صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث 158 في صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنهما قَالَ : شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ الْخَوْفِ فَصَفّنَا صَفَّيْنِ ، صفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ , وَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا , ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا , ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا , ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ , وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ , فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ , وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ : انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ , وَقَامُوا , ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ , وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ , ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَكَعْنَا جَمِيعًا , ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا , ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ - الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى - فَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ , فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ : انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ , فَسَجَدُوا ، ثُمَّ سَلَّمَ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا , قَالَ جَابِرٌ : كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلاءِ بِأُمَرَائِهِمْ .
وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بِتَمَامِهِ . وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ طَرَفًا مِنْهُ : وَأَنَّهُ صَلَّى صَلاةَ الْخَوْفِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَزْوَةِ السَّابِعَةِ , غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ .

فيه مسائل :

1= في رواية لمسلم : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من جهينة ، فقاتلونا قتالا شديدا ، فلما صلينا الظهر قال المشركون : لو مِلنا عليهم مَيلة لاقتطعناهم ، فأخبر جبريلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، فذكر ذلك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : وقالوا : إنه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد ، فلما حضرت العصر قال : صَفّنا صَفّين ، والمشركون بيننا وبين القبلة ، قال : فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبّرنا ، وركع فركعنا ، ثم سجد ، وسجد معه الصف الأول ، فلما قاموا سجد الصف الثاني ، ثم تأخر الصف الأول ، وتقدم الصف الثاني ، فقاموا مقام الأول ، فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكبّرنا ، وركع ، فركعنا ، ثم سجد وسجد معه الصف الأول ، وقام الثاني ، فلما سجد الصف الثاني ، ثم جلسوا جميعا ، سلم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2= وفي رواية لمسلم من طريق أبي سلمة ، عن جابر ، قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع ، قال : كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعلَّق بشجرة ، فأخذ سيف نبي الله صلى الله عليه وسلم فاخترطه ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتخافني ؟ قال : لا ، قال : فمن يمنعك مني ؟ قال : الله يمنعني منك ، قال : فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغمد السيف ، وعَلّقه ، قال : فنودي بالصلاة ، فصلى بطائفة ركعتين ، ثم تأخروا ، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين ، قال : فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات ، وللقوم ركعتان .

3= ذِكْر الأذان والإقامة مطويّ في هذه الرواية .
وفي الرواية السابقة لِمُسْلِم : فنودي بالصلاة ، فصلى بطائفة ركعتين .
قال ابن رجب : في الحديث: دليل على أن صلاة الخوف يُنادي لها بالأذان والإقامة كصلاة الأمْن ، ولا أعلم في هذا خلافا إلاّ ما حكاه أصحاب سفيان الثوري في كتبهم عنه ، أنه قال : ليس في صلاة الخوف أذان ولا إقامة في حضر ولا سفر .

4= هذه صِفَة مِن صِفات صلاة الخوف .
قال الخطابي: صلاة الخوف أنواع صلاّها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة وأشكال متباينة ، يُتوخّى فيها كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة .
وقال النووي : وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْره وُجُوهًا أُخَر فِي صَلاة الْخَوْف بِحَيْثُ يَبْلُغ مَجْمُوعهَا سِتَّة عَشَرَ وَجْهًا . وَذَكَرَ اِبْن الْقَصَّار الْمَالِكِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاّهَا فِي عَشْرَة مَوَاطِن . وَالْمُخْتَار أَنَّ هَذِهِ الأَوْجُه كُلّهَا جَائِزَة بِحَسَبِ مَوَاطِنهَا . ( وسبق هذا في شرح حديث ابن عمر ).

5= هذه الصفة إذا كان العدو في جهة القِبَلة .
قال ابن رجب : والصلاة بهذه الصفة والعدو في جهة القبلة إذا لم يُخش لهم كمين حَسن ؛ فإن أكثر ما فيها تأخّر كل صفّ عن متابعة الإمام في السجدتين وقضاؤهما في الحال قبل سلامه ، وتكون الحراسة في السجود خاصة ، وهذا قول الشافعي وأصحابه .
وقال الصنعاني : الحديث دليل على أنه إذا كان العدو في جهة القبلة فإنه يُخَالِف ما إذا لم يكن كذلك ، فإنها تُمْكن الحراسة مع دخولهم جميعا في الصلاة ، وذلك أن الحاجة إلى الحراسة إنما تكون في حال السجود فقط ، فيتابعون الإمام في القيام والركوع ، ويَحرس الصف المؤخر في حال السجدتين ، بأن يتركوا المتابعة للإمام ثم يسجدون عند قيام الصف الأول ، ويتقدم المؤخَّر إلى مَحل الصف المقدَّم ، ويتأخر المقدَّم لِيُتَابِع المؤخَّر الإمام في السجدتين الأخيرتين ؛ فيصح مع كل مِن الطائفتين المتابعة في سجدتين .
والحديث يدل أنها لا تكون الحراسة إلاّ حال السجود فقط دون حال الركوع ؛ لأن حال الركوع لا يمتنع معه إدراك أحوال العدو ، وهذه الكيفية لا تُوافِق ظاهر الآية ، ولا توافق الرواية الأولى عن صالح بن خوات ، ولا رواية ابن عمر إلاَّ أنه قد يُقال : إنها تَختلف الصفات باختلاف الأحوال .

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بِذي قَرَد - أرض مِن أرض بني سليم - فصَفّ الناس خلفه صفّين ، صف موازي العدو ، وصفّ خلفه ، فصلى بالصف الذي يليه ركعة ، ثم نكص هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ، وهؤلاء إلى مصاف هؤلاء، فصلى بهم ركعة أخرى . رواه الإمام أحمد والنسائي .

6= " انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ " قال ابن دقيق العيد : المراد بالسجود الذي سَجَده النبي صلى الله عليه وسلم وسَجَد معه الصف الذي يليه هو السجدتان جميعًا .

7= هل تجوز صلاة الخوف بركعة واحدة ؟
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم على المسافر ركعتين ، وعلى المقيم أربعا ، وفى الخوف ركعة . رواه مسلم .
وقال صهيب الفقير : سألت جابر بن عبد الله عن الركعتين في السفر أقَصْرٌ هُمَا ؟ قال جابر: إن الركعتين في السفر ليستا بَقَصر ، إنما القصر ركعة عند القتال . رواه ابن المبارك في " الجهاد " وأبو داود الطيالسي في مسنده .
ومن العلماء من يُقيِّد ذلك بصلاة الخوف إذا كانت في سَفَر ؛ لقوله تعالى : (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الآية أفادت قَصْر العَدد وقصر العَمل جميعا ؛ ولهذا عُلِّق ذلك بالسفر والخوف ، فإذا اجتمع الضَّرْب في الأرض والخوف أُبِيح القصر الجامع لهذا ولهذا ، وإذا انفرد السفر فإنما يُبيح قصر العدد ، وإذا انفرد الخوف فإنما يفيد قَصر العمل . ومن قال : إن الفرض في الخوف والسفر ركعة - كأحد القولين في مذهب أحمد وهو مذهب ابن حزم - فَمُرَاده إذا كان خوفٌ وسَفَر . فيكون السفر والخوف قد أفادا القصر إلى ركعة . اهـ .
وقال ابن رجب :
وقد أجاز الإمام أحمد وإسحاق وأبو خيثمة وابن أبي شيبة وابن جرير وجماعة من الشافعية صلاة الخوف على كل وَجه صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن رجّحوا بعض الوجوه على بعض .
وأما صلاة الخوف ركعة ، فيأتي الكلام عليه فيما بعد ... وظاهر كلام البخاري: أنه يجوز .
وقد نَقَل الترمذي عنه [أي : الإمام البخاري] في " العلل " ، أنه قال: كل الروايات في صلاة الخوف عندي صحيح، وكُلّ يُسْتَعْمَل ، وإنما هو على قدر الخوف ، إلاّ حديث مجاهد عن أبي عياش ، فإني أراه مُرْسَلا .
وهذا يدل على أنه يُسْتَعْمَل كُلّ وَجه مِن وُجوه صلاة الخوف على قدر ما تقتضيه حال الخوف ، ويكون ذلك الوجه أصلح له . اهـ .
وقال ابن الملقِّن : وقال جماعة من الصحابة والسلف: يصلي في الخوف ركعة يومئ بها إيماءً .
8= قوله : " فِي الْغَزْوَةِ السَّابِعَةِ , غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ " قال ابن حجر : المراد تاريخ الوقعة ، لا عدد المغازي ، وهذه العبارة أقرب إلى إرادة السَّنة مِن العبارة التي وقعت عند أحمد بلفظ : وكانت صلاة الخوف في السابعة . فإنه يصح أن يكون التقدير : في الغزوة السابعة ، كما يصح : في غزوة السنة السابعة . اهـ .
وقال العيني : وقال الكرماني وغيره : تقديره غزوة السنة السابعة مِن الهجرة ، وهذا التقدير غير صحيح ، لأنه يلزم منه أن تكون غزوة الرقاع بعد خيبر، وليس كذلك .

9= اعْتُرِض على المؤلِّف رحمه الله في قوله : " وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ طَرَفًا مِنْهُ : وَأَنَّهُ صَلَّى صَلاةَ الْخَوْفِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَزْوَةِ السَّابِعَةِ , غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ " بأن البخاري لم يُخرّجه ، ولا شيئا منه .
قال البخاري في باب غزوة ذات الرقاع : وهي غزوة محارب خصفة من بني ثعلبة من غطفان فنَزل نَخلا وهي بعد خيبر ؛ لأن أبا موسى جاء بعد خيبر:
وقال لي عبد الله بن رجاء : أخبرنا عمران القطان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلّى بأصحابه في الخوف في غزوة السابعة غزوة ذات الرقاع .

قال العيني : أبو عبد الله هو البخاري نفسه ، وليس في بعض النسخ ، قال أبو عبد الله : وإنما المذكور في أكثر النسخ : وقال عبد الله بن رجاء ، على أن لفظة " لِي " في رواية أبي ذر فقط ، وعبد الله بن رجاء ضد الخوف الفدّاني البصري سَمِع منه البخاري ، وأما عبد الله بن رجاء المكي فلم يدركه البخاري . اهـ .

فعلى هذا يكون قد رَوى البخاري طَرَفا مِن الحديث .
ولذا قال ابن الملقِّن : وذَكَر البخاري طرفًا منه . اهـ .
فإذا اتفق البخاري ومسلم على رواية الحديث عن صحابي واحد ، وكان المعنى واحدا ؛ كان هذا هو المتّفق عليه .

10= قوله : " كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلاءِ بِأُمَرَائِهِمْ "
هذا يدلّ على أن جابرا رضي الله عنه يَرى أن صلاة الخوف باقية لم تُنسَخ ؛ لأنه يُحدِّث التابعين بهذا ، وإلا فما فائدة أن يُحدِّث بهذا ويرويه جَمْع مِن الصحابة وهو مَنسوخ ؟!
ومما يدلّ على عدم النسخ عَمَل الصحابة رضي الله عنهم ، وصلاتهم صلاة الخوف بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
حدّث ثعلبة بن زَهْدَم الحنظلي قال : كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال : أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ؟ قال : فقال حذيفة : أنا ، فقال سفيان : فَوَصَف مثل حديث ابن عباس وزيد بن ثابت . رواه ابن أبي شيبة والإمام أحمد وأبو داود والنسائي ، وصححه الألباني والأرنؤوط .
وفي رواية ابن أبي شيبة : فقال حذيفة : أنا ، قال : فقام فَصَلّى بالناس .
وفي رواية أبي داود : فقال حذيفة : أنا ، فَصَلَّى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ، ولم يَقْضُوا .

يُضاف إلى ذلك : أن النسخ لا يثبت بمجرّد الاحتمال ، وليس مع من ادّعى النسخ سوى الاحتمال ، والقول بالخصوصية بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وكل هذا مردّه إلى الاحتمال .
ولا يُصار إلى النسخ إلاّ بثلاثة شروط :
أحدها : عدم إمكانية الجمع بين القولين .
الثاني : معرفة المتقدِّم مِن المتأخِّر .
الثالث : تكافؤ الأدلة .

وقد ذَكَر ابن الجوزي في كتابه " المصفى بأكُفّ أهل الرسوخ مِن عِلم الناسخ والمنسوخ " خمسة شروط للقول بالنسخ .

والله تعالى أعلم .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية