اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/alshamrani/6.htm?print_it=1

أخطاء يقع فيها بعض أئمة المساجد وسبل علاجها

 محمد بن عبدالله الشمراني

 
من توفيق الله تعالى للعبد أن تراه يهتم، ويركز على الفرائض التي فرضها الله عليه تعلماً، وتطبيقاً، وتأملاً في جوانب الخلل فيها فيصلحه، ويجعل هذا الهم هو الهم الأكبر في حياته؛ كما قال تعالى في الحديث القدسي: "من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه.." الحديث.
وإن من أعظم الفرائض التي فرضها الله تعالى على العبد، والتي ينبغي أن تحظى بالاهتمام الأكبر: الصلاة؛ بل هي أعظم فرائض الله تعالى على الإطلاق بعد تحقيق التوحيد؛ ولهذا كله جعلت عمود الإسلام الذي لا يقوم إلا عليها، وعرج بمحمد { إلى السماء السابعة لتفرض هناك، وهي أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة فإن قبلت قبل سائر عمله وإن ردت رد سائر عمله.
وهذا لما لها من الفضل، فكان لزاماً على المؤمن أن يستفرغ الجهد في إصلاح ما قد يعتريها من الخلل والزلل.
وهذا القول يعنى به كل مسلم؛ ولكنه يتوجه في الدرجة الأولى إلى الأئمة ومن تحملوا مسؤولية الصلاة بالناس وإمامتهم.

أولاً: أخطاء في النية والقصد:

1- عدم استحضار النية في فضيلة الإمامة وما لها من الأجر:
يكفي في فضيلة الإمامة أن عباد الرحمن يدعون ربهم جل وعلا فيقولون: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ( 74 ) {الفرقان: 74}.
وقد دعا النبي { للإمام فقال: "اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين" (1).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله { : "ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة: - وذكر منهم - ورجلاً أمَّ قوماً وهم به راضون..." (2).
وسبيل العلاج: معرفة ما للإمامة من فضل، والاحتساب فيها، ففي حديث عمر } موقوفاً: "احتسبوا أيها الناس أعمالكم فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته" (3).

2- طغيان المادة والمصالح الدنيوية على نية الاحتساب:
وهذا الأمر في غاية الخطورة؛ فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، والإمامة عبادة جليلة ينبغي أن يراعى فيها الإخلاص، ويتمثل ذلك في القيام بأمانتها على الوجه الأكمل، ثم لا مانع أن يأتي تبعاً - وبدون استشراف نفس - ما يناله من مصالح مادية ودنيوية.
وسبيل العلاج: تصحيح النية دائماً وأبداً، والتفاني في القيام بمهام الإمامة على أكمل وجه؛ مبتغياً بذلك وجه الله وحده، وكف النفس عن التطلع إلى هذه المصالح، والنظر إليها.

3- يظن البعض أن هناك تعارضاً بين المصلحتين الأخروية والمادية:
وهذا يجعله يتخلى عن الإمامة، ويعرض عنها، وهو مزلق خطير يدخل منه الشيطان إلى بعض الأخيار فيصرفهم به عن فضل عظيم، ويغلق عليهم باباً واسعاً من أبواب الخير.
سبيل العلاج: أن يعلم أن العلماء قالوا: إن أخذ المال على الإمامة والأذان إذا كان من بيت مال المسلمين جائز "فقد اتفق الفقهاء على جوازه" واعتبروه من باب الأرزاق والمسامحة، لا من باب المعاوضة (4).
قال الخرشي من المالكية: "ومحل الكراهة إذا كانت الأجرة تؤخذ من المصلين، وأما إذا أخذت من بيت المال أو من وقف المسجد فلا كراهة؛ لأنه من باب الإعانة لا من باب الإجارة كما قال ابن عرفة"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضاً وأجرة؛ بل رزق للإعانة على الطاعة، فمن عمل منهم لله أثيب وما يأخذه فهو رزق للمعونة على الطاعة، وكذلك المال الموقوف على أعمال البر، والموصى به كذلك، والمنذور كذلك ليس كالأجرة" (5).
وينبغي كذلك أن يعلم أنه ليس كل تشريك في النية محبط للعمل؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد أجاز التشريك في كثير من الأعمال، فمثلاً في الجهاد أجاز الله سبحانه وتعالى أخذ الغنيمة ولا ينفي ذلك حصول الأجر على الجهاد، وفي الحج أجاز الله تعالى التجارة قال تعالى: ليشهدوا منافع لهم ويذكروا \سم الله في أيام معلومات 28 {الحج: 28} .
قال الشوكاني: "المنافع هي تعم منافع الدنيا والآخرة، ثم قال: وقيل: التجارة كما في قوله تعالى: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم198 {البقرة: 198}، (6).

4- الجهل بالأولويات، وإهمال بعض الواجبات، مع التركيز على أمور قد يكون في استحبابها نظر، وهذا لا يعني التقليل من شأن العبادات المستحبة، والسنة الثابتة؛ وإنما المقصود عدم ترك الواجب للقيام بمستحب. فمثلاً الذهاب للاعتكاف في مكة في شهر رمضان وترك الإمامة أو توكيل من قد لا يرضاه الناس، وهذا خطأ بين؛ فإن العمرة والاعتكاف سنة، والقيام بالإمامة واجب.
ومثل الإسراع في الصلاة زاعماً أنه يعمل بحديث: "إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف"(7)، وينسى أن الذي قال هذا الحديث { كان يصلي صلاة معتدلة، فعلم أن المراد بالتخفيف ما كان يفعله {؛ إذ لايمكن أن يقول محمد { ما لايفعل - حاشاه - وخاصة أن هذا الفعل متعد وليس بقاصر حتى يقال: يختص النبي { بما لم يختص به غيره، وقد كان يصلي صلاة تامة متناسبة، وكان إذا أطال القيام أطال الركوع، والسجود، والاعتدال بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين. وإذا خفف القيام خفف الركوع، والسجود، وما بينهما. وكان يقرأ في الفجر من ستين آية إلى مئة آية، وكان يقرأ فيها بسورة (ق) ونحوها من السور(8).
وسبيل العلاج: التضلع من العلم الشرعي المؤصل، والجلوس مع العلماء، وكثرة المساءلة والتفقة في الدين لمعرفة الأهم فالمهم فالأدنى أهمية.

5- الخلط بين اللين والرفق والشفقة، والمداهنة في الحق:
وهذا يؤدي إلى التغاضي عن الأخطاء. ومحمد { أشفق الناس وأرحمهم هو الذي ضرب بالسهم في بطن "سواد بن غزية" - حتى قال: أوجعتني يارسول الله، أقدني منك، وهو يسوي الصفوف في غزوة بدر (9).
وهو الذي انتزع خاتم الذهب من يد أحد أصحابه وطرحه في الأرض، وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده، ثم قيل لهذا الصاحبي بعد أن ذهب رسول الله: خذ خاتمك فانتفع به، قال: لا والله لا آخذ خاتماً طرحه رسول الله {" رواه مسلم (10).
وهو الذي قال لمن يسابق الإمام: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار"، متفق عليه (11).
والبعض الآخر ينعكس (180ْ) فتراه استناداً على مثل هذا عنيفاً فظاً غليظاً، فلو أخطأ أحد من المصلين جاهلاً لقامت الدنيا وما قعدت، وكل هذا ليس من هدي محمد { .
وسبيل العلاج: أن يعرف الإمام نفسيات الناس، وشخصية من بدر منه شيء من الخطأ؛ فإن من الناس من يؤثر فيه الثناء والمدح أيما تأثير، وعلى العكس لو وبخ أو زجر، ومن الناس من لايجدي معه إلا الشدة، فكان لزاماً أن يكون الإمام ذا علم، وحنكة، وخبرة، وفراسة؛ حتى تؤتي الإمامة ثمراتها.

ثانياً: أخطاء في الإمامة والصلاة:

1- الإفراط أو التفريط في طول الصلاة وقصرها:
وحتى يتبين المقصود فإن من الضروري معرفة كيف كان رسول الله { يصلي بأصحابه فإنه قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" متفق عليه (12).
ولا بد أن تجمع النصوص الواردة في كيفية صلاته { كاملة، فيضم بعضها إلى بعض، فمثلاً بالنظر إلى قوله: "إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف" (13) يفهم منه مطلق التخفيف؛ ولكن إذا جمعنا مع هذا الحديث حديث: "إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته مئنة من فقهه - أي علامة على فقهه - فاطيلوا الصلاة وقصروا الخطبة"(14).
وحديث أبي سعيد الخدري: "كنا نحزر قيام رسول الله { في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة (آلم تنزيل) السجدة" وفي رواية: "في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر، وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك" رواه مسلم (15).
فعلم بأن الحديث الأول ليس على إطلاقه، وإنما المراد به التخفيف الذي كان يفعله هو { .
ومن هنا يتبين خطأ كثير من الأئمة الذين حادوا عن هديه إلى الإسراع في الصلاة، الأمر الذي لايمكن أن يكون معه تدبر، ولا خشوع، نسأل الله لنا ولإخواننا الأئمة الهداية والتوفيق.
سبيل العلاج: الاعتدال والتوسط في طول الصلاة وقصرها على وفق ما ورد في سنة النبي {، وأخذ الناس على ذلك بالتدرج مع إيضاح السنة في ذلك بالكلمة الهادفة، والموعظة الحسنة.

2- ترك السنة الثابتة وعدم تطبيقها خوفاً من غضب الناس: ومن ذلك على سبيل المثال:
1- قراءة سورتي السجدة والإنسان في فجر الجمعة.
2- الحرص على تسوية الصفوف حتى ولو دعا ذلك إلى أن يمشي الإمام إلى ميمنة الصف، أو ميسرته لتعديله وإقامته.
3- رفع الصوت بالأذكار بعد الفريضة.
4- السجود بعد السلام في السهو إذا كان السهو عن زيادة في الصلاة.
وسبيل العلاج: إقامة درس لجماعة المسجد يبين الإمام فيه أهمية المتابعة، وأن الأعمال لاتقبل إذا خلت من هذا الشرط، ويكون ذلك مدخلاً لتعريف الناس بما كان يفعله النبي { في عباداته، ومعاملاته؛ حتى يتقبل الناس ما لم يعتادوا عليه من السنة.

3- عدم مراعاة ظروف الناس ومشاعرهم:
بعض الأئمة قد لا يلتفت إلى ظروف الناس، ومشاعرهم، وهذا خلاف مقاصد الشريعة، وخلاف ماكان عليه محمد {.
ففي صحيح البخاري قال النبي {: "إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمة" (16).
ومثل ذلك الانتظار قليلاً في الركوع انتظاراً لايشق على بقية المصلين؛ حتى يدرك الداخل الركعة. قال ابن رجب في الفتح: "وقد استدل الخطابي وغيره بهذا الحديث - أي حديث بكاء الصبي - على جواز انتظار الإمام للداخل في الركوع قدراً لايشق على بقية المأمومين؛ لأنه مراعاة لحال أحد المأمومين"(17).
وكذلك فإن صلاة الخوف قد شرعت لمراعاة حال الناس، ومثلها الجمع في المطر، والإبراد بالظهر إذا كانت في وقت الحر الشديد.
وسبيل العلاج: العمل على مراعاة أحوال الناس بما لايخالف أمراً واجباً؛ فإن ذلك مما يدعو إلى تآلف القلوب، وهو كذلك مما يتفق مع المقاصد العظيمة للشريعة السمحة.

4- التكلف في أسلوب القراءة:
وهذا لايعني عدم التغني بالقرآن الذي قال فيه النبي {: "ليس منّا من لم يتغن بالقرآن" (18).
وإنما المراد التكلف في تطبيق أحكام التجويد بطريقة تخرج عن المقصود؛ فمثلاً قلب الفتحة ألفاً عند محاولة تحقيقها، أو الضمة واواً، أو الكسرة ياءً، وهكذا في المدود فربما مد بعض حروف المد مداً فاحشاً، وبالجملة فإن التكلف في القراءة يذهب الخشوع في الصلاة، وهذا هو أحد أسباب عدم الارتياح أو الخشوع خلف بعض الأئمة.
وسبيل العلاج: الدربة على القراءة الصحيحة، وهذا لايكون إلاّ بالتلقي على أحد القراء المتقنين، ومما يدل على أهمية التلقي وعدم الاكتفاء بقراءة بعض كتب التجويد، أو سماع أشرطة القرآن أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه { أن يقرأ سورة البينة على أبي بن كعب قال أُبي: "وسمّاني - يعني الله - قال: نعم، فبكى أُبي" (19).
وكذلك فإن جبريل كان يدارس النبي { القرآن في كل سنة مرة، حتى كانت آخر سنة في حياته { دارسه القرآن مرتين، فمن يظن أنه في غنى عن ذلك فإنه مخطئ خطاءً عظيماً.
ولست مجازفاً إذا قلت: إن أي إمام لم يلتحق بحلق تعليم القرآن، أو لم يدرس ويتلقى على أحد المتقنين زمناً طويلاً فإنه لايمكن أن يقرأ القرآن على الوجه المطلوب.
وهناك فرق بين أن يكون صوت القارئ جميلاً، وبين أن يقرأ قراءة صحيحة، فكثير من أصحاب الأصوات الجميلة يخطئون في قراءتهم ولاحول ولاقوة إلا بالله.

5- التأخر عن الوقت المحدد للإقامة من غير سبب معقول:
وهذا أحد الأسباب التي تفضي إلى كثير من الإشكالات في بعض المساجد، وينبغي على الإمام أن يراعي ظروف الناس، فلربما كان هناك من جماعة المسجد من يكون على موعد مهم يلحقه ضرر كبير بالتأخر عنه، مثل: موعد سفر، أو حضور إلى عمل، أو مراجعة دائرة، أو جهة قد يتضرر كثيراً بالتأخر عنها.
وسبيل العلاج: الحرص على التهيؤ للحضور قبل موعد الإقامة، وقطع المشاغل التي قد تكون سبباً في التأخر، مثل: الرد على الهاتف، أو مجاراة من في المجلس ولو كان من تجالسه ضيفاً ونحو ذلك. وبهذا المناسبة فإن من السنة أن لايأتي الإمام إلا وقت الإقامة كما كان هدي النبي { في ذلك، وهذا قد يجهله بعض العامة، وقد يرونه خطاءً أو مأخذاً على الإمام، وهذا ليس بصحيح فقد ثبت عنه { أنه قال: "إذا أُقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" (20).

ثالثاًً: أخطاء في التعامل والسلوك:

1- الجهل بواجب الإمامة ومسؤولياتها:
على الإمام مسؤولية عظيمة سوف يسأل عنها يوم القيامة؛ ولهذا قال النبي {: "الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين".
ولايمكن أن تكون هناك مؤسسة بدون مسؤول، والمسجد من أعظم المؤسسات التربوية والتعليمية فلا بد لهذه المؤسسة العظيمة من مسؤول، فالمسؤول الأول هو الإمام ولاشك، وهو داخل في قول النبي {: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته" (21).
وبعض الأئمة - أصلحنا الله وإياهم - يجهلون هذه المسؤولية العظيمة التي لا تتوقف على الصلاة بالناس، بل تتعداها إلى استصلاح أهل ذلك الحي، وتوجيههم الدائم إلى ما يقربهم من الله، وتفقد أحوالهم، والتعرف على قضاياهم قدر الإمكان، وزيارتهم في بيوتهم لتآلفهم، وتحسيسهم بالشعور بهم؛ بل وخدمتهم فيما يحتاجونه من خدمة، حتى إذا فعل الإمام كل ذلك أحبوه وقبلوا منه.
كما قال الشاعر:

أحسن إلى الناس تستعبدقلوبهم --- فطالما استعبد الإنسان إحسانُ

هذا بالإضافة إلى تفعيل دور حلقات التحفيظ في المسجد للصغار والكبار، ومتابعتها، وجمع التبرعات لعمل جوائز للمتفوقين، وأخذهم إلى رحلات هادفة، وكذلك تفعيل دور مكتبة المسجد لتكون منطلقاً للشباب إلى كل خير، وعمل مكتبة سمعية، وأخرى مرئية تعنى بإيصال الشريط الإسلامي المفيد، والمؤثر، والهادف إلى الأسر، والتنسيق المستمر لإقامة الدروس العلمية، والمحاضرات، والكلمات الوعظية للعلماء، وطلبة العلم، والاستفادة من جهود المراكز الدعوية في ذلك، إلى غير ذلك.

2- عدم التسلح بالعلم الشرعي المؤصل:
فترى بعض الأئمة بحجة الارتباط بالمسجد يعزف عن حضور الدروس العلمية، وهذا بلا شك خطأ فادح؛ فإن أولى الناس بهذه الدروس هم الأئمة؛ لأن الإمام يتعرض لكثير من الأسئلة التي يحتاج أصحابها إلى الجواب العلمي المؤصل المبني على علمٍ وبصيرة، وهذا لايكون إلا بثني الركب عند العلماء زمناً طويلاً.

أخي لن تنال العلم إلا بستة --- سأنبيك عن مضمونها ببيان
ذكاء وحرص واصطبار وبلغة --- وارشاد استاذ وطول زمان

والمسجد لايمكن أن يكون حائلاً دون حضور مجالس العلماء، صحيح أن الأمر يحتف به شيء من المشقة؛ ولكن العلم أغلى من أن يناله الإنسان بيسر وبدون جهد ولا مشقة.
ومما يدل على أن المسجد لايحول بين الإمام وحضور مجالس العلماء، أن دروس العلماء ومجالسهم جل من يحضرها من أئمة المساجد، ولكن يبقى عدد كبير من الأئمة لايعرف الطريق إلى هذه الدروس مع إمكانية ذلك ولاحول ولاقوة إلا بالله.

3- عدم فتح قنوات يمكن من خلالها كسب قلوب الناس، والتعرف على قضاياهم:
وهذه القنوات يمكن أن نذكر منها:
1- عمل لقاء أسبوعي يسمى (مجلس أهل الحي) يجتمع فيه الإمام، وجماعة المسجد؛ ليتباحثوا فيه القضايا المتعلقة بأهل الحي، وشؤون المسجد ونحوها.
2- تكوين لجنة منتقاة من طلبة العلم، وكبار السن، والحريصين على صلاة الجماعة؛ للقيام بزيارة جيران المسجد الذين يتأخرون عن الصلاة مع الجماعة، مع الحرص على أن تكون النصيحة بطريق غير مباشر أثناء الزيارة، وبأسلوب مقبول.
3- القيام بإعداد مسابقات ثقافية للأسر يركز فيها على معالجة بعض الأخطاء المنتشرة في الحي، وتوزيع جوائز على الفائزين، ويكون ذلك في لقاء يتخلله برنامج معد، ووجبة عشاء يحضرها كل جماعة المسجد.
4- عمل صندوق خيري تجمع فيه التبرعات، ويرسل بخطابات للأثرياء والمحسنين بطلب التبرع لهذا الصندوق، ويشرف الإمام ولجنة مختارة على هذا المال ليصرف على مشاريع الدعوة في المسجد.
5- اجتماع شهري لجماعة المسجد على وجبة عشاء بإحدى الاستراحات يكون الغرض منه التقارب والخروج عن الروتين المعتاد في الحي والمسجد.
وسبيل العلاج: أن يتقرب الإمام ممن يرى فيه رجاحة العقل والحكمة خاصة من كبار السن، ويفعّل دورهم في ذلك، مع الحرص الشديد على إظهار الاحترام والوقار لأصحاب الستين والسبعين، والتشديد على حضورهم لهذا اللقاء، مع السعي الدائم لجمع المبالغ لتغطية ما يحتاجه مثل هذا اللقاء وغيره من النشاطات الأخرى.

4- الضجر وعدم الصبر على ما قد يصدر من بعض جماعة المسجد:
الإمام في المسجد والحي يقوم بوظيفة الرسل من الدعوة إلى الله تعالى، ومواجهة الانحرافات عن الطريق الموصلة إلى الله، وهذه الوظيفة تصطدم مع رغبات، وعادات، وآراء بعض الناس فهي عرضة للمواجهة، والانتقاد، بل والعداء أحياناً من بعض هؤلاء؛ ولذلك يحتاج الإمام إلى التسلح بالصبر، والتحمل، والعفو لينجح في مهمته؛ لذلك أمر الله تعالى نبيه { بالصبر في أول سورة أرسل بها فقال تعالى: يا أيها المدثر 1 قم فأنذر 2 وربك فكبر 3 وثيابك فطهر 4 والرجز فاهجر 5 ولا تمنن تستكثر 6 ولربك فاصبر 7 {المدثر: 1 - 7} .
فإنه لما أمر بالإنذار كان لزاماً أن يؤذى، فوجب الصبر، وكذلك قال لقمان لابنه: يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على" ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور 17 {لقمان: 17} .
وسبيل العلاج: معرفة ذلك، واستحضاره دائماً، وتوقع الأذى سلفاً؛ حتى إذا حدث كان أمراً طبيعياً، والعلم بأن الأذى دلالة على محبة الله تعالى كما قال النبي {: "أشد الناس بلاءً الأنبياء والصالحون ثم الأمثل فالأمثل" (22).

5- التصدر للفتيا في كل مسألة، وعدم الجرأة على قول: لا أدري:
بعض الأئمة - غفر الله لنا ولهم - يتحرج من ظهوره أمام الذي يطرح عليه سؤالاً بمظهر عدم العارف، فيدفعه ذلك إلى الإجابة عن كل مسألة تعرض عليه، فيجيب أحياناً بلا علم، ويظن أنه لو لم يفعل ذلك لنفر الناس منه، ولم يقبلوا عنه، وهذا عين الخطأ، بل إن الناس إذا عرفوا من الإمام التورع في الفتيا كان لجوابه على ما يعلم قبولاً، واطمئناناً، وأحبته القلوب. وإذا تجرأ على القول بلا علم فإن أول من يمقته سائله؛ فإنه يفتيه ثم يظهر له بعد ذلك أن هذه الفتوى مجانبة للصواب، إما بسماع عين هذه المسألة في الإذاعة، أو في شريط، أو في درس لأحد العلماء، فتزول الثقة من هذا الإمام، ولربما أشاع هذا السائل تلك الزلة بين جماعته وجيرانه، فضلاً عن أن القول على الله بغير علم كبيرة من الكبائر، بل عده بعض العلماء أعظم من الإشراك بالله تعالى وقد استنبطوا ذلك من قول الله تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون 33 {الأعراف: 33}.
فبدأ بالأهون، ثم الذي يليه، فكان الترتيب من الأدنى إلى الأعلى، وجعل القول على الله بغير علم بعد الشرك بالله تعالى.
سبيل العلاج: التمرس على قول: لا أدري، فإن الإمام مالكاً رحمه الله عرضت عليه مسألة فقال: لا أدري، فقال له السائل: إنها مسألة خفيفة سهلة، وإنما أردت أعلم بها الأمير، وكان السائل ذا قدر، فغضب مالك وقال: مسألة خفيفة سهلة،!! ليس في العلم شيء خفيف، أما سمعت قول الله تعالى: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا 5 {المزمل: 5} فالعلم كله ثقيل وبخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة (23).
وقال عبدالرحمن بن مهدي: كنا عند مالك، فجاء رجل فقال: يا أبا عبدالله، جئتك من مسيرة ستة أشهر، حملني أهل بلادي مسألة أسألك عنها، فقال: سل، فسأله، فقال: لا أدري، فقُطع بالرجل وكأنه قد جاء إلى من يعلم كل شيء، قال: وأي شيء أقول لأهل بلادي إذا رجعت إليهم؟ قال: تقول لهم: قال مالك: لا أدري (24).
وسئل رحمه الله تعالى عن أربعين مسألة فقال في ست وثلاثين: لا أدري (25).

وفي الختام نسأل المولى جل وعلا، أن يوفقنا وأئمة المسلمين إلى مافيه رضاه، ونسأله تعالى أن يرزقنا وإياهم الإخلاص في القول والعمل، وأن يغفر خطايانا وأن يتوب علينا. ونسأله أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يفقهنا في ديننا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

---------------------
@ الهوامش:
1- رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (663).
2- رواه أحمد (26/2) والترمذي (355/4).
3- شرح الطيبي على المشكاة (916/3).
4- أحكام الإمامة والإتمام في الصلاة (72).
5- الاختيارات الفقهية (153).
6- فتح القدير (635/3).
7- رواه البخاري (703) وانظر: فتح الباري لابن رجب (225/6) وفتح الباري لابن حجر (258/2).
8- رسالة إلى أئمة المساجد.
9- انظر: مختصر صحيح مسلم (1372).
10- الرحيق المختوم (239).
11- مختصر صحيح مسلم (291)، وصحيح الجامع (1341).
12- إرواء الغليل (262).
13- رواه البخاري (703).
14- صحيح الجامع (1200).
15- رواه مسلم (172/4).
16- مختصر صحيح البخاري (393) وصحيح الجامع (2484).
17- فتح الباري لابن رجب (236/6).
18- رواه البخاري وأحمد وأبو داود كما في صحيح الجامع (5442).
19- رواه البخاري (4959).
20- رواه البخاري (637).
21- رواه البخاري (5200).
22- رواه الطبراني في الكبير انظر: صحيح الجامع (994).
23- سلسلة أعلام المسلمين - مالك بن أنس - لعبدالغني الدقر (242).
24- المصدر السابق (242).
25- المصدر السابق (242).
@ مرشد ديني بإدارة الشؤون الدينية بالخدمات الطبية.

 

محمد الشمراني
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية