بسم الله الرحمن الرحيم

الحزبية المقيتة


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
لا تزال قناعتي تزداد يوما بعد يوم بأن الحزبية والتقليد الأعمى والتعصب المظلم من أعظم الأمراض التي تنخر في جسد ما يسمى " بالصحوة الاسلامية " .
وهي سمة من سمات اهل البدع في القديم والحديث ، فالشيخ لا يمكن نقده ولا الاعتراض عليه ، ومقياس الولاء والبراء لك ان تكيل المديح لشيخه وان تغض الطرف عن مساوئه .
اما ان يذكر غيره من الناس فلا مانع من تشريحه وتقطيع أوصاله بحجة الذب عن الدين والتحذير من الضالين .
واذا ذكر هو قيل لك : هلا ذهبت إليه ، ونصحته .
ما أقبحها من مناهج ، وما أسوأها من مباديء ، تفتقد الصدق ، وتكيل بمكيالين .
ولا ينجي من الحزبية ان تقول بأعلى صوتك : انك سلفي . شعارك " ما انا عليه وأصحابي " .
واذا قلت لأحدهم هذه الحقيقة أرغى وأزبد .
لكن ان كنت تقول هذا عن غير شيخه ، قال لك : صدقت ، فها نحن نرى من يزعم السلفية ثم يحيد عنها . وربما قال لك : نعم هناك من يتستر بالسلفية !!
لقد مقت هذه الحزبية منذ سنين ولله الحمد ، وأدركت انه ما من تجمع يدين بالولاء لشيخ او جماعة الا وفي أتباعه قدر من هذه الحزبية المقيتة ، تقل وتكثر .
وخذ هذا المثال : يوجد في كل تجمع الأمي والجاهل والمبتديء والمقصر ، لكن أضعف هؤلاء ينال من الولاء والمحبة والنصرة ما لا يحصل عليه من كان خارج " التجمع " ولو كان عالما كبيرا ، وداعية موفقا ، ولو كان خلافه في جزئية تقبل الخلاف .
بل لا مانع ان تذكر امامه جبال العلم وشيوخ الإسلام مجردين عن الألقاب ، اما ان تذكر شيخه كذلك ، فتلك جناية لا تغتفر ، أين احترام العلماء ؟!!! أين أين ؟!
قلت : حقا أين احترام العلمــــــــاء ؟!!
عندها يقال لك بكل صدق !!! : هم رجال ونحن رجال !
فما أقبح هذا التفكير ، وما أظلمه . والله اني لأمقته مقتا لا أستطيع ان أصفه .
من مظاهر الحزبية المقيتة التي بدأت تظهر في هذا الموقع : ان المسائل الشرعية حين تعرض عرضا علميا موثقا يتوارى الحزبيون المقلدون ، ويزداد تخفيهم واحجامهم ، حتى إذا سنحت لهم الفرصة لاقحام " الأسماء والشعارات " اجلبوا بخيلهم ورجلهم ، فأين كنتم يا أعداء أنفسكم ؟
أين كانت الغيرة على الدين يا من انتم غلاء الأسعار وهلاك الديار ؟؟
هذه البضاعة التي يحسنها القوم ، فلان وفلان ، وقيل في فلان ، ومدحوا فلانا !!
أما مسائل الدين ، ومواطن الخلاف ، فلا يملكون فيها حجة ولا دليلا ، اللهم الا التشنيع والافتراء والكذب .
وهذا حال أهل البدع قديما ، حين يعجزون عن مقارعة الحجة بالحجة ، يلجؤون الى التشنيع بالألقاب والأسماء ، فكم قيل عن أهل السنة أنهم مشبهة مجسمة حشوية
وكم قيل عن دعاة الحق والصدق انهم خوارج يكفرون الناس !!!
وان شئت فارجع الى أي كتاب لخصوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لترى ذلك جليا واضحا .
واذا لم تجد الألقاب والأوصاف ، شغلوا العامة عن جوهر مسائل النزاع الى تعظيم الأشخاص وتقديسهم ، فتراهم يقولون : انتم تسيئون الى الكبار !!!! هذا طعن في الفقهاء والمحدثين منذ زمن الأشعري إلى عصر شيخ الإسلام !!!!
وفلان من الاشاعرة مدحه فلان واثنى عليه فلان !!!
يخيل لبعض الحمقى ان من انتسب إلى الاشاعرة مثلا او اي جماعة أخرى لا عجب في خطئه ووقوعه في الانحراف الموجب للرد والإنكار ، بينما من انتسب الى السلف الصالح من أهل السنة فقد جاوز القنطرة واخذ شهادة العصمة ، ووجب التوقف عن نقده امام العامة حتى لا يساء الى المنهج ، بل ووجب حمل مساوئه على الإحسان ما أمكن ، فما أقبحها من عقول ، وما أظلمه من منهج !
ان التحري والإنصاف والعدل اما ان يساق للجميع او يحرم منه الجميع .
وان الشعارات مهما كانت جميلة ، الا انها لا تكفي للعصمة !!
وان الشيخ مهما كان ذا فضل ، فلا مانع من نقده وتصويب خطئه .
واليك هذا المثال : حين ألف مراد شكري " أحكام التقرير في أحكام مسألة التكفير " وقدم له وأثنى عليه وقام على طباعة كتابه : علي حسن عبد الحميد الحلبي الاثري .
عندها وقف الحزبيون المتعصبون للأشخاص موقف الدفاع عن الكتاب وما فيه ، ولو بدا لأحدهم ان فيه قضايا غريبة ، لا يتوقع ان تكون صحيحة !
لكن الضجيج والصخب الذي يعطيه الحزبيون لشيوخهم يحول بينهم وبين مجرد التفكير فضلا عن النقد .
وحتى بعد رد اللجنة الدائمة وتحذيرها من هذا الكتاب ، ودمغها لما فيه بأنه مذهب الإرجاء ، بقي المتعصبون يراوحون مكانهم ، لا يجرؤون على إشاعة الرد ، ولا تعميم الفائدة ، ولا ذم الكاتب !!!
ولو كانت الزلة من خارج " حزبهم " ثم جاء رد اللجنة لطاروا به كل مطير ، ولوزع بالمجان أمام أبواب المساجد ، لتحطيم الشخص وإسقاطه . اما لو كان ذلك لنشر الحق فما باله يختلف من موطن عن موطن .
اما اني اشهد الله على بغض كل حزبي متعصب ، وبغضي للحزبي الذي يذم الحزبية أشد .
من علامة الحزبي الهالك انه لا يهمه كلامك ولا استشهادك ، وانما يهمه "الأسماء الجميلة"التي تكثر الترحم عليها وذكرها في حديثك . وهمه ان يعرف من اي بلد أنت ، ثم من تعرف . فإذا كنت لا تحفل بذكر أسماء مقلديه ، او قلت انك لا تعرف فلانا ، فهنا تناولتك مباضع الجراح، واعمل فيك سيف التصنيف ، وقلما تنجو من احد الأوصاف : سروري قطبي حزبي !!! او " سكوتي " ، وهو أخطرهم ، فما أقبحها من عقول !
الى الراكضين في الفتنة أقول :
أي إنسان تسول له نفسه هنا ان يجرفنا إلى الحزبيات العفنة ، والتعصب المقيت للأشخاص ، فلا يحلمن بذلك .
من أراد النقاش العلمي في أي قضية من قضايا الخلاف فليكتب .
ومن أراد مناقشة أي عالم مع الأدب والاحترام فليفعل .
أما من استخدم أساليب المبتدعة في تلقيب أهل الحق بالألقاب المنفرة ، فلا مجال له هنا .
اما من كانت مطيته : فلان مدحوه ، وفلان ذموه ، فلا مكان له هنا .
وليسمه دعاة الحزبية تهديدا او إنذارا او ما شاؤوا ، فلست عليهم بحريص .
أسأل الله ان ينقي صفوف المسلمين من هذا الكدر .

علق الأخوة على هذا الموضوع ، ومنهم الأخ الحبيب الكريم مشارك حيث قال :
أخي الحبيب الموحد حفظه الله و بارك فيه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فطالما يا أخي أنك تكلمت عن الحزبية المقيتة، فنرجوا حفظك الله أن تتكلم أيضا عن الفردية التي قد تكون مميتة.
وكان جوابي :
جزا الله الإخوة خيرا، ونفع بهم جميعا.
الأخ الفاضل .. مشارك
حال أخيك الموحد كما قيل :
تكاثرت الظباء على خراش **** فما يدري خراش ما يصيد
أعجبني قولك : ا
لفردية المميتة .
والقسمة ليست ثنائية ، بل ثلاثية : طرفان ووسط
حزبية مقيتة ، فردية مميتة ،
والوسط : عمل جماعي مشروع ، الولاء والبراء فيه على الإسلام .
فأنا مع شرعية العمل الجماعي ، ولست مع الحزبية .
توضيح :
إقامة الولاء والبراء على أصول الإسلام الكلية او اصل منها : لا بد منه .
وإقامة الولاء والبراء على اسم شخص او شعار مستحدث :
بدعة .
وكذلك : إقامة الولاء والبراء على مسألة جزئية فرعية ، او مسألة الخلاف فيها معتبر وسائغ .
وجماع ذلك ما قاله الشاطبي رحمه الله في الاعتصام :
ان الفرقة لا تصير فرقة الا اذا :
1- تحزبت على اصل كلي مخالف لاهل السنة والجماعة .
2- او تحزبت على " جزئيات " كثيرة مخالفة ، تقوم مقام الأصل الكلي .
فمن سلم من الأمرين كان له حق الولاء المبذول لأهل السنة ، ثم الناس فيه على قدر أعمالهم وطاعتهم ، فيوالى الرجل على قدر دينه .
وهذا استطراد رأيته متمما لموضوع الحزبية ، وأتمنى ان يشارك الإخوة بتأصيل هذه القضية . والله اعلم.

[ نشر هذا المقال بتاريخ 19/7/1999 ، بشبكة سحاب].

كتبه ... الموحد