صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مقترح للراحة

محمد بن سرّار اليامي

 
( تقبل واقعك )

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبعد ..
أيها المبارك اسمح لي بأن اقترح عليك هذا الاقتراح :
تقبّل واقعك بلا قيود ولا شروط ، ولا حدود ، فهذا واقعك وهذه حياتك ، فإن شئت قضيتها في نحيب وعويل على ما فات ، وإلا في نجاح وتميز ... أنت .. هو أنت .. بشحمك ولحمك ، ووجهك هو وجهك بتجاعيده وبنتؤاته .. فتقبل واقعك وأرضى به ، ولا تجعل منه هاجساً يحطم السعادة في حياتك . .
لتحمل مفتاحاً آخر من مفاتيح التميز في حياتك ، تزوج أحد الزهاد صالحة جميلة وكان دميماً ، فنظر في المرأة ذات يوم فقال لها : بليت بك ، فأشكر ، وبليتي بي فاصبري .. وعاشا سعيدين .. والمقصود هو أن نرضى بواقعنا بلا شروط أو قيود ، ففي هذا الرضى سعادة للنفوس وترياق للهموم .
فإن كنت فقيراً معدماً من ذهب الدنيا وجواهرها ، ورغائبها ، فارض بواقعك فليست السعادة تُشترى والله بالمال أبداً .. " ولكن التقي هو السعيد " ، بل والمتميز على غيره ... إذن فتقبل نفسك على ما فيها ، فإن من لا يشعر بالرضا عن نفسه لا يملك الثقة بها مما يجعله متقبلاً للهزيمة والإخفاق .
بل ويجعله أيضاً مضخماً لهذه الهزائم بشكل يحكي عما في نفسه من ضعف وعدم رضى ثم يجعل خططه المستقبلية مرتبة على مثل هذه التنبؤات المظلمة ، فيا بشارته بالبؤس في حياته .. وبضياع مفتاح من مفاتيح تميزه في حياته ..

* * * * *

أما صانع التميز فطعم آخر..
متقبل لواقعه .. مبادر إلى النجاحات والإبداعات واللموع لا يندب حظه ، وإنما جهاد ونية ..
ثم أنه يعلم أن الذي يولد ليزحف لا يطير ، وأن الذي يولد ليطير لا يزحف .. فهو متقبل لنفسه ، بلا شروط ولا قيود.

* * * * *

( البنك المتنقل )

استمتع بما لديك ، فأنت تحيا في فضائل وخيرات وقدرات ومهارات فاحمد الله ..
نظر رجل من نافذة السجن ، فرأى الكون والضياء ، والنور ، والسناء، وتفكر فيما حوله من نبات وخضرة ، ثم أعاد النظر في نفسه التي بين جنبيه " وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون ".
فوجد أنه قد حرم من الحرية لمدة معينه ، ولكنه يحمل منجماً من النوادر الثمينة ، تأمل في آية اليدين والرجلين والعينين ، والأذنين والمنخرين ، كيف أنه جعل لكل عضو عوضاً عنه لو فُقد ومن الأعضاء الخطير جعل عضواً عضواً.
فجعل اللسان عضو ، والرأس عضو ، والقلب عضو ، والفرج عضو ، ليخف على صاحبهما مأثمها ، فاللسان بين اللحيين والفكين ليمنعانه من الاستطالة في أعراض أهل الإيمان والصلاح والأبرياء ، والفرج بين الرجلين وفي أسفل الجسد حتى لا يكون شغلاً شاغل ، فسبحان المعطي المنان جل وعز.
ولما نظر صاحبنا إلى هذه الآية في بدنه علم أنه لم يخسر في حياته إلا أمراً يسيراً ، بمقابل ما حصل من فائدة .. فحصلت السعادة وطمأنينة البال إذ أنه لا يزال رابحاً ... وهذا دأب المتميزين ... يحيلون المحنة منحة ، والقاعدة تقول :
" استمتع بما لديك "
وعش سعيداً في ظل النعم العظيمة التي أنعم بها عليك المنعم جل شأنه تكن متميزاً حقاً.

وقفـــــــــة

قال إيليا أبو ماضي :
كم تشتكي وتقول إنك معدم *** والأرض ملكك والسما والأنجم
ولك الحقول وزهرها وأريجها *** ونسيمها والبلبل المتـــرنم
والماء حولك فضة رقراقة *** والشمس فوقك عسجد يتضرم
والنور يبني في السفوح وفي الذرى *** دوراً مزخرفة وحيناً يهــدم
هشت لك الدنيا فما لك واجماً؟ *** وتبسمت فعلام لا تتبســم؟
إن كنت مكتئباً لعز قد مضى *** هيهات يرجعه إليك تنــدم
أو كنت تشفق من حلول مصيبة  *** هيهات يمنع أن تحل تجـهم
أو كنت جاوزت الشباب فلا تقل *** شاخ الزمان فإنه لا يهــرم
انظر فما زالت تطل من الثرى  *** صور تكاد لحسنها تتكلــم

(اصنع من اللاشيء أشياء )

واستفد من عاداتك الحياتية ، وتجاربك اليومية في راحة بدنك ، وطمأنينة نفسك ، واجعل من هذه العادات دافعاً لصناعة التميز في حياتك ، فإذا نمت فليكن نومك في مكان مهيأ ومريح لتستفيد من هذه العادة في تنشيط بدنك ، وصفاء ذهنك ..
وإذا أكلت فلا تدخل الطعام على الطعام ، وتخير من الطعام أجوده وأنسبه لك ..فقد كان بعض أهل العلم يحرص على أكل أصناف من الطعام ، ويحذر من بعض الأصناف ، فكان حبيبهم الزبيب ، وعدوهم الباذنجان .
وقد أثر عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي أنه كان رحمه الله كثيراُ ما يصطحب الزبيب في جيبه ، وقد أثر أيضاً عنه رحمه الله أنه يسأل وكيع بن الجراح ، فقال ناظماً:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي    فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور    ونور الله لا يؤتى لعاصي

وصدق رحمه الله وكلامه الأصل في الانتفاع بالعلم ، وأيضاً فإن من التوفيق الأخذ بالأسباب التي سببها الله جل وعز ، فجعل العلاج سبب في شيء من الشفاء ، والطعام سبب في الشبع ، وهكذا...
وقد أثر أيضاً عن ابن القيم رحمه الله رحمة واسعة أنه كان يعتني بطعامه ، ومنامه ، وبعض عادته ، وذلك لأن يستفيد منها في راحة بدنه ، وتهيئة الجو المناسب للحفظ والفهم والاستنباط .. والتميز .
وإن كان مذهب بعض من قنن الإبداع أن الفقر والجوع والتعب والنصب تذكي جذوة طالب العلم ، وتوقد شعلة العلم والفهم والمنافسة والاستنباط .
وهذا لأحوال وذاك لأحوال هذا الصحيح عندي .
فهذا ابن القيم رحمه الله رحمة واسعة يعتني بالاستفادة من عاداته لراحة بدنه ، ومن ثم لممارسه ولموعه وإبداعه وسطوعه وتميزه .
وقد أثر عنه أيضاً رحمه الله أن صنف كتابه العظيم " زاد المعاد في هدي خير العباد -  - وهو على راحلته في السفر ، فبهذا نخرج بالطريقتين ، ونستفيد من المنهجين ، وتحقيقاً لذلك نشعر ببعض السعادة فهلا حرصنا على ذلك .