اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/omdah/130.htm?print_it=1

شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث 136 في قصر الصلاة واقتصاره صلى الله عليه وسلم على ركعتين

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

 
 ح 136
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ لا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ , وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ .

في الحديث مسائل :

1= مشروعية القصر في السَّفَر ، وعدم وُجُوب الجمعة ولا الجماعة على المسافر . بل الأصل في السَّفر هو القَصْر .
وذَكَر ابن قُدامة أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَافِرُ فَلا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فِي سَفَرِهِ وَكَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ يُصَلِّ جُمُعَةً ، وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، كَانُوا يُسَافِرُونَ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ ، فَلَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْجُمُعَةَ فِي سَفَرِهِ ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ .
وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ : كَانُوا يُقِيمُونَ بِالرَّيِّ السَّنَةَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَبِسِجِسْتَانَ السِّنِينَ .
لا يُجَمِّعُونَ وَلا يُشَرِّقُونَ . وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : أَقَمْتُ مَعَهُ سَنَتَيْنِ بِكَابُلَ ، يَقْصُرُ الصَّلاةَ ، وَلا يُجَمِّعُ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ . [ وذَكَر أن معنى لا يُشرِّقُون : أي لا يُصلُّون عِيدًا ؛ لأنه يُصلّى بعد الإشراق ] .
قال : وَأَقَامَ أَنَسٌ بِنَيْسَابُورَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ، فَكَانَ لا يُجَمِّعُ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَهَذَا إجْمَاعٌ مَعَ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ فِيهِ ، فَلا يُسَوَّغُ مُخَالَفَتُهُ .
وقال ابن قدامة : وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنَّهُ لا جُمُعَةَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ .

وشأن الْجُمُعة أعْظَم مِن شأن الْجَماعة .

2= سبب قول ابن عمر :
في رواية لمسلم من طريق حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ ، قَالَ: فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ ، وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ ، فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى ، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا ، فَقَالَ : مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ ؟ قُلْتُ : يُسَبِّحُونَ . قَالَ : لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لأَتْمَمْتُ صَلاتِي . يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) .
وفي رواية لِمسلم : قَالَ حَفْصٌ : وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ يَأْتِي فِرَاشَهُ ، فَقُلْتُ : أَيْ عَمِّ لَوْ صَلَّيْتَ بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ؟ قَالَ : لَوْ فَعَلْتُ لأَتْمَمْتُ الصَّلاةَ .

3= قوله : وعثمان . ومعروف أن عثمان رضي الله عنه أتَمّ الصلاة بِمكّة .
هذا مَحْمُول على أحد أمرين :
إما أنه دَخل مِن باب التّغْلِيب ؛ لأن عثمان أمضى شَطْرًا مِن خِلافته على ذلك .
وإمّا أنه قصد ما صَحِبَه فيه دُون ما لَم يصحبه فيه .
والقول الأول أرْجَح إذ جاء في رواية لِمُسْلِم : صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى صَلاةَ الْمُسَافِرِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ ثَمَانِيَ سِنِينَ ، أَوْ قَالَ : سِتَّ سِنِينَ .

4= السنة في حقّ المسافر القَصْر إذا صَلى مُنْفَرِدًا أو صَلى إمَامًا ، أما إذا صَلّى خَلْف مُقيم فيجب عليه أن يُتِمّ ، لِعموم قوله عليه الصلاة والسلام : إِنَّمَا الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ . رواه البخاري ومسلم .

5= هل يُزيد المسافر على ركعتين ؟ أي : هل له أن يُتِمّ إذا صلّى إماما أو مُنفَرِدًا ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الإِتْمَامُ فِي السَّفَرِ أَضْعَفُ مِنْ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ . فَإِنَّ الْجَمْعَ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ فِي السَّفَرِ أَحْيَانًا ، وَأَمَّا الإِتْمَامُ فِيهِ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ قَطُّ ، وَكِلاهُمَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الأَئِمَّةِ فَإِنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ الإِتْمَامِ : وَفِي " جَوَازِ الْجَمْعِ مُتَّفِقُونَ عَلَى جَوَازِ الْقَصْرِ وَجَوَازِ الإِفْرَادِ . اهـ .
ومقصوده بـ " الإفراد " أي : أن تُصلّى كل صلاة لوحدها من غير جَمْع .

وقال ابن تيمية أيضا : وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الأَرْبَعِ فِي السَّفَرِ عَلَى أَقْوَالٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ صَلاةِ الصُّبْحِ أَرْبَعًا ، وَهَذَا مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ .
وذَكَر أن القول الثاني هو القول بِجواز الوجهين ( القصر والإتمام ) .
ورجّح " أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ ، أَفْضَلُ كَمَا عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ " يعني بذلك تفضيل القصر على الإتمام لإمام أو منفرد .

6= فَهِم ابن عمر من القصر إرادة التخفيف ، فلذلك كان لا يُتِمّ ولا يُصلي السنن الرواتب عدا رتبة الفجر ، وهي السنة للمسافر .
بل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه تخفيف القراءة في صلاة الفجر في السفر .
ففي الصحيحين من حديث البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقرأ في العشاء في إحدى الركعتين بالتين والزيتون .
وبوّب عليه أبو داود : " باب قصر قراءة الصلاة في السفر " .

وروى عبد الرزاق في " باب ما يقرأ في الصبح في السفر " من طريق المعرور بن سويد قال : كنت مع عمر بين مكة والمدينة فصلى بنا الفجر فقرأ (ألم تر كيف فعل ربك) و (لئيلاف قريش) .
ورواه سعيد بن منصور في سننه من طريق المعرور بن سويد قال : خرجنا معه [ يعني مع عُمر ] في حجة حَجَّها ، فقرأ بنا في الفجر بـ ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) و ( لإِيلافِ قُرَيْشٍ ) في الثانية .

وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : كُنْتُ أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ فِي السَّفَرِ ، فَقَالَ لِي : يَا عُقْبَةُ ! أَلا أُعَلِّمُكَ خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتَا ؟ فَعَلَّمَنِي قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . قَالَ : فَلَمْ يَرَنِي سُرِرْتُ بِهِمَا جِدًّا ، فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ صَلَّى بِهِمَا صَلاةَ الصُّبْحِ لِلنَّاسِ ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّلاةِ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ : يَا عُقْبَةُ كَيْفَ رَأَيْتَ ؟ رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي . وصححه الألباني والأرنؤوط .

7= لو عَزَم المسافر على السَّفر ، ثم رَكِب مِن بَلَدِه فَـنُودِي للصَّلاة وأُذِّن لها وهو في البَلَد ، ثم فَارَق العُمْرَان ، فكيف يُصلي ؟
جُمهور أهل العِلْم على أنه يُصلي صلاة مسافر ، سواء كان يَرى عامِر البلد أوْ لا يَراه ، إذا كان قد فارَق العُمران . لأن العِبْرَة بالأداء ، وهو يُؤدِّيها أداء مُسافِر .
فعن أنس رضي الله عنه قال : صَلَّيت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أرْبعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين . رواه البخاري ومسلم .
وروى عبد الرزاق من طريق علي بن ربيعة الأسدي قال : خرجنا مع علي رضي الله عنه ونحن ننظر إلى الكوفة ، فصلى ركعتين ، ثم رجع فصلى ركعتين وهو ينظر إلى القَرية ، فقلنا له : ألا تُصَلي أربعا ؟ قال : حتى ندخلها .
ورَوى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يَقْصر الصلاة حين يخرج من بُيوت المدينة ، ويَقْصر إذا رَجع حتى يَدخل بيوتها .
قال الإمام مالك : لا يَقصر الصلاة الذي يريد السفر حتى يخرج من بيوت القرية ، ولا يُتِمّ حتى يدخلها أو يُقَارِبها .
قال ابن عبد البر رحمه الله : وهو مذهب جماعة العلماء إلاَّ من شـذّ .
وقال : فإذا تأهّب المسافر وخرج من حَضَرِه عازما على سَفَرِه فهو مُسافر ، ومن كان مُسَافِرًا فَلَه أن يُفطر ويقصر الصلاة إن شاء .

8= حُجّة من قال بأن نهاية السفر أربعة أيام ؛ هي أن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا قدِم مكة حاجا أقام فيها ثلاثة أيام يقصر ، ثم خرج في اليوم الرابع إلى منى .
والاستدلال بفعله هذا عليه الصلاة والسلام مُتعقّب من عِدّة وُجوه :

الوجه الأول : أن هذا حكاية فِعْل ، ولا يُمكن الاستدلال بها على انقطاع أحكام السفر .

الوجه الثاني : أن الاستدلال بفعله هذا بناء على ظَنّ ! والظنّ لا يُغني من الحق شيئا ! وذلك أنهم قالوا : لو أقام بمكة أكثر من أربعة أيام أتَمّ ! وهذا مُتعقّب بـ :

الوجه الثالث : أن القول بأنه عليه الصلاة والسلام لو أقام بمكة أكثر من أربعة أيام قصر أوْلَى من القول بِضِدِّه ، وهو أنه لو أقام بمكة أكثر أربعة أيام أتمّ ، وذلك لأنه لا يصِحّ أنه عليه الصلاة والسلام أتَمّ في سفره ، ولو كان عليه الصلاة والسلام يُتِمّ في سفره لكان الحَمْل على ذلك له وَجْه .
فتعيَّن أنه لو أقام بمكة أكثر من أربعة أيام لَقَصَر ؛ لأنه متوافق مع سائر أسفاره ، فقد سافر عليه الصلاة والسلام وأقام بمكة عام الفتح تسعة عشر يوما .
ففي حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ . رواه البخاري .

وقال أنس رضي الله عنه : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة ، فكان يُصلي ركعتين ركعتين ، حتى رجعنا إلى المدينة . قال يحيى بن أبي إسحاق : قلت : أقمتم بمكة شيئا ؟ قال : أقمنا بها عشرا . رواه البخاري ومسلم .

وروى الإمام مالك عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان إذا قدم مكة صلّى بهم ركعتين ، ثم يقول : يا أهل مكة أتموا صلاتكم ، فإنا قوم سَفْر . ومن طريقه رواه البيهقي .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
فإن رسول الله كان يسافر أسفاراً كثيرة ، قد اعتمر ثلاث عُمر سوى عمرة حجته ، وحجّ حجة الوداع ومعه ألوف مُؤلّفة ، وغَزا أكثر من عشرين غَزاة ، ولم يَنقل عنه أحدٌ قط أنه صلى في السفر لا جمعة ولا عيدا ، بل كان يصلي ركعتين ركعتين في جميع أسفاره ، ويوم الجمعة يُصلي ركعتين كسائر الأيام . اهـ .

الوجه الرابع : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُبيِّن لأصحابه إذا أقاموا أكثر من أربعة أيام أن يُتِمُّوا ، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .

الوجه الخامس : أن الإقامة مُمتنِعة في حقِّه صلى الله عليه وسلم بمكة وفي حق المهاجرين .
قال ابن عبد البر : ليس مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة إذ دخلها لحجته بإقامة ؛ لأنها ليست له بدار إقامة ولا بِمَلاذ ، ولا لِمُهَاجِريّ أن يتخذها دار إقامة ولا وطن ، وإنما كان مقامه بمكة إلى يوم التروية كمقام المسافر في حاجة يقضيها في سفر منصرفا إلى أهله ، فهو مقام مَن لا نِـيَّـة له في الإقامة ، ومن كان هذا فلا خلاف أنه في حُكم المسافر يقصر ، فلم يَنوِ النبي صلى الله عليه وسلم بمكة إقامة . اهـ .

الوجه السادس : أن أقوال العلماء قد تباينت في تحديد مُدّة الإقامة ؛ فروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله : ونحن نقصر ما بيننا وبين تسع عشرة فإذا زدنا أتممنا .
ورُوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : إذا أقام عشرة أيام أتم . ذَكَره ابن عبد البر .
وتقدّم قول أنس رضي الله عنه : أقمنا بها عشرا . رواه البخاري ومسلم .

و ذَكَر ابن عبد البر في تحديد مدّة الإقامة أحد عشر قولا .

الوجه السابع : أنهم اعتبروا خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى منى انقطاعا لإقامته عليه الصلاة والسلام – لو صحّ اعتبارها إقامة – ومعلوم أنهم لا يقولون بِأن ما بين مكة ومِنى يُعتبر سفرا ، فإن مِنى في حُكم مكة ، وهي تابعة لها ، ولذلك اعتبر أنس رضي الله عنه إقامته صلى الله عليه وسلم في حجته عشرة أيام ، وهي مدة إقامته في حجة الوداع ، ففي رواية لِمُسْلِم من طريق يحيى بن أبي إسحاق قال : سمعت أنس بن مالك يقول: خرجنا من المدينة إلى الحج - ثم ذكر مثله - .
ويعني بِمثلِه : قلت : كم أقام بمكة ؟ قال : عشرا .
فهذا يُبيّن أن أنسا رضي الله عنه اعتبر إقامة النبي صلى الله عليه وسلم في حجته كلها بِمكة ؛ لأن منى تابعة لِمكة .

والأقوال في المسألة يجمعها ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن القصر ثلاث أيام أو أربعة ، فمن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام أتَمّ .
القول الثاني : يُقابل هذا القول ، وهو أن من سافر فإن له أن يقصر مهما طل سفره !
والقول الثالث : هو التوسّط بين الفريقين : أن له أن يقصر ما دام مُسافرا ، ما لم ينوِ الإقامة .


والله تعالى أعلم .

 

عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية