صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خطبة الجمعة في مسجد قرية آل عشَه بسبت تُنومة
الجمعة 20شوال 1441هـ. بعنوان:
(نحن والتباعد الاجتماعي)

أ . د / صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية ومدير مركز البحوث التربوية
بكلية التربية في جامعة الملك خالد


إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه ونستهديه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شـرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شـريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى، ولتكن تقوى الله سبحانه في كل شأنٍ من شؤون حياتكم، وفي كل جزئيةٍ من جزئياتها، واعلموا أن الله تعالى خبيرٌ بما تعملون، وسميعٌ لما تقولون، وشهيدٌ على ما تُضمرون، قال تعالى: {وَأَسِـرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (سورة الملك:13). وقال سبحانه:{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشـر:22].
عِبَادَ اللهِ: إن ما نحن فيه من ظروفٍ وأحوالٍ نعلمها جميعاً، ونعيش تفاصيلها على مدار الساعة، وتفرض علينا قضاء أكبر وقتٍ ممكن داخل المنازل، توجِبُ علينا أن نتعايش معها بكل حرصٍ، وأن نُكيف أنفسنا قدر المستطاع لتتواءم مع هذه الأوضاع التي لم تمرُ بنا من قبل، والتي لم نتعود عليها منذ زمنٍ طويل.
فقد تغيَّـر نظام حياتنا اليومية، وأصبحنا نعيشُ أوضاعاً اجتماعيةً لم نمرّ بمثلها في سابق الأيام، الأمر الذي يفرض علينا أن نجتهد في استثمار أوقاتنا بالشكل الإيجابي، وأن نستفيد من هذه الفترات الطويلة التي نقضيها في المنازل، وأن نحرص خلالها على اكتساب ما يُمكن من العاداتٍ الإيجابية الجديدةٍ التي تتناسب بإذن الله تعالى مع ما تفرضه علينا التوجيهات، والإرشادات، والتعليمات، في كل شأنٍ من شؤون الحياة.
فكم هو جميلٌ أن نتكيف إيجابياً مع فكرة التباعد الاجتماعي، الذي يعني بكل بساطة تجنُّب التجمعات البشـرية، والتقليل من عملية الاختلاط المباشـر بالآخرين.
وكم هو جميلٌ أن يستثمر المسلم جزءاً من وقته في مراجعة حفظ ما يُمكنه من سور القرآن الكريم، وما تيسّـر من الأحاديث النبوية، وما لا عنـى عنه من الأذكار النبوية الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكم هو جميلٌ أن نُقلل من سماع الأخبار السلبية التـي تعُج بها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وألاّ ننجرف مع ما تحمله وتكتظ به من إشاعاتٍ ومقولاتٍ مكذوبةٍ وغير سليمة المصادر في الغالب، وأن نحاول عدم الدخول في تفاصيلها وتحليلها ومناقشاتها، فذلك كفيلٌ بالتخفيف من آثار الخوف والهلع، وعدم إشغال الذهن بما لا فائدة فيه ولا نفع منه.
وكم هو جميلٌ أن نُعيد ترتيب أولويات حياتنا فنُقدِّم الأهم ونعتني به، ونؤخر الأقل أهميةً من الأعمال والسلوكيات والعادات اليومية.
وكم هو جميلٌ أن نُخصص وقتاً ثابتاً ولو قليلاً لمُمارسة بعض أنواع الرياضة النافعة والمُفيدة لأعضاء الجسم.
وكم هو جميلٌ أن نهتم بالقراءة النافعة المفيدة كقراءة القرآن الكريم، والاطلاع على الكتب النافعة في شتى المجالات الدينية والأدبية والثقافية والمعرفية ونحوها.
وكم هو جميلٌ أن يتم تخصيص بعض الوقت لصلة الأرحام، وتفقد أحوال الأقارب، ولو عبر وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة، فكُلنا يعلم أن الاتصال وصولٌ، وأن السؤال وتفقد أحوال الأهل والإخوان والجيران ممن لهم واجب السؤال والاطمئنان، عبادةٌ حثت عليها تعاليم الدين، ودعت إليها تربيته العظيمة، وأن الاجتهاد في قضاء ما يُمكن قضاؤه من حاجات المحتاجين، وتلبية متطلبات الآخرين، خُلقٌ كريمٌ وسلوكٌ جميلٌ يُدخل البهجة والسعادة إلى النفوس، ويجلب لها الارتياح والطمأنينة.
وكم هو جميلٌ أن يهتم الإنسان بترتيب أغراضه الخاصة وممتلكاته الشخصية داخل المنزل؛ فالكثير منها يحتاج للترتيب، والتنقية والتصفية وإعادة النظر في كيفية الإفادة منه، وكل ذلك كفيلٌ بالمُساعدة في المحافظة على لياقة الجسم، واستمرار الصحة، والإفادة من الوقت.
وكم هو جميلٌ أن يُمارس الإنسان بعض الهوايات والألعاب النافعة والمفيدة التي يمكن ممارستها أثناء وجوده في المنزل، والتي لا شك أنها ستُسهم في استثمار الوقت، والترفيه عن النفس، وكسـر حاجز الجمود والملل.
وكم هو جميلٌ أن يقوم الإنسان بما يستطيع القيام به من الأعمال المنزلية التي يقوم الرجال بالمشاركة فيها داخل بيوتهم، فإن في ذلك اقتداءٌ بهدي النبوة المبارك، فقد سُئلت أم المؤمنين عَائِشَة (رضي الله عنها): "مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ فقَالَتْ: كَانَ بَشَـرًا مِنَ الْبَشَـرِ يَفْلـِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ" (رواه أحمد، وصححه الألباني).
وفي روايةٍ أُخرى: "كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ" (صححه الألباني في صحيح الجامع).
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله القائل: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتً} [النساء من الآية:103]. والصلاة والسلام على من أرشدنا إلى فضل صلاة الجماعة وعظيم ثوابها فقال (صلى الله عليه وسلم): "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ (أو الفرد) بسبع وعشـرين درجة"(أخرجه البخاري). أما بعد:
فأعلموا بارك الله فيكم أنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَى المُسْلِمِينَ صَلَاةُ الجَمَاعَةِ، وما ذلك إلاّ لعظيم منـزلتها، وعلو شأنها، ولأنها عمود الدين، ولأن فِيهَا مِنَ المَصَالِحِ وَالعِبَرِ والمنافع مَا لَا يُدْرِكُهُ إِلَّا مَنْ وفقه الله تعالى لأَدائهَا والمحافظة عليها. وفيما يلي عددٌ من المنافع لصلاة الجماعة، ومنها:
(1) أن أداء عبادة الوضوء التي تسبق أداء الصلاة تُعدُ من أسباب تكفير السيئات وحط الخطايا والذنوب، وهذا يعني أنه لا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وقد صحَّ عن عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، عن الرسول (صلى الله عليه وسلم)، إنه قال: "منْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوضوءَ، خَرَجَت خَطَايَاهُ مِنْ جسَدِهِ حتَّى تَخْرُجَ مِنْ تحتِ أَظفارِهِ" [رواه مسلم].
(2) أن السَّيْرُ إلى المَسَاجِدِ وحث الخُطى إليها من وسائل تَكْفِير الخَطَايَا وَالذُّنُوبِ ومحوها، ورفع درجات المُصلي وزيادة حسناته، لما صحّ عن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن رسول اللَّه (صلى الله عليه وسلم) قال: «ألا أدلُّكَم عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطايا، ويرْفَعُ بِهِ الدَّرجاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وكَثْرةُ الْخُطَى إِلَى الْمسَاجِدِ" (رواه مسلم).
(3) أن انْتِظَارُ المسلم للصَّلَاةِ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ تعالى يجعل له أجر المرابط في سبيل الله تعالى، لما جاء عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «وانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْدِ الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرّبَاطُ» (رواه مسلم).
(4) أن المحافظة على أداء الصلوات في بيوت الله فِعل الصالحين، وشعار المؤمنين، وعلامة تمكن الإيمان في القلب، وقد جاء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)، أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ المَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ» (رواه الترمذي).
(5) أن عُمَّارُ بُيُوتُ اللهِ تعالى من المُصلين الراكعين الساجدين هُمْ ضُيُوفُهُ، وَحَقٌّ عَلَى المُضِيفِ أَنْ يُكْرِمَ زُوَّارَهُ، وَلَا يعْمُرُ بُيُوتَ اللهِ بِأَدَاءِ وإقامة الصَّلوات فِيهَا إِلَّا من كان مشهوداً لَهُ بِالإِيمَانِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ} (التوبة:18).
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا بَعْدَ نِعْمَةِ الإِيمَانِ، وَنِعْمَةِ الإِسْلَامِ الذي أَتَمَّهُ مَوْلَانَا وَأَكْمَلَهُ، نِعْمَةُ بُيُوتِ اللهِ تعالى، وَلَا يَعْرِفُ قَدْرَ هَذِهِ النِّعْمَةِ إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا، فاللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا نِعْمَةَ الصلاة في بيوتك في الأرض مَا دَامَتْ أَرْوَاحُنَا في أَجْسَادِنَا.
ثم اعلموا (بارك الله فيكم) أن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأن خير الهدي هدي محمدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وشـر الأمور محدثاتـها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار. واعلموا أن الله تعالى أمركم بالصلاة والسلام على النبي فقال جل شأنه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً}.
فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الطاهرين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، وتابع التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنّا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك في هذه الساعة رضاك والجنة، ونعوذ بك اللهم من سخطك والنار. اللهم أصلح لنا ديننا، وأصلح لنا دنيانا، وأصلح لنا آخرتنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شـر.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحفظ اللهم لنا بلادنا وبلاد المسلمين من هذه الجائحة التي عمّت وطمّت، واكفنا اللهم من شـرها وضُـرها، وأحسن اللهم حياتنا، ومماتنا، وختامنا، ومآلنا.
اللهم إنّا ظلمنا أنفسنا ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لنا مغفرةً من عندك، وارحمنا، وعافنا وأعفُ عنّا، إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم أعنّا على كل خير، واكفنا من كل شـر، وأغفر اللهم لنا ولآبائنا، وأمهاتنا، وأزواجنا، وذرياتنا، وإخواننا، وأخواتنا، وتجاوز اللهم عن ذنوبنا وخطايانا، وارحمنا يا رحمان يا رحيم برحمتك التي وسعت كل شيء. اللهم اغفر لنا ما قدّمنا وما أخّرنا، وما أسـررنا وما أعلنّا، وما أنت أعلم به منّا.
اللَّهمَّ أمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، ووفق ولاة جميع المسلمين لما تحبه وترضاه من القول والعمل. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الأخرة حسنة، وقنا عذاب النار، يا عزيز يا غفّار، يا رب العالمين.
عباد الله: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. وَأَقِمِ الصَّلاةَ.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
صالح أبوعرَّاد
  • كتب وبحوث
  • رسائل دعوية
  • مقالات تربوية
  • الخطب المنبرية
  • الصفحة الرئيسية