اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/binbulihed/140.htm?print_it=1

شرح عمدة الأحكام (36)

خالد بن سعود البليهد

 
عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن على بن أبي طالب رضي الله عنهم أنه كان هو وأبوه عند جابر بن عبد الله وعنده قوم (فسألوه عن الغسل فقال : يكفيك صاع . فقال رجل : ما يكفيني .فقال جابر : كان يكفي من هو أوفى منك شعرا وخيرا منك يريد النبي صلى الله عليه وسلم ثم أمنا في ثوب) .وفي لفظ : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يُفرغ الماء على رأسه ثلاثاً).

الحديث في بيان قدر الماء الذي يغتسل فيه النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه مسائل:
الأولى: دل الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع والصاع أربعة أمداد والمد ملء كفي الرجل المعتدل والصاع يساوي تقريبا باللتر: 2.75 لترا. واغتساله بالصاع هذا على سبيل الغالب وقد ورد في السنة الاغتسال بأكثر من ذلك كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد).

الثانية:
فيه مشروعية الاقتصاد في الغسل باستعمال الماء الذي يكفي ويحصل به المقصود شرعا من تعميم الماء على سائر البدن. وهل ما ورد من القدر عن النبي على سبيل التحديد أم التقريب الذي يظهر أنه على سبيل التقريب لأنه اختلفت الروايات في تحديد القدر فروي عنه الأقل والأكثر في الغسل والوضوء ولأن مقصود الشارع الاقتصاد في استعمال الماء مما يدل على أن الصاع ليس مقصودا بعينه ولأن ذلك يختلف بحسب اختلاف الأحوال. قال ابن دقيق العيد: (وليس ذلك على سبيل التحديد وقد دلت الأحاديث على مقادير مختلفة وذلك والله أعلم لاختلاف الأوقات أو الحالات). وقد ورد في الشرع النهي عن الإسراف بالماء ولو كان كثيرا والتكلف في الطهارة والإكثار من استعمال الماء بلا حاجة يفضي إلى الوسواس وإفساد العبادة.

الثالثة:
وفيه تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم لأفعال الرسول وشدة إتباعهم له وتحري سنته في سائر الأحوال وعدم تحكيم الرأي والعقل في قبول السنة أو ردها ممتثلين قول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا). وقد سار على ذلك السلف الصالح وأئمة السنة في تعظيم أصل الإتباع والعمل به. ثم خلفهم قوم حكموا الرأي والقياس الفاسد وتأولوا السنة وأعرضوا عنها وأحدثوا أقوالا وأفعالا ومسائل لم ترد في السنة واشتغلوا بالجدل وتركوا العمل وطلبوا الدنيا بعمل الآخرة.

الرابعة:
في الحديث مشروعية زجر المخالف للسنة والرد عليه و تعنيفه صيانة للسنة وتحذيرا من زلته ورأيه الفاسد وتبصيرا للمسلمين ويتأكد ذلك إذا ظهر منه العناد والإعراض عن السنة وكان له رأي متبع في الناس. أما إذا خالف السنة متأولا لشبهة وقد عرف عنه اتباع السنة وتحري الحق فإنه ينكر عليه برفق ولطف ولا يعنف لأنه لم يقصد مخالفة السنة. وقد كان أئمة السنة يبالغون في تعظيم حرمة السنة والرد على من خالفها ويبينون الحق حفظا للدين من تحريفه والمغالاة فيه ولا يحابون أحدا ويجاملونه على حساب الدين لأن الحق أولى بالإتباع من الرجال. قال ابن رجب: (فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم ويأمرهم بإتباع أمره
وإن خالف ذلك رأي عظيم الأمة فإن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ.
ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم من العلماء على كل من خالف سنة صحيحة وربما أغلظوا في الرد لا بغضاً له بل هو محبوب عندهم معظم في نفوسهم لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليهم، وأمره فوق كل أمر مخلوق).

الخامسة:
دل الحديث على جواز الصلاة بالثوب الواحد إذا كان ساترا للعورة التي يجب سترها من السرة إلى الركبة فلا يشترط الصلاة بأكثر من ثوب ولو كان واجدا لثوبين فأكثر ويلبسه على أي هيئة يلتحف به أو يتزر المهم يتحقق في لبسه ستر العورة كما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان الثوب واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به). وقد كان جابر يصنع ذلك ليبين للناس جواز الصلاة بالثوب الواحد كما روى محمد بن المنكدر قال : (صلى جابر في إزار قد عقده من قبل قفاه وثيابه موضوعة على المشجب فقال له قائل : تصلي في إزار واحد فقال : إنما صنعت ذلك ليراني أحمق مثلك وأينا كان له ثوبان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم). رواه البخاري.

السادسة:
وفي الحديث جواز تربية الشعر وإطالته وقد استحبه بعض الفقهاء والصحيح أنه مباح من جنس المباحات يكون فعله محمودا من الرجل إذا كان العرف السائد في قومه تربية الشعر كحال النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه ويكون مذموما إذا كان مخالفا لعرف قومه واشتهر فعله عند الفساق كما هو الحال اليوم. فالتحقيق أنه ليس قربة إنما هو عادة فعله النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الجبلة وليس في النصوص ما يدل على استحبابه وإنما ورد أدب شرعي لمن كان له شعر وهو أن يكرمه ويعتني بنظافته لأن كثرته مظنة للأوساخ وسوء الهيئة.


خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
16/2/1430

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية