بسم الله الرحمن الرحيم

الاستغاثة والرد على محمد علوي المالكي (الحلقة الرابعة)


أهم الشبهات حول شرك عباد الأصنام.
أجدني مضطرا للرد على الشبهات التي أثارها علوي المالكي واتباعه ومن سبقه ، حول الحقائق الماضية ، والتي نقلت فيها أقوال اهل العلم في بيان أن المشركين اقروا لله بالخلق والرزق والتدبير ، واشركوا به في العبادة ، أملا في القربى ، وبحثا عن الزلفى إلى الله ، وانهم لم يعتقدوا في أصنامهم نفعا ولا ضرا .
ويرجى قراءة الحلقة الثانية ، فقد أكثرت فيها من النقل الدال على انتفاء اعتقاد النفع والضر .
الشبهة الاولى :
كيف يقال : ان المشركين لم يعتقدوا في أصنامهم نفعا ولا ضرا ، وهاهو القرآن يحكي قولهم ( إن نقول الا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ) ؟
والجواب : اننا لا ننكر اعتقاد المشركين النفع والضر في آلهتهم ، أفليس قولهم ( ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى ) وقولهم ( ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) من اعتقاد النفع تقريبا وشفاعة ؟؟
ولذلك تجد بعض المفسرين يذكر انهم كانوا يعتقدون في اصنامهم النفع والضر ، وهذا حق لا ينكر ، كما .
وليس هذا محل النزاع ... انما النزاع في كونهم يعتقدون فيهم نفعا ذاتيا استقلاليا دون الله ، فأين الدليل على ذلك ؟
فقد اعترفوا بأن تدبير الأمر كله لله ، وان بيده ملكوت كل شيء وانه يجير ولا يجار عليه ، وقد مر معك قولهم الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم وود لو اقتصروا على جزء منه ، وهو قولهم في التلبية ( لبيك اللهم لبيك ..... الا شريكا هو لك تملكه وما ملك ) .
وحين أتكلم عن شرك عباد الأصنام الذين نزل فيهم القرآن ، أفاجأ بمن يتحدث عن قوم إبراهيم وقوم هود عليهما السلام !!!
ومع هذا أقول : غاية ما عند هؤلاء المشركين انهم اعتقدوا ان الله تعالى فوض اليهم تدبير بعض الأمور ، واعطاهم شيئا من التصرف .
أليس هذا عين ما يقوله عباد القبور اليوم ، حين ينسبون لأوليائهم نفعا وضرا ، بل حين يخوفوننا بطشهم ، وهم تحت الثرى ؟!!
فإذا قلنا عن هؤلاء : حين يخوفوننا بالولي الفلاني : انهم يعتقدون فيه نفعا وضرا هب المدافعون عنهم ، المتشدقون هنا ، فقالوا : انه تفويض من الله ، واقدار من الله ، وليس استقلالا . فثبت ان هذه الصورة موجودة تتكرر ، من اناس يؤمنون بأن الله هو الخالق والرازق والمدبر . وقد حكى القرآن عن عبدة الاصنام " ويخوفونك بالذين من دونه " . وهو من جنس الكلام السابق . مع يقينهم واعترافهم بأن كل حول وطول لآلهتهم مملوك لله ( تملكه وما ملك ) .
الشبهة الثانية :
استدلالهم بقوله تعالى " ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " الانعام 108
قال المالكي : في مفاهيمه : ص
" وإذا غضبوا قابلوا المسلمين بالمثل ، فيسبون الله تعالى غيرة على تلك الاحجار التي كانوا يعبدونها يعتقدون انها تنفع وتضر ( !!!) فيرمون الله بالنقائص . وهذا واضح جدا في ان الله تعالى اقل منزلة في نفوسهم من تلك الاحجار التي كانوا يعبدونها . ولو كانوا يعتقدون حقا ان الله تعالى هو الخالق وحده وان اصنامهم لا تخلق لكان على الاقل احترامهم له تعالى فوق احترامهم لتلك الاحجار ) انتهى
قلت : أما يستحي هذا الرجل من كتابة هذا الكذب والهراء ؟!!! يا ويح من قرظ له هذا الافك .
فهلا نقلت هذا الاستنباط عن أحد قبلك من اهل العلم ؟
الجواب : سؤال : اذا قمت بنصيحة احد الفجرة اليوم ، فقام بسبك وسب ربك ، كما يحدث في بعض بلدان المسلمين ، فهل يعني هذا انه لا يعترف بربوبية الله ؟ وهل يعني هذا انه يثبت خالقا غير الله ؟ أم ان الامر مرده للحمية والغيظ ؟
واليك كلام العلمـــــــاء :
قال ابن الجوزي ( 3/102 ) :
" ( فيسبوا الله ) اي : فيسبوا من أمركم بعيبها ، فيعود ذلك الى الله تعالى ، لا انهم كانوا يصرحون بسب الله تعالى ؛ لانهم كانوا يقرون أنه خالقهم ، وإن أشركوا به " انتهى .
وقال الرازي ( 13 / 139 )
" اقول : لي هنا اشكالان : ... الثاني : ان الكفار كانوا مقرين بالاله تعالى وكانوا يقولون : انما حسنت عبادة الاصنام لتصير شغعاء لهم عند الله تعالى ، واذا كان كذلك : فكيف يعقل اقدامهم على شتم الله تعالى وسبه ؟
الى ان قال : واعلم انا قد دللنا على ان القوم كانوا مقرين بوجود الاله تعالى فاستحال اقدامهم على شتم الاله ، بل هنا احتمالات :
أحدها : انه ربما كان بعضهم قائلا بالدهر ونفي الصانع ، فما كان يبالي بهذا النوع من السفاهة .
وثانيها : ان الصحابة متى شتموا الاصنام ، فهم كانوا يشتمون الرسول عليه الصلاة والسلام ، فالله تعالى اجرى شتم الرسول مجرى شتم الله تعالى كما في قوله ( ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله ) وكقوله ( ان الذين يؤذون الله ) .
وثالثها : انه ربما كان في جهالهم من كان يعتقد ان شيطانا يحمله على ادعاء النبوة والرسالة ، ثم انه لجهله كان يسمي ذلك الشيطان بأنه اله محمد عليه الصلاة و السلام ، فكان يشتم اله محمد بناء على هذا التأويل ." انتهى
وكلام الرازي هذا نقله ابو حيان في تفسيره البحر المحيط ، وعقب عليه بقوله :
"وهذه احتمالات مخالفة للظاهر وإنما أوردها لأنه ذكر أن المعترفين بوجود الصانع لا يجسرون أن يقدموا على سبه تعالى، وقد ذكرنا ما يحمل على حمل الكلام على ظاهره " انتهى .
قال ابو حيان :
" {فيسبوا الله} أنهم يقدمون على سب الله إذا سب آلهتهم وإن كانوا معترفين بالله تعالى، لكن يحملهم على ذلك انتصارهم لآلهتهم وشدة غيظهم لأجلها فيخرجون عن الاعتدال إلى ما ينافي العقل كما يقع من بعض المسلمين إذا اشتد غضبه وانحرف فإنه قد يلفظ بما يؤدّي إلى الكفر نعوذ بالله من ذلك " انتهى .
وبمثل هذا التوجيه قال الالوسي :
في تفسيره روح المعاني (7/251 )
" ومعنى سبهم لله عز وجل : افضاء كلامهم اليه ، كشتمهم له صلى الله عليه وسلم ولمن يأمره . وقد فسر ( بغير علم ) بذلك ، أي فيسبوا الله تعالى بغير علم انهم يسبونه ، والا فالقوم كانوا يقرون بالله تعالى وعظمته وان آلهتهم انما عبدوها لتكون شفعاء لهم عنده سبحانه ، فكيف يسبونه ؟!
ويحتمل ان يراد سبهم له عز اسمه صريحا ، ولا إشكال ، بناء على ان الغضب والغيظ قد يحملهم على ذلك ، الا ترى ان المسلم قد تحمله شدة غيظه على التكلم بالكفر... وقال الراغب : ان سبهم لله تعالى ليس انهم يسبونه جل شأنه صريحا ، ولكن يخوضون في ذكره تعالى ويتمادون في ذلك بالمجادلة ، ويزدادون في وصفه سبحانه بما ينزه تقدس اسمه عنه . وقد يجعل الاصرار على الكفر والعناد سبا ، وهو سب فعلي ، قال الشاعر :
وما كان ذنب بني مالك …… بأن سُب منهم غلام فسَب
بأبيض ذي شُطب قاطع …… يقد العظام ويبري العصب
ونبه به على ما قال الآخر : ونشتم بالافعال لا بالتكلم .
وقيل : المراد بسب الله تعالى : سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونظير ذلك من وجه قوله تعالى ( ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله ) الآية . " انتهى كلام الالوسي.
 والحاصل من هذه الأجوبة انه ليس احد يذهب الى ما ذهب اليه المالكي .
وها أنت ترى انهم يجعلون الحقائق السابقة من إقرار المشركين أصلا ، يردون إليه ما عداه ويبحثون عن تأويله ، على عكس ما يحاول المالكي .
وبعد .... الا تعجب معي من هذه الشهادات والتزكيات التي يحملها المالكي ، وهو يرضى لنفسه بترديد الشبه التي يسوقها النبهاني والقضاعي والدجوي ودحلان ، دون اثارة من علم صحيح ؟!!
الشبهة الثالثة :
استدلال المالكي بقول ابي سفيان يوم أحد ( أعل هبل )
فهم المالكي منه ما يلي : " ينادي صنمهم المسمى بهبل أن يعلو في تلك الشدة رب السموات والأرض ، ويقهره ليغلب هو وجيشه جيش المؤمنين الذي يريد أن يغلب آلهتهم . هذا مقدار ما كان عليه أولئك المشركون مع تلك الأوثان ومع الله رب العالمين ، فليعرف حق المعرفة ، فإن كثيرا من الناس لا يفهمونه كذلك ، ويبنون عليه ما يبنون " انتهى كلام المالكي .
قلت : ليته تكرم بنقل واحد عن أهل العلم ، حتى لا يساء به الظن ، لكن ما أجرأه ، وما أجهله . .... يا ويح من قرظ له !
وقد روى البخاري في الصحيح ( 4043 ) ما جرى مع ابي سفيان
" واشرف ابو سفيان فقال : أفي القوم محمد ؟ . فقال : لا تجيبوه . فقال : أفي القوم ابن ابي قحافة ؟ قال : لا تجيبوه . فقال : أفي القوم ابن الخطاب ؟ فقال : ان هؤلاء قتلوا ، فلو كانوا أحياء لأجابوا . فلم يملك عمر نفسه فقال : كذبت يا عدو الله ، أبقى الله عليك ما يخزيك . قال ابو سفيان : اعل هبل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه . قالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا الله اعلى وأجل . قال ابو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه . قالوا ما نقول : قال : قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم . قال ابوسفيان : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال …" انتهى
قال الحافظ في الفتح 7/408
" قوله ( اعل هبل ) في رواية زهير ( ثم أخذ يرتجز : اعل هبل ) قال ابن إسحاق : معنى قوله : اعل هبل . أي : ظهر دينك .
وقال السهيلي : معناه زاد علوا " انتهى من الفتح
والذي في الروض الأنف للسهيلي " زد علوا " 3/179
فقول ابن اسحاق : أي ظهر دينك . هو المعنى الذي لا ينبغي العدول عنه ، لا ما توهمه المالكي مما يخالف الحقائق اليقينية السابقة .
ويزيد الأمر وضوحا ، ان ابا سفيان لم يجد ردا على قول المسلمين : الله أعلى وأجل ، فانتقل إلى أمر آخر ، وهو انقطاع منه ظاهر !!
وهاهو ابو سفيان يقول لقومه بصريح العبارة ، حين نجت العير : " انكم انما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم ، فقد نجاها الله ، فارجعوا " البداية والنهاية 3/281
نجاها الله ، لا هبل ، فافهم .
بل هذا عدو الله أبو جهل يقول قبيل " بدر " كما يروي الإمام احمد والنسائي والحاكم وصححه ، عن عبد الله بن ثعلبه ان أبا جهل قال : حين التقى القوم : اللهم أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا نعرف ، فأحنه الغداه . " انتهى . البداية والنهاية 3/299
وهذا هو معنى قوله تعالى " إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ، وان تنتهوا فهو خير لكم ، وان تعودوا نعد ، ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وان الله مع المؤمنين " الانفال 19
قال مجاهد – كما في رواية ابن جرير - :
" إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ قال: كفـار قريش فـي قولهم: ربنا افتـح بـيننا وبـين مـحمد وأصحابه، ففتـح بـينهم يوم بدر " اه
وقال السديّ : كان الـمشركون حين خرجوا إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم من مكة، أخذوا بأستار الكعبة، واستنصروا الله، وقالوا: اللهمّ انصر أعزّ الـجندين، وأكرم الفئتـين، وخير القبـيـلتـين فقال الله: إنْ تَسْتَفْتِـحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْـحُ يقول: نصرت ما قلتـم، وهو مـحمد صلى الله عليه وسلم " رواه ابن جرير .
يستنصرون الله ، لا الاولياء والصالحين !!!! فهل هؤلاء منكرون ربوبية الله ؟!
وقال ابو جهل ايضا ، في بدر :
" فلا والله ، لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد " صلى الله عليه وسلم . البداية والنهاية 3/ 286
فاعتبروا يا أولي الأبصار .
الشبهة الرابعة :
استدلال القبورية بقوله تعالى " واذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا . " الفرقان 60
قالوا : فهل يكون صاحب هذا الكلام موحدا معترفا بالربوبية ؟!
والجواب :
قال الطبري :
" وقد زعم بعض أهل الغبـاء أن العرب كانت لا تعرف الرحمن ولـم يكن ذلك فـي لغتها ولذلك قال الـمشركون للنبـي صلى الله عليه وسلم: وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لـما تَأْمُرُنَا إنكارا منهم لهذا الاسم. كأنه كان مـحالاً عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا عالـمين بصحته، أو كأنه لـم يتل من كتاب الله قولَ الله: الَّذِينَ آتَـيْنَاهُمُ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ يعنـي مـحمدا كَما يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ وهم مع ذلك به مكذبون، ولنبّوته جاحدون. فـيعلـم بذلك أنهم قد كانوا يدافعون حقـيقة ما قد ثبت عندهم صحته واستـحكمت لديهم معرفته. وقد أنشد لبعض الـجاهلـية الـجهلاء:
ألاَ ضَرَبَتْ تِلْكَ الفَتاةُ هَجِينَها ألاَ قَضَبَ الرَّحْمَنُ رَبّـي يَـمِينَها
وقال سلامة بن جندل الطهوي:
عَجِلْتُـمْ عَلَـيْنَا عَجْلَتَـيْنا عَلَـيْكُمُ وَما يَشاء الرَّحْمَنُ يَعْقِدْ ويُطْلِقِ …….." انتهى
ونسيت الموضع الذي نقلته منه من التفسير .
وقال ابن جرير في تفسير آية الفرقان :
" وذكر بعضهم أن مُسيـلـمة كان يُدعى الرحمن، فلـما قال لهم النبـيّ صلى الله عليه وسلم: اسجدوا للرحمن، قالوا: أنسجد لـما يأمرنا رحمن الـيـمامة؟ يعنون مُسَيـلـمة بـالسجود له. " .
وقال ابو السعود في تفسيره :
" ( قالوا وما الرحمن ) قالُوه لما أنَّهم ما كانُوا يُطلقونَهُ على الله تعالى، أو لأنَّهم ظنُّوا أنَّ المرادَ به غيرُه تعالى ولذلك قالُوا (أنسجدُ لَما تأمرُنا) أي للذي تأمرُنا بسجودِه أو لأمرِك إيَّانا من غيرِ أنْ نعرفَ أنَّ المسجودَ ماذا. وقيل: لأنَّه كانَ مُعرَّباً لم يسمعُوه. " انتهى
وقال الزمخشري :
" (وما الرحمن) يجوز أن يكون سؤالاً عن المسمى به؛ لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم والسؤال عن المجهول بـــ «ما». ويجوز أن يكون سؤالاً عن معناه، لأنه لم يكن مستعملاً في كلامهم كما استعمل الرحيم والرحوم والراحم. أو لأنهم أنكروا إطلاقه على الله تعالى (لما تأمرنا) أي للذي تأمرناه، بمعنى تأمرنا سجوده؛ على قوله: أمرتك الخير. أو لأمرك لنا. وقرىء بالياء، كأن بعضهم قال لبعض: أنسجد لما يأمرنا محمد صلى الله عليه وسلم ، أو يأمرنا المسمى بالرحمن ولا نعرف ما هو. " انتهى .
وقال البيضاوي :
" {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قَالُوا وَما الرَّحْمنُ} لأنهم ما كانوا يطلقونه على الله، أو لأنهم ظنوا أنه أراد به غيره … وقيل لأنه كان معرباً لم يسمعوه " انتهى
قلت : حين امتنع سهيل بن عمرو يوم الحديبية من كتابة اسم الله الرحمن ، ما ذا كتب ، هل كتب : باسم هبل ؟!
روى البخاري في صحيحه : " فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل : أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب . فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اكتب باسمك اللهم " انظر البخاري ، كتاب الشروط ، باب الشروط في الجهاد
ولا يغيبن عن ذهنك ، ما اشرت اليه سابقا ، من اعتماد اهل العلم على الحقائق القرآنية السابقة ، وفهم سائر النصوص في ضوئها ، لو فرض إشكال ، فكيف ولا إشكال ! ولله الحمد ، فإنها لا تعنى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .
الشبهة الخامسة :
استدلالهم بقوله تعالى : " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " التوبة
والجواب : انظر ما نشر في الحلقة الثالثة ، عن شرك الطاعة ، لتعلم ان المراد بالرب : المطاع في التحليل والتحريم ، وأن أحدا من المذكورين لم يعتقد في أحباره خلقا ولا رزقا .
ومثله قوله تعالى " أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار " يوسف .
الشبهة السادسة :
استدلال المالكي بقوله تعالى : " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا ، فما كان لشركائهم فلا يصل الى الله ، وما كان لله فهو يصل الى شركائهم ساء ما يحكمون " الانعام :
قال المالكي :
" فلولا ان الله تعالى أقل في نفوسهم من تلك الحجارة ما رجحوها عليه هذا الترجيح الذي تحكيه الاية واستحقوا عليه حكم الله عليهم بقوله ( ساء ما يحكمون ) " انتهى ، المفاهيم 96
الجواب : مشكلة المالكي انه مولع بالتفرد والشذوذ ، والتقليد لأسلافه من القبورية !!
ولما كان مكذبا لما حكاه القرآن " ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى " قال هذا الكلام الساقط " الله تعالى اقل في نفوسهم من تلك الأحجار " !!!! كيف والأحجار ومن تمثلهم ، ما هم الا وسطاء الى الله الكبير المتعال ؟! …. صدق الله ، وكذب المالكي .

وغاية ما في تصرف المشركين هذا أنهم كانوا ينذرون لله ولشركائهم ، ثم يجورون في القضية ، فلا يصل الى الله شيء ، وحجتهم ان الله غني عن هذا ، وليس كما يدعي المالكي ان الله اقل في نفوسهم من الأحجار .
نعم محبة المشركين لاوثانهم ، بل ومساواتهم لها مع الله في المحبة ، أمر معروف ، وسبق ذكره في شرك المحبة ( الحلقة الثالثة ) ، بل منهم – ومن سائر عباد القبور والأصنام – من يؤثرهم على محبة الله ، لكن جعل ذلك دليلا على عدم اقرارهم واعترافهم بربوبية الله من الافك المبين .
روى الطبري عن مجاهد : " في قول الله: وَجَعَلُوا لِلّهِ مِمَّا ذَرَأ مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ نَصِيبا قال: يسمون لله جزءا من الحرث ولشركائهم وأوثانهم جزءا. فما ذهبت به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه، وما ذهب من جزء أوثانهم إلى جزء الله ردّوه ، وقالوا: الله عن هذا غنيّ " .
وروى ابن جرير عن ابن عباس :
" وذلك أن أعداء الله كانوا إذا احترثوا حرثا أو كانت لهم ثمرة، جعلوا لله منها جزءا وللوثَن جزءا، فما كان من حرث أو ثمرة أو شيء من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه، فإن سقط منه شيء فيما سمى لله ردّوه إلى ما جعلوا للوثن، وإن سبقهم الماء إلى الذي جعلوه للوثن فسقى شيئا جعلوه لله، جعلوا ذلك للوثن، وإن سقط شيء من الحرث والثمرة التي جعلوا لله فاختلط بالذي جعلوا للوثن، قالوا: هذا فقير، ولم يردّوه إلى ما جعلوا لله. وإن سبقهم الماء الذي جعلوا لله فسقى ما سمي للوثن ، تركوه للوثن."
فتأمل تعليهم ب " غنى " الله ، وب " فقر " الاوثان .
وهذا من ضلالاتهم وسخافاتهم ولا شك ، لكن اين ما فهمه المالكي أو افتراه ؟!!
قال الإمام النسفي :
" (فما كان لشركآئهم فلا يصل إلى اللّه) أي لا يصل إلى الوجوه التي كانوا يصرفونه إليها من قرى الضيفان والتصدق على المساكين (وما كان للّه فهو يصل إلى شركآئهم) من إنفاقهم عليها والإجراء على سدنتها. روي أنهم كانوا يعينون أشياء من حرث ونتاج لله وأشياء منهما لآلهتهم، فإذا رأوا ما جعلوا لله زاكياً نامياً رجعوا فجعلوه للأصنام، وإذا زكا ما جعلوه للأصنام تركوه لها وقالوا: إن الله غني، وإنما ذاك لحبهم آلهتهم وإيثارهم لها. " انتهى
ومهما يكن من أمر ، فهم معترفون بالله ، وينذرون له ، ويقرون بربوبيته وبأنه غني . وهذا ما ينكره المالكي ! اقول هذا تعليقا على كلمة " إثارهم " ، فليست القضية الان في المساواة او التفضيل في المحبة ، وانما القضية : هل هم مؤمنون بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المتصرف ؟
وقال أبو حيان :
" روي عن ابن عباس ومجاهد والسدّي أن العرب كانت تجعل من غلاتها وزروعها وأثمارها وأنعامها جزءاً تسميه لله ، وجزءاً تسميه لأصنامها ، وكانت عادتها تبالغ وتجتهد في إخراج نصيب الأصنام أكثر منها في نصيب الله ؛ إذ كانوا يعتقدون أن الأصنام بها فقر وليس ذلك بالله .
فكانوا إذا جمعوا الزرع فهبت الريح فحملت من الذي لله إلى الذي لشركائهم تركوه ولم يردوه إلى نصيب الله ، ويفعلون عكس هذا، وإذا تفجر من سقي ما جعلوه لله في نصيب شركائهم تركوه ، وبالعكس سدوه ، وإذا لم ينجح شيء من نصيب آلهتهم جعلوا نصيب الله لها، وكذا في الأنعام . وإذا أجدبوا أكلوا نصيب الله وتركوا نصيبها . " انتهى كلام ابي حيان .
قلت :
وقد رأيت من هو فقير معدم ، بخيل شحيح ، لا يكاد يعرف الصدقة لله ، لكنه حريص على الذهاب بالشاة ونحوها إلى " قبور الصالحين " . فأي حب وإيثار فوق هذا ؟؟!! بل الأمر اعظم من ذلك ، فقد شافهني أحدهم بأنه يخشى أن تموت جميع أنعامه إن لم يفعل ذلك !
فلا حول ولا قوة إلا بالله . فهل هؤلاء ينكرون خالقية الله وربوبيته ، أم عبدوا معه غيره !! ساء ما حكم به المالكي .

[ كتب هذا المقال بتاريخ 5/7/1999 ، ونشر بالساحة الإسلامية ].

كتبه ... الموحد