اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/alshwairek/88.htm?print_it=1

ذكرٌ كان رسول الله علية الصلاة والسلام يكثر منه
(سبحان الله وبحمده, أستغفر الله وأتوب إليه)

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 
 بسم الله الرحمن الرحيم
 


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فالإنسان يحصدُ يوم القيامة ما زرع في دنياه، فمن زرع خيرًا حصد الكرامة، ومن حصد شرًّا حصد الندامة، وخير ما يزرعه الإنسان بلسانه في دنياه: الكلام الطيب، وأُسُّ ذلك ورأسه: ذكر الله عز وجل، فهو عمل يسير، من ثوابه النجاة من عذاب الله، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: الذكر سد بين العبد وبين جهنم، فإذا كانت له إلى جهنم طريق من عمل من الأعمال، كان الذكر سدًّا في تلك الطريق، فإذا كان الذكر دائمًا كاملًا، كان سدًّا محكمًا لا منفذ فيه، وإلا فبحسبه.

فهنيئًا لمن كان لسانه رطبًا من ذكر الله عز وجل، ومات ولسانه رطبًا بذكر الله، ووفَّقه الله فكان ممن يتحري الأذكار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها ويكثر منها، ومن الأذكار التي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يكثر منها، ما جاء عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: "سبحان الله، وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه"، فقلت: يا رسول الله، أراك تكثر من قول: "سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه؟"، فقال: (خبَّرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرتُ من قول: "سبحان الله وبحمده، أستغفر الله، وأتوب إليه"، فقد رأيتها: ﴿ 
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُوَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3]؛أخرجه مسلم، وفي رواية له، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل أن يموت: "سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك".

وفي رواية في الصحيحين قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه: ﴿ 
إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ ﴾، إلا يقول فيها: سبحانك وربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي.

وفي رواية لهما، قالت: كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"، يتأول القرآن.

وهذا الذكر يقال داخل الصلاة، وخارجها، قال الإمام النووي رحمه الله: كان صلى الله عليه وسلم يقول هذا الكلام البديع في الجزالة، المستوفى ما أُمِرَ به في الآية، وكان يأتي به في الركوع والسجود؛ لأن حال الصلاة أفضل من غيرها.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: ليس في الحديث أنه لم يكن يقول ذلك خارج الصلاة أيضًا، بل في بعض طرقه عند مسلم ما يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يواظب على ذلك داخل الصلاة وخارجها، وقال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله: ظاهر سياق هذا الحديث أن هذا القول لم يكن مختصًّا بالركوع ولا بالصلاة، بل كان يقوله داخل الصلاة، وخارجها، ويؤيده ما رواه ابن جرير عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء، إلا قال: (سبحان الله وبحمده)، فقلت: يا رسول الله، رأيتك تكثر من سبحان الله وبحمده، لا تذهب ولا تجيء ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت: "سبحان الله وبحمده"، قال: (إني أُمرت بها)، فقال: ﴿ 
إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ ﴾ إلى آخر السورة.

وهذا الذكر فيه تسبيح الله عز وجل، والتسبيح هو: تنزيه الله عز وجل عما لا يليق به سبحانه في ذاته وأسمائه وصفاته وأقواله وأفعاله.

والتسبيح جاء في النصوص مفردًا ومقرونًا، فقد قرن في نصوص الكتاب والسنة بالتحميد وبالتهليل وبالتكبير، وببعض أسماء الله تعالى وصفاته، وبالاستغفار، وبالدعاء، وبالسلام على المرسلين.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله وبحمده"، تسبيح مقرون بالتحميد، وقرن التسبيح بالتحميد هو الأكثر ورودًا في نصوص الشرع، ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿ 
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182] أن التسبيح والحمد قُرن بينهما في مواضع كثيرة من القرآن.

والتسبيح المقرون بالتحميد، أكمل صيغ التسبيح؛ لأن صيغة التسبيح المقرون بالتحميد من أكمل صيغ الثناء على الله تعالى، وأدلها على استغراق الثناء عليه سبحانه بكل كمال، والتسبيح مع التحميد فضله عظيم، وأجره كبير؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حُطَّت خطاياه وإن كانت مثل زَبَدِ البحر)؛ [متفق عليه].

وقال: (إن أحبَّ الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده)؛ [أخرجه مسلم].

وقال: (من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأتِ أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال، أو زاد عليه)؛ [أخرجه مسلم].

وقال: (من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غُرست له نخلة في الجنة)؛ [أخرجه الترمذي].

وقال: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)؛ [متفق عليه].

وقال: (سبحان الله والحمد لله تملآن، أو تملأُ ما بين السماء والأرض..)؛ [أخرجه مسلم]، قال الإمام النووي رحمه الله: وسبب عظم فضلهما ما اشتمل عليه من التنزيه لله تعالى.

وقال العلامة العثيمين رحمه الله: الذي بين السماء والأرض مسافة لا يعلمها إلى الله عز وجل، وظاهر الحديث: أنها تملأ ما بين السماء والأرض ليس في منطقتك وحدك، بل في كل المناطق، وقال العلامة ابن باز رحمه الله: فيه الحثُّ على التحميد والتسبيح.


والكلمة الثانية من هذا الذكر،
 وهي: "أستغفر الله، وأتوب إليه"، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقولها في اليوم أكثر من سبعين مرة،فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه، أكثر من سبعين مرة)؛ [أخرجه البخاري]. وعن الأعز بن يسار المزني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مائة مرة)؛ [أخرجه مسلم].

فلنكثر من هذا الذكر:
 "سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه"، كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقتدي به، وننال الأجور الواردة في النصوص السابقة، اللهم يا جواد يا كريم، اجعل ألسنتنا رطبة بذكرك، وتوفَّنا وهي رطبة بذكرك.

كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ


 

فهد الشويرخ