اطبع هذه الصفحة

http://www.saaid.net/Doat/binbulihed/141.htm?print_it=1

شرح عمدة الأحكام (37)

خالد بن سعود البليهد

 
عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم فقال : يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم فقال : يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء . فقال : عليك بالصعيد ، فإنه يكفيك).

هذا الحديث في التيمم حال الجنابة عند عدم الماء. وفيه مسائل:
الأولى: يستحب للعالم أن يتفقد أصحابه وخاصته ويلاحظ ما يطرأ عليهم من النقص والخطأ ثم يوجههم إلى الصواب ويرشدهم إلى الحق وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يراعي أصحابه ويتفقد أحوالهم وحوائجهم ويرد ظالمهم ويعطف على صغيرهم وهذا من أعظم الأساليب والوسائل التي تقوي الصلة بين العالم وتلاميذه وأصحابه. وقد قل العمل بهذه السنة في الأزمنة المتأخرة.

الثانية:
وفيه الحرص على صلاة الجماعة وترغيب الناس بفعلها وتعظيم شأنها وقد وردت نصوص متكاثرة في ذلك. قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد . فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال : هل تسمع النداء بالصلاة فقال نعم . قال: فأجب). وقد كان الصحابة يشددون في هذا الأمر فلا يتخلف أحدهم إلا من عذر. أما هذا الرجل المذكور في الحديث فالظاهر من حاله أنه تخلف عن الصلاة لجهله بكيفية الطهارة عند فقد الماء.

الثالثة:
وفيه مشروعية الرفق بالإنكار وسؤال المخاطب عن سبب مخالفته للشرع قبل التشديد عليه وتعنيفه لأنه قد يكون جاهلا أو متأولا لشبهة سائغة أو حديث عهد بكفر أو بدعة فيكون معذورا في خطأه وحينئذ يكون اللائق به اللطف والإرشاد ورفع الجهل عنه أما إذا عنف فقد ينفر من الحق ويعرض عنه. وهذا أدب شرعي مهم في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي على المحتسب االتحلي به وعدم إهماله. والسنة مليئة بالشواهد عليه فقد كان رسول الله رفيقا بمن يأمر رفيقا بمن ينهى.

الرابعة:
فيه دليل على أن التيمم يكون بديلا عن الماء في الطهارة للجنب إذا لم يجد الماء فيجب عليه أن يتيمم بالتراب لرفع الجنابة وحصول الطهارة ولا يعذر في ترك ذلك إذا كان قادرا عليه وكذلك المحدث حدثا أصغر يجب عليه التيمم إذا عدم الماء لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا). فكل من عدم الماء أو عجز عن استعماله أو كان استعماله يؤدي إلى ضرره أو هلاكه أبيح له التيمم بدلا عن الماء كالمريض والمسافر وغيره وألحق الفقهاء بذلك صورا أخرى يتحقق فيها الضرر قياسا على المريض كمن خاف هلاك نفسه وأهله وماله ومماليكه وقد وردت آثار عن السلف في ذلك.

الخامسة:
وفيه دليل على أن المكلف إذا تيمم لعذر سائغ شرعا وأدى العبادة على وجه صحيح أجزأت عنه وبرئت ذمته ولم تلزمه الإعادة مطلقا في سائر الأحوال خلافا لبعض الفقهاء الذين يلزمونه بالإعادة حال الحضر وهو قول مرجوح مخالف للأدلة وفيه حرج ومشقة ولم يرد في الشرع ما يدل على مشروعية تكرار العبادة مرتين بدون مبطل واضح وسبب موجب وهذا مذهب مالك ورواية عن أحمد. قال ابن تيمية: (وطرد هذا أن لا تجب الإعادة على من تيمم في الحضر لعدم الماء أو خشية أذى البرد ونحوهم).


خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
16/2/1430

 

خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية