اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/omdah/248.htm?print_it=1

شرح أحاديث عمدة الأحكام
حديث 179 في تقديم الزكاة ، وسقوط زكاة الوقف

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ رضي الله عنه عَلَى الصَّدَقَةِ . فَقِيلَ : مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ , وَالْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ , إلاَّ أَنْ كَانَ فَقِيراً فَأَغْنَاهُ اللَّهُ ؟ وَأَمَّا خَالِدٌ : فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِداً . وَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . وَأَمَّا الْعَبَّاسُ : فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا . ثُمَّ قَالَ : يَا عُمَرُ , أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ ؟

في الحديث مسائل :

1= جواز بَعث الرجل الفاضل في تحصيل الزكاة . بَعَث رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ رضي الله عنه عَلَى الصَّدَقَةِ .

2= جواز ذِكْر الرجل بِما فيه إذا كان ذلك لِبيان حالِه ، واقْتَضَتْ المصلحة ذلك .

3= ابن جَميل : قال ابن حجر في الإصابة : " عبد الله بن جميل " الذي وقع في الصحيحين في الزكاة . قال عمر : مَنَع العباس بن عبد المطلب وخالد بن الوليد وابن جميل . لم أقِف على اسْمِه إلاَّ في تعليق القاضي حسين ، وتبعه الروياني فَسَمَّيَاه عبد الله . وقد تقدم في الحاء المهملة أن عبد العزيز بن بزيزة المغربي التميمي من شرح الأحكام لِعبد الحق سَمَّاه حميدا ... وحكى المهلّب أنه كان منافقا ثم تاب بعد ذلك . اهـ .

4= هذا هو الصحيح في قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) .
وقد نَقَل غير واحد مِن المفسِّرِين في تفسير هذه الآية ما لا يصِحّ سَنَدًا ولا مَتْنًا في أنّ هذه الآية نَزَلتْ في ثعلبة بن حاطب الأنصاري رضي الله عنه ، وهو مِن أهل بَدْر ، وفضْل أهل بَدْر معلوم .
ويُروى أنه تاب وأناب ، وأراد أن يُؤدِّي زَكاة مالِه وأن يَتَصدَّق ، فلم يُقبَل منه ! وهذا مُخالِف لِمَا جاء في الآية مِن قوله تعالى : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) .
وقد فَـنَّد القصة عَدَاب الْحمش في كتاب له بعنوان : " ثعلبة بن حاطب " الصحابي الْمُفْتَرَى عليه .

والغريب أن جَمْعًا مِن الْمُفسِّرين نَقَلوا القصة الْمَنْسُوبة إلى ثعلبة رضي الله عنه ، وأعْرَضُوا عن هذه القصة الْمُخرَّجة في الصحيحين ، مِن قصّة ابن جميل !

5= قوله : " ما يَنْقِم " بكسر القاف ، أي : ما يُنْكِر ، أو يَكْرَه . قاله ابن حجر .

6= في رواية : " فأغناه الله ورسوله " .

7= قال ابن حجر : وقوله : " فأغناه الله ورسوله " إنما ذَكَر رسول الله صلى الله عليه وسلم نَفْسَه ؛ لأنه كان سببًا لدخوله في الإسلام ، فأصبح غَنيا بعد فَقْره بِما أفاء الله على رَسوله ، وأبَاح لأمته مِن الغنائم .
ويُنسَب العطاء إلى الله ابتداء ، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه قاسِم ، كما قال عليه الصلاة والسلام : إنما أنا قَاسِم والله يُعْطِي . رواه البخاري ومسلم .
وفي آية التوبة : (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ)
فَنُسَب الإعْطَاء إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، بينما في التوكّل لم يُنسَب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل قال : (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ) .

8= قوله : احْتَبَس ، أي : حَبّس أصلها فَجَعلها وقفا .

9= قوله : " احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "
وفي رواية : قد احتبس أدْراعه وأعْبده في سبيل الله .
قال الأزهري : الأعْتد جمع عتاد ، وهو ما أعده الرجل من السلاح والدواب وآلة الحرب ، وتُجْمَع : أعتدة أيضا . نقله ابن الجوزي في " غريب الحديث " .
قال ابن حجر : قوله : " وأعْتده " ... هو ما يُعِدّه الرجل مِن الدواب والسلاح . وقيل : الخيل خاصة .

10= ما حُبس ووُقِف لا زَكاة فيه ، وإن انتْفَع به صاحِبه ؛ لأنه قد حبّس أصله . وإن انتفع به صاحبه .

11= قال النووي : ومعنى الحديث : أنهم طَلبوا مِن خالد زكاة أعتاده ظَنا منهم أنها للتجارة ، وأن الزكاة فيها واجبة ، فقال لهم : لا زكاة لكن عليّ . فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن خالدا منع الزكاة ، فقال لهم : إنكم تظلمونه لأنه حَبسها وَوقفها في سبيل الله قبل الْحَول عليها ، فلا زكاة فيها . ويُحْتَمل أن يكون المراد : لو وَجَبت عليه زكاة لأعطاها ولم يَشُحّ بها ؛ لأنه قد وَقف أمْوَالَه لله تعالى مُتَبَرِّعًا ، فكيف يَشُحّ بِوَاجِب عليه ؟

12= اخْتُلِف : هل هذا في زكاة واجبة أو في صدقة تطوّع ؟
قال القاضي : ظاهر الأحاديث في الصحيحين أنها في الزكاة ، لقوله : بَعَث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة . وإنما كان يبعث في الفريضة .
قال النووي : قلت الصحيح المشهور أن هذا كان في الزكاة لا في صدقة التطوع . اهـ .

13= قوله صلى الله عليه وسلم : " وَأَمَّا الْعَبَّاسُ : فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا "
في أحاديث أخرى جاء النصّ فيها على أن ذلك كان بسبب تقديم العباس لزكاة مالِه لِعامَين ، فمن ذلك :
حديث ابن مسعود عند الطبراني في الأوسط : قال : قال رسول الله : إن عم الرجل صنو أبيه . وإن النبي تَعَجَّل مِن العباس صدقة عَامَين في عَام .
وحديث ابن عباس عند الدراقطني وفيه : أسْلَفنا صَدقة عَامَين في عَام .
وعند البيهقي من حديث عليّ رضي الله عنه أن العباس رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تَحِلّ ، فأذن له في ذلك .
وهذا الذي رجَّحه ابن خُزيمة ، حيث قال :
والصحيح في هذه اللفظة ، قوله : " فهي له " ، وقوله : " فهي عليّ ومثلها مَعَها " أي : إني قد استعجلت منه صدقة عامين ، فهذه الصدقة التي أمرت بِقبضها مِن الناس هي للعباس عليّ ومثلها معها ، أي : صَدقة ثانية . اهـ .

14= جواز تقديم الزكاة للحاجة ، فلو وُجِدت حاجة في الناس فقُدّمت الزكاة أجزأت ، ولا يُطالب بها صاحب المال مرة ثانية .

15= " عَم الرجل صِنْو أبيه " أي : مِثل أبيه . وفيه تعظيم حَقّ العَمّ . قاله النووي .


 

عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية