صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خطبة الأيام الفاضلة
1/12/1424هـ

محمد بن ابراهيم بن سعود السبر


الحمد لله الذي مَنَّ على عباده بمواسم الخيرات ، ليغفرَ لهم الذنوب ويجزل لهم الهبات ، أحمده سبحانه وأشكره وفق من شاء من عباده لاغتنامها فأطاعه وأتقاه، وخذل من شاء فأضاع أمره وعصاه .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين

أما بعد : فاتقوا الله عباد الله حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) .

عباد الله : إنَّ من فضل الله تعالى ونعمه الجليلة على عباده أن هيأ لهم المواسمَ العظيمة والأيامَ الفاضلة لتكون مغنمًا للطائعين وميدانًا لتنافس المتنافسين، ومن أعظم هذه المواسمِ وأجلِها ما شهد النبيُ بأنها أفضلُ أيام الدنيا على الإطلاق، ألا وهي أيامُ عشر ذي الحجة.

عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال: "ما مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ" يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! قَالَ: "وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ" أخرجه البخاري وأحمد وأبو داود واللفظ له والترمذي وابن ماجة.

حقًا إنها أيام مباركة أقسم الله جل وعلا بها، والإقسام بالشيء دليل على أهميته وجلالة قدره، قال الله تعالى: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1، 2]. قال ابنُ عباس رضي الله عنهما وغيرُ واحد من السلف والخلف: إنها عشرُ ذي الحجة. قال ابنُ كثير: "وهو الصحيح".

والنبي إنما حث فيها على العمل الصالح لفضلها وعظيم نفعها، ولشرف الزمان بالنسبة لأهل الأمصار، وشرف المكان أيضًا وهذا خاص بحجاج بيت الله الحرام، ولأن فيها يوم عرفة ويوم النحر، وفيها الأضحية والحج، قال الحافظ في فتح الباري: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره" اهـ.

وسُئل شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان: أيُهُما أفضلُ؟ فأجاب: "أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر في رمضان، وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة" اهـ.

لذا لا غرو ولا جرم أن يحرص السلف الصالح على اغتنامها والعمل فيها، فقد كان سعيدُ بن جبير رحمه الله -وهو الذي روى حديث ابن عباس السابق- إذا دخلت العشرُ اجتهدَ اجتهادًا حتى ما يكاد يُقدر عليه. رواه الدارمي بإسناد حسن.

أخي المسلم" إن إدراك عشر ذي الحجة نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على العبد، يَقْدُرُها حقَّ قدرها الصالحون المشَمِّرون، وإن واجب المسلم استشعارُ هذه النعمة واغتنام هذه الفرصة، وذلك بأن يخص هذا العشرَ بمزيد عناية وأن يجاهد نفسه بالطاعة، قال أبو عثمانَ النهديُ رحمه الله عن السلف: كانوا يعظمون ثلاثَ عشراتٍ: العشرَ الأخيرَ من رمضان، والعشرَ الأول من ذي الحجة، والعشرَ الأول من المحرم.

وإن من فضل الله على عباده كثرة طرق الخير وتنوع سبل الطاعات ليدوم نشاط المسلم ويبقى ملازمًا لطاعة ربه وعبادته.

معاشر المسلمين: عشر ذي الحجة التي أقسم الله بها وعظم قدرها وحث رسوله على العمل فيها لها وظائف وأعمال، ومن تلكم الأعمال والوظائف:
1- الصيام، فيسنُ للمسلم أن يصومَ تسعَ ذي الحجة؛ لأن النبي حث على العمل الصالح فيها، والصيامُ من أفضل الأعمال الصالحة، وقد ورد ما يدل على صيامها من حديث هُنَيدَة بنِ خالدٍ عن امرأته قالت: حدثتني بعضُ أزواج النبي أن النبي كان يصومُ عاشوراءَ وتسعًا من ذي الحجة وثلاثةَ أيام من كل شهر. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني.

وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يصومها، وكذلك مجاهد وغيرهما من العلماء, وأكثر العلماء على القول بصيامها؛ ولذا قال النووي رحمه الله: "صيامها مستحبٌ استحبابًا شديدًا" اهـ.

وأما ما اشتهر عند العوام من صيام ثلاث ذي الحجة يعنون بها اليوم السابع والثامن والتاسع فهذا التخصيص لا أصل له ولا دليل عليه.

2- التكبيرُ والتهليلُ، يَجهرُ به الرجال، والمرأةُ تخفضُ به صوتها، فعن ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَل فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ" أخرجه أحمد والطبراني وأبو عوانة وهو حسنٌ بمجموع طرقه وشواهده.

قال البخاري رحمه الله: "وكان عمرُ يكبرُ في قبته بمنى فيسمعه أهلُ المسجد فيكبرونَ ويكبرُ أهلُ الأسواقِ حتى ترتج منى تكبيرًا، وكان ابنُ عمرَ يكبرُ بمنى تلك الأيام وخلفَ الصلواتِ وعلى فراشه وفي فسطَاطِه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعها"، وقال: "وكان ابنُ عمرَ وأبو هريرةَ رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما" اهـ.

والتكبيرُ نوعان: مطلق ومقيد، فالمطلق في سائر الوقت من أول العشر إلى آخر أيام التشريق، والمقيد أي: المقيد بأدبار الصلوات، ويبدأ من فجر يوم عرفة لغير الحاج إلى آخر أيام التشريق مقيدًا بأدبار الصلوات, أما الحاجُ فيبدأ من حين يرمي جمرةَ العقبة يوم العيد. وقد دل على مشروعية ذلك الإجماع وفعلُ الصحابة رضي الله عنهم.

وصيغ التكبير: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا)، (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)، (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد).

قال في سبل السلام: "وفي الشرع صفات كثيرة واستحسانات عن عدة من الأئمة، وهو يدل على التوسعة في الأمر، وإطلاق الآية يقتضي ذلك".

فحريٌ بنا نحن المسلمين أن نحيي هذه السنة التي هجرت في هذه الأيام، وتكاد تنسى حتى من أهل الصلاح والخير بخلاف ما كان عليه السلف الصالح، تكبِّر في المسجد وفي بيتك وفي السوق وفي طريقك، وذكِّر به أهلك، وعوِّد أولادك على ذلك.

3- التقربُ إلى الله تعالى بذبح الأضاحي، وهي سنه مؤكدة في أصح قولي العلماء، وتتأكدُ في حق القادر عليها ومَنْ عنده سعة من المال، وليست واجبة, ولا بأس من الاقتراض إن كان قادرًا على الوفاء، فينبغي للمسلم المستطيع القادر أن لا يفرط فيها، لقول أَنَسٍ رضي الله عنه: ضَحَّى النَّبِيُّ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. متفق عليه. والصفحة هي جانب العنق. وقال ابنُ عمرَ رضي الله عنه: أقام النبي بالمدينة عشرَ سنين يضحي. رواه أحمد والترمذي بإسناد حسن.

وقال ابنُ القيم رحمه الله: "ولم يكن يدعُ الأضحية" اهـ.

فليحرص المسلم عليها لأن فيها امتثال أمر الله جل وعلا بذبح القربان على اسمه وحده لا شريك له، وإحياءً لسنة أبينا إبراهيم عليه السلام، واقتداء بالنبي ، وفيها التوسعة على الأهل والعيال والفقراء والمساكين يوم العيد، وفيها من الحكم العظيمة ما لا يخفى على ذي بصيرة.

أيها المسلمون، وهناك تنبيه مهم وهو أنه إذا دخلَ عشرُ ذي الحجة فيحرمُ على من أرادَ أن يضحي أن يأخذَ من شعره أو أظفاره أو بشرته شيئًا حتى يضحي يوم العيد، وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا إثم عليه فيما أخذ قبل النية، وذلك لما روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي قال: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره"، وفي رواية له: "فلا يأخذنَّ شعرًا ولا يقلمنَّ ظفرًا".

والحكمةُ في النهي أن يبقى كاملَ الأجزاءِ ليعتق من النار، وقيل: التشبه بالمحرم قاله النووي في شرح مسلم.

وهذا النهي خاصٌ بصاحب الأضحية لا المُضحَّى عنه من زوجةٍ وأولادٍ فلا يعمهم النهي؛ لأن النبي كان يضحّي عن أهل بيته ولم يُنقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك، وكذا من توكَّلَ عن شخص فإنه لا يَحرُمُ عليه الأخذ، بل هو خاص بالموكِّل لا الوكيل، وكذا القائم على الوصايا فإنه لا يمسِك، ومن أخذَ شيئًا من أظفاره أو أبشاره أو شعره معذورًا فلا شيء عليه كالناسي والذي به أذى في شعره أو ظفره، أما العامد فهو آثمٌ ولا كفارةَ عليه، بل عليه التوبة والاستغفار.

ومن كان عند الميقات يريد الإحرام وهو سيضحي فإنه لا يأخذُ شيئًا من شعره وأظفاره، وأما عند تحلله من العمرة والحج فإنه يأخذ من شعره فقط لأنه نسك من أنساك العمرة.

4- الإكثار من الأعمال الصالحة عمومًا؛ لأن العمل الصالح محبب إلى لله تعالى في كل زمان ومكان، ويتأكد في هذه الأيام المباركة كما قال النبي : "ما مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ"، وهذا يعني فضل العمل فيها وعظيم ثوابه، فعلى المسلم أن يعمر وقته في هذه العشر بالإكثار من الطاعات: قراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والصدقة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وغير ذلك من طرق الخير وسبل الطاعة.

ومن الأعمال الصالحة الصلاة، فيستحب التبكير إلى الفرائض والمسارعة إلى الصف الأول والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات، عن ابنِ مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين"، قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" متفق عليه، وعن ثوبان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "عليك بكثرة السجود لله؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة" رواه مسلم.

الخطبة الثانية

يوم عرفة من الأيام الفاضلة والعظيمة؛ لأنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها، وهو يوم عيد لأهل الموقف، ويستحب صيامه لأهل الأمصار. وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة على هذه الأمة، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولهذا جعله الله تعالى خاتمة الأديان، لا يقبل من أحد دينًا سواه.

عن عمرَ رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال: يا أميرَ المؤمنين، آيةٌ في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أي آيةٍ؟ قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) [المائدة: 3]. قال عمرُ: عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي وهو قائم بعرفة يوم الجمعة. رواه البخاري ومسلم.

وهذا الرجلُ الذي سأل عمر رضي الله عنه هو كعبُ الأحبار كما جاء في رواية الطبري، وفيها أيضًا: نزلت في يوم الجمعة ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء" رواه مسلم. قال ابنُ عبدُ البر: "وهذا يدلُ على أنهم مغفورٌ لهم لأنه لا يباهي بأهل الخطايا إلا بعد التوبة والغفران والله أعلم" اهـ.

وفي الحديث الذي رواه أحمدُ وابنُ خزيمة بسند صحيح صححه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله : "إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شعثًا غبرًا".

فهذه الأحاديث تدلُ على فضل يوم عرفة وأنه من الأيام الفاضلة التي تجاب فيها الدعوات وتقال العثرات، فعلى المسلم أن يحرصَ على العمل الصالح لا سيما في هذا اليوم العظيم من ذكرٍ ودعاءٍ وقراءةٍ وصلاةٍ وصدقةٍ؛ لعله أن يحظى من الله تعالى بالمغفرة والعتق من النار، فقد ذكر ابنُ رجب رحمه الله في اللطائف أن العتقَ من النار عام لجميع المسلمين.

وعلى المسلم أن يحرصَ على صيام يوم عرفة، فقد خصه النبي بمزيد عناية، حيث خصه من بين أيام العشر، وبيّن ما رُتب على صيامه من الفضل العظيم، فقد ورد عن أبي قتادةَ الأنصاري رضي الله عنه أنَ رسولَ الله سُئلَ عن صوم يوم عرفة فقال: "يكفر السنة الماضية والسنة القابلة" رواه مسلم.

وهذا إنما يستحب لغير الحاج، وأما الحاج فلا يسن له صيام هذا اليوم، وفطره أفضل تأسيًا برسول الله ، فقد وقف بعرفة مفطرًا، فعن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها أن ناسًا اختلفوا عندها يوم عرفة في رسول الله ، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه. رواه البخاري ومسلم، ولأن المفطر أقوى على الدعاء من الصائم لا سيما في شدة الحر.

وللدعاء يوم عرفة مزية على غيره، فإن النبي قال: "خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفة، وخيرُ ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" رواه مالك والترمذي وانظر الصحيحة للألباني (4/39). قال ابنُ عبد البر: "وفيه من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره... وفي الحديث أيضًا دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب، وفيه أيضًا أن أفضل الذكر: لا إله إلا الله" اهـ.
فليحرص المسلم المقيم على الدعاء في هذا اليوم العظيم اغتنامًا لفضله ورجاء للإجابة والقبول، وليدع لنفسه ووالديه وأهله وللإسلام والمسلمين، وإذا صام هذا اليوم ودعا عند الإفطار فما أقرب الإجابة وما أحرى القبول! فإن دعاء الصائم مستجاب، وعلى المسلم أن يكثرَ من شهادة التوحيد بإخلاص وصدق، فإنها أصل دين الإسلام الذي اختاره الله لهذه الأمة وأكمله في هذا اليوم العظيم.

وإن من أفضل ما يعمل في هذه العشر المباركة حج بيت الله الحرام، فمن وفقه الله تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب فله نصيب إن شاء الله من قول النبي : "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

فدونكم -عباد الله- هذه الفضائل والأعمال، فاغتنموها، وإياكم والتواني والكسل، ولنعلم أن لله جل وعلا نفحات في أيامه، فلنهتبل الفرصة ولنستكثر من الحسنات؛ عل الله جل وعلا أن يعفو عن زلاتنا وسيئاتنا.

فبادر - أخي المسلم - إلى اغتنام هذه الأيام الفاضلة المباركة بالأعمال الصالحة وكثرة الاجتهاد، فإنه ليس لما بقي من عمرك ثمن، وتب إلى الله من تضييع الأوقات، واعلم أن الحرص على العمل الصالح في هذه الأيام المباركة هو في الحقيقة مسارعةٌ إلى الخير ودليل على التقوى، قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32].

قال الشاعر:

قطعت شهور العـام سهوًا وغفلة *** ولم تحتـرم فيـما أتيـت المحرَّمـا

فلا رجبًـا وافيـت فيـه بحقـه *** ولا صمتَ شهر الصوم شهرًا متمَّمًا
ولا في ليالي عشر ذي الحجة الذي *** مضـى كنت قوّامًا ولا كنت محرِمًا
فهل لك أن تمحو الذنـوب بعبرة *** وتبكـي عليهـا حسرةً و تندُّمـا
وتستقبل العـام الجديـد بتوبـة *** لعلك أن تَمحـو بِهـا ما تقدَّمـا

نسأل الله عز وجل أن يهيئ لنا من أمرنا رشدًا، وأن يوفقنا لعمل الصالحات، وأن يجعلنا من عباده المخلصين.
اللهم سلم الحجاج والمعتمرين ، وأعنهم على أداء مناسكهم، واحفظهم من شر كل ذي شر، اللهم ردهم إلى ديارهم سالمين غانمين بالأجر والثواب موفورين، اللهم وفقهم لاتباع السنة واجتناب البدعة.. ياسميع الدعاء


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد السبر
  • خطب دعوية
  • مقالات دعوية
  • تحقيقات وحوارات صحفية
  • الصفحة الرئيسية