صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث 175 في النهي عن الْجَزع والتَّسَخُّط عند المصيبة

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ , وَشَقَّ الْجُيُوبَ , وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ .

في الحديث مسائل :

1= هذا الحديث حقه التقديم مع حديث أبي موسى في البراءة مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ .
لأن موضوعهما واحد ، وهو الـنَّهْي عن الجزع والـتَّسَخُّط عند المصيبة . وهكذا صَنَع الأئمة ، كالبخاري ومسلم .

2 = " ليس مِنّـا " تقدّم الكلام عنها في حديث أبي مسعود ، وأنَّ تَرْك تفسير أحاديث الوعيد أوْقَع وأبْلَغ في النفوس .
وفي فتح الباري : وحُكْي عن سُفيان أنه كان يَكْرَه الْخَوض في تأويله ، ويقول : ينبغي أن يُمْسَك عن ذلك ، ليكون أوقع في النفوس ، وأبلغ في الزجر .
وهذا الحديث أوْرَد عبد الله بن الإمام أحمد في كِتاب " السُّـنَّـة " لِتعلّق هذه المسألة بمسائل الاعتِقاد ، وهذا دالّ على خُطورة مَن قِيل في حقِّـه " ليس مِـنَّـا " .

3 = فيه بيان ارْتِباط العبادات بمسائل العقيدة ، وهو ارْتِبَاط وَثيق .
إذ قد يَخرج المسلم من دِينه عن طريق شِرْك العَبَادة .
ثم إنَّ توحيد الألوهية هو إفراد الله بأفعال العباد .
وأعْظَم أفعال العباد – بعد الشهادتين – الصَّلاة .

4 = ضَرْب الْخُدود مَنهِيّ عنه في غير المصائب ، فكيف إذا اقتَرَن به جَزَع وتسخُّط ؟
ومِنه لَطْم الْخَدّ عند المصيبة ، ومثله أيضا لَطْم سائر الجسد ؛ فكلّه من أفعال الجاهلية .
ففي رواية للبخاري : ليس مِـنَّا مَن لَطَم الْخُدُود ..
قال الإمام البخاري : باب ما يكره من النياحة على الميت . وقال عمر رضي الله عنه : دَعْهُنّ يَبْكِين على أبي سليمان ما لم يكن نَقْع أو لَقْلَقَة . والنَّقْع التُّراب على الرَّأس ، واللقْلَقَة الصَّوْت .

5 = " شَقّ الْجُيُوب " ، الْجَيْب معروف ، " وهو ما يُفْتَح مِن الثَّوب ليَدْخُل فيه الرَّأس ، والمراد بِشَقِّـه إكمال فَتْحِه إلى آخِره ، وهو من علامات التسخط " قاله ابن حجر .
وهو داخِل في عموم النَهْي عن إضاعة المال ، ويَعْظُم الأمر إذا ارتبط به جَزَع وتسخّط .

6 = الـنَّهْي عن كل فِعْل من هذه الأفعال ، ولا يُفْهَم مِنه أنَّ الـنَّهْي إنما يَكوُن عنها مُجْتَمِعة .
وهذا يُضعِّف دَلالة الاقْتِران عند الأصوليين .
ويُؤيِّد هذا ما جاء في رواية لمسلم : ليس مِنَّا مَن ضَرَب الْخُدود ، أو شَقّ الْجُيُوب ، أو دَعَا بِدَعْوى الجاهلية .
فـ ( أو ) تُفيد التخيير ، وأنّ كل واحِدة من هذه المذكورات مذمومة بنفسها ولو لم يَنْضَمّ غليها غيرها .

7 = " دَعْوى الْجَاهِلـيَّة " أي دَعْوى أهل الجاهلية .
وهي أعَمّ مِمَّا تَقَدَّم ، وهو مِن باب عَطْف العام على الخاص ، فضَرْب الْخُدود وشَقّ الْجُيُوب ، مِن دعاوى الجاهلية ، ومِن أفعال أهل الجاهلية ، وكذلك الْحَلْق عند المصيبة ، ورفع الصوت ، ونحو ذلك .
قال النووي : وأما دعوى الجاهلية ، فقال القاضي عياض : هي النياحة ، ونَدْبه الميت ، والدعاء بالويل وشِبْهه . والمراد بالجاهلية : ما كان في الفترة قبل الإسلام . اهـ .

8 = هذه من الأمور التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بِبَقَائها في الناس بقوله : أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ : الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ ، وَالنِّيَاحَةُ. رواه مسلم .

9 = في حديث أبي أمامة عند ابن ماجه وصححه ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الْخَامِشَة وَجْهها ، والشَّاقة جَيبها ، والدَّاعِية بِالوَيل والثُّبُور .
قال ابن حجر :
والظاهر أنَّ ذِكْر دَعوى الجاهلية بعد ذكر الوَيل مِن العام بَعد الخاص . اهـ .

10 = مِن النياحَة أن يُقال عن الميت : واعضداه .. وا جبلاه .. ونحو ذلك .
وفي الحديث : الميت يعذب ببكاء الحي عليه ، إذا قالت النائحة : وا عضداه وا ناصراه وا كاسباه ، جُبِذ الْمَيِّت ، وقيل له : أنت عضدها ؟ أنت ناصرها ؟ أنت كاسبها ؟ رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه .
وفي رواية للترمذي : إلاَّ وُكِّل بِه مَلَكَان يَلْهَزَانِه .

وعند البخاري مِن حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : أُغْمِي على عبد الله بن رواحة ، فَجَعَلَتْ أخته عَمْرة تَبكي : واجبلاه ، وا كذا وا كذا ، تُعَدِّد عليه ، فقال حين أفاق : مَا قُلْتِ شيئا إلاَّ قِيل لي : آنت كذلك ؟
وهذا مَحْمُول على إغماء ظَنّت أخته أنه إغماء الموت ، وإلاَّ فإن ابن رواحة قُتِل في مؤتة .

11 = عِظَم هذه الأمور ، وأنها مِن كبائر الذنوب ، وسبب للعذاب ، ففي الحديث :
النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ . رواه مسلم .
قال النووي : فيه دليل على تحريم النياحة ، وهو مُجْمَع عليه .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عمدة الأحكام
  • كتاب الطهارة
  • كتاب الصلاة
  • كتاب الصيام
  • كتاب الحج
  • شرح العمدة
  • مـقـالات
  • بحوث علمية
  • محاضرات
  • فتاوى
  • الصفحة الرئيسية