اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/alnaggar/243.htm?print_it=1

رصد الحدقة (3)

د. خالد سعد النجار

 
بسم الله الرحمن الرحيم


أحداث تموج بالعالم، نظريات تسقط وأخرى تولد، وهذا يقيم التاريخ وذاك يفلسف الأحداث، تجد الحكمة أحيانا والتهور أحايين أخرى.. ومن بين هذا الحراك الضخم تبرز تحليلات راقية وأفكار جوهرية آثرت أن أجمعها في عقد فريد، حباته أشبه بمحطات نحتاج أن نقف عندها كثيرا لنستقي منها العبرة ويتولد عندها الهدف .. إنه العالم الغريب الذي أتعب البشر وأتعبوه معهم، فهل من معتبر، وهل من مستفيد.

• بين الدولة والحكومة

الحكومات العربية التي تأسست بعد الحرب العالمية الأولى نتيجة اتفاقيات أو تقسيمات المنتصر الأوروبي هذه الحكومات لم ترق إلى مفهوم الدولة أو الكيان السياسي الذي يمثل الأمة، الدولة التي تخطط للمستقبل وتهتم بالفرد والمجتمع وتحافظ على هوية الأمة، ولذلك فقد فشلت هذه الحكومات فشلا ذريعا لأن همها الأكبر كان في تقليد الغرب أو الشرق.
وحتى هذا التقليد كان مبسترا ومشوها، لم يشعر المواطن بالانتماء الحقيقي لهذه الحكومات، فهي في واد والشعب في واد آخر، بل أصبح الطابع المميز للحياة السياسية هو طابع العداء والاحتيال المتبادلين بين الحكومة والمواطن، الحكومة تتربص بحياة المواطنين وأرزاقهم، والمواطنون يعتبرون الحكومة عدوا قاهرا يتربصون بها الدوائر، وربما يسطون على ممتلكاتها كلما تهافتت إلى الضعف وفقدت قوتها.
الحكومات التي نبتت بعد الحرب العالمية الأولى لم تنفذ مفاهيم الدولة واستمرت حكومات ضعيفة تخشى من أي نبأة {يحسبون كل صحية عليهم} لأنها ابتعدت عن هوية الأمة وثقافتها، ولذلك كثرت الانقلابات العسكرية وكثرت الخيانات، فالجندي والضابط ليس عندهما كبير انتماء لهذه الحكومات، وتأتي أوقات أو ظروف لن يدافع عنها إذا تعرضت للمخاطر، بينما نجد دولة مثل ألمانيا لم يستطع تقسيمها القسري خلال خمسين عاما أن يباعد بين شرقيها وغربيها ورجعت موحدة

خواطر في السياسة
د. محمد العبدة، دار الصفوة ص 49-50

• الفرد الأوروبي

يقول مالك بن نبي الذي عاش مدة طويلة في الغرب وتعمق في الاطلاع على ثقافة الغرب: «الفرد الأوروبي يحمل جراثيم الكبرياء لأنه يتلقاها منذ الطفولة، ويتكون فيه تصوره للعالم، فهو يعتقد أن التاريخ والحضارة يبتدئان في أثينا ويمران على روما ثم يختفيان فجأة لمدة ألف سنة ثم يظهران من جديد في باريس»

في مهب الريح
مالك بن نبي، 161


• الحديث عن الأقليات لماذا ظهر الآن؟

بالأمس القريب كان الجزائري يهاجر إلى دمشق فلا يجد نفسه غريبا، ولا يشعر أنه بين أناس لا يعرفهم، ويستقر هو وأسرته، ويكون من أولاده وذريته الوزراء والعلماء، ولا أحد من أهل دمشق يسأل: كيف يصل إلى هذا المنصب وهو ليس منا، جاءت أسرة (الكتاني) من المغرب واستقرت في دمشق وهي أسرة علمية معروفة، وفي الخمسينات من القرن الماضي كان رئيس جمعية العلماء في سورية الشيخ مكي الكتاني.
وقد هاجر الشيخ محمد الخضر حسين من تونس واستقر في دمشق، وبعد احتلال فرنسا لسورية هاجر الشيخ إلى مصر وعمل هناك رئيسا لتحرير مجلة (لواء الإسلام) ثم أصبح شيخا للأزهر، ولم يخطر ببال أحد من أهل مصر أن يسأل: كيف يصبح تونسيا شيخا للأزهر.
والشيخ رشيد رضا هاجر من طرابلس الشام إلى مصر، وأنشأ مجلة (المنار) وربما يظن بعض الناس أنه مصري لتوطنه في مصر المدة الطويلة
وكما قال الشيخ البشير الإبراهيمي: «إن الغرب هو الذي خدرنا بالوطنيات الضيقة، فأصبح كل فريق قانعا بحجر الضب، ويناضل عنه بمثل سلاح الضب، وهيهات إذا مزقت الأطراف أن يحفظ القلب»

خواطر في السياسة
د. محمد العبدة، دار الصفوة ص 30-31 بتصرف

• بين الأمس واليوم

في بداية القرن العشرين كانت الدول الأوروبية في حالة هستيرية في التنافس على اقتسام العالم الإسلامي واحتلال ما يقدرون عليه في قارتي آسيا وإفريقيا، وكانت فرنسا قد احتلت المغرب العربي: الجزائر وتونس والمغرب، وكان من نصيب أسبانيا احتلال منطقة (الريف) وهو الجزء الشمالي المطل على البحر المتوسط، بعد أن أذنت لها بريطانيا في ذلك.
لم يهنأ الأسبان باحتلالهم للريف، فقد ثار عليهم الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، وتغلب عليهم في عدة معارك، وقامت فرنسا وقعدت لهذه الانتصارات الريفية، وهي لا تطيق استقلالا إسلاميا بجوارها وجوار الجزائر، ولذلك تحالفت مع أسبانيا للقضاء على الخطابي وحركة الجهاد التي قادها.
وبعد سنوات من المقاومة لفرنسا وأسبانيا لم يستطع الريفيون الاستمرار لقلة العدد والعدة واستسلم بطل الريف حقنا للدماء، ونفته فرنسا إلى جزيرة من جزر المحيط الهندي.

والملفت للنظر أن العالم الإسلامي بأجمعه تخلى عن مساعدة المقاومة الريفية، ولم يتلق الخطابي أي دعم يذكر، ويعلق الأمير شكيب أرسلان موضحا أسباب هذا الضعف والانهزامية والسلبية وترك إخوة يقومون بجهد يكاد أن يكون من الأساطير، يقول:
«وكان من أسباب ذلك:
1- فشو الاعتقاد في تركيا ومصر وغيرها من البلاد العربية بأن وسم قضايانا بـ (الإسلامية) يضر بنا ويحفز الأوروبيين على التألب علينا، بينما لو أظهرنا على قضايانا على أنها (وطنية) أو (قومية) خالية من صبغة الدين لما وجدت أوروبا بأسا في إعطائنا الاستقلال، فهذه الدول والأحزاب المؤيدة لها يفرون من (الإسلامية) مراعاة لخواطر انكلترا وفرنسا، ولكن هذا لم يفدهم شيئا وخسروا الدين والدنيا.
2- كانت طبقة من يسمون أنفسهم بالمثقفين قد انبهرت بأوروبا، واعتبروا أن كل مقاومة لها لا تأتي إلا بالخسران، ويعتبرون موقفهم هذا من التعقل والحكمة»
ليت الذين يخشون من (الإسلامية) ويتسترون بالشعارات الأخرى إرضاء للغرب، ليتهم يدركون أن الغرب يعرف أكثر مما يعرفون، ويعلم أن هوية هذه الأمة هي الإسلام ولو أن العلماء والمثقفون خاطبوا الغرب صراحة بالإسلامية لكان ذلك أقرب لحل كثير من المشاكل.
وأما المثقفون الذين يدعون التعقل فهم أقل الناس إيمانا بالقيم التي يتكلمون عليها، وهم أكثر الناس جشعا للمال والموائد الفاخرة والثرثرة في المقاهي.

خواطر في السياسة
د. محمد العبدة، دار الصفوة ص 26-28

 

جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com

 

د.خالد النجار
  • تربية الأبناء
  • المقالات
  • بين زوجين
  • موسميات
  • مع المصطفى
  • تراجم وشخصيات
  • إدارة الذات
  • زهد ورقائق
  • مع الأحداث
  • قضايا معاصرة
  • القرآن الكريم وعلومه
  • التاريخ والحضارة
  • من بطون الكتب
  • الصفحة الرئيسية