صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث 144 في وقت صلاة الجمعة

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

 
- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ – رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةَ , ثُمَّ نَنْصَرِفُ ، وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ .
وَفِي لَفْظٍ : كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ , ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ .

فيه مسائل :

1 = قول المصنف : " وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ " ، أي : مِن أهل بيعة الرضوان ، وهي التي قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن أصحابها : لا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا . رواه مسلم .
وعن يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَال : قُلْتُ لِسَلَمَةَ : عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ؟ قَال : عَلَى الْمَوْتِ . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن حجر : أول مشاهده الحديبية ، وكان من الشجعان ، ويَسبق الفَرَس عَدْوًا ، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم عند الشجرة على الموت . اهـ .

وسلمة بن الأكوع رضي الله عنه منسوب إلى جدّه .
واسم أبيه : عمرو ، واسم الأكوع : سِنان بن عبد الله . واخْتُلِف في صُحبة جدّه .

2 = معنى الظِّل ، والفرق بينه وبين الفيء ؟

قال القاضي عياض : والفيء مهموزا : ما كان شَمْسًا فَنَسَخه الظل ، والظل ما لم تَغْشَه الشمس .
وأصل الفيء الرجوع ، أي : ما رَجَع مِن الظل مِن جِهة المغرب إلى المشرق .
قالوا : والظل ما قبل الزوال ممتدًّا مِن المشرق إلى المغرب على ما لم تطلع عليه الشمس قَبْل . والفيء ما بعد الزوال ؛ لأنه يَرْجِع مِن جهة المغرب إلى المشرق إلى ما كانت عليه الشمس قَبْل . اهـ .

وقال ابن منظور : الفَيْءُ ما كان شَمْسًا فَنَسَخَه الظِّلُّ ، والجمع : أَفْياء ، وفُيُوء .
وفي الصحاح : الفَيْءُ ما بعد الزَّوالِ مِن الظلِّ .
قال : وإِنما سمي الظلُّ فيئاً لرُجُوعه مِن جانِب إِلى جانِب .
قال ابن السِّكِّيت : الظِّلُّ ما نَسَخَتْه الشمسُ ، والفَيْءُ ما نَسَخَ الشمسَ .
وتَفَيُّؤُ الظِّلالِ : رجُوعُها بعدَ انتصاف النهار . اهـ .

3 = الحيطان : الجدران ، جَمْع حائط .

4 = تتبّع الظِّل ليس مِن الـتَّرَفُّه المذموم .

5 = أكثر أهل العلم على أن وقت الجمعة هو وقت الظهر .
قال ابن عبد البر : وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار الذين تدور الفتوى عليهم كلهم يقول إن الجمعة لا تصلى إلا بعد الزوال .
إلا أن أحمد بن حنبل قال : من صلى قبل الزوال لم أعِبه .
قال أبو بكر بن أثرم : قلت لأحمد بن حنبل : يا أبا عبد الله ما ترى في صلاة الجمعة قبل الزوال ؟ فقال : فيها من الاختلاف ما علمت . اهـ .
وقال النووي : قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ : لا تَجُوز الْجُمُعَة إِلاّ بَعْد زَوَال الشَّمْس ، وَلَمْ يُخَالِف فِي هَذَا إِلاّ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَإِسْحَاق ، فَجَّوَزَاهَا قَبْل الزَّوَال . اهـ .

6 = هل في هذا الحديث دلالة على وقت الجمعة ؟ وأنه بعد الزوال ؟
ومثله ما جاء في حديث أنس رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ . رواه البخاري .
الجواب : لا . لأنه إخبار عن وقوع صلاة الجمعة بعد الزوال ، وليس فيه نفي وقوعها قبل الزوال .
والدليل حديث جابر رضي الله عنه قال : كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنُرِيحُ نَوَاضِحَنَا . قَالَ حَسَنٌ : فَقُلْتُ لِجَعْفَرٍ : فِي أَيِّ سَاعَةٍ تِلْكَ ؟ قَالَ : زَوَالَ الشَّمْسِ . رواه مسلم .
وفي رواية لمسلم من طريق جَعْفَرٍ بن محمد عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ : مَتَى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ؟ قَالَ : كَانَ يُصَلِّي ثُمَّ نَذْهَبُ إِلَى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا
زَادَ عَبْدُ اللَّهِ [ أي : الدارمي ] فِي حَدِيثِهِ : حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ ، يَعْنِي : النَّوَاضِحَ .

ومما استُدِلّ به ما جاء عن الصحابة من آثار ، ومنها :
قول أَنَس رضي الله عنه : كُنَّا نُبَكِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ ثُمَّ نَقِيلُ .
وقول سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا كُنَّا نَتَغَدَّى وَلا نَقِيلُ إِلاّ بَعْدَ الْجُمُعَةِ . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن قيتبة : لا يُسمى غداء ولا قائلة بعد الزوال . اهـ .

روى عبد الرزاق من طريق ثابت بن الحجاج عن عبد الله بن سيدان قال : شهدت الجمعة مع أبي بكر فقضى صلاته وخطبته قبل نصف النهار ، ثم شهدت الجمعة مع عمر فقضى صلاته وخطبته مع زوال الشمس .

وفي رواية ابن أبي شيبة : قال : شهدت الجمعة مع أبي بكر الصديق ، فكانت خطبة وصلاته قبل نصف النهار ، ثم شهدنا مع عمر ، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول تنصّف النهار ، ثم شهدنا مع عثمان فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول زال النهار ؛ فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره .

وروى الإمام مَالِك عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَال : كُنْتُ أَرَى طِنْفِسَةً لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تُطْرَحُ إِلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ ، فَإِذَا غَشِيَ الطِّنْفِسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ ، خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَصَلَّى الْجُمُعَةَ . قَالَ مَالِك : ثُمَّ نَرْجِعُ بَعْدَ صَلاةِ الْجُمُعَةِ فَنَقِيلُ قَائِلَةَ الضَّحَى .
قال ابن حزم : هذا يُوجب أن صلاة عمر رضي الله عنه الجمعة كانت قبل الزوال ؛ لأن ظل الجدار ما دام في الغرب منه شيء فهو قبل الزوال ، فإذا زالت الشمس صار الظل في الجانب الشرقي ولا بُدّ . اهـ .

وروى عبد الرزاق من طريق يزيد بن هرمز قال : أخبرني أبان بن عثمان قال : كنا نصلي الجمعة مع عثمان فنرجع فنقيل .
وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق محمد بن سعد الأنصاري عن أبيه قال : كنا نُجَمِّع مع عثمان بن عفان ، ثم نرجع فنقيل .

وروى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن سلمة قال : صلى بنا عبد الله الجمعة ضُحىً ، وقال : خشيت عليكم الحر .
وروى أيضا عن سعيد بن سويد قال : صلى بنا معاوية الجمعة ضُحىً .

قال ابن قدامة : وكذلك رُوي عن ابن مسعود وجابر وسعيد ومعاوية أنهم صَلّوا قبل الزوال ، وأحاديثهم تَدُلّ على أن النبي صلى الله عليه و سلم فعلها بعد الزوال في كثير من أوقاته ، لا خلاف في جوازه ، وأنه الأفضل والأَوْلى ، وأحاديثنا تدل على جواز فعلها قبل الزوال ، ولا تنافي بينهما . اهـ .
فهذه الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم تدلّ على جواز إيقاع صلاة الجمعة قبل الزوال .
ومما استُدِل به على جواز إيقاع صلاة الجمعة قبل الزوال ، كونها تُجزئ عن صلاة العيد إذا وافق العيد يوم جمعة .
قال عطاء : اجتمع يوم جمعة ويوم فِطر على عهد ابن الزبير ، فقال : عِيدان اجتمعا في يوم واحد ، فجمعهما جميعا ، صلاهما ركعتين بُكرة ، لم يزد عليهما حتى صلى العصر . رواه أبو داود والنسائي . وصححه الألباني .
قال الخطابي : وأما صنيع ابن الزبير فإنه لا يجوز عندي أن يُحْمَل إلاّ على مذهب مَن يرى تقديم صلاة الجمعة قبل الزوال . وقد رُوي ذلك عن ابن مسعود .
ورُوي عن أبي عباس أنه بلغه فعل ابن الزبير فقال : أصاب السنة . اهـ .

وأعدل الأقوال : أن ما قبل الزوال وقت جواز ، وما بعد الزوال وقت وُجوب .

7 = معنى " نُجمِّع " أي : نُصلّي الجمعة .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية