صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







شرح عمدة الأحكام (44)

خالد بن سعود البليهد

 
عن معاذة قالت: (سألت عائشة فقلت ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة. فقالت:أحرورية أنت. قلت:لست بحرورية ولكنني أسأل. قالت:كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة).

هذا الحديث في ذكر ما يحرم على الحائض. وفيه مسائل:
الأولى: في الحديث دليل صريح على تحريم الصلاة والصوم على الحائض فلا يشرع للحائض ألبتة الصلاة ولا الصوم حال حيضها نفلا وفرضا وإذا فعلت لم يصحان منها وكانت آثمة باتفاق أهل العلم. وكذلك دلت النصوص على تحريم الطواف والمكث في المسجد ومس المصحف. فلا ينبغي للحائض أداء الصلاة مطلقا من باب الاحتياط أو الحياء أو غيره لأنه من التنطع في الدين والتكلف المنهي عنه شرعا ودين الله وسط بين العزيمة والرخصة وإنما يكون الفعل محمودا بموافقة الشرع.

الثانية:
وفيه أن الصلاة المكتوبة تسقط على الحائض وقت حيضها فلا تقضيها أبد أما الصوم فيجب عليها في ذمتها وتقضيه إذا أفطرت لعذر الحيض ويستثنى من ذلك الصلاة إذا دخل وقتها وهي طاهرة ثم ذهب جل الوقت وتضايق حتى صار لا يتمكن فيه أداء الصلاة فحاضت المرأة حينئذ فيجب عليها إذا طهرت أن تقضي هذه الصلاة لأنها وجبت عليها واستقرت في ذمتها وقد حصل منها تفريط في الأداء فلا تسقط عنها ولا تبرأ ذمتها إلا بقضائها. وكذلك على الصحيح إذا طهرت الحائض قبل الغروب صلت الظهر والعصر وإذا طهرت قبل الفجر صلت المغرب والعشاء لما روي من آثار الصحابة في هذا الباب ولا يعرف لهم مخالف ولأنه موافق للقاعدة في باب صلاة أهل الأعذار الذين تكون صلاة الظهر والعصر بمنزلة الوقت الواحد والمغرب والعشاء بمنزلة الوقت الواحد. وهو قول عامة الفقهاء.

الثالثة:
قولها (أحرورية أنت). يعني هل أنت تنتسبين إلى مذهب الخوارج الذين كان مذهبهم مبتدأه في حروراء في العراق وكان من يرى رأيهم ينسب إلى هذه البلدة. وقد قالت عائشة لها ذلك على سبيل الإنكار والزجر لسلوكها مسلك المبتدعة لما فهمت منها الاعتراض والتعنت فلما تبينت حالها بينت لها الحكم بالنص دون التعرض للمعنى. وجوابها يدل على ظهور مذهب الخوارج في أواخر زمن الصحابة. وفيه بيان لأصل من أصول الخوارج وهو أنهم كانوا يتفقهون بالقرآن ويحتكمون إليه دون الاعتماد على الأحاديث إما لقدحهم في ثبوتها أو عدم التسليم في دلالتها لأنهم يرون أن حاملها من مخالفيهم رجال مثلهم لا مزية لهم عليهم لا في فضل الصحبة ولا في غيرها ولذلك اشتهر مخالفتهم لفقهاء الصحابة كعلي وابن عباس وابن عمر وغيرهم وكانوا يستدلون على المسائل بظاهر القرآن ولا يحتجون بالسنة ويرون انحراف وظلم الصحابة ولذلك أنكروا كثيرا من أصول أهل السنة في باب الأسماء والأحكام والشفاعة واشتهر عنهم الأقوال الشاذة في المسائل العملية وكانوا يطعنون في دين بعض الصحابة. ولما بعث علي ابن عباس لمناظرتهم في العراق أوصاه بأن يناظرهم بالسنة ولا يناظرهم بالقرآن لأنه حمال ذو وجوه. وكثير من طوائف المبتدعة الخارجين عن السنة يعتمدون في بناء مذهبهم على الاستدلال بظواهر القرآن وعدم النظر في السنة لأن السنة مفصلة ومقيدة ومخصصة وموضحه للقرآن. فالتمسك بالحديث والسنة الصحيحة من أعظم أصول أهل السنة والجماعة وشعارهم الذي يتميزون به عن غيرهم. ومن لطائف القدر أن هذا الأصل الفاسد عند الخوارج ما يزال موجودا عند أتباعهم في هذا الزمن من أهل الغلو كما اشتهر في مقالاتهم.

الرابعة:
في تصرف عائشة رضي الله عنها بيان لمنهج عظيم متفق عليه في باب تعبد المكلف بالشرع وإتباعه للسنة وهو أن المسلم مأمور بإتباع الشرع مطلقا أمرا ونهيا سواء عقل ذلك أم لا ظهرت الحكمة له أم لا لأن العلة الكبرى في التكليف هي التسليم ولانقياد والإذعان لله ورسوله في طاعتهما. قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ). وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). ثم إذا سلم وانقاد واتبع الشرع وامتثل الأمر والنهي لا حرج عليه أن يلتمس الحكمة من هذا التشريع ويتأمل في مقصد وعلة الشارع ليزداد إيمانه ويعظم يقينه وتقوى بصيرته وينشط على فعل العبادة فإن ظهرت له فالحمد لله وإن لم تظهر له فليكل الأمر إلى الله ويحسن الظن بربه ويوقن أنه لم يشرع إلا لحكمة ومصلحة للعباد لأنه سبحانه حكيم عليم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ). وكذلك الفقيه إذا أشكلت عليه مسألة ولم يتبين وجهها تمسك بظاهر النص واقتصر على العمل بظاهره وسكت عن الخوض فيما وراء ذلك. والذي يظهر أن الحكمة في عدم قضاء الحائض للصلاة لأنها تكثر وتتكرر في اليوم والليلة وفي إلزامها بالقضاء حرج ومشقة كل شهر أما الصوم فلا يتكرر وقوعه ولا يكثر فلا يشق قضاؤه لأنه يجب مرة في السنة والله أعلم بالمراد.

انتهى كتاب الطهارة


خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
binbulihed@gmail.com
22/5/1430

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد البليهد
  • النصيحة
  • فقه المنهج
  • شرح السنة
  • عمدة الأحكام
  • فقه العبادات
  • تزكية النفس
  • فقه الأسرة
  • كشف الشبهات
  • بوح الخاطر
  • شروح الكتب العلمية
  • الفتاوى
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية