صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لوحتي الأغلى

د.محمد السيد

 
اشتريت لوحتي وقلمي توجهتُ وقلبي يحملني لأنصبَ لوحتي. واصفا جمالَ ذلك الإنسان ، وفي عقلي وأناملي أنني لن أستطيعَ حتى المحاولة في وصفِ خصالِ جمال وجهه فقط! نعم وجهه فقط !.
توجهتُ إلى تلك المدينة الحالمة في ذكرياته، نعم ذكرياته ، لأنه رحلَ عنها وترك أرضَها وجبالها وزرعَها ومحراب مسجدها ، يُحدِّثون العالمَ عن جمال ذلك الراحل .. مات فيها الإنسانُ الأجملُ .
لكنه ترك أصحابا يتلذذون بوصفهِ وجمال شكله .
بل يُخرجون لك تلك الحروف وكأن ريشةَ قلوبهم هي التي تصف ذلك الجمال ، وجهه ، عيناهُ ،خدهُ، فمه ،أسنانهُ، أنفه ، شعره ،يدهُ ، أصحابه أنس والبراء وجابر و... .

وأنا أحملُ لوحتي وأسارع الخطى إلى سماع وصف حبيبِهم الأغلى .
أدركتُ أنهم رحلوا بعده ، وكأن قلوبَهم لم تُطِق ذلك الفراغ في مدينتهم لحبيبهمُ الأجمل ، ولم تُطِق أيضا ذلك الفراق .
لكن كل واحد منهم تركَ معرضا يُخبرُ كل العالم بوصف الحبيب الأغلى .
هل أنتم عازمون على مرافقتي الى معارض أصحابه في مدينتِهِ الحالمه ؟.
هل تستطيعون تحمل أشواقَ هذه الرحلة؟ .

لا أُخفيكم أصبحَ قلبي يدقُ شوقا إليه وأنا أقتربُ من مَعرضِ حبيبه أنس ، وأرى مكتوبا على بوَّابتهِ:
" خدمتُهُ ١٠ سنوات "
دخلتُ معرضهُ ونصبتُ لوحتي وأمسكتُ بقلمي وأنا أنظرُ بقلبي قبل عيني ما خطَّهُ أنسٌ في معرضه، وجهُهُ أبيضٌ مشربٌ بحمرةٍ يتلألأ نورا .
ليس بالطويلِ ولا بالقصيرِ ، كأن عرَقهُ اللؤلؤ .
وأنا أجولُ بكلِّ وقارٍ في معرض خادمه أنس، وقفتُ على لوحةٍ وقفةً طويلةً لا يتحرك فيها إلا قلبٌ مشتاقٌ ودمعٌ محبٌ .
لوحةً مخطوطٌ فيها :
" ما لامستُ ديباجةً ولاحريرةً، ألينُ من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم "

متى نلامسُ ذلك الكف؟!
المكانُ يشعرك برائحةِ ذلك القمر الجميل ، بل وكأني أشم رائحتهُ وأنا بين يديْ تلك اللوحةِ التي تقول :
"ماشممتُ مسكةً وعنبرةً أطيبُ من رائحتهِ صلى الله عليه وسلم"

كأنَّ وجهه القمر ! .
لا أُخفيكم هنا قررتُ أن أخرجَ من معرض أنسٍ، فقط، فقط لأنظر إلى القمر!
لعل الصورةَ تقتربُ والحب يجدُ شبيهَ الحبيبِ .

حملت لوحتي وقلمي مُسرعا ، فأنا في ليلة قمريةٍ اكتمل بدرُها وما أن خرجتُ حتى أنظرَ لمعرض صاحِبَه جابر ، وكأنه يعلم ماذا أُريدُ .

أرى تلك اللوحةَ الواضحةَ ، وكأنها مرصعةٌ بالألماس.. تقول : ( خرجت في ليلة قمريةٍ وأنا أنظرُ إلى القمرِ فلرسول الله صلى الله علية وسلم أجملُ من القمر ) وصلتَ يا جابر رضى الله عنك ، لن أنظر إلى القمر وأقارنه بحبيك وحبيبي، فهو الاجمل استحيبتُ من لوحتي وقلمي وريشتي، لم أستطع تخيل جماله ووصفه..أنا عاجزٌ يالوحتي..

أسيرُ في مدينته الحالمة بذكرى جمالهِ ورقته في ذلك المكان، أرى بوابة معرض صاحبه المحب، البراء بن عازب .
عند مدخلِ معرضه إذ بلوحةٍ عليها وشاحٌ أحمر يقول فيها البراءُ:
"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء ما رأيتُ أحدا أجملَ منه !!
وكأني أتخيلُ وجهه القمري الأبيضَ المشرب بحمرة ووشاحهُ الأحمر المخطط، وعطرَه المطيب.
أيُّ جمالٍ هذا !
أيُّ حسنٍ هذا !

وها هو البراء يقولُ في لوحته:
"لم أرَ شيئا قطُ أجملَ منه"

وهنا لوحة في زاوية معرضه، تُشعرك أن العالمَ يبتسمُ إذا تبسَّم ذلك الجميل صلى الله عليه وسلم :
"كان إذا ابتسمَ استنارَ وجهُهُ كأنه قطعتُ قمر"

اعذروني !
الٱن سأكتبُ كل شيئٍ في لوحتي قبل أن أخرجَ من معرض البراء .
وأنا أقفُ أمامَ لوحتي انشغلوا انتم بهذه الأبيات ....
وأجملُ منك لم ترَ قطُ عيني
وأحسنُ منك لم تلد النساءُ
خلقتَ مبرا من كل عيبٍ
كأنك قد خلقتَ كما تشاء


اصطلحتُ الٱن مع لوحتي ، وجعلتُها الأغلى، فهي تحمل كل الجمال .

خرجت وكأن كلَّ شيئٍ في مدينتهِ يريدُ أن يبوحَ لي بسرٍ في جماله، فقررتُ أن أسمعَ بوْحَهُم .

مكانٌ يقولُ لك كان العرقُ يخرج من جبينه كأنه الؤلؤ!! وكان جبينُهُ أبيضا .

اقتربتُ من تلك المزرعةِ في مدينته ، لتخبرك عن عينيه ، كانت عيناهُ واسعتان طويلتان من الجمال، ذات رموش طويلة ، إذا رأيته تظنُّ أنه مكتحلٌ !!
أيٌّ عين هذه !..متى تنظرُ إلي وأنظرُ إليها !
وصلت إلى مكان وابتسمت، وأنا أسمع فيه وصفا لجمال حاجبه !
يقول لي:
كان حبيبك مقوس الحاجبين، وبينهما اتصال دقيق لا يكاد يرى .


مدينتهُ التي فقدتُهُ تتغزلُ بجماله ، فتخبرك حتى عن جمالَ أنفه :
كان طويلا وفي وسطه ارتفاعٌ من الجمال ..

وعند مسجده حكاية تصف فمه الباسم الواسع ، وكان من أحسن من خلق الله شفتين ، أبيض الأسنان أذا تكلم خرج النور من أسنانه.

يالله ، ونحن خرج الشوقُ من قلوبنا لحبيبنا.!!

شعرتُ أنني في ٱخر الرحلة ، ويكتنفني سؤال وصَلَ لخاطري دون مقدمات ، كيف كان شعرُهُ ؟ ولم انتظر طويلا وإذ بذلك المكان يحدثُني عن جمالِ شعره بكل تفاصيله.
كان شعرُهُ كثيرا اسودا،
مرة يكون إلى الأذنين ويسمى وفرة،
ومرة يكونُ ماقبل المنكبين ويسمى لُمة،
ومرة يصل إلى المنكبين ويسمى لحمة .
وكان جميل اللحية ، وكث اللحية ، بمقدار قبضةِ اليد ، وكان يُطيِّبُها ويُسرِّحها .
وكان في شعرِ رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء ، وخاصَّة عند التقاء شعرِ رأسه مع لحيته .

هنا أدركتُ جمالَ رسولي، جمالَ حبيبي وقُدوتي .

طويتُ لوحتي الغالية بوصفهِ ، أريدُ أن أغادرَ أجملَ مكان صنعت فيه ذكريات الجمال لذلك الإنسان ،وقبل خروجي كأنني أسمعُ صوتا من بعيد يقول لي: دونك على الطريق معرضا لأم معبد " عاتكة" ، تلك المرأة التى تشرفت برؤية وجه محمد لساعةٍ واحدةٍ .
هل سأذهبُ لمعرضٍ ، صاحبتُهُ لم تشاهد رسولي إلا ساعةً واحدةً ؟! .
هل سأقطعُ كلَّ المسافات بين مدينةِ هجرته ومدينة مولده ، أنظر الى لوحة واحدة في ساعة واحدة ؟!!
قررت عدم الذهاب،
وكأن لوحتي تلومُني ، وقلمي يعاتبني ،
ولودقيقة واحدة...هي مع محمد ..
عندها أدركتُ أن هذا الوصفَ كان سببا لإسلامها وحُبِّها لرسولها .
إذن سنذهب إلى ديار عاتكةَ، وندخلُ معرضها ونسمع وصفها ، ونُودِّع بعد ذلك مكانها .

إقتربنا من المكان، لوحةٌ تستقبلُنا في وصفها لحبيبها:
(محمدٌ جميلٌ إذا رأيتهُ عن قُربٍ أو عن بعد) .

هنا شعرت أن الله وفَّقني أن أتيت إلى عاتكة رضى الله عنها ،ووسمعت وصفها السريع العميق الرقيق .
أبيضٕ الوجه وضيئ،
ليس له بطن كبيرة،شعره إلى مقدمة رأسه من الجمال، قسيم: أي كل تقاسيم وجهه جميلة، شديدُ سواد العينين، واسع العينين، وطويل شعر الأجفان،في صوته بُحة، طويل العنق،طويل الحاجبين مع رقة فيها، بشوش ومتوسط حجم جسمه .
هنا وعند عاتكةَ أتوقف عن كل شي ، ولا أتذكر إلا قول حسان رضى الله عنه عندما رأى النبي لأول مرة :
لما رأيت أنواره سطعت
وضعت من خيفتي كفي على بصري
خوفا على بصري من حسن صورته
فلست أنظره إلا على قدري


حملتُ لوحتي وهي تحمل وصف حبيبكم ، وقد شاهدتم كلَّ حروفها..

أعلمُ أن العيونَ والقلوبَ قد اشتاقت لرؤيته..والنظرِ إليهِ والجلوسَ بين يديه .

عندما نعرفُ الوصفَ، يزيد الحبُ ، ويزيد التعلقُ والتخلقُ .
فكر بحبيبكَ لعلك تراهُ في منامك ، أو اعمل لموعد معه عند كوثره..
هناك ....اول لقاء . أمسك بيده ، بوح له بكل ما في قلبك وأعلن له حُبَّك.


كتبه
د محمد محمود السيد
شعبان/١٤٤١ /من هجرته

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.محمد السيدة
  • مقالات
  • كتب
  • سلاسل تربوية
  • الصفحة الرئيسية