اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/omdah/105.htm?print_it=1

شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث الـ 112 في أن سترة الإمام سترة لمن خلفه

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

 
ح 112
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : أَقْبَلْتُ رَاكِباً عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ , وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاحْتِلامَ , وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ ، فمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ , فَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ , فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ .

في الحديث مسائل :

1= هذا الحديث بوّب عليه الإمام البخاري : باب سترة الإمام سترة من خلفه .
وهذا التبويب مأخوذ من حديث ضعيف ، وهذه عادة الإمام البخاري إذا كان الحديث ضعيفا أو ليس على شرطه جَعَله عنوان الباب .
وهذا الحديث رواه الطبراني في الأوسط .
وروى عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : سُترة الإمام سترة من ورائه . قال عبد الرزاق : وبه آخذ ، وهو الأمر الذي عليه الناس .
وفي المسالة خلاف قديم .

2= مسألة :
إن قيل : تبويب الإمام البخاري " سترة الإمام سترة من خلفه " لا يَدل عليه الحديث ، لأن في الحديث التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم كان يُصلي إلى غير سترة ، فكيف فُهِم منه هذا الفقه ؟
فالجواب : أن هذا من قياس الأوْلَى ، وهو إذا كان مرور المارّ بيني يدي الصف لا يَقطع صلاة المأمومين ، والإمام يُصلي إلى غير سُترة ، فأولى إذا كان الإمام يُصلي إلى غير سُترة .
ومنطوق الحديث أن صلاة المأمومين صحيحة بدليل عدم الإنكار – كما سيأتي – .

3= قال ابن عبد البر : وقد قيل : الإمام نفسه سترة لمن خلفه .
ثم قال رحمه الله : وإذا كان الإمام أو المنفرد مُصلّيا إلى سترة فليس عليه أن يدفع من يمرّ من وراء سترته
، هذا كله لا خلاف فيه بين العلماء على ما رسمته . ومما يوضح لك أن الإمام سترة لمن خلفه حديث هشام بن الغازي عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر أو العصر فجاءت بهمة تمرّ بين يديه فجعل يداريها حتى رأيته ألصق منكبه بالجدار ، فَمَرّت خلفه . اهـ .
قال الإمام النووي رحمه الله : في هذا الحديث أن صلاة الصبي صحيحة ، وأن سترة الإمام سترة لمن خلفه .

4= قوله : " حمار أتان " الأتان هي أنثى الحمار . و " تَرتَع " أي تَرعى .

5= قوله : " نَاهَزْتُ الاحْتِلامَ " أي قارَبتُ البلوغ .
وهذا بوّب عليه الإمام البخاري في كتاب العِلم : باب متى يصح سماع الصغير ؟
قال النووي : واخْتَلَف العلماء في سن ابن عباس رضي الله عنهما عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقيل : عشر سنين ، وقيل : ثلاث عشرة ، وقيل : خمس عشرة ، وهو رواية سعيد بن جبير عنه . قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه : وهو الصواب . اهـ .

6= قوله : " يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى " أي في مِنى ، المشعر المعروف .
وفي رواية لمسلم من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن عباس أخبره أنه أقبل يسير على حمار ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي بِمِنى في حجة الوداع ، يُصلي بالناس . قال : فَسَارَ الحمار بين يدي بعض الصف ، ثم نزل عنه ، فَصَفّ مع الناس .

7= قوله : " إلَى غَيْرِ جِدَارٍ " يَدل بمفهومه أنه يُصلي إلى غير سُترة .
قال ابن حجر : قوله : " إلى غير جدار " أي إلى غير سترة ، قاله الشافعي ، وسياق الكلام يدل على ذلك ، لأن ابن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلي لا يَقطع صلاته ، ويؤيده رواية البزار بلفظ : والنبي صلى الله عليه وسلم يُصلي المكتوبة ليس لشيء يَستره . اهـ .

8= إذا قِيل : سترت الإمام سُترة لمن خَلْفَه . وحديث ابن عباس جاء فيه التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى غير جدار . فأين هي سُترة الإمام ؟
فالجواب : أن سُترة الإمام سُترة لمن خلفه إذا وُجِدت ، فإن لم تُوجد ولم يكن ثمّ سُترة فإن هذا الحديث يدل على أن صلاة المأمومين تابعة لصلاة الإمام ، ولا يضرّهم ما مرّ بيني يدي الصف ، ولو لم يكن للإمام سُترة .
وأن ما يمرّ بيني يدي الصف لا يَقطع صلاة المأمومين ، بخلاف ما إذا مرّ بيني يدي الإمام ما يَقطع الصلاة .
ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم فأرادت بَهمة أن تمرّ تقدّم حتى ألصق بطنه بالجدار ، كما سبق .

9= هذا الحديث يدل على عدم وُجوب اتّخاذ السترة ، وإن كان سبق في الأحاديث التأكيد عليها ، خاصة في الأماكن التي لا يؤمن فيها مرور الناس .

10= قوله : " فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ " .
قال ابن دقيق العيد : استَدَلّ ابن عباس بترك الإنكار على الجواز ، ولم يَسْتَدِلّ بترك إعادتهم للصلاة ، لأن ترك الإنكار أكثر فائدة .
قال ابن حجر : قلت وتوجيهه إن ترك الإعادة يدلّ على صحتها فقط لا على جواز المرور ، وترك الإنكار يدلّ على جواز المرور وصحة الصلاة معاً ، ويُستفاد منه أن ترك الإنكار حجة على الجواز بشرطه ، وهو انتفاء الموانع من الإنكار ، وثبوت العلم بالاطلاع على الفعل . اهـ .

11= كيف يُجمَع بين رواية مسلم في مرور الحمار بين يدي الصف وبين حديث أبي ذر وحديث أبي هريرة في كون الحمار يَقطَع الصلاة ؟
ادّعى بعض العلماء أن حديث ابن عباس ناسخ لحديث أبي ذر ولحديث أبي هريرة.
والصحيح أنه لا نَسْخ ، إذ يُمكن الجمع بي الحديثين .
وذلك أن حديث أبي ذر وحديث أبي هريرة في مرور الحمار بين يدي المصلي من غير سُترة ، وحديث ابن عباس مرور الحمار بين يدي الصف ، وسترة الإمام سترة لمن خلفه .
فقد وَرَدَ في حديث أبي ذر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل ، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود . رواه مسلم .
وفي حديث أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يَقْطَع الصلاة المرأة والحمار والكلب ، ويَقِي ذلك مثل مؤخرة الرحل . رواه مسلم .

والله تعالى أعلم .

 

عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية