صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







شرح عمدة الأحكام (28)

خالد بن سعود البليهد

 
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط).

هذا الحديث في بيان خصال الفطرة. وفيه مسائل:

الأولى: الفطرة هي الجبلة التي خلق الله الناس عليها وجبل طباعهم على فعلها وهي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء. وقد اختلف العلماء في تعريفها والمختار أن الفطرة هي الاستعداد على قبول الخير وإيثار الحق على غيره إذا سلم من العوارض والموانع والله تعالى فطر عباده على محبته ومعرفته وهذه هي الحنيفية التي خلق عباده عليها كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم : قال : (يقول الله تعالى : إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا). وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء). ثم يقول أبو هريرة: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ). والمعنى أنه لو ترك لأداه نظره إلى الدين الحق وهو التوحيد. وهذه الخصال المذكورة من سنن الأنبياء تطهر البدن وتحسن الهيئة وتجمل الصورة وفيها مصالح متعددة. وقوله: (الفطرة خمس). هذا العدد ليس على سبيل الحصر وإنما أراد التأكيد على الخصال الخمس فقد ثبت في أحاديث أخرى خصال زائدة على الخمس كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: (أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : عشرٌ من الفطرة : قصّ الشّارب وإعفاء اللّحية والسّواك والاستنشاق وقصّ الأظافر وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء). قال زكريّا: ونسيت العاشرة إلاّ أن تكون المضمضة.

الثانية:
دل الحديث على مشروعية الختان. وختان الرجل قطع الجلدة التي تغطي الحشفة حتى تنكشف وختان المرأة قطع جزء من الجلدة التي أعلى الفرج والسنة التخفيف. والحكمة من ختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في القلفة والحكمة من ختان المرأة تعديل شهوتها وإذهاب الغلمة عنها. وقد اختلف الفقهاء في حكمه على أقوال ثلاثة ذهب مالك وأبو حنيفة إلى القول بسنيته للرجال والنساء وذهب الشافعي إلى القول بالوجوب لهما وذهب أحمد إلى التفصيل والأظهر أنه واجب في حق الرجال مندوب في حق النساء وهو أعدل الأقوال بالنظر إلى مقاصد الشارع في كونه شعارا للمسلمين وبه تتحق كمال الطهارة في غسل الذكر وبه تأتلف الأدلة. وهذا الخلاف في ختان الرجل ليس له أثر في الواقع لأن المسلمين على اختلاف مذاهبهم وأقطارهم مجمعون عمليا على ختان الذكر لكن يكون له أثر في مسألة واحدة إذا أسلم الكبير هل يلزمه أم لا والموجبون له سهلوا في أمره وأسقطوه عنه حالة خشية الضرر وهذا يزيل الإشكال ويرغب الكافر في الإسلام ولا ينفره عنه فيجعله يرتد على عقبيه. وأما وقته فيجب عند البلوغ ويسن في الصغر.

الثالثة:
وفيه دليل على مشروعية الاستحداد وهو إزالة شعر العانة الشعر النابت فوق فرج الرجل وفرج المرأة. والسنة الحلق بالموسى ويجوز إزالته بغير ذلك كالنتف والنورة. واتفق الفقهاء على كونه سنة للرجال والنساء وذهب بعض الفقهاء إلى وجوبه على المرأة إذا طلب زوجها منها ذلك لأنه يفوت عليه كمال الاستمتاع وينفره منها وهو قول وجيه. وألحق بعض الفقهاء شعر الدبر ولكن لا يظهر أنه من السنة لعدم دخوله في النص قال في تهذيب اللغة: (قال أبو الهيثم: العانة منبِت الشعر فوق القبل من المرأة، وفوق الذكر من الرجل). ولا حرج في إزالته للتنظف وسهولة الاستنجاء.

الرابعة:
وفيه دليل أيضا على مشروعية قص الشارب واختلف الفقهاء في صفة أخذه فقال أبو حنيفة وبعض الشافعية كالمزني وغيره بحفه واستئصاله أخذا بظاهر الأخبار كقوله صلى الله عليه وسلم: (جزوا) و(أنهكوا) و(حفوا) ولهم سلف في ذلك عن ابن عمر وغيره. وقال مالك والشافعي المشروع قص ما زاد منه حتى يبدو حرف الشفة لا استئصاله من الأعلى على ما جاء في أكثر الأحاديث من لفظ القص وهو مفسر لرواية الجز والإنهاك والأحاديث يفسر بعضها بعضا وقد أنكر الإمام مالك حلقه وقال إنه مثلة وهذا هو المأثور عن عمر بن الخطاب. واختار بعض الفقهاء صحة الوجهين كما حكاه القاضي عياض وقال أحمد: (إن حفه فلا بأس، وإن قصه فلا بأس). وهو الصحيح لأن كلا الصفتين واردة في النصوص الصحيحة ولا وجه معتبر في ترجيح إحداهما على الأخرى ولا يمكن الجمع بينهما ولأن معنى الحف هو استئصال الشيء من أصله ولا يكون في اللغة بمعنى القص والتقصير فلا وجه لإنكاره قال الصاحب بن عباد في المحيط: (وأحفى شاربه استأصله). وقال في الصحاح: (وأحفى شاربه أي استقصى في أخذه وألزق جزه). ولأن مقصود الشارع المبالغة في أخذ شعر الشارب وهذا يصدق على الحف والقص. أما إنكار مالك رحمه الله للحف وعده من البدع فاجتهاد منه قاله اتباعا لمذهب أهل الحجاز ولا دليل عليه ولا اتفاق وأهل العراق على خلافه ولم يرد في الشرع نهي عنه. وقد ورد الزجر على تركه فقد روى أحمد والنسائي والترمذي عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس).

الخامسة:
قوله: (وتقليم الأظفار). فيه دلالة على استحباب تقليمها وهو قص ما طال منها عن اللحم لأن بقائها يمنع كمال الطهارة الشرعية ويشوه الهيئة ويجمع الأوساخ من أثر الطعام وغيره. وقد انتشر عند بعض نساء المسلمين عادة منكرة في إطالة الأظفار أو بعضها إطالة فاحشة مما يخرج عن الفطرة السليمة ويكون فيه شبه بالفاجرات والسباع. وقد ذكر بعض الفقهاء صفة مخصوصة لقص الأظفار من المخالفة في قص الأظفار والصحيح أنه لا يشرع لأنه لم يرد في ترتيب الأصابع عند القص حديث ثابت والأمر في ذلك واسع. َقال ابن دقيق العيد: (وما اشتهر من قصها على وجه مخصوص لا أصل له في الشريعة). وكذلك لم يثبت في الشرع وقتا معينا لتقليم الأظفار لا يوم الخميس ولا غيره واستحباب يوم معين قول يفتقر إلى دليل وما روي في ذلك ضعيف لا يصح العمل به.

السادسة:
وفيه استحباب نتف الإبط وهو الشعر النابت في الإبط لئلا تجتمع فيه الأوساخ الناشئة عن العرق وتنقطع الرائحة الكريهة. والسنة في إزالته النتف لمن قوي عليه فإن كان يشق ذلك أزيل بأي مزيل لأن مقصود الشارع إزالته فيحصل بأي وسيلة. قال يونس بن عبد الأعلى: (دخلت على الشافعي وعنده المزين يحلق إبطه فقال الشافعي: علمت أن السنة النتف ولكن لا أقوى على الوجع).

السابعة:
ورد في السنة التوقيت في هذه الخصال فينبغي للمسلم مراعاة ذلك فقد روى الخمسة إلا ابن ماجه من حديث أنس بن مالك أنه قال: (وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة). وقد كره الفقهاء ترك ذلك إلى ما بعد الأربعين مالم يفحش ويؤذي فيحرم. والأفضل للمسلم أن يتعاهد ذلك كل أسبوع إن تيسر له ذلك لأنه أكمل في الطهارة وأحسن في الهيئة وأنقى.

الثامنة:
استحب الفقهاء دفن الشعر والظفر في الأرض وعدم إلقائهما احتراما لهما لأنهما من البدن لما روى الخلال بإسناده عن ممل بنت مشرح الأشعرية قالت : (رأيت أبي يقلم أظافره ويدفنها ويقول: رأيت النّبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك). وسئل أحمد: (يأخذ الرجل من شعره وأظافره أيلقيه أم يدفنه قال : يدفنه قيل : بلغك في ذلك شيء قال : كان ابن عمر يدفنه). والذي يظهر أن الأمر في ذلك واسع لأنه لم يرد شيء صحيح في السنة ينهى عن ذلك أو يدل على احترامهما بعد انفصالهما والخبر المروي في هذا منكر لا يصح فإن دفنهما الانسان فحسن إتباعا للسلف وإن ألقاهما فلا حرج في ذلك.

التاسعة:
اختلف الفقهاء في حكم حلق شعر البدن فيما سوى ذلك كشعر البطن والظهر والفخذين والذراعين فذهب قلة منهم كابن جرير الطبري إلى تحريم ذلك بحجة أنه من تغيير خلق الله واستدلوا بقوله تعالى: (وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ). وغيره من الأدلة الواردة في النهي عن تغيير خلق الله. وذهب جمهور العلماء في تفصيل بينهم إلى جواز ذلك لأن الأصل الإباحة ولأنه عفو سكت عنه الشارع وليس من باب تغيير خلق الله لأن ضابط التغيير المنهي عنه هو تغيير ظاهر في الصورة كفلج الأسنان والنمص والوشم وتسوية الأعضاء وتحسين الأطراف ونحو ذلك مما نص الشرع عليه بعينه أو كان من جنسه أما حلق شعر البدن فليس داخلا في هذا الجنس وهذا هو الصحيح. ويستحسن للمرأة أن تزيله لأن الجمال يحصل بإزالته أما الرجل فلا يستحسن له إزالته إلا ما دعت الحاجة إليه.
والحاصل أن شعور الإنسان من حيث الحكم على أقسام:
1- ما أمر الشارع بإزالته كشعر العانة والإبط والشارب.
2- ما أمر الشارع بإبقائه كشعر اللحية والحاجبين.
3- ما سكت عنه الشارع فلم يأمر بتركه ولم ينه عنه بل عفا عنه كسائر الشعور. والصحيح جواز أخذه.


خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
الرياض:17/11/1429

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية