صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







محاضرة قصيرة بعنوان .. مِن دلائل التوحيد

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

 
المحاضرة مرئية
https://youtu.be/auWBoF7w6BA

المحاضرة مسموعة :
https://5.top4top.net/m_1419hm7xd1.mp3

الدرس على صيغة PDF
اضغط هنا ..


مِن دلائلِ التوحيد

نَصَب الله جلّ جلاله دلائلَ توحيدِه في كُلِّ مَخلُوق . فدلائلُ توحيدِ الله تبارك وتعالى فِيكَ وفي كُلِّ ما حَوْلِك ، كما قَالَ ابْنُ الْمُعْتَزّ :
فَيَا عَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الإِلَهُ ... أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الْجَاحِدُ ؟
وَفِي كُـلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَـةٌ ... تَـدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِــدُ
آياتٌ بيّنات : يُبصِرُها الأعمى ، ويَعمَى عنها الجاحِد ، كما قال الأحَد الوَاحِد : (بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ) ، وقال عزّ وجَلّ : (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ) .

دلائلُ توحيدِه
في الفِطَر السليمة ، والعقول الصحيحة
قال ابن القيم : اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الدَّالُّ عَلَى نَفْسِهِ بِآيَاتِهِ ، فَهُوَ الدَّلِيلُ لِعِبَادِهِ فِي الْحَقِيقَةِ بِمَا نَصَبَهُ لَهُمْ مِنَ الدَّلالاتِ وَالآيَاتِ ، وَقَدْ أَوْدَعَ فِي الْفِطَرِ الَّتِي لَمْ تَتَنَجَّسْ بِالتَّعْطِيلِ وَالْجُحُودِ : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ الْكَامِلُ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ بِكُلِّ كَمَالٍ ، الْمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ وَنَقْصٍ ، فَالْكَمَالُ كُلُّهُ ، وَالْجَمَالُ وَالْجَلالُ وَالْبَهَاءُ ، وَالْعِزَّةُ وَالْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ : كُلُّهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ ، يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، فَالْحَيَاةُ كُلُّهَا لَهُ ، وَالْعِلْمُ كُلُّهُ لَهُ ، وَالْقُدْرَةُ كُلُّهَا لَهُ ، وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالإِرَادَةُ ، وَالْمَشِيئَةُ وَالرَّحْمَةُ وَالْغِنَى ، وَالْجُودُ وَالإِحْسَانُ وَالْبِرُّ ، كُلُّهُ خَاصُّ لَهُ قَائِمٌ بِهِ ، وَمَا خَفِيَ عَلَى الْخَلْقِ مِنْ كَمَالِهِ أَعْظَمُ وَأَعْظَمُ مِمَّا عَرَفُوهُ مِنْهُ ، بَلْ لا نِسْبَةَ لِمَا عَرَفُوهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى مَا لَمْ يَعْرِفُوهُ . (مدارج السالكين)

دلائلُ توحيدِه
في الحشراتِ : فيما يُرَى ، وما لا يُرَى كَالفَيرُوسَات .
في البَعوضَةِ :
يَا مَنْ يَرَى مَدَّ البَعُوضِ جَنَاحَها ... في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ البَهِيمِ الألْيَلِ
ويَرَى نِيَاط عُرُوقِها في نَحْرِها ... والْمُخَّ في تِلْكَ العِظَامِ النّحَّلِ
قال الزمخشري : رُبما رَأيتَ في تَضاعِيف الكُتُب العَتِيقة دُويبّة لا يَكاد يُجلّيها للبَصَر الحادّ إلاّ تَحَرّكها ، فإذا سَكَنت فالسّكون يُوَارِيها ، ثم إذا لَوّحْتَ لها بِيدِك حادَت عنها وتجنّبَتْ مَضَرَّتها .
فسبُحان مَن يُدرِك صُورةَ تلك وأعضاءها الظاهرة والباطنة ، وتفاصيل خِلْقَتها ، ويبصر بَصَرها ، ويطلّع على ضميرها ، ولعل في خَلْقِه ما هو أصْغَر منها وأصْغَر . (الكشّاف)

دلائلُ توحيدِه
في النّملةِ
في النّحلةِ
النملةُ تَجمَعُ الحبَّ وتُخَزّنُه ، وتكسِرُه لئلا ينبُت . فَمَن ألْهَمَها ؟
قال ابن القيم : وَمِن عَجِيبِ أمْرِ الفِطْنَةِ فِيهَا : إذا نَقَلَتِ الْحبَّ إلى مَسَاكِنها كَسرتْه لِئَلاّ ينْبُتَ فَإِن كَانَ مِمَّا ينْبُتُ الفِلْقَتان مِنْهُ كَسَرتْهُ أربعا ، فإذا أصابَه نَدًى أو بَلَلٌ وخَافَتْ عَليه الْفسادَ أخْرَجَتْه للشمسِ ثمَّ تَردُّه إلى بيوتها ...
وَمن فِطنتِها أنّها لا تَتَّخِذُ قَرْيَتَها إلاّ على نَشْرٍ مِن الأرض لئلاّ يَفِيضَ عَلَيْهَا السَّيْلُ فيُغْرِقَها . اهـ .

والنحلةُ تأكلُ مِن الشجرِ وتصنَعُ العَسَلَ . فمَن وَهَبَها مَصنَعَ العَسَل ؟
(وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ)
واسأل بُطونَ النحلِ : كيف تقاطَرتْ *** شَهْدا وقُل للشّهْدِ : مَن حَلاّك ؟؟
قيل لِرَجل : بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ ؟
قال : عَرَفْتُهُ بِنَحْلَةٍ بِأَحَدِ طَرَفَيْهَا تَعْسِلُ ، وَالآخَرِ تَلْسَعُ ! والعَسَلُ مَقْلُوبُ اللّسْعِ !
(مفاتح الغيب = التفسير الكبير ، للرازي)

دلائلُ توحيدِه
في الطيرِ في جَوّ السماءِ ما يُمسِكُهُنّ إلاّ اللهُ (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)


دلائلُ توحيدِه
في الشاةِ والبقرةِ
(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ)
بل سائِلِ اللبَنِ الْمُصَفّى كان بَيْنَ *** دمٍ وفَرْثٍ : مَن الذي صَفّاك ؟؟
قال ابن القيم : تَأملِ الْعبْرَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ عزّ وَجَلّ فِي الأنعام وَمَا سَقَانَا مِن بُطونِها مِن اللَّبنِ الْخَالِصِ السائغِ الْهَنِيءِ الْمَرِيءِ الْخَارِجِ مِن بَينِ الفَرْثِ وَالدَّم ...
فَسَلِ الْمُعَطِّلَ الجاحِدَ : مَن الذي دَبّرَ هَذا التَّدْبِيرَ وَقَدّرَ هَذا التَّقْدِيرَ ، وأتْقَنَ هَذا الصُّنْعَ ، ولَطَفَ هَذا اللطْفَ ؟ سِوَى اللَّطِيفِ الْخَبِير .

دلائلُ توحيدِه
في الدجاجةِ والبَيضَةِ (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ)
و إذا رأيتَ الحيَّ يَخْرُجُ مِن *** حَنَايا مَيّتٍ فاسألْه : مَن أحيَاك ؟؟

قال ابنُ كثيرٍ رحِمَه اللهُ :
وعن الشافعيِّ : أنه سُئلَ عن وُجودِ الصانِعِ ، فقال : هذا وَرَقُ التُّوت ؛ طَعْمُه واحِدٌ ؛ تأكُلُه الدودُ فيَخرُجُ منه الإبريسَمُ ، وتأكُلُه النَحلُ فيَخرُجُ منه العَسَلُ ، وتأكُله الشاةُ والبعيرُ والأنعامُ فتُلقِيه بَعْرا ورَوثا ، وتأكُله الظّباءُ فيَخرُجُ منها الْمِسْكُ ، وهو شيءٌ واحِد .

وعن الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ أنه سئل عن ذلك ، فقال : هاهنا حِصنٌ حَصِينٌ أملَس ، ليس له بابٌ ولا مَنفَذ ، ظاهِرُه كالفِضّةِ البيضاءِ ، وباطِنُه كالذّهبِ الإبريزِ ، فبينا هو كذلك إذ انْصدَعَ جِدَارُه ، فخرَجَ منه حَيوانٌ سميعٌ بَصير ، ذو شَكْلٍ حَسنٍ وصوتٍ مَلِيح . يعني بذلك البَيضَةَ إذا خَرَجتْ منها الدجاجةُ .
وَسُئِلَ أَبُو نُوَاسٍ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْشَدَ :
تَأَمَّلْ فِي نَبَاتِ الأَرْضِ وَانْظُرْ ... إِلَى آثَارِ مَا صَنَعَ الْمَلِيكُ
عُيُونٌ مِنْ لُجَيْنٍ شَاخِصَاتٌ ... بِأَحْدَاقٍ هِيَ الذَّهَبُ السَّبِيكُ
عَلَى قُضُبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِدَاتٌ ... بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكُ

دلائلُ توحيدِه
في النخلةِ
تُزرَعُ نَوَاةٌ يابسَةٌ واحِدَةٌ ، فتَنبُتُ شَجَرةٌ ما تَلْبَثُ أنْ تكونَ سامِقَةً (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا)
كَم تُؤتي مِن ثَمَرةٍ ، وكَم في العِذقِ الواحِدِ مِن تَمْرَةٍ ؟!

دلائلُ توحيدِه
في الشجر
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ)
هل تأمّلتَ جُذوعَ الأشجارِ في الخريف ، جُذوعٌ جافّةٌ ، ما تَلبِثُ أن تُورِقَ ، ويَخرُجُ منها ثِمَارٌ ألْيَنُ مِنَ الزُّبدِ !

دلائلُ توحيدِه
في العافيةِ وفي السَّقَم
مَن الشّافي ؟؟
كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ، قَالَ : أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي ، لاَ شِفَاءَ إِلاّ شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا". رواه البخاري ومسلم .
هل رأيتَ مريضا أشرَفَ على الْمَوت ، وأيِسَ منه الأطباء ، ثم قام سليما مُعافَى ؟
من الذي شَفَاه ؟؟ إنه الله تعالى في عُلاه .
قُل للطبيبِ تَخَطّفَتْه يَدُ الرّدَى = مَن يا طَبيبُ بِطِبّه أرداكَ ؟
قل للمريضِ نجا وعُوفي بعدما = عجزتْ فنونُ الطبِّ مَن عافاكَ ؟
قل للصحيحِ يموتُ لا مِن عِلَةٍ = مَن بِالمنايا يا صحيحُ دَهاك ؟

دلائلُ توحيدِه
في الشمسِ والقمر
(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)
يَتعاقَبُ القَمَرَان ، فلا هذا يَخرُجُ عن مَسَارِه ، ولا ذاك يَتَخلّفُ عن وَقتِه ومِيعادِهِ
(لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)

دلائلُ توحيدِه
في حَرَكَةِ الشمسِ ، وتَغيُّرِ مَسَارِها
للشمسِ مَسَارٌ في الصيف ، ومَسَارٌ في الشتاءِ ، فإذا تغيّر مَجْرَاها بإذنِ ربّها تغيّرَ الجوُ ، وتبدّلَ الطقسُ ، واختَلَفَ حتى الظِّل . فسبْحانَ مَن هذا صُنعُه ..
(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ)
قال البغوي : أراد مَشرِقَ الشتاء ومَشرِقَ الصيف ، وأراد بِالْمَغْرِبَيْن : مغربِ الشتاء ومغربِ الصيف . اهـ .

كَم عُمُرُ الشمسِ والقَمَر ؟!
شمسٌ وهّاجَةٌ ، وقَمَرٌ مُنِيرٌ ، منذ آلاف السنينِ ، لا تحتاجُ إلى صِيانة ، وليس فيها شُقوقٌ ..

دلائل توحيده :
في الهواءِ ، الذي هو ألْطَفُ شيءٍ وأرقُّه .. تَسْتَنْشِقُه ولا تُحسُّه : إن زَادتْ سُرْعَتُه صار ريحا عاتية ، تُدمّرُ كلَّ شيءٍ بإذن ربّها
رأتْ عادٌ بَوَادِرَه ، فقالوا : (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ)

دلائلُ توحيدِه
في الماءِ إذْ فيه حياةُ الأحياءِ : إمّا مُباشَرَةً وإمّا ما يَنتُجُ ويَنبُتُ عنه
(وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ)
الماءُ والهواء لا تَستطيع ُأن تقبضَ على واحِدٍ منهما
إن زادَ مَنسوبُ المياه صارَ طُوفانا ..
(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)
قال ابن القيم : الحكمةُ إنما تتمُّ بِخَلْقِ الْمُتَضَادّاتِ والْمُتَقَابِلاتِ ؛ كالليل والنهار والعُلوِّ والسّفْل ، والطيبِ والخبيث ، والخفيفِ والثقيل ، والحلوِ والمرّ ، والبردِ والألم واللذة ، والحياةِ والموت ، والداءِ والدواء . فَخَلْقُ هذه الْمُتَقابِلاتِ هو مَحلُّ ظُهورِ الحكمةِ الباهِرةِ ، ومَحَلُّ ظهورِ القُدرةِ القاهرةِ ، والمشيئةِ النافِذةِ ، والمُـلكِ الكاملِ التامِّ . اهـ .

دلائلُ توحيدِه
في الأرضِ وفي السماءِ
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ)
جَعَل في الأرض فِجاجًا ، وفي السماء أبْرَاجا
(وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ)
قال تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ)
قال ابنُ كثير رحمه الله : وَهَذِهِ الآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى تَوْحِيدِهِ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ كَالرَّازِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ فَقَالَ : وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ بِطَرِيقِ الأَوْلَى ، فَإِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الْمَوْجُودَاتِ السُّفْلِيَّةَ وَالْعُلْوِيَّةَ وَاخْتِلافَ أَشْكَالِهَا وَأَلْوَانِهَا وَطِبَاعِهَا وَمَنَافِعِهَا وَوَضْعِهَا فِي مَوَاضِعِ النَّفْعِ بِهَا مُحْكَمَةٌ ، عَلِمَ قُدْرَةَ خَالِقِهَا وَحِكْمَتَهُ وَعِلْمَهُ وَإِتْقَانَهُ وَعَظِيمَ سُلْطَانِهِ .
كَمَا قَالَ بَعْضُ الأَعْرَابِ ، وَقَدْ سُئِلَ : مَا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ الرَّبِّ تَعَالَى؟ فَقَالَ : يَا سُبْحَانَ اللَّهِ ، إِنَّ الْبَعْرَةَ لَتَدُلُّ عَلَى الْبَعِيرِ ، وَإِنَّ أَثَرَ الأَقْدَامِ لَتَدُلُّ عَلَى الْمَسِيرِ ، فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ ، وَأَرْضٌ ذَاتُ فِجَاجٍ ، وَبِحَارٌ ذَاتُ أَمْوَاجٍ ؟ أَلا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى وُجُودِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ ؟ . (تفسير القرآن العظيم)

بهذا استَدَلَّ بعضُ أهلِ الجاهليةِ على توحيدِ اللهِ
قال قُسُّ بنُ ساعِدةَ : كُلُّ مَنْ فَاتَ فَاتَ ، وَكُلُّ شَيْءٍ آتٍ آتٍ ، لَيْلٌ دَاجٍ ، وَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ ، وَبَحْرٌ عَجَّاجٌ ، وَجِبَالٌ مَرْسِيَّةٌ ، وَأَنْهَارٌ مَجْرِيَّةٌ ؛ إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا ، وَإِنَّ فِي الأَرْضِ لَعِبَرًا . (البداية والنهاية ، لابن كثير)

مُنذ خَلَقَ الله السماءَ ، ورَفَعَها بِغير عَمَدٍ ، وهي شاهِدَةٌ على تَوحيدِه تباركَ وتعالى، لا شُقوقَ فيها ولا خَلَل .
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ)
(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)


أمَرَ اللهُ تبارك وتعالى بالسيرِ في الأرضِ ، والنّظَرِ نَظَرَ اعتبارٍ وتفكّرٍ في مَلَكوتِ الله: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) .

دلائلُ توحيدِه
في نَفْسِك وأنفاسِك
تتنفّسُ في اليوم والليلة أربعا وعشرين ألفَ نَفَسٍ
ومِن عَجِيبِ أمْرِ النّفَسِ :
أن الإنسانَ يتنفّسُ في كل حالٍ : في حالِ أكلِه وشُربِه وكلامِه ونومِه .
ويأخذُ في الشهيقِ هَواءً نَقِيّا ، ويُخرِج في الزفير هَواءً مُستَهْلكًا ، ولا يختَلِطُ هذا بهذا !
في ذاتِك : في قَوَامِك (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)

في دَمِكَ وفي نَبْضِ قَلبِك
قلبُك ينبُضُ في اليوم : مائةَ ألفِ نَبْضَةٍ ..
وفي جِسْمِك مَصانِعٌ : مصنَعٌ لِكُريّات الدم الحمراء ، وآخَرُ لِكريّات الدم البيضاء، وثالثٌ لإنتاج الخلايا ، ورابِعٌ لإنتاج اللّعَاب ، وخامِسٌ لتنقيةِ الدم ، وهكذا في سِلسلة تَطول ..
(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)

في عَينِك وفي أُذُنِك
هل فكّرت يوما : أن هذه الأعضاءَ مِنكَ ، بل كُلُّ عِرْقٍ وخَليّةٍ ، وكُلُّ لَحمٍ ودَمٍ، وكلُّ عَصَبٍ وعَظْمٍ : جميعُها خُلِقَتْ مِن نُطفَة !
فلو جُمِعتْ كُلُّ النّطَفِ لَمَا استطاعَ البَشَرُ إيجادَ عَيْنٍ تَطْرِف ! ولا اُذُنٍ تَسمَع !

دلائلُ توحيدِه
في خَلْقِ الجَنينِ
الله خَلَقَ مِن النطفةِ عَينًا مُبْصِرَة ، وأُذنا واعِية
وأطباءُ الأرضِ صَنَعوا آلةً يُستَعانُ بها على إيصالِ الصوتِ وتَوضيحِ الصورة
ولكنهم مهما بَلَغوا مِن العِلمِ فلن يَستطيعوا أن يَخلُقُوا خَلِيّةً واحِدَة !
(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً ، وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً .

البَشَرُ ، صَنَعُوا تمثالا .. فاللهُ خَلَق .. وهُمْ خَرَقُوا !
(وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ)

دلائلُ توحيدِه
في أسنَانِك
كُلُّ سِنٍّ مِنك له عَصَبٌ يُغذّيه ..
حتى في أظفارِك
لن تستطيعَ كُلُّ التّقنِياتِ أن تُوجِدَ لك ظُفْرا به حياةٌ يَنمُو ويَتغيرُ بِتَغيّرِ صِحّةِ البَدَن

دلائلُ توحيدِه
في الزّرْعِ وفي الضّرْع
في الإفرادِ وفي الجمْع
زرَعَ المزارِعُ حَبّةً واحِدة ، فأنْبَتت سُنْبُلةً . فَكم فيها مِن حَبّةٍ ؟!
الله تبارك وتعالى جَمَع الظُّلُماتِ ، وأفْرَدَ النورَ
قال ابن القيم : لَمّا كانتِ الظّلْمَةُ بِمَنْزِلَةِ طُرُقِ الباطلِ ، والنورُ بِمَنْزِلَةِ طريقِ الحق، فقد أُفْرِدَ النورَ وجُمِعتِ الظلماتُ ، وعلى هذا جاء قوله : (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) ، فَوَحّدَ وَلِيَّ الذين آمنوا ، وهو الله الواحدُ الأحدُ ، وجَمَعَ الذين كَفَروا لِتَعَدِّدهم وكَثْرتِهم ، وجَمَعَ الظلماتِ ، وهي طُرُق الضّلالِ والغيِّ لِكَثْرَتِها واختِلافِها ، ووَحّدَ النّورَ ، وهو دِينُه الحقُّ وطَريقُه المستقيمُ الذي لا طَريقَ إليه سِوَاه . اهـ .

دلائلُ توحيدِه
في الأُمم الغابِرةِ ، والآثارِ الباقيةِ
أهلَكَهم الحيُّ الذي لا يَموتُ
كَسَرَ الأكاسِرةَ ، وقَصَمَ القياصِرةَ
(فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)
(أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ) .

دلائلُ توحيدِه
في الموت والحياة
قال قُسّ بنُ ساعدةَ :
فِي الذَّاهِبِينَ الأَوَّلِيـ *** نَ مِنَ الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ
لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا *** لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ
وَرأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا *** يَسْعَى الأَصَاغِرُ وَالأَكَابِرْ
أَيْقَنْتُ أَنِّي لا مَحَالَةَ *** حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ

دلائلُ توحيدِه
في الأمواجِ العاتِيةِ ، والسُّفنِ العَابِرَة
(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)

دلائلُ توحيدِه
في طُلوعِ النورِ الذي أخفَى أضْواءَ القَناديلِ !
طَلَعَ الصباحُ فأطفِئوا القِندِيلا

الله نُورُ السماوات والأرض ، عَمّ نُورُه الوجودَ ، فأغنى نُورُه عن كُلّ نُور .
لو اجتمع أهلُ الأرضِ وأرادوا إضاءةَ الكَوْنِ كَمَا يُضيءُ طُلوعُ النورِ صباحا ؛ لَمَا استطاعوا !
تَفرّدَ الله بالقُدرةِ والقوّةِ سبحانه وبِحمدِه .

دلائلُ توحيدِه
في الصناعاتِ : اللهُ خالِقُ كلِّ صَانِعٍ وما صَنَعَ
استغنى الله عن مُعينٍ أو مُشِير .. بينما لا تجِد صَنْعةً إلاّ وقد اشتركَ فيها عددٌ مِن الناس ، وكلّما كبُر المصنوعُ زاد عددُ العاملينَ والمشارِكين .. تأمّلْ في المصنوعاتِ الكبيرةِ ، كالطائراتِ والسياراتِ : تَجِدْ فيها أجزاءَ مِن بُلدانٍ شَتّى !
لكنَّ اللهَ وحدَه جلّ جلاله تَفرّدَ بالْخَلْقِ والإيجادِ وإبداعِ الصُّنْعِ .
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ . رواه البخاري في " خَلْقِ أفعالِ العباد " ، والحاكِمُ وصححه على شرط مسلم ، ووَافَقه الذهبي .

دلائلُ توحيدِه
في الثمار واختلافِها وتَنوّعِها : حامِضٌ وحُلوٌ ومُرّ ، وأحمرُ وأخضرُ وأصفرُ ، ونافِعٌ وضارٌّ ؛ الأرضُ واحدة ، والماءُ واحد .. قِطَعٌ متجاوراتٌ ، وطُعُومٌ وأشكالٌ مختلفات .
(وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)
قال الفيروز آباديّ : للرُّمَّانِ ستَّةُ طُعُومٍ ، كَمَا للتُّفَّاحِ . اهـ .

دلائلُ توحيدِه
في كَمال قُوّته وقُدرَتِه
أبْدَع الْخَلْقَ على غير مِثالٍ سابِق

قال شيخ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : الإبداعُ خَلْقُ الشيء على غيِر مثال ..
وقال : وأما مُبدِعُ العالَمِ فهو الْمُبْدِعُ لأعيانِه وأعْرَاضِه وحَرَكاتِه ، فليسَ له نَظِيرٌ، إذْ هو سبحانه ليس كَمثلِه شيءٌ : لا في ذاتِه ، ولا في صفاتِه ، ولا في أفعالِه .
وقال ابن القيم : مُبْدِعُ الشيء وبَدِيعُه لا يَصِحُّ إطلاقُه إلاّ على الربّ .

وقال : فَسُبْحَانَ مَنْ بَهَرَتْ حِكْمَتُهُ الْعُقُولَ وَالأَلْبَابَ ، وَشَهِدَتْ فِطَرُ عِبَادِهِ وَعُقُولُهُمْ بِأَنَّهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ وَرَبُّ الْعَالَمِينَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ .

دلائل توحيده :
في الصحراء الجَرْداء ، يَنْزِل عليها الماء فتُنْبِت مِن كُلّ زَوْج بهيج ، فإذا هي رَيحانة تَهْتَزّ ، ووَرْدَة تَتَمَايل ، لتقل للجَاحِد :
لي رَبّ يُحْيي الأرضَ بعد مَوْتِها
(وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ)


دلائلُ توحيدِه
في الْجَنِينِ في بَطْن أمّه : اشتمَلَ عليه الرّحِمُ حتى إذا أذِنَ الله في خُرُوجه انْقَلَب ودَفَعَه الرّحِمُ إلى الخارِج .
قال ابن القيم : أعِدِ النّظرَ فِيكَ وَفِي نَفسِكَ : مَن الذي دَبّرَك بِألْطَفِ التَّدْبِيرِ وأنتَ جَنِينٌ فِي بطنِ أمّك فِي مَوضِعٍ لا يَدَ تَنالُك ، وَلا بَصَرَ يُدْرِكُكَ ، وَلا حِيلَةَ لَك فِي الْتِمَاسِ الْغذَاءِ ، وَلا فِي دفعِ الضَّرَرِ . فَمن الَّذِي أجْرَى إليكَ مِن دَمِ الأمِّ مَا يَغْذُوك كَمَا يَغذُو الْمَاءُ النَّبَات ، وقَلَبَ ذَلِك الدَّمَ لَبَنًا ، وَلم يَزَل يُغَذّيكَ بِهِ في أضْيقِ الْمَوَاضِعِ وأبْعَدِها مِن حِيلَةِ التّكَسُّبِ والطّلَبِ حتى إذا كَمُلَ خَلْقُك واسْتَحْكَمَ وقَوِيَ أدِيمُك على مُبَاشرَة الْهَوَاء ، وبَصَرُك على مُلاقاةِ الضّياء ، وصَلُبَتْ عِظَامُك على مُبَاشرَةِ الأيْدِي ، والتّقَلّبِ على الغَبْرَاء : هَاجَ الطّلْقُ بِأمّك فأزْعَجَك إلى الْخُرُوجِ إيّمَا إزْعَاجٍ إلى عَالَمِ الابْتِلاءِ ، فَرَكَضَكَ الرَّحِمُ رَكْضَةً مِن مَكَانِك كأنه لم يَضُمَّك قَطّ ، وَلم يَشْتَمل عَلَيْك ...
مَن الذي أوْحَى إليه أن يَتَضَايَقَ عليك وأنتَ نُطْفَةٌ حتى لا تَفسُدَ هُناك ، وأوْحَى إليه أن يَتَّسِعَ لَك ويَنْفَسِحَ حتى تَخْرُجَ مِنْهُ سَلِيمًا ... فَصَرَفَ ذلك اللَّبنَ الذي كنتَ تَتَغَذّى بِهِ في بَطِنِ أُمّك إلى خِزَانَتَيْنِ مُعَلّقَتَيْنِ على صَدرِها ...
فَمَن رَقّقَهُ لَك وصفّاهُ وأطابَ طعمَه وحَسّنَ لَونَه وأحْكَمَ طَبْخَه أعْدلَ إحكامٍ ؟ لا بِالْحَارِّ الْمُؤذِي ، وَلا بِالبارِدِ الرّدِيّ ، وَلا الْمُرِّ وَلا المالِحِ ، وَلا الكريه الرَّائِحَة ...
حتى إذا قَوِيَ بَدَنُك ، واتّسَعَتْ أمْعَاؤك ، وخَشُنَتْ عِظامُك ، واحْتَجْتَ إلى غِذَاءٍ أصْلَبَ مِن غِذَائك لِيَشتَد بِهِ عَظْمُك ، ويَقْوَى عَلَيْهِ لَحْمُك : وَضَعَ فِي فِيكَ آلةَ الْقَطْعِ والطحْنِ ، فنَصَب لَك أسْنَانا تَقْطَعُ بِهَا الطَّعَامَ ، وطَوَاحِينَ تطحنُه بهَا ؟؟
فَمَن الذي حَبَسَهَا عَنْك أيام رَضَاعك رَحْمَةً بِأمّك ولُطْفًا بهَا ، ثُمّ أعْطَاكَهَا أيامَ أكْلِك رَحْمَةً بك وأحسانا إليك ولُطْفا بك ؟؟
فَلَو أنك خَرَجْتَ مِن الْبَطن ذَا سِنّ ونَابٍ وناجِذٍ وضِرس ، كَيفَ كَانَ حَالُ أمّك بِك ؟ وَلَو أنك مُنِعْتَها وَقتَ الْحَاجَةِ إليها ، كَيفَ كَانَ حالك بِهَذِهِ الأطعِمَةِ التي لا تُسِيغَها إلاّ بَعدَ تَقطِيعِها وطَحْنِها ؟؟؟
(مفتاح دار السعادة)

كَتبَه : عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم
الرياض 1 شعبان – 1440 هـ .


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عبدالرحمن السحيم
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • إنه الله
  • محمد رسول
  • المقالات العَقَدِيَّـة
  • قضايا الأمّـة
  • مقالات تربوية
  • مقالات وعظية
  • تصحيح مفاهيم
  • قصص هادفة
  • موضوعات أُسريّـة
  • تراجم وسير
  • دروس علمية
  • محاضرات مُفرّغة
  • صفحة النساء
  • فتاوى شرعية
  • الصفحة الرئيسية