمل هل هو داخل في المشيئة أم كافر ؟
فما هو قول المخالفين في الإجابة عن هذا السؤال ؟
الجواب : يقولون بأن هذا داخل تحت المشيئة ، وأنه ليس بكافر .
فهل وافقهم الشيخ في ذلك ؟ ( ولا حظوا أني أتبع أسلوب التبسيط والتوضيح قدر ما أستطيع )
الجواب : لا .
بل حكم الشيخ بكفره .
وثمة مخالفة أخرى هنا ، نقررها نحن بأن هذا السؤال خطأ ، وأنه فرض ما لا يكون ، فكيف يوجد رجل يقول كلمة التوحيد : ( مخلصا من قلبه مستسلماً منقادا
ثم يقال عنه : ً لكنه لم يعمل بجوارحه خيراً قط مع إمكان العمل !!!
وقد أشار الشيخ حفظه الله إلى خطأ هذا الافتراض بقوله :
" لو كان صادقاً بقول لا إله إلا الله مخلصاً بها والله لن يترك الصلاة ".
وكون الشيخ لم يعلل كفر هذا الشخص بكونه تاركا للعمل جوابه من وجهين :
الأول : أن التكفير في الظاهر لا يمكن تعليقه على قضية ترك العمل لعدم انضباطها ، ولعدم إمكان الحكم على شخص ما بأنه لم يعمل خيرا قط إلا في النادر ، فلو علق الفقيه الحكم على ترك الصلاة فقد علقه على أمر ظاهر يمكن التحقق من وجوده وعدمه .
الثاني : أن الشخص قد يجتمع فيه موجبان للكفر أو أكثر عياذا بالله من ذلك ، ويكفي الفقيه أن يذكر موجبا واحدا لذلك ، وقد يعرض عن ذكر الموجب الآخر لحكمة ، أو مصلحة .
2- وسئل حفظه الله :
" الشق الثاني يقول : وهل يوجد خلاف بين أهل السنة في حكم هذا الرجل بناء على حكم تارك مباني الإسلام الأربع والخلاف فيها ؟ "
والمخالفون يقولون : نعم يوجد خلاف .
فما ذا قال الشيخ :
" مسألة الخلاف لا أستطيع حصره ولكن يجب أن نعلم أن الكفر حكم شرعي لا يتلقى إلا من الشرع وأن الأصل في المسلمين الإسلام حتى يدل دليل على خروجهم منه . والتسرع في التكفير خطير جداً جداً جداً ، حتى أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال محذراً منه – أي من التكفير – من دعا رجلاً بالكفر أو قال يا عدو الله وليس كذلك حار عليه – أي على القائل – أي رجع على القائل ."
فهل أعطاهم الشيخ ما يريدون ؟!!
على أنا نقول : لو جزم الشيخ بوجود الخلاف ، ما ضره ذلك ، لأن السؤال مقيد بحيثية معينة (بناء على حكم تارك مباني الإسلام الأربع والخلاف فيها ؟)
وهذا قد يجعل الفقيه يغفل عن أصل المسألة وأنها في من ترك جميع العمل وليس فيمن ترك المباني الأربعة فحسب .
3- وسئل حفظه الله :
" س : سائل آخر يقول كيف نفهم حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه – عند مسلم وفيه فيخرج الله منها قوماً لم يعملوا خيراً قط ؟ "
فما ذا يقول المخالفون ؟
يقولون إن هذا الحديث قطعي الدلالة على كونهم لم يعملوا أي عمل بالجوارح !!! ( انظر كتاب عدنان ص 74 )
والشيخ يقول :
" ج : نفهم هذا أنه عام وأن أدلة كفر تارك الصلاة خاصة ومعلوم عند العلماء أن العام لا يخصص بخاص لان هذا الحديث لم يقل لم يصلي حتى نقول أنه معارض للنصوص الدالة على كفر تارك الصلاة بل قال لم يعمل خيرا قط فلم ينص على الصلاة بل عمم، ونصوص كفر تارك الصلاة خاصة فتخص بما خصصت به ."

وحسبنا من الشيخ بيان إمكانية تخصيص هذا النص ، وان ما فهموه من الحديث من كونه لم يعمل شيئا ، ليس صحيحا ، بل مفاد كلام الشيخ أنه رجل لم يترك الصلاة ، فلم يترك جميع عمل الجوارح !
وأضيف : إن هذا الإطلاق " لم يعمل خيرا قط " لا يعني نفي كل عمل ، وبيان هذا له موضع آخر .
4- وسئل حفظه الله
" س : الخلاف الواقع في حكم تارك الصلاة هل هو خلاف داخل في دائرة أهل السنة أم لا ؟
فأجاب :
ج : نعم خلاف داخل في دائرة أهل السنة ، وأهل السنة أنفسهم مختلفون في هذا كما يختلفون مثلاً في فروض الوضوء ووجوب الوضوء من لحم الإبل وما أشبه ذلك"
ونحن ومخالفونا متفقون على وجود الخلاف بين الفقهاء .
لكن نحن والشيخ نقول : إن الصحابة اجمعوا على تكفير تارك الصلاة .
والمخالف لا يقر بذلك .
5- وسئل حفظه الله
" س : يقول البعض إذا ترك عمل الجوارح بالكلية خرج من الإيمان ولكن لا يقتضي عدم انتفاعه بأصل الإيمان والشهادتين بل ينتفع بهما كمن أراد الحج ولم يشهد عرفة وهو ركن فإنه ينتفع بالأركان الأخرى فما قول فضيلتكم في ذلك ؟"
وهذا سؤال مهم ، وهو من جديد ما أتى به الأخ عدنان في كتابه .
فالمخالفون يقولون : هذا الكلام صحيح ، وهو مذهبنا .
فما ذا قال الشيخ :
" ج : نقول هذا ليس بصواب إنه لن ينتفع بإيمانه مع ترك الصلاة التي دلت النصوص على كفر تاركها وكذلك لو ترك الوقوف بعرفة ما صح حجه كما دل على ذلك سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما من أدرك عرفة قبل الفجر يوم النحر فقد أدرك ومن لا فلا حتى لو جاء بعد ذلك بالرمي والمبيت في منى والطواف والسعي لم يكن حج . "
وتأمل : فقد خالفهم الشيخ في الفرع والأصل المقيس عليه !!!
فذهبت حجة كبرى لهم ، كانوا ينافحون بها في وجه من يقول لهم : إن عمل الجوارح ركن ، فإذا ذهب الركن ذهب الإيمان .
واستشهاد الأخ عدنان بكلام شيخ الإسلام أو بما في المغني لا يساعده في هذه المسألة ، والرد عليه ليس هذا محله.
6- وسئل حفظه الله :
" س : هذا سائل يقول : يقول البعض إن الشيخ الألباني – رحمه الله – قوله في مسائل الإيمان قول المرجئة . فما قول فضيلتكم في هذا ؟"
فما ذا يقول المخالفون :
هم يبرئون الشيخ من ذلك .
وأقول : وكذلك نحن . فمعاذ الله أن نقول : إن قول الشيخ في مسائل الإيمان يوافق قول المرجئة ، كيف وهو يقول : إنه قول وعمل، ويزيد وينقص ويستثنى فيه .
وحين بينت – سابقا - خطأ كلام الشيخ الألباني رحمه الله في أن الكفر الأكبر يعود إلى الاستحلال القلبي قلت : إني أعتقد أن الشيخ رجع عن ذلك وذلك بإقراره العنبري على أن الكفر يكون بالقول والفعل والاعتقاد ( شريط مسجل ) .
ولا أعلم أن الأخ الذي أنكر تدريس هذا الكتاب وطلب التحاكم إلى الشيخ ابن عثيمين يقول : إن الشيخ الألباني رحمه الله في مسائل الإيمان يوافق قول المرجئة .
لكن إن ثبت أن الشيخ يقول : العمل شرط كمال ( ولم أسمع هذا بنفسي أو لا أذكر أني سمعت ذلك ) فهذا القول جزم الشيخ الفوزان حفظه الله بأنه قول مرجئة أهل السنة ( المنتقى من فتاوى الشيخ 2/9) .
لكن ليس كل من وافق المرجئة في جزئية صح أن يقال عنه : انه مرجئ ، أو انه موافق لهم في مسائل الإيمان ، فهذا ظلم وتجني .
فما ذا قال الشيخ ابن عثيمين حفظه الله :
" ج : أقول كما قال الأول :
اقـلــوا عليـــه لا أبــــــا لأبيكــــــم مــن اللـــوم أو ســـدوا المكــان الــذي ســـد
الألباني رحمه الله عالم محدث فقيه وإن كان محدثاً أقوى منه فقيهاً ولا أعلم له كلاماً يدل على الإرجاء أبداً . لكن الذين يريدون أن يكفروا الناس يقولون عنه وعن أمثاله إنهم مرجئة
، فهو من باب التلقيب بألقاب السوء وأنا أشهد للشيخ الألباني رحمه الله بالاستقامة وسلامة المعتقد وحسن المقصد ولكن مع ذلك لا نقول أنه لا يخطئ لأنه لا أحد معصوم إلا الرسول عليه الصلاة والسلام .
قد يخطئ في مسائل يكون الصواب فيها خلاف قوله وقد يكون الصواب في قوله لكن العمل به غير صواب كما قال في مسألة التبرج وجواز كشف الوجه واليدين فإن هذا حتى لو كان هذا ما تقتضيه الأدلة عنده فلا ينبغي نشره في هذا الزمن لأن الناس متأهبون جداً أعني كثيراً من الناس لمثل هذا فمادام الناس محافظين لا حاجة لأن نفتح لهم الباب لأنهم لم يتركوا واجباً وهذه خطة يجب على طالب العلم أن ينتبه لها وهى أنه إذا تضمن الشيء شراً فليمسك أرأيتم حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ حين قال له أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله قال الله ورسوله أعلم قال حق العباد على الله ( كذا قال الشيخ ) أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحق الله على العباد ( كذا قال الشيخ ) ألا يعذب من لا يشرك به شيئا فقال معاذ أفلا أبشر الناس يا رسول الله قال لا تبشرهم فيتكلوا فمنعه من إفشاء هذا الحديث مع أنه مسألة في العقيدة مهم جداً خوفاً من أن تفهم بهذا الشكل وأراد أن يهدم الكعبة ويبنيها على قواعد إبراهيم ولكن منعه أن قريشاً كانوا حديثي عهد بكفر فخاف أن يكون بذلك فتنة . والعالم حقيقة هو الذي يكون عنده علم ويربي الناس فالعلم ليس نظريات فقط بل نظريات وتطبيق ."
قلت : لا يخفى أن هذه ليست فتوى ، وإنما هي إخبار من الشيخ عما يعلم : ( ولا أعلم له كلاماً يدل على الإرجاء أبدا )
والدليل على أن الشيخ ابن عثيمين غير مطلع على جميع كلام الشيخ الألباني في مسألة الإيمان والكفر ، أنه سئل بعد هذه الشهادة بستة أسئلة :
" س : قائل يقول " الكفر الأكبر والشرك الأكبر يعود إلى الاستحلال القلبي فليس هناك عمل أو قول هو كفر أكبر إلا إذا تضمن الاستحلال القلبي " فما رأيكم في هذا القول ،وهل هذا هو معتقد أهل السنة"
فقال " ج : كل هذا كلام فارغ الكفر والإيمان موكول للشرع فمن كفره الله ورسوله فهو كافر سواء بعمل أو اعتقاد أو قول أو فعل ومن لم يكفره الله ورسوله وهو منتسب إلى الإسلام فهو مؤمن لا يحل لنا أن نكفره"
والكلام المنقول هو كلام الشيخ الألباني رحمه الله ، فانتبه .
7- وسئل حفظه الله :
" س : هذا سائل ينقل كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية ويطلب التوضيح " الإيمان منه ما هو ركن لا يتم الإيمان إلا به ومنه ما هو واجب ينقص بفواته نقصاً يستحق صاحبه العقوبة ومنه ما هو مستحب يفوت بفواته علو الدرجة فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل ومنه إذا ذهب ذهب عن الكمال ومنه ما إذا ذهب ذهب الإيمان بالكلية وهو القول والاعتقاد "كما ذكر الأخ هذا الكلام لشيخ الإسلام "
وأقول : مراد المخالف من هذا النقل الاستشهاد بقول شيخ الإسلام " ومنه ما إذا ذهب ذهب الإيمان بالكلية وهو القول والاعتقاد "
وهذا لا يمكن أن يقول به المخالف لو أدرك !!!
فإن الإيمان يذهب بشيء آخر وهو عمل القلب اتفاقا .
ومع هذا ، فليس في إجابة الشيخ ما يؤيد ما ذهبوا إليه بل أجاب بما هو متفق عليه عند الجميع :
" ج : هذا واضح . الإيمان منه ما تركه كفر كما لو أنكر أحد أركان الإيمان هذا كفر ومنه ما هو كمال مثل قوله صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " المراد هنا كمال الإيمان وقد يكون فيه شئ مستحب كما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن النساء ناقصات عقل ودين وجعل نقصان دينها أن تترك الصلاة في أيام الحيض مع أن هذا ليس بإرادتها هذا نقص".
8- وسئل حفظه الله :
" س :" تارك جنس العمل كافر . تارك آحاد العمل ليس بكافر " ما رأيكم في ذلك ؟ "
قلت : لو عرض علي هذا السؤال ما قبلته : جنس عمل ما ذا ؟!
ولو قيل لي أجب بنعم أو لا على هذا السؤال ما استطعت :
لأن تارك جنس العمل كافر بالإجماع ،( أعني طرفي النزاع ) لأن هذا التعبير يدخل فيه عمل القلب وعمل الجوارح ، وقد فات هذا على السائل !
وترك آحاد العمل فيه تفصيل : فترك الصلاة ليس كترك الصوم .
فالحاصل أن الشيخ حفظه الله لا يلام في كراهته لهذا السؤال وإعراضه عنه ، وإن كنت أقول : هذا موطن بيان ونصح ، وبالإمكان تصحيح سؤال السائل والإجابة عنه .
قال الشيخ :
" ج : من قال هذه القاعدة ؟ ! من قائلها ؟! هل قالها محمد رسول الله ؟! كلام لا معنى له .نقول من كفره الله ورسوله فهو كافر ومن لم يكفره الله ورسوله فليس بكافر هذا الصواب . أما جنس العمل أو نوع العمل أو آحاد العمل فهذا كله طنطنة لا فائدة منها ."
ولي تعليق على قول الشيخ : فهذا كله طنطنة لا فائدة منها :
إذا كان المراد بيان معنى قول السلف : الإيمان قول وعمل ، وإيضاح منزلة العمل عندهم وانه كالقول ، والرد على المرجئة القائلين بنجاة من ترك العمل ، فهذا كما ترى مشتمل على عدة فوائد ، والله أعلم .
وسيأتي : أن الشيخ مقر لمضمون المسألة ، معترض على هذه التقسيمات. .
9- وسئل حفظه الله :
" س : هل أعمال الجوارح شرط في أصل الإيمان وصحته أم أنها شرط في كمال الإيمان الواجب ؟
ج : تختلف ، فتارك الصلاة مثلاً كافر إذاً فعل الصلاة من لوازم الإيمان
وإني أنصح إخواني أن يتركوا هذه الأشياء والبحث فيها وأن يرجعوا إلى ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح لم يكونوا يعرفون مثل هذه الأمور .
المؤمن من جعله الله ورسوله مؤمناً والكافر من جعله الله ورسوله كافراً . وانتهى
فما ذا يقول المخالف ؟
يقول : لا يوجد عمل جوارح هو شرط صحة للإيمان ، لا الصلاة ولا غيرها .
وأما نصيحة الشيخ بترك هذه الأشياء فقد مضى التعليق عليه .
وأما قوله " والسلف الصالح لم يكونوا يعرفون مثل هذه الأمور "
فأقول : حين أخرج المرجئة العمل من الإيمان اشتد نكير السلف عليهم ، وأكثروا من القول بأنه لا بجزيء قول بلا عمل .
ولم يكن في عصرهم من يقول بهذا اللفظ : العمل شرط كمال ، حتى يقابلوه بقولهم : العمل شرط صحة .
فلما وجد من يقول الآن بأن العمل شرط كمال ، احتاج أهل السنة للرد عليهم والحكم بأن هذه مقولة المرجئة كما قال الشيخ الفوزان وكما يفهم من بيان اللجنة في شأن الزهراني .
ويقال أيضا : لم يقل السلف إن قول اللسان شرط صحة ، ولا إن زوال عمل القلب يذهب الإيمان ، لم يقولوا ذلك بنفس هذه العبارات ، مع ورودها في كلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما ، بل لا بد منها عند تأصيل مسألة الإيمان وإيضاح الفرق بين قول أهل السنة وقول من خالفهم .
10- وسئل حفظه الله :
" س : إذا كنا في بلد يفتي أهل العلم فيها بأن تارك الصلاة ليس كافراً كفراً أكبر فإذا مات تارك للصلاة في هذا البلد فهل يترك الناس غسله والصلاة عليه وهل يمنعون دفنه في مقابر المسلمين في هذا البلد وهل مات مسلماً لأنه مقلد لعلماء بلده ؟
ج : أما من يعتقد أنه كافر نعم فهذا لا يصلي عليه وأما من لا يعتقد فليصلي عليه وهكذا ينظر في الخلاف .".
قلت : الخلاف في تارك الصلاة معروف كما سبق .
لكن هنا أمر يحتاج إلى وقفة : إذا كان الشيخ رحمه الله يرى أن كفر تارك الصلاة مجمع عليه بين الصحابة ، فكيف يفرع على القول المخالف ؟
إن القول المخالف ينبغي أن يحذر من الأخذ به ، وأن يبين أنه خلاف الحق المجمع عليه ، وإن كنا نعذر الإمام الذي اجتهد في ذلك فأخطأ ، فهذه مسألة تحتاج إلى بحث وتأمل وسماع رأي الشيخ حفظه الله فيها .
11- وسئل حفظه الله :
" س : سائل يقول : نعلم أن هناك المسلم والكافر ولكن هل هناك من نستطيع أن نصفه بأنه مجهول الحكم وهل استعمل أهل العلم من السلف هذه اللفظة ؟
فأجاب :
" ج : لا الحكم واضح محدد في كتاب الله عز وجل قال الله عز وجل " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " ولا في أحد مجهول الحال إلا إذا كانت الأدلة مشتبهة عند بعض الناس في كفره أو إيمانه صار مجهولاً من حيث الحكم أو أن الرجل نفسه مجهول لا يدرى عنه فهذا مجهول من حيث الحال ومع ذلك فالأصل في المسلمين الإسلام حتى يقوم دليل صريح في خروجهم من الإسلام . وإذا قُدر أنه قدم جنازة وصاحبها مبتدع نشك في إيمانه فهنا نستثني عند الدعاء له فنقول اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له وارحمه إلى آخره . هكذا ذكر ابن القيم – رحمه الله – عن شيخه شيخ الإسلام أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله – أي سأله شيخ الإسلام – عن الرجل يقدم إلينا لا ندري أمؤمن هو أم كافر قال عليك بالشرط يا أحمد أي قل اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له وارحمه والشرط في الدعاء جاء في القرآن كما في قوله تعالى " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين " . التثنية إذا شككت هذا إذا كان الشك أصل ومعتمد وإلا فالأصل في جنائز المسلمين انهم مسلمون فادعوا الله ولا تستثني "
12- وسئل حفظه الله :
" س : سائل يقول : نرجو توضيح كلام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – حيث قال : ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال فالعمل يصدق أن في القلب إيمانا وإذا لم يكن عمل كذب أن في القلب إيمانا لان ما في القلب مستلزم للعمل الظاهر وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم ".
فما ذا يقول المخالفون :
هل يقولون إنه إذا لم يكن عمل ، كذب أن في القلب إيمانا ؟
لو قالوا ذلك لم يكن خلاف بيننا وبينهم .
هل يقولون : إن انتفاء العمل الظاهر يدل على انتفاء ما في القلب ؟
الجواب : لا يقولون ذلك .
فما ذا قال الشيخ في هذه النقطة التي هي مدار البحث ، مع خلوها من المصطلحات التي لا يرتضيها الشيخ ؟
قال :
" ج : كلام الشيخ ظاهر وهو مروي عن الحسن البصري – رحمه الله – " أن الإيمان ليس بالتمني و لا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال " وهذا معلوم من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " فمعلوم أن القلب إذا كان فيه إيمان فلا بد أن تظهر مقتضياته على الجوارح ".
فهذا هو مذهب الشيخ ورأيه في المسألة ، تستطيع أن تعرفه من الشيخ إذا تجنبت استعمال المصطلحات : جنس العمل – نوع العمل – آحاد العمل .
فلا أدري بأي شيء فرح القوم !
13- وسئل حفظه الله :
" س : قائل يقول " الكفر الأكبر والشرك الأكبر يعود إلى الاستحلال القلبي فليس هناك عمل أو قول هو كفر أكبر إلا إذا تضمن الاستحلال القلبي " فما رأيكم في هذا القول ،وهل هذا هو معتقد أهل السنة ؟"
هل تعلمون قول من هذا ؟
إنه قول الشيخ الألباني رحمه الله
ومن كان مريدا لمعرفة قول أهل العلم في كلام لمشايخ وعلماء معروفين فليتجنب ذكر أسمائهم في المحافل العامة ، فإنه لن يحصل إلا على الثناء العام وهذا مجرب ، وهو دال على حكمة الشيخ المسئول .
لكن إن أردت الحق فاترك الأسماء واسأل عن الكلام .
ما ذا يقول المخالفون في هذه المسألة ؟
الجواب :
هم متخبطون فيها ، ولا أدري أين وصلوا الآن .
وقد كانوا يقولون به منذ سنوات ، وحين قلت لأحدهم : الكفر يكون بالقول والفعل والاعتقاد : قال – وبصوت عال- : هذه مقدمة لكلام الخوارج !!!!!
فإن كان رجع إلى الحق بعد فتوى اللجنة فالحمد لله ، لكن هل يقر بأنه كان متخبطا ، ينصر باطلا ، وينسبه إلى السلف !
أما الشيخ ابن عثيمين فقال حفظه الله :
" ج : كل هذا كلام فارغ الكفر والإيمان موكول للشرع فمن كفره الله ورسوله فهو كافر سواء بعمل أو اعتقاد أو قول أو فعل ومن لم يكفره الله ورسوله وهو منتسب إلى الإسلام فهو مؤمن لا يحل لنا أن نكفره .
ولو أن طلبة العلم المبتدئين والشباب الغيورين سلكوا هذا المسلك الذي قلنا سلموا من هذه التقديرات وهذه التعبيرات .
الكافر من كفره الله ورسوله والمؤمن المنتسب للإسلام من لم يكفره الله ورسوله "
وقول الشيخ : ولو أن طلبة العلم .... الخ يدل على أن الشيخ لا يعلم مصدر هذا الكلام ، وأنه كلام الشيخ الألباني ، وقد سبق التعليق على ذلك عند السؤال رقم : 6
14- وسئل حفظه الله : وهو السؤال رقم 17
" س : سائل يقول ما قول الشيخ - حفظه الله - في تدريس هذا الكتاب للناشئة وهو مشتمل على العناوين الآتية المكتوبة بالخط البارز سنذكرها لكم :-
يقول " لا يكفر المسلم حتى يترك أصل الإيمان القلبي ".
"ج : أنا قلت في هذا اللقاء إن تارك الصلاة كافر ولو كان مقراً بوجوبها"

" السائل : يقول في موطن آخر " جمهور العلماء وليس المرجئة يقولون بنجاة تارك
ج: هؤلاء يريدون سفك الدماء واستحلال الحرام لماذا صاحب هذا الكتاب ما أصل أصول أهل السنة والجماعة كما أصلها شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية أما أن لا يكون لهم هم إلا التكفير ( جنس العمل - نوع العمل -آحاد العمل) وما أشبه ذلك لماذا …. ( كلمة غير واضحة للشيخ حفظه الله).
قلت : الكتاب هو كتاب حقيقة الإيمان للأخ عدنان عبد القادر ، والعنوان الأول موجود فيه ص 33 والعنوان الثاني ص 80
وقد خالفه الشيخ في مضمون العنوان الأول ، وقال ما ترون عند سؤاله عن العنوان الثاني .
قلت : ولو كان حقا ما قاله المؤلف : " جمهور العلماء وليس المرجئة يقولون بنجاة تارك عمل الجوارح"
فما الذي يمنع الشيخ من التصديق عليه وإقراره كما أقر قبله كلام شيخ الإسلام ؟
وهنا سيضطر المخالف إلى أن يقول : الشيخ أراد أن يسد الباب في هذه المسألة ، ولم يرد مخالفة مضمون العنوان .
قلنا : مجرد دعوى ...... وهذا يؤكد أن الشيخ لم يقل شيئا يفرحكم ، ففيم الفرح !!!!!
لقد سكت عن الفصل في المسألة ، لكنه أنكر كل عبارة نقلتموها ، وخالفكم في كل نتيجة مترتبة على أسئلتكم ،
بينما أقر كل عبارة نقلها مخالفكم – غير عبارة جنس ونوع - وربما كان السؤال لكم – وصرح بمضمون قول مخالفيكم : بأن الإيمان القلبي لا بد أن تظهر مقتضياته على الجوارح .
فافرحوا إن شئتم ، وسلوا الله الفهم !
15- وسئل حفظه الله :
" السائل :نأسف على الإطالة في هذا النوع من الأسئلة حقيقة أن سبب الطرح أن أحد طلبة العلم عندنا هنا في قطر يدرس في هذا الكتاب الذي يدور حول هذه المسائل والقضايا . "
فقال الشيخ :
" أنا ما أقول شئ بالنسبة للكتاب ، تغيره أو تبديله الواجب على وزارة المعارف أو التعليم العالي أن تنظر في هذا الكتاب وتلغيه إذا كان ليس لكاتبه هم إلا هذا فهذا لا خلاف فيه".
قلت : الكتاب ليس له هم إلا هذا ، فينبغي إلغاء تدريسه .
فعلام يفرح القوم ؟!
وكان المفترض أن يخرجوا تائبين نادمين عازمين على إيقاف هذا الدرس الذي يسبب الفتن ... لا أن يفرحوا ويوهموا أنفسهم أنهم على شيء .
آخر الكلام :
1- يقول الشيخ ابن عثيمين في شرحه على كتاب التوحيد : 1/ 74
" قوله " من قال لا إله إلا الله " أي : يشترط الإخلاص ، بدليل قوله " يبتغي بذلك وجه الله " أي : يطلب وجه الله ، ومن طلب وجها فلا بد أن يعمل كل ما في وسعه الوصول إليه ، لأن مبتغي الشيء يسعى في الوصول إليه ، وعليه فلا نحتاج إلى قول الزهري رحمه الله ، بعد أن ساق الحديث كما في صحيح مسلم حيث قال " ثم وجبت بعد ذلك أمور وحرمت أمور فلا يغتر مغتر بهذا " فالحديث واضح الدلالة على شرطية العمل لمن قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ،" انتهى .
2- قال الشيخ عبد الله بن محمد القرني في كتابه ضوابط التكفير في مقدمة الطبعة الثانية :
" ومن هذه القواعد : الوقوف مع إجماع السلف ، وعدم تجاوزه أو قبول الخلاف فيه بأي حال ، لان مخالفة إجماعهم يقتضي بالضرورة تخطئتهم ، وهم إنما أجمعوا على الأصول التي اجمعوا عليها بناء على نصوص كثيرة ، فلا يمكن أن يكون إجماعهم خطأ ، بل إن من يخالفهم لا بد أن يكون هو الذي أخطأ ، وأحدث في الدين ما ليس منه .
فإذا كان أهل السنة قد اجمعوا –مثلا- على أن الإيمان قول وعمل فإن مقتضى ذلك عندهم أن الكفر قد يكون بالعمل فلا يصح تقييد الكفر بمجرد الاعتقاد ...
كما أنه يلزم عن هذا الأصل تكفير التارك لجنس العمل ، وان النجاة من عذاب الكفار لا تكون إلا بالعمل ، وقد نص العلماء على أن هذه هي حقيقة الفرق بين أهل السنة والمرجئة في هذا الباب ، ثم يأتي من يقول إن العمل كمالي للإيمان ، وأن النجاة من عذاب الكفار ممكنة بمجرد الإقرار ، ولو لم يعمل أي عمل ، ويدعي أن هذا هو مقتضى دلالة النصوص ، مع أن علماء أهل السنة قد بينوا دلالة تلك النصوص بما يوافق الأصول التي اتفقوا عليها ، فلم تشكل عليهم تلك النصوص فضلا عن أن يعارضوا بها الأصول المتفق عليها " انتهى ص9، 10
3- أما الإجماع ،
فقد نقله الشافعي رحمه الله ، ولم ينقله عن علماء عصره فحسب وإنما نقله عن الصحابة والتابعين قبلهم :
قال " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون :
الإيمان قول وعمل ونية لا بجزيء واحد من الثلاث إلا بالآخر "
شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي 5/956 ، مجموع الفتاوى 7/209
وقفة مع المخالف :
قال بعضهم : إن العمل هنا هو عمل القلب .
قلت : الجواب عن ذلك من وجوه :
الأول :
أن العلماء ما زالوا يحتجون بهذا الإجماع على إثبات عمل الجوارح وليس عمل القلب ، كما فعل اللالكائي وغيره.
الثاني :
أن هذا رد على المرجئة ، وخلافهم مع أهل السنة في عمل الجوارح وليس في عمل القلب ، فعامة المرجئة على إثبات عمل القلب كما يقول شيخ الإسلام .
ألا ترى العلماء أحيانا يكتفون بذكر عمل الجوارح في تعريف الإيمان ولا يذكرون عمل القلب ، كقولهم : الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان ، وعمل بالأركان. .
وذلك لان الخلاف مع عامة المرجئة فيه ، ولأن من اثبت عمل الجوارح فلا بد أن يثبت أصله وهو عمل القلب ، ولأنه لا قائل بإثبات عمل الجوارح دون عمل القلب .
وجعل ابن القيم المعركة بين أهل السنة والمرجئة هي في عمل القلب ليس صوابا ، وهو مخالف لكلام شيخه ابن تيمية وقد أشار رحمه الله إلى أن هذا هو المنقول عن فرق المرجئة ، نقله الاشعري وغيره عنهم .
وانما أخرج جهم عمل القلب .
الثالث :
أن قوله : ونية ، إشارة إلى عمل القلب ، فدل على أن قوله : قول وعمل ، أي عمل الجوارح .
الرابع :
أن هذا اللفظ يحتمل أن يكون المراد به :
عمل الجوارح ويدل على ذلك ما سبق .
ويحتمل أن يراد به عمل القلب مع عمل الجوارح ، وليس ثمة احتمال ثالث يصح .
وعلى كلا الاحتمالين : لا يجزيء الإيمان دون عمل الجوارح .
ولا يقال : إن عدم الإجزاء معلق على انتفاء الأمرين معا ، لأنا نقول : يلزمكم هذا في القول أيضا .
فإن القول شامل لقول اللسان وقول القلب ، ولا يصح أن يقال إن عدم الإجزاء معلق على انتفاء القولين معا ، فهذا باطل ، وكذلك القول في العمل .
الخامس :
أن من العلماء من استعمل تعبير الشافعي وصرح بأن العمل هو عمل الجوارح .
قال الإمام الآجري في الشريعة ص 125
بعد ذكر المرجئة وسوء مذاهبهم عند العلماء :
" بل نقول – والحمد لله – قولا يوافق الكتاب والسنة وعلماء المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم وقد تقدم ذكرنا لهم : إن الإيمان معرفة بالقلب تصديقا يقينا ، وقول باللسان ، وعمل بالجوارح ، لا يكون مؤمنا إلا بهذه الثلاثة ، لا يجزي بعضها عن بعض ، والحمد لله على ذلك " انتهى .
وقال بعضهم : إن قول الشافعي " لا يجزيء " يمكن تأويلها على نحو القول المعروف في " لا يؤمن أحدكم " وهذا كلام ساقط لا ينبغي الاشتغال برده ، ويحتاج قائله إلى معرفة معنى الإجزاء .
مع وجود الفارق الكبير بين : لا يجزيء الايمان ، ولا يؤمن فإن الأخيرة محتملة لنفي الإجزاء ولنفي الكمال الواجب. .

4- وليعلم أن الأقوال المخالفة لهذا الإجماع لا تخرج عن واحد من أربعة أمور :
الأول : أن يكون قولا لمتأخر ، بعد الصحابة ، والتابعين ، فهو محجوج بالإجماع قبله .
الثاني : أن يكون قولا محتملا ، فلا قيمة له في هذا الباب .
الثالث : أن يكون قولا نتفق نحن والمخالف على خطئه ، فلا يجوز له الاحتجاج به .
كقول ابن رجب الحنبلي مثلا – وقد نقله الاخ عدنان - :
" ... ما في قلبه من التصديق وما قاله بلسانه من الشهادة ، وإنما يخرج عصاة الموحدين من النار بهذين الشيئين "
قلت : فأين عمل القلب ؟
وعلى كل فهو محجوج بالإجماع قبله .
الرابع : أن يكون إجماعا على خلاف هذا الإجماع ، لكنه لا يصح .

وأعني بهذا ما قاله شارح الطحاوية " وقد أجمعوا على أنه لو صدق بقلبه وأقر بلسانه ، وامتنع عن العمل بجوارحه أنه عاص لله ورسوله مستحق للوعيد "
فمن فهم من قوله : عاص ... الخ أنه ليس بكافر وأن هذا إجماع ، فقد أخطأ خطأ بينا ، فإن الخلاف في تكفير تارك المباني الأربعة أشهر من أن يذكر ، فكيف يدعى الإجماع !!!!

وأقول : إن هذا المعتقد الذي ننصره عليه عشرات النقول من كلام سلفنا الصالح ، ومن طلب الحق وجده .
وليعلم أن هذه المسألة ليست لها علاقة بتكفير أحد من الناس فإن الكلام هنا من باب الحكم على الحقيقة وليس على الظاهر ، أما من أراد تكفير الناس ، فما أكثر تاركي الصلاة ، والله المستعان .
وأقول هذا : لأن أهل الباطل لطالما استعملوا سلاح التنفير والإشاعة على أهل الحق ، وأنهم يسعون لتكفير الناس ، وهذا من الإفك الذي سيسألون عنه .
وقد اتهم بذلك دعاة الحق قديما وحديثا ، فاقرأ سيرة شيخ الإسلام ، وسيرة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب وغيرهما من المصلحين الموحدين .
وكلامنا عن تارك عمل الجوارح : نعني به من ترك جميع العمل مع التمكن والقدرة .
وأخيرا : هذا كلام كتب دون تبييض ، وعبر لوحة المفاتيح مباشرة ، فمن وجد خطأ ودلني عليه ، كنت له شاكرا .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

[ كتب هذا المقال بتاريخ 13/5 / 2000 ، بشبكة سحاب ، بعد نشر الحوار الهاتفي مع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ].

كتبه ... الموحد