اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/omdah/152.htm?print_it=1

شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث 154 في الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء وتحويل الرداء

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيِّ رضي الله عنه قَالَ : خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِي , فَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو , وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ , ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ , جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ .
وَفِي لَفْظٍ : " إلَى الْمُصَلَّى " .

فيه مسائل :

1 = انفرد البخاري بِذِكْر الجهر بالقراءة .
قال النووي : وليس في روايتهما " وَرَفع يديه " ولا في رواية مسلم " الجهر بالقراءة " ، وهو ثابت في رواية البخاري . اهـ .

2 = قوله : " خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِي " دليل على أن السنة في صلاة الاستسقاء أن تكون في المصلّى ، أو في الصحراء .
قال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن الخروج للاستسقاء والبُرُوز عن الْمِصْر والقَرية إلى الله عز وجل بالدعاء والضراعة في نُزول الغيث عند احتياجه سُـنَّة مَسنونة ، سَنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعَمِلَها الخلفاء بعده . واختلفوا في الاستسقاء في الصلاة . اهـ .

3 = التواعد لِصلاة الاستسقاء كافٍ عن النداء ، فلا يُشرَع لها نداء .
قال ابن قدامة : وَلا يُسَنُّ لَهَا أَذَانٌ وَلا إقَامَةٌ . وَلا نَعْلَمُ فِيهِ خِلافًا .

4 = ثبوت سُنة الاستسقاء عند الحاجة إلى سُقيا المطر .
قال ابن قدامة : صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة ثابتة بِسُنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وخلفائه رضي الله عنهم . اهـ .

5 = خُروج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي بالناس وعَمَل الخلفاء مِن بَعْدِه دالّ على أن الاستسقاء يكون بإذن الإمام .
قال ابن بطال في شرح حديث استسقاء عمر رضي الله عنه : فيه : أن الخروج إلى الاستسقاء والاجتماع والبروز لا يكون إلاَّ بإذن الإمام ، وهذه سُنن الأمم السالفة ، قال الله تعالى : (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ) ، وأما الدعاء في أعقاب الصلوات في الاستسقاء ؛ فَجائز بِغير إذن الإمام . اهـ .
وجوّز الإمام الشافعي أن يكون بِغير إذنه قياسا على الصلوات المفروضة .

6 = صِفَة الخروج :
قال إسحاق بن عبد الله بن كنانة : أرسلني الوليد بن عقبة وهو أمير المدينة إلى ابن عباس أسأله عن استسقاء رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فأتيته ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم خَرج مُتَبَذِّلاً مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا حتى أتى الْمُصَلَّى فلم يخطب خُطبتكم هذه ، ولكن لم يَزل في الدعاء والتضرع والتكبير ، وصلى ركعتين كما كان يُصَلِّي في العيد . رواه أبو داود والترمذي والنسائي ، وقال الترمذي : وهو قول الشافعي قال : يُصَلِّي صلاة الاستسقاء نحو صلاة العيدين ، يُكَبِّر في الركعة الأولى سَبْعًا ، وفي الثانية خَمْسًا ، واحتجّ بحديث ابن عباس .
قال الترمذي : وَرُوي عن مالك بن أنس أنه قال : لا يُكَبِّر في صلاة الاستسقاء كما يُكَبِّر في صلاة العيدين . اهـ .
وذَكَر ابن قدامة في " المغني " وابن رجب في " فتح الباري " الخلاف في صِفة التكبيرات ، فلتُراجَع .

7 = اخْتُلِف في تقديم الصلاة على الدعاء ، والعكس .
وفي " الموطأ " : سُئِلَ مَالِك عَنْ صَلاةِ الاسْتِسْقَاءِ كَمْ هِيَ ؟ فَقَالَ : رَكْعَتَانِ ، وَلَكِنْ يَبْدَأُ الإِمَامُ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ يَخْطُبُ قَائِمًا وَيَدْعُو وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ حِينَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ ، وَيَجْهَرُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِالْقِرَاءَةِ ، وَإِذَا حَوَّلَ رِدَاءَهُ جَعَلَ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ ، وَالَّذِي عَلَى شِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ ، وَيُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ إِذَا حَوَّلَ الإِمَامُ رِدَاءَهُ ، وَيَسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ وَهُمْ قُعُود . اهـ .
قال ابن عبد البر عن حديث صَلاةِ الاسْتِسْقَاءِ : ومِن أحسن الناس سِياقة لهذا الحديث الزهري ... ثم روى بإسناده إلى عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه أن رسول الله خرج يستسقي فاستقبل القبلة ، فَصَلَّى بهم ركعتين ، جَهَر فيهما بالقراءة ، وحَوَّل رِدَاءه ، ورفع يديه واستسقى ، واستقبل القبلة .

8 = واخْتَلَفُوا : هل يكون الاستسقاء مِن غير صلاة ؟
رَوى عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق مُطَرِّف عن الشعبي أن عُمر رضي الله عنه خرج يستسقي بالناس فما زاد على الاستغفار حتى رجع ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ما رأيناك استسقيت ! قال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يُسْتَنْزَل بها المطر: ، ثم قرأ : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) .

قال ابن قدامة : لا نعلم بين القائلين بِصلاة الاستسقاء خِلافا في أنها ركعتان ، واختلفت الرواية في صفتها . اهـ .
وهذا محمول على صلاة الاستسقاء إذا صُلِّيَت .

ويصحّ الاستسقاء مِن غير صلاة ، كما سيأتي في حديث أنس رضي الله عنه .

9 = أنواع الاستسقاء :
قال الشافعي في الأم : ويَسْتَسْقِي الإمام بغير صلاة ، مثل أن يَسْتَسْقِي بِصلاة ، وبَعد خطبته وصَلاته ، وخَلْف صَلاته .
وقال النووي : قال في الأم وأصحابنا : والاستسقاء أنواع :
أدناها : الدعاء بلا صلاة ، ولا خَلْف صلاة ، فُرادى ومجتمعين لذلك ، في مسجد أو غيره ، وأحسنه ما كان مِن أهل الخير .
النوع الثاني : وهو أوسطها ، الدعاء خَلْف صلاة الجمعة أو غيرها مِن الصلوات ، وفى خطبة الجمعة .
الثالث : أفضلها ، وهو الاستسقاء بِصلاة ركعتين وخطبتين وتأهّب لها قبل ذلك . اهـ .

وقال ابن القيم : فَصْل في هديه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء :
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استسقى على وُجوه :
أحدها : يومَ الجمعة على المنبر في أثناء خطبته ...
الوجه الثاني : أنه صَلّى الله عليه وسلم وعد الناسَ يوما يخرجُون فيه إلى المصلَّى ، فخرج لَمَّا طلعت الشمسُ متواضعا ، متبذِّلاً ، متخشِّعا ، مترسِّلاً ، متضِّرعا ...
الوجه الثالث : أنه صَلّى الله عليه وسلم استسقى على منبر المدينة استسقاء مجردًا في غير يوم جمعة ، ولم يُحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الاستسقاء صلاة .
الوجه الرابع : أنه صَلّى الله عليه وسلم استسقى وهو جالس في المسجد ، فرفع يديه ودعا اللَّهَ عز وجل .
الوجه الخامس : أنه صَلّى الله عليه وسلم استسقى عند أحجار الزيت قريبا مِن الزَّوراء ، وهي خارج باب المسجد ، الذي يُدعى اليوم باب السلام ، نحو قَذْفةِ حَجَر ، ينعطفُ عن يمين الخارج مِن المسجد .
الوجه السادس : أنه صَلّى الله عليه وسلم استسقى في بعض غزواته لَمَّا سَبَقه المشركون إلى الماء ، فأصاب المسلمينَ العطشُ ، فشَكَوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ... . اهـ .

10 = مِن آداب الدعاء : استقبال القبلة في الدعاء ، سواء في الاستسقاء أو في عموم الدعاء . وقد دلّت الأدلة الكثيرة على أن السنة استقبال القبلة في الدعاء ، ما عدا الاستسقاء في خُطبة الجمعة ، فإنه يدعو وهو مستدبر القبلة ، كما يأتي في حديث أنس .
وهذا بِخلاف الخطبة والموعظة ، فإن الأصل أن الخطيب يَستقبل الْمُصلِّين ويستدبر القبلة .

11 = متى يُحوِّل رداءه ؟
قال أبو داود : باب في أي وقت يُحَوِّل رداءه إذا استسقى ؟ ثم روى بإسناده إلى عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خَرَج إلى المصلَّى يَستسقي ، وأنه لَمَّا أراد أن يدعو استقبل القبلة ثم حَوَّل رداءه .

12 = كيفية تحويل الرداء ؟
قال ابن عبد البر : قوله في الحديث : " وحَوّل رداءه " يقتضي ما عليه جمهور الفقهاء مِن تحويل ما على اليمين منه على الشمال . اهـ .
وقال القاضي عياض : وتحويله سُنة ، قال بها جمهور العلماء ، وقد أنكر التحويل جملة مَن لم يبلغه هذه السنة . اهـ .
وقال ابن قدامة : وَيُسْتَحَبُّ تَحْوِيلُ الرِّدَاءِ لِلإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .

13 = تحويل الرداء من باب التفاؤل بِتغيّر الحال مِن جَدب وقَحط إلى مَطر وإنبات .
قال ابن قدامة : الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ : التَّفَاؤُلُ بِقَلْبِ الرِّدَاءِ ، لِيَقْلِبَ اللَّهُ مَا بِهِمْ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ .
وقال النووى : قال أصحابنا : لأن التحوّل شُرِع تَفاؤلاً بتغير الحال مِن القَحْط إلى نزول الغيث والخَصب ، ومِن ضِيق الحال إلى سَعته . اهـ .

14 = السنة أن يجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء .
قال أبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وسائر فقهاء الأمصار : صلاة الاستسقاء سُنة ، ركعتان ، يجهر فيهما بالقراءة . نَقَله ابن عبد البر .
وقال ابن رجب : ولا اختلاف بين العلماء الذين يَرَون صلاة الاستسقاء ، أنه يجهر فيها بالقراءة ، وقد تقدم عن عبد الله بن يزيد الخطمي ، أنه فعله بِمَشْهَد مِن الصحابة .
وأكثر العلماء على أنه يَقرأ فيهما بما يَقرأ في العيدين ، وهو قول الثوري ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم . اهـ .

15 = هل يُخرَج المنبر لصلاة الاستقساء ؟
قال البخاري : بَاب الدُّعَاءِ فِي الاسْتِسْقَاءِ قَائِمًا . وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ : خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الأَنْصَارِيُّ وَخَرَجَ مَعَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَاسْتَسْقَى ، فَقَامَ بِهِمْ عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مِنْبَرٍ ، فَاسْتَغْفَرَ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ ، وَلَمْ يُؤَذِّنْ وَلَمْ يُقِمْ .

وروى أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قُحُوط المطر ، فأمَرَ بِمِنْبَر ، فَوُضِع له في الْمُصَلَّى ، ووَعَد الناس يوما يَخرجون فيه ، قالت عائشة : فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بدأ حاجِب الشمس ، فَقَعَد على المنبر فكبّر صلى الله عليه وسلم ، وحَمِد الله عز وجل ، ثم قال : إنكم شكوتم جَدْب دياركم ، واستئخار المطر عن إبّان زمانه عنكم ، وقد أمَركم الله عز وجل أن تدعوه ، ووعدكم أن يَستجيب لكم ، ثم قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين ، لا إله إلاّ الله يفعل ما يُريد ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ، واجعل ما أنزلتَ لنا قُوة وبلاغًا إلى حين ، ثم رفع يديه فلم يَزل في الرَّفع حتى بَدَا بياض إبطيه ، ثم حول إلى الناس ظَهره وقَلَب - أو حَوَّل - رداءه وهو رافع يديه ، ثم أقبل على الناس ونَزل ، فصلى ركعتين ، فأنشأ الله سحابة فَرَعَدت وبَرقت ثم أمطرت بإذن الله ، فلم يأتِ مسجده حتى سَالَتِ السيول ، فلما رأى سرعتهم إلى الكِنّ ضَحِك صلى الله عليه و سلم حتى بدت نواجذه ، فقال : أشهد أن الله على كل شيء قدير ، وأني عبد الله ورسوله .
قال أبو داود : وهذا حديث غريب إسناده جيد .
قال النووي : حديث عائشة صحيح ؛ رواه أبو داود بإسناد صحيح ، وقال : هو إسناد جيد . ورواه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح علي شرط البخاري ومسلم . اهـ .
وحسّنه الألباني .
وروى ابن أبي شيبة مِن طريق مُطَرِّف عن الشعبي أن عُمر رضي الله عنه خرج يستسقي فصعد المنبر .

قال الشوكاني : قوله : " فأمر بِمِنْبَر الخ " فيه استحباب الصعود على المنبر لخطبة الاستسقاء . اهـ .
والْجَمْع بين الأمرين : إخراج المنبر وعدمه : يَعني وُجود سَعة في الأمر ، فمن أخرج المنبر فلِفِعْلِه أصل ، ومن لم يفعل فلَه سَلَف .

16 = ومَن أخرج المنبر هل يُشْرَع له الجلوس عليه ؟
قال ابن قدامة : الإِمَامَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ جَلَسَ ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَجْلِسْ ; لأَنَّ الْجُلُوسَ لَمْ يُنْقَلْ ، وَلا هَاهُنَا أَذَانٌ لِيَجْلِسَ فِي وَقْتِهِ ، ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً ، يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ . وَبِهَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ .

17 = هل يخطب للاستسقاء ؟
تقدم قول ابن عباس رضي الله عنهما : " فلم يخطب خطبتكم هذه " ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها : " فَقَعَد على المنبر فكبّر صلى الله عليه و سلم ، وحَمِد الله عز وجل ..."
قال ابن قدامة : قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ كَخُطْبَتَيْ الْعِيدَيْنِ ; لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَنَعَ فِي الْعِيدِ ...
وَلَنَا ، قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ : لَمْ يَخْطُبْ كَخُطْبَتِكُمْ هَذِهِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا فَصَلَ بَيْنَ ذَلِكَ بِسُكُوتٍ وَلَا جُلُوسٍ . وَلأَنَّ كُلَّ مَنْ نَقَلَ الْخُطْبَةَ لَمْ يَنْقُلْ خُطْبَتَيْنِ ، وَلأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ دُعَاءُ اللَّهِ تَعَالَى لِيُغِيثَهُمْ ، وَلا أَثَرَ لِكَوْنِهَا خُطْبَتَيْنِ فِي ذَلِكَ ، وَالصَّحِيحُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ . وَلَوْ كَانَ النَّقْلُ كَمَا ذَكَرُوهُ ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلاةِ ، بِدَلِيلِ أَوَّلِ الْحَدِيثِ .
وقال : اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي الْخُطْبَةِ لِلاسْتِسْقَاءِ ، وَفِي وَقْتِهَا ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ فِيهَا خُطْبَةً بَعْدَ الصَّلاةِ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : اتَّفَقُوا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ فِي صَلاةِ الاسْتِسْقَاءِ خُطْبَةً ، وَصُعُودًا عَلَى الْمِنْبَرِ . وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا بَعْدَ الصَّلاةِ .
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ . قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ ; لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ : صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ خَطَبَنَا . وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : صَنَعَ فِي الاسْتِسْقَاءِ كَمَا صَنَعَ فِي الْعِيدَيْنِ . اهـ .

وقال الزيلعي عن قول ابن عباس : مَفْهُومُهُ أَنَّهُ خَطَبَ ، لَكِنَّهُ لَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَيْنِ ، كَمَا يَفْعَلُ فِي الْجُمُعَةِ ، وَلَكِنَّهُ خَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً ، فَلِذَلِكَ نَفَى النَّوْعَ ، وَلَمْ يَنْفِ الْجِنْسَ ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ . اهـ .
وقال العظيم آبادي في " عون المعبود " : إنما نَفَى وُقوع خُطبة منه صلى الله عليه و سلم مُشابهة لخطبة المخاطَبِين ، ولم يَنْفِ وُقوع مُطلق الخطبة منه على ذلك ، فلا يصح التمسك به لعدم مشروعية الخطبة . اهـ .
ومن هنا اخْتَلَف العلماء ؛ فقال الشَّافِعِيُّ : الْخُطْبَةُ تُسَنُّ فِي الاسْتِسْقَاءِ ، وَقَالَ أَحْمَدُ : لا تُسَنُّ . نقله الزيلعي .
وعلى كُلّ فالمقصود أنها ليست خُطبة راتبة ، وإنما هي مَوعظة ، مثل ما تقدّم في خطبة الكسوف .

وبالله التوفيق .
 

عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية