صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث الـ 256 في فسخ الحج إلى عمرة

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

 
ح 256

بابُ فَسْخِ الحجِّ إِلى العُمْرَةِ
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَطَلْحَةَ . وَقَدِمَ عَلِيُّ رضي الله عنه مِنْ الْيَمَنِ ، فَقَالَ : أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَأَمَرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ : أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً , فَيَطُوفُوا ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا ، وَيَحِلُّوا , إلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ ، فَقَالُوا : نَنْطَلِقُ إلَى " مِنىً " وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ ؟! فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ , وَلَوْلا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ . وَحَاضَتْ عَائِشَةُ ، فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا , غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ . فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , تَنْطَلِقُونَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ , وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ : أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إلَى التَّنْعِيمِ ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ .

فيه مسائل :

1= قوله : " فَسْخ الحجِّ إِلى العُمْرَةِ " أي : بعد الإحرام والتلبية ، وأما قبل ذلك فلا يترتّب على النية شيء.
وقد أورد المصنّف رحمه الله تحت هذا الباب أحاديث تتعلّق بمسائل مِن مسائل الحج ، وليست خاصة في الباب.

2= المذاهب في فسخ الحج إلى العمرة ثلاثة ، اثنان مُتقابلان وواحد وسط ؛ أما المتقابِلان فـ :
الأول : وُجوب فسخ الحج من الإفراد أو القِران إلى التمتع ، لِمَن لم يسُق الهدي .
والثاني : يحرم فسخ الحج إلى عُمرة .
وأما القول الثالث فـ : استحبابه من غير إيجاب ، وهذا مُقيّد بِما إذا لم يشرع في النُّسُك .
قال النووي :
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْفَسْخ ، هَلْ هُوَ خَاصّ لِلصَّحَابَةِ تِلْكَ السَّنَة خَاصَّة أَمْ بَاقٍ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ؟
فَقَالَ أَحْمَد وَطَائِفَة مِنْ أَهْل الظَّاهِر : لَيْسَ خَاصًّا بَلْ هُوَ بَاقٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ، فَيَجُوز لِكُلِّ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَلَيْسَ مَعَهُ هَدْي أَنْ يَقْلِب إِحْرَامه عُمْرَة وَيَتَحَلَّل بِأَعْمَالِهَا .
وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف : هُوَ مُخْتَصّ بِهِمْ فِي تِلْكَ السَّنَة لا يَجُوز بَعْدهَا ، وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِ تِلْكَ السَّنَة لِيُخَالِفُوا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة مِنْ تَحْرِيم الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ . اهـ . ونَقَل النووي في " المجموع " هذا عن القول عن القاضي عياض .

قال سلمة بن شبيب للإمام أحمد : يا أبا عبد الله كل شيء منك حَسن ، إلاَّ خَصلة واحدة ! تقول بِفَسخ الحج إلى العمرة .
فقال : يا سلمة كان يبلغني عنك أنك أحمق ! وكنت أُدافع عنك ، والآن عَلمت أنك أحمق ! عندي في ذلك بضعة عشر حديثا صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أدَعُها لقولك ؟
قال ابن القيم : وهو قول الحسن وعطاء ومجاهد وعبيد الله بن الحسن ، وكثير من أهل الحديث أو أكثرهم . اهـ .
وقد أطال ابن القيم في تقرير هذه المسألة في حاشيته على سُنن أبي داود .

= قوله : " أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ " يعني : لبّى بالحج مُفرِدًا ، وهذا في أوّل الأمر ، كما تقدّم ، ثم أدخل عليه العُمرة ، فصار قارِنا ، وهذا عكس ما في تبويب المصنف ، ومثله فِعل عائشة رضي الله عنها .

3= جواز تعليق النية في الـنُّسُك ، إلاّ أنه لا بُدّ من تحديد قبل الشروع في أعمال النُّسُك .
قال القرطبي في " الْمُفْهِم " : وأُخِذ منه جواز الإحرام من غير تَعيين ، ثم بعد ذلك يُعيَّن . اهـ .
وهذا مأخوذ من إهلال عليّ رضي الله عنه بِما أهلّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي حديث أبي موس رضي الله عنه قال : قَدِمْتُ على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو مُنيخ بالبطحاء فقال : بم أهللت ؟ قلت : أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه و سلم . قال : هل سُقت مِن هَدي ؟ قلت : لا . قال : فَطُف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حِلّ ، فطفت بالبيت وبالصفا والمروة . رواه مسلم .
قال النووي : فِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا : َوَاز تَعْلِيق الإِحْرَام ؛ فَإِذَا قَالَ : أَحْرَمْت بِإِحْرَامٍ كإِحْرَامِ زَيْد ، صَحَّ إِحْرَامه ، وَكَانَ إِحْرَامه كَإِحْرَامِ زَيْد . اهـ .

4= أمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بِفسْخ الحج إلى عُمرة قبل أن يَطوفوا بالبيت ، وسيأتي مزيد بيان في شرح الحديثين التاليين .

5= " فَقَالُوا : نَنْطَلِقُ إلَى " مِنىً " وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ ؟! " هذا سؤال استرشاد ؛ لأن فِعْلهم ذلك مُتضمّن لِترك الشعث ، ومُقتضيا للترفه ، خاصة وأنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم باقيا على إحرامه .
وسيأتي في حديث ابن عباس أنهم استفسروا عن نوع الْحِلّ .

6= قوله عليه الصلاة والسلام : " لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ " جواز استعمال ( لو ) في مثل هذا الموضع ؛ لأنها في غير تحسّر على ما مضى ، ولا هي مُتضمّنة للاعتراض على الله في قَدَرِه .
وفيه هذا القول : جواز تمنّي الخير ، وهذا كَقَوله تعالى : (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) .

7= قوله عليه الصلاة والسلام : " وَلَوْلا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ " مع ما سبق من قوله : " لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ " بيان لِحاله عليه الصلاة والسلام ، وسبب عدم فسخه الحج إلى عمرة .
ويُستفاد منه : أنه يُشرع للعَالِم أن يُبيّن سبب ما فعله إذا كان له عُذر فيما فَعله .

8= تفضيل التمتّع ، وقد سبق هذا في شرح حديث ابن عباس رضي الله عنهما في " باب التمتّع " .

9= إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الجارية قولها ، حينما قالت : وفينا نَبيّ يَعلم ما في غدٍ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقولي هكذا ، وقولي ما كنت تقولين . رواه البخاري .
وقد قال الله عزَّ وَجَلّ مُخاطِبا نبيَّـه صلى الله عليه وسلم : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) .
قالت عائشة رضي الله عنها : ثلاث مَن حَدَّثَكَهُنّ فقد كَذَب – ثم ذَكَرت منهن – : ومَن زَعم أنه يُخْبِر بما يكون في غَدٍ ، فقد أعظم على الله الفرية ، والله يقول : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللَّهُ) . رواه البخاري ومسلم .

10= " وَحَاضَتْ عَائِشَةُ " ، كان ذلك في سَرِف ، وهو مَوضِع بين مكة والمدينة ، وهو أقرب إلى مكة .
وفي حديث عائشة رضي الله عنها : خَرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلاَّ الحج ، فلما جئنا سَرِف فَطَمِثْتُ ، فَدَخَل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي ! فقال : ما يُبكيك ؟ قلت : لوددت والله أني لم أحج العام . قال : لعلك نَفِسْتِ ؟ قلت : نعم ، قال : فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم ، فافعلي ما يفعل الحاج ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري . رواه البخاري ومسلم .

11= قوله : " فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا , غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ " امتثالاً لأمْر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه أمَرَها أن تصنع ما يصنعه الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت .
فتشهد المشاهِد كلها ، إلاّ الطواف بالكعبة ؛ لأن من شرطه الطهارة من الحديث الأكبر .

12= " فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ " ، كان هذا الطواف بعد الوقوف بِعرفة .
وفي حديث عائشة رضي الله عنها : فأدركني يوم عرفة وأنا حائض ، فشكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : دَعِي عُمرتك ، وانقضي رأسك وامتشطي ، وأهِلِّي بِحَجّ . رواه البخاري ومسلم .

13= تطييب النبي صلى الله عليه وسلم لِخاطر عائشة رضي الله عنها ، وتحقيق رغبتها في رجوعها بِحجّ وعُمرة .

14= فيه أن من اعتمر بعد الحج لا يكون مُتمتِّعا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : وأهِلِّي بِحَجّ .

15= " فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ " الآمِر هو النبي صلى الله عليه وسلم .
وفيه : تلّطف الرجل مع أهل زوجته ، ورفع الكُلفة بينهم .

16= " أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إلَى التَّنْعِيمِ " لأنه أدنى الْحِلّ من جهة طريق المدينة ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نَزَل بالأبطح .
قالت عائشة رضي الله عنها : إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ . يَعْنِي: بِالأَبْطَحِ . رواه البخاري ومسلم .

17= " فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ " عدم اختصاص عائشة رضي الله عنها بذلك ؛ لأن العبرة بِعموم اللفظ لا بِخصوص السبب ، ولأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فلو كانت العمرة لا تجوز لِمن كان في مكة من أهل الآفاق ، لَقَال النبي صلى الله عليه وسلم : ولا تجوز لِغيرك . كما قال لأبي بُردة عن العَنَاق في الأضحية : " ولن تَجْزي عن أحدٍ بعدك " رواه البخاري ومسلم .

18= عُمرة عائشة رضي الله عنها كانت بعد الحج ، ولم يُذكر لها طواف وداع ، فالصحيح أن العمرة لا يلزم لها طواف وداع ، ومن كان آخر عهده بالبيت الطواف – أيًّـا كان ذلك الطواف – أنه لا يَلزمه طواف وداع .

والله أعلم .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية