اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/binbulihed/120.htm?print_it=1

شرح عمدة الأحكام (27)

خالد بن سعود البليهد

 
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه).

هذا الحديث في حكم البول وكيفية تطهير الأرض. وفيه مسائل:

الأولى: في الحديث دليل على أن الأرض إذا أصابها بول وغيره من النجاسات تطهر بصب الماء عليها فإذا عمم الماء على النجاسة زال حكمها ولا يشترط حفر التراب أو نقله وقد روي هذا في حديث لا يصح وهذا في المائعات أما إذا كانت النجاسة لها عين جامدة اشترط إزالتها وما اتصل بها من التراب ولا يكفي في تطهيرها صب الماء عليها لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما.

الثانية:
هذا الحكم خاص بالأرض وما اتصل بها من الحيطان ونحوها أما الفرش والستائر والمقاعد وغيرها من الأمتعة فهي في حكم المنفصل يشترط في تطهيرها غسلها بالماء مع عصرها فإن لم يمكن ذلك فبدقها وتثقيلها حتى يغلب على الظن زوال النجاسة عنها.

الثالثة:
اشترط الحنابلة وغيرهم في تطهير الأرض أن تكون الغسلات سبعا كسائر النجاسات. والصحيح أنه لا يشترط في تطهير الأرض ولا في غيره عدد معين بل يكفي غسلة واحدة تعمم النجاسة لظاهر الحديث فإن لم تذهب صب عليه مرة أخرى حتى يطهر. وما يرويه الفقهاء في اشتراط السبع غسلات منكر لا يصح العمل به إلا ما ورد في نجاسة الكلب.

الرابعة:
دل الحديث على وجوب احترام المساجد وتطهيرها وتطييبها وصيانتها من كل ما يدنسها ويقذرها لأنها بيوت الله أعدت للعبادة والتقرب إلى الله وصح في مسند أحمد من حديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم ببناء المساجد في الدور وأن تطيب وتنظف). ويحرم إحداث نجاسة فيها وقد ورد في ذلك زجر شديد. ولما ماتت المرأة السوداء التي كانت منقطعة لخدمة المسجد تفقدها الرسول صلى الله عليه وسلم وصلى على قبرها مما يدل على فضل خدمة المساجد وعظم ثوابها. وتطهير المسجد فرض كفاية على المسلمين إذا قام به من يكفي سقط عن الإثم عن الباقين وقيم المسجد عليه المسؤولية العظمى في ذلك.

الخامسة:
دل الحديث على أنه يشترط في صحة الصلاة طهارة البقعة التي تؤدى الصلاة عليها سواء كان ذلك داخل المسجد أو خارجه فيجب على المصلي أن يتحرى لصلاته موضعا طاهرا. ومن صلى على مكان نجس وهو يعلم فصلاته باطلة. أما إذا كان جاهلا أو ناسيا فصلاته صحيحة. والصحيح أنه إذا كان يصلي على حائل متين فوق النجاسة لا تتسرب إله النجاسة فصلاته صحيحة لأنه لم يباشر النجاسة ببدنه.

السادسة:
وفيه فقه النبي صلى الله عليه وسلم في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان أدب عظيم في باب الدعوة إلى الله وهو الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه بحلم من غير تعنيف ولا شدة ولا تنفير والصبر على جهله وسوء خلقه لا سيما إن كان من أهل الجفاء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفق مع كثير من الأعراب الجهال أما إذا ظهر من المخالف العناد والاستخفاف بالشرع شرع زجره والتشديد عليه وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم هذا في مواضع خاصة. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة إلى علة الرفق : (فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين). وهذا فيه تأليف القلوب على الطاعة واجتماع الكلمة بين المسلمين.

السابعة:
وفي الحديث دليل على قاعدة عظيمة في الشرع في باب المصالح والمفاسد وهي: (ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما). فالرسول صلى الله عليه وسلم ترك الأعرابي يكمل بوله في المسجد وهذه مفسدة محققة ليدفع بذلك مفسدة أعظم من المفسدة الأولى وهي أنه لو قطع بوله لحصل الضرر للرجل وانتشر بوله في مواضع متعددة وحصل له نفور من الشرع فلأجل ذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بتركه ثم أمر بإزالة النجاسة. فإذا اجتمع للإنسان مفسدتان صغرى وكبرى ولم يمكن دفعهما شرع له ارتكاب المفسدة الصغرى لدفع الكبرى. وهذه قاعدة عظيمة كثيرة الذيول والفروع تعظم الحاجة إليها في كثير من الأحوال خاصة في هذا الزمن كثير الفتن والله الحافظ. ومن ابتلي بذلك اجتهد في تقدير المفاسد وتحرى الأصلح وعمل بما أداه إليه اجتهاده وهو معذور في ذلك ولا ملامة عليه في الشرع وليس لأحد أن ينكر عليه لأن هذا من باب الاجتهاد الذي تختلف فيه الأنظار.


خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
الرياض:9/11/1429

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية